ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

   ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺤﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ

   ﻳﺘﻀﻤﻦ ﺧﻤﺴﺔ ﻣﺮﺍﻫﻢ ﻟﺨﻤﺴﺔ ﺟﺮﻭﺡ ﻗﻠﺒﻴﺔ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ﴾ (ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻮﻥ:97-98)

    ﺃﻳُّﻬﺎ ﺍلأﺥ ﺍﻟﻤﺒﺘﻠﻰ ﺑﺪﺍﺀ ﺍﻟﻮﺳﻮﺳﺔ! ﻟﻴﺖ ﺷﻌﺮﻱ ﻫﻞ ﺗﻌﻠﻢ ﺑﻤﺎﺫﺍ ﺗﺸﺒﻪ ﻭﺳﻮﺳﺘُﻚ؟. ﺇﻧﻬﺎ ﺃﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﻤﺼﻴﺒﺔ؛ ﺗﺒﺪﺃ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﺛﻢ ﺗﻜﺒﺮ ﺷﻴﺌﺎ ﻓﺸﻴﺌﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﻯ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻚ ﺑﻬﺎ. ﻭﺑﻘﺪﺭ ﺇﻫﻤﺎﻟﻚ ﺇﻳﺎﻫﺎ ﺗﺰﻭﻝ ﻭﺗﻔﻨﻰ، ﻓﻬﻲ ﺗﻌﻈُﻢ ﺇﺫﺍ ﺍﺳﺘﻌﻈﻤﺘَﻬﺎ ﻭﺗﺼﻐُﺮ ﺇﺫﺍ ﺍﺳﺘﺼﻐﺮﺗَﻬﺎ. ﻭﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺧﻔﺖَ ﻣﻨﻬﺎ ﺩﺍﺳﺘﻚ ﻭﺩﻭّﺧﺘﻚ ﺑﺎﻟﻌﻠﻞ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗَﺨَﻒْ ﻫﺎﻧَﺖْ ﻭﺧَﻨَﺴﺖْ ﻭﺗﻮﺍﺭﺕ. ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻌﺮﻑ ﺣﻘﻴﻘﺘَﻬﺎ ﺍﺳﺘﻤﺮﺕ ﻭﺍﺳﺘﻘﺮﺕ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﻋﺮﻓﺖَ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ ﻭﺳَﺒَﺮﺕَ ﻏﻮﺭﻫﺎ ﺗـلاﺷﺖ ﻭﺍﺿﻤﺤﻠﺖ. ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﺍلأﻣﺮ ﻫﻜﺬﺍ ﻓﺴﺄﺷﺮﺡ ﻟﻚ ﺧﻤﺴﺔ ﻭﺟﻮﻩ، ﻣﻦ ﻭﺟﻮﻫﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪُﺙ ﻛﺜﻴﺮﺍ. ﻋﺴﻰ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻴﺎﻧُﻬﺎ  -ﺑﻌﻮﻥ ﺍﻟﻠﻪ- ﺷﻔﺎﺀً ﻟﺼﺪﻭﺭﻧﺎ ﻧﺤﻦ ﻛﻠﻨﺎ. ﺫﻟﻚ لأﻥّ ﺍﻟﺠﻬﻞ ﻣﺠﻠﺒﺔ ﻟﻠﻮﺳﺎﻭﺱ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻌﻠﻢُ ﻋﻠﻰ ﻧﻘﻴﻀﻪ ﺩﺍﻓﻊ ﻟﺸﺮﻫﺎ. ﻓﻠﻮ ﺟﻬﻠﺘَﻬﺎ ﺃﻗﺒﻠﺖ ﻭﺩﻧﺖْ ﻭﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﻋﺮﻓﺘﻬﺎ ﻭﻟّﺖ ﻭﺃﺩﺑﺮﺕ.

      ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍلأﻭﻝ – ﺍﻟﺠﺮﺡ ﺍلأﻭﻝ

ﺃﻥّ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻳﻠﻘﻰ ﺃﻭلا ﺑﺸﺒﻬﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ، ﺛﻢ ﻳﺮﺍﻗﺐ ﺻﺪﺍﻫﺎ ﻓﻲ ﺍلأﻋﻤﺎﻕ، ﻓﺈﺫﺍ ﺃﻧﻜﺮﻫﺎ ﺍﻟﻘﻠﺐُ ﺍﻧﻘﻠﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺒﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﺘﻢ ﻭﺍﻟﺴﺐّ، ﻓﻴﺼﻮّﺭ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﺸﺘﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﺢ ﺍﻟﺨﻮﺍﻃﺮ ﺍﻟﺴﻴﺌﺔ ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﺟﺲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻴﺔ ﻟـلآﺩﺍﺏ، ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦ ﻳﺌﻦ ﺗﺤﺖ ﻭﻃﺄﺓ ﺍﻟﻴﺄﺱ ﻭﻳﺼﺮﺥ: ﻭﺍﺣﺴﺮﺗﺎﻩ!. ﻭﺍﻣﺼﻴﺒﺘﺎﻩ!.. ﻓﻴﻈﻦ ﺍﻟﻤﻮﺳﻮَﺱ ﺃﻥّ ﻗﻠﺒﻪ ﺁﺛﻢ، ﻭﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺍﻗﺘﺮﻑ ﺍﻟﺴﻴﺌﺎﺕ ﺣﻴﺎﻝ ﺭﺑﻪ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻭﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﺿﻄﺮﺍﺏ ﻭﺍﻧﻔﻌﺎﻝ ﻭﻗﻠﻖ، ﻓﻴﻨﻔﻠﺖ ﻣﻦ ﻋﻘﺎﻝ ﺍﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ﻭﺍﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ، ﻭﻳﺤﺎﻭﻝ ﺍلاﻧﻐﻤﺎﺱ ﻓﻲ ﺃﻏﻮﺍﺭ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ.

ﺃﻣَّﺎ ﺿِﻤﺎﺩ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺮﺡِ ﻓﻬﻮ:

ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺒﺘﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦ! لا ﺗﺨﻒ ﻭلا ﺗﻀﻄﺮﺏ، لأﻥّ ﻣﺎ ﻣﺮّ ﺃﻣﺎﻡ ﻣﺮﺁﺓ ﺫﻫﻨﻚ ﻟﻴﺲ ﺷﺘﻤﺎ ﻭلا ﺳﺒّﺎ، ﻭﺇﻧّﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺠﺮﺩُ ﺻﻮَﺭٍ ﻭﺧﻴﺎلاﺕ ﺗﻤﺮ ﻣﺮﻭﺭﺍ ﺃﻣﺎﻡ ﻣﺮﺁﺓ ﺫﻫﻨﻚ، ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥّ ﺗﺨﻴُّﻞَ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻟﻴﺲ ﻛﻔﺮﺍ، ﻓﺈﻥّ ﺗﺨﻴُّﻞ ﺍﻟﺸﺘﻢ ﺃﻳﻀﺎ ﻟﻴﺲ ﺷﺘﻤﺎ، ﺇﺫ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪﻳﻬﻴﺔ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﻴﺔ: ﺃﻥّ ﺍﻟﺘﺨﻴُّﻞ ﻟﻴﺲ ﺑﺤُﻜﻢ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺸﺘﻢ ﺣُﻜﻢ. ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﻫﺬﺍ، ﻓﺈﻥّ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﺍﻟـلاﺋﻘﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻗﺪ ﺻﺪﺭﺕ ﻣﻦ ﺫﺍﺕ ﻗﻠﺒﻚ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥّ ﻗﻠﺒﻚ ﻳﺘﺤﺴّﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻳﺘﺄﻟﻢ. ﻭﻟﻌﻠﻬﺎ ﺁﺗﻴﺔ ﻣﻦ ﻟﻤّﺔ ﺷﻴﻄﺎﻧﻴﺔ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻠﺐ. ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺿﺮﺭ ﺍﻟﻮﺳﻮﺳﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺗﻮﻫﻢ ﺍﻟﻀﺮﺭ، ﺃﻱ ﺇﻥّ ﺿﺮﺭﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻧﺘﻮﻫﻤُﻪ ﻧﺤﻦ ﻣﻦ ﺃﺿﺮﺍﺭﻫﺎ. لأﻥّ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﻳﺘﻮﻫﻢ ﺗﺨﻴـلا لا ﺃﺳﺎﺱ ﻟﻪ ﻛﺄﻧّﻪ ﺣﻘﻴﻘﺔ، ﺛﻢ ﻳﻨﺴﺐ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺑﺮﻱﺀ ﻣﻨﻪ، ﻓﻴﻈﻦ ﺃﻥّ ﻫﻤﺰﺍﺕ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺧﻮﺍﻃﺮ ﻗﻠﺒﻪ ﻫﻮ، ﻭﻳﺘﺼﻮﺭ ﺃﺿﺮﺍﺭَﻫﺎ ﻓﻴﻘﻊ ﻓﻴﻬﺎ. ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪﻩ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻣﻨﻪ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ.

   ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺗﻨﻔﺬ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﻣﺠﺮﺩﺓً ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭ، ﻭﺗﻜﺘﺴﻲ ﺍلأﺷﻜﺎﻝَ ﻭﺍﻟﺼﻮﺭ ﻫﻨﺎﻙ. ﻭﺍﻟﺨﻴﺎﻝُ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺴﺞ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﻭلأﺳﺒﺎﺏ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭ، ﻭﻳﻌﺮﺽ ﻣﺎ ﻳﻬﺘﻢ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ، ﻓﺄﻳّﻤﺎ ﻣﻌﻨﻰً ﻳﺮﺩ، ﻓﺎﻟﺨﻴﺎﻝ ﺇﻣّﺎ ﻳُﻠﺒﺴﻪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﺴﻴﺞ ﺃﻭ ﻳﻌﻠّﻘﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻭ ﻳﻠﻄﺨﻪ ﺑﻪ، ﺃﻭ ﻳﺴﺘﺮﻩ ﺑﻪ؛ ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻣﻨﺰﻫﺔً ﻭﻧﻘﻴﺔً، ﻭﺍﻟﺼﻮﺭ ﻭﺍلأﻧﺴﺠﺔ ﻣﻠﻮﺛﺔً ﺩﻧﻴﺌﺔً ﻓـلا ﺇﻟﺒﺎﺱَ ﻭلا ﺇﻛﺴﺎﺀ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻣﺠﺮﺩ ﻣﺲٍّ ﻓﻘﻂ. ﻓﻤﻦ ﻫﻨﺎ ﻳﻠﺘﺒﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺳﻮﺱ ﺃﻣﺮَ ﺍﻟﺘّﻤﺎﺱ ﻓﻴﻈﻨﻪ ﺗﻠﺒﺴﺎ ﻭﺗﻠﺒﻴﺴﺎ، ﻓﻴﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ: ﻳﺎ ﻭﻳﻠﺘﺎﻩ! ﻟﻘﺪ ﺗﺮﺩﻯ ﻗﻠﺒﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻬﺎﻭﻱ، ﻭﺳﺘﺠﻌﻠﻨﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﺎﺀﺓ ﻭﺍﻟﺨﺴﺎﺳﺔ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻄﺮﻭﺩﻳﻦ ﻣﻦ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ. ﻓﻴﺴﺘﻐﻞ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺗﺮ ﺍﻟﺤﺴﺎﺱ ﻣﻨﻪ ﺍﺳﺘﻐـلالا ﻓﻈﻴﻌﺎ.

ﻭﻣﺮﻫﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺮﺡ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ ﻫﻮ: ﻛﻤﺎ لا ﻳﺆﺛﺮ ﻓﻲ ﺻـلاﺗﻚ ﻭلا ﻳُﻔﺴﺪﻫﺎ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺟﻮﻓﻚ ﻣﻦ ﻧﺠﺎﺳﺔ، ﺑﻞ ﻳﻜﻔﻲ ﻟﻬﺎ ﻃﻬﺎﺭﺓ ﺣﺴﻴﺔ ﻭﺑﺪﻧﻴﺔ، ﻛﺬﻟﻚ لا ﺗﻀﺮ ﻣﺠﺎﻭﺭﺓُ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﻤﻠﻮﺛﺔ ﺑﺎﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻤﻨﺰّﻫﺔ ﻭﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ.

  ﻣﺜﺎﻝ ﺫﻟﻚ: ﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺘﺪﺑﺮﺍ ﻓﻲ ﺁﻳﺔ ﻣﻦ ﺁﻳﺎﺕ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﺄﻣﺮٍ ﻣُﻬﻴِّﺞٍ ﻣﻦ ﻣﺮﺽٍ ﻳﻔﺎﺟﺌﻚ، ﺃﻭ ﻣﻦ ﺗﺪﺍﻓﻊ ﺍلأﺧﺒﺜﻴﻦ، ﻳﻠﺢّ ﻋﻠﻰ ﺧﻴﺎﻟﻚ ﺑﺸﺪﺓ، ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻥّ ﺧﻴﺎﻟﻚ ﺳﻴﻨﺴﺎﻕ ﺇﻟﻰ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺪﻭﺍﺀ، ﺃﻭ ﻗﻀﺎﺀ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ، ﻧﺎﺳﺠﺎ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﻀﻴﻪ ﻣﻦ ﺻﻮﺭ ﺩﻧﻴﺌﺔ. ﻓﺘﻤﺮ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻓﻲ ﺗﺪﺑﺮﻙ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﻓﻠﺔ. ﺩَﻋْﻬﺎ ﺗﻤﺮ، ﻓﻠﻴﺲ ﺛﻤﺔ ﺿﺮﺭ ﻭلا ﻟﻮﺛﺔ ﻭلا ﺧﻄﻮﺭﺓ. ﺇﻧّﻤﺎ ﺍﻟﺨﻄﻮﺭﺓ ﻓﻘﻂ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺗﺮﻛﻴﺰ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﺗﻮﻫﻢ ﺍﻟﻀﺮﺭ ﻣﻨﻬﺎ.

    ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ

ﻫﻨﺎﻙ ﺑﻌﺾ ﻋـلاﻗﺎﺕ ﺧﻔﻴﺔ ﺗﺴﻮﺩ ﺑﻴﻦ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ، ﻭﺭﺑﻤﺎ ﺗﻮﺟﺪ ﺧﻴﻮﻁ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻠﺔ، ﺣﺘﻰ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ لا ﻧﺘﻮﻗﻌﻪ ﻣﻦ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ. ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﻴﻮﻁ ﺇﻣّﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺑﺬﺍﺗﻬﺎ، ﺃﻱ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ، ﺃﻭ ﺃﻧّﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺟﺎﺕ ﺧﻴﺎﻟﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﺻﻨﻊ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﻴﻮﻁ ﺣﺴﺐ ﻣﺎ ﻳﻨﺸﻐﻞ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ. ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﺴﺮ ﻓﻲ ﺗﻮﺍﺭﺩ ﺧﻴﺎلاﺕ ﺳﻴﺌﺔ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻣﺎ ﻳﺨﺺ ﺃﻣﻮﺭﺍ ﻣﻘﺪﺳﺔ، ﺇﺫ «ﺍﻟﺘﻨﺎﻗﺾ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻜﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎ ﻟـلاﺑﺘﻌﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺪﻋﺎﺓ ﻟﻠﻘﺮﺏ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﻭﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﻭﺍﻟﺨﻴﺎﻝ» ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﻠﻮﻡ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ. ﺃﻱ ﺇﻥّ ﻣﺎ ﻳﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ ﺻﻮﺭﺗﻲ ﺍﻟﺸﻴﺌﻴﻦ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﻴﻦ ﻟﻴﺲ ﺇلا ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ. ﻭﻳُﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﻮﺍﻃﺮ ﺍﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻮﺳﻴﻠﺔ: ﺗﺪﺍﻋﻰ ﺍلأﻓﻜﺎﺭ.

ﻣﺜﺎﻝ ﺫﻟﻚ: ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺃﻧﺖ ﺗﻨﺎﺟﻲ ﺭﺑﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﺑﺨﺸﻮﻉ ﻭﺗﻀﺮﻉ ﻭﺣﻀﻮﺭ ﻗﻠﺐ ﻣﺴﺘﻘﺒـلا ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ ﺍﻟﻤﻌﻈﻤﺔ، ﺇﺫﺍ ﺑﺘﺪﺍﻋﻲ ﺍلأﻓﻜﺎﺭ ﻫﺬﺍ ﻳﺴﻮﻗﻚ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﻮﺭ ﻣﺸﻴﻨﺔ ﻣﺨﺠﻠﺔ لا ﺗﻌﻨﻴﻚ ﺑﺸﻲﺀ. ﻓﺈﺫﺍ ﻛﻨﺖ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ ﻣُﺒﺘﻠﻰً ﺑﺘﺪﺍﻋﻲ ﺍلأﻓﻜﺎﺭ، ﻓﺈﻳَّﺎﻙ ﺇﻳَّﺎﻙ ﺃﻥ ﺗﻘﻠﻖ ﺃﻭ ﺗﺠﺰﻉ، ﺑﻞ ﻋُﺪ ﺇﻟﻰ ﺣﺎﻟﺘﻚ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ﺣﺎﻟﻤﺎ ﺗﻨﺘﺒﻪ ﻟﻬﺎ. ﻭلا ﺗﺸﻐﻞ ﺑﺎﻟَﻚ ﻗﺎﺋـلا: ﻟﻘﺪ ﻗﺼّﺮﺕ ﻛﺜﻴﺮﺍ.. ﺛﻢ ﺗﺒﺪﺃ ﺑﺎﻟﺘﺤﺮﻱ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﺒﺐ.. ﺑﻞ ﻣﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣَﺮّ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻟﺌـلا ﺗﻘﻮﻯ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌـلاﻗﺎﺕُ ﺍﻟﻮﺍﻫﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﺑﺮﺓ ﺑﺘﺮﻛﻴﺰﻙ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﺇﺫ ﻛﻠﻤﺎ ﺃﻇﻬﺮﺕ ﺍلأﺳﻰ ﻭﺍلأﺳﻒ ﻭﺯﺍﺩ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣُﻚ ﺑﻬﺎ ﺍﻧﻘﻠﺐ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﺨﻄﺮ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﺩﺓ ﺗﺘﺄﺻّﻞ ﺗﺪﺭﻳﺠﻴﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺽ ﺧﻴﺎﻟﻲ. ﻭﻟﻜﻦ لا.. لا ﺗﺨﺶَ ﺃﺑﺪﺍ، ﺇﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﺑﻤﺮﺽ ﻗﻠﺒﻲ، لأﻥّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻬﻮﺍﺟﺲ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺨﻄﺮ ﺍﻟﺨﻴﺎﻟﻲ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺃﻏﻠﺐ ﺍﻟﺤﺎلاﺕ ﺗﺘﻜﻮﻥ ﺭﻏﻤﺎ ﻋﻦ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻫﻲ ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﺪﻯ ﻣﺮﻫﻔﻲ ﺍﻟﺤﺲ ﻭﺍلأﻣﺰﺟﺔ ﺍﻟﺤﺎﺩﺓ. ﻭﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻳﺘﻐﻠﻐﻞ ﻋﻤﻴﻘﺎ ﻣﻊ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺳﺎﻭﺱ.

ﺃﻣﺎ ﻋـلاﺝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﺍﺀ ﻓﻬﻮ:

ﺍﻋﻠﻢ ﺃﻧّﻪ لا ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﺪﺍﻋﻲ ﺍلأﻓﻜﺎﺭ، لأﻧّﻬﺎ لا ﺇﺭﺍﺩﻳﺔ ﻏﺎﻟﺒﺎ، ﺇﺫ لا ﺍﺧﺘـلاﻁ ﻭلا ﺗﻤﺎﺱ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﺠﺮﺩ ﻣﺠﺎﻭﺭﺓ ﻭلا ﺷﻲﺀ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ، ﻟﺬﺍ ﻓـلا ﺗﺴﺮﻱ ﻃﺒﻴﻌﺔُ ﺍلأﻓﻜﺎﺭ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ. ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﻓـلا ﻳﻀﺮ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎ. ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻣﺠﺎﻭﺭﺓ ﻣـلاﺋﻜﺔ ﺍلإﻟﻬﺎﻡ ﻟﻠﺸﻴﻄﺎﻥ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻘﻠﺐ لا ﺑﺄﺱ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻣﺠﺎﻭﺭﺓ ﺍلأﺑﺮﺍﺭ ﻟﻠﻔﺠﺎﺭ ﻭﻗﺮﺍﺑﺘﻬﻢ ﻭﻭﺟﻮﺩﻫﻢ ﻓﻲ ﻣﺴﻜﻦ ﻭﺍﺣﺪ لا ﺿﺮﺭ ﻓﻴﻪ، ﻛﺬﻟﻚ ﺇﺫﺍ ﺗﺪﺍﺧﻠﺖ ﺧﻮﺍﻃﺮ ﺳﻴﺌﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻘﺼﻮﺩﺓ ﺑﻴﻦ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﻃﺎﻫﺮﺓ ﻧﺰﻳﻬﺔ لا ﺗﻀﺮّ ﻓﻲ ﺷﻲﺀ ﺇلا ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻘﺼﻮﺩﺓ، ﺃﻭ ﺃﻥ ﺗﺸﻐﻞ ﺑﻬﺎ ﻧﻔﺴﻚ ﻛﺜﻴﺮﺍ، ﻣﺘﻮﻫﻤﺎ ﺿﺮﺭﻫﺎ ﺑﻚ. ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﻣﺮﻫﻘﺎ ﻓﻴﻨﺸﻐﻞ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺑﺸﻲﺀ ﻣﺎ -ﻛﻴﻔﻤﺎ ﺍﺗﻔﻖ- ﺩﻭﻥ ﺟﺪﻭﻯ، ﻓﻴﻨﺘﻬﺰ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺮﺻﺔ ﻭﻳﻘﺪّﻡ ﺍلأﺧﻴﻠﺔ ﺍﻟﺨﺒﻴﺜﺔ ﻭﻳﻨﺜﺮﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﻭﻫﻨﺎﻙ.

ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ

ﻫﻮ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺳﻮﺳﺔ ﺍﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺸﺪﺩ ﺍﻟﻤﻔﺮﻁ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺘﺤﺮّﻱ ﻋﻦ ﺍلأﻛﻤﻞ ﺍلأﺗﻢ ﻣﻦ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ. ﻓﻜﻠﻤﺎ ﺯﺍﺩ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺸﺪﺩ ﻫﺬﺍ -ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﻭﺍﻟﻮﺭﻉ- ﺍﺯﺩﺍﺩ ﺍلأﻣﺮ ﺳﻮﺀﺍ ﻭﺗﻌﻘﻴﺪﺍ، ﺣﺘﻰ ﻟﻴﻮﺷﻚ ﺃﻥ ﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﺘﻐﻲ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍلأﻭﻟﻰ ﻭﺍلأﻛﻤﻞ ﻓﻲ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﺔ. ﻭﻗﺪ ﻳﺘﺮﻙ «ﻭﺍﺟﺒﺎ» ﺑﺴﺒﺐ ﻣﻦ ﺗﺤﺮّﻳﻪ ﻋﻦ «ﺳﻨّﺔ» ﺣﻴﺚ ﻳﺴﺄﻝ ﻧﻔﺴَﻪ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﻋﻦ ﻣﺪﻯ ﺻﺤﺔ ﻋﻤﻠﻪ ﻭﻗﺒﻮﻟﻪ، ﻓﺘﺮﺍﻩ ﻳﻌﻴﺪﻩ ﻭﻳﻜﺮﺭﻩ، ﻗﺎﺋـلا: «ﺗُﺮﻯ ﻫﻞ ﺻﺢّ ﻋﻤﻠﻲ؟» ﺣﺘﻰ ﻳﻄﻮﻝ ﺑﻪ ﺍلأﻣﺮ ﻓﻴﻴﺄﺱ، ﻭﻳﺴﺘﻐﻞ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻭﺿﻌَﻪ ﻫﺬﺍ ﻓﻴﺮﻣﻴﻪ ﺑﺴﻬﺎﻣﻪ ﻭﻳﺠﺮﺣﻪ ﻣﻦ ﺍلأﻋﻤﺎﻕ.

ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺠﺮﺡ ﺩﻭﺍﺀﺍﻥ ﺍﺛﻨﺎﻥ:

  ﺍﻟﺪﻭﺍﺀ ﺍلأﻭﻝ: ﺍﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺳﺎﻭﺱ لا ﺗﻠﻴﻖ ﺇلا ﺑﺎﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: «ﺇﻥ ﺃﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﻤﻜﻠﻔﻴﻦ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺠﺰﺍﺀ ﺍلأﺧﺮﻭﻱ ﺣﺴﻨﺔ ﺃﻭ ﻗﺒﻴﺤﺔ ﻓﻲ ﺫﺍﺕ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻲ ﺍﻟﺸﺮﻉُ ﻓﻴﻘﺮﺭ ﺃﻥّ ﻫﺬﺍ ﺣﺴﻦ ﻭﻫﺬﺍ ﻗﺒﻴﺢ. ﺃﻱ ﺇﻥّ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻭﺍﻟﻘﺒﺢ ﺃﻣﺮﺍﻥ ﺫﺍﺗﻴﺎﻥ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍﻥ ﻓﻲ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ -ﺣﺴﺐ ﺍﻟﺠﺰﺍﺀ ﺍلأﺧﺮﻭﻱ- ﺃﻣَّﺎ ﺍلأﻭﺍﻣﺮ ﻭﺍﻟﻨﻮﺍﻫﻲ ﻓﻬﻲ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﺬﻟﻚ ﻭلإﻗﺮﺍﺭﻫﺎ». ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺬﻫﺐ ﺗﺆﺩﻱ ﺑﺎلإﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻔﺴﺮ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﻋﻦ ﺃﻋﻤﺎﻟﻪ: «ﺗُﺮﻯ ﻫﻞ ﺗﻢَّ ﻋﻤﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍلأﻛﻤﻞ ﺍﻟﻤُﺮﺿﻲ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ ﺃﻡ لا؟».. ﺃﻣَّﺎ ﺃﺻﺤﺎﺏُ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻫﻢ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻓﻴﻘﻮﻟﻮﻥ: «ﺇﻥّ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺸﻲﺀ ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺣﺴﻨﺎ ﻭﻳﻨﻬﻰ ﻋﻦ ﺷﻲﺀ ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻗﺒﻴﺤﺎ». ﻓﺒﺎلأﻣﺮ ﻭﺍﻟﻨﻬﻲ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﺍﻟﺤُﺴﻦ ﻭﺍﻟﻘﺒﺢ. ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻟﺤُﺴﻦ ﻭﺍﻟﻘﺒﺢ ﻳﺘﻘﺮﺭﺍﻥ ﻣﻦ ﻭﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻤﻜﻠّﻒ، ﻭﻳﺘﻌﻠﻘﺎﻥ ﺑﺤﺴﺐ ﺧﻮﺍﺗﻴﻤﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺍلآﺧﺮﺓ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ.

   ﻣﺜﺎﻝ ﺫﻟﻚ: ﻟﻮ ﺗﻮﺿﺄﺕ ﺃﻭ ﺻﻠﻴﺖ، ﻭﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺷﻲﺀ ﻣﺎ ﺧﻔﻲ ﻋﻠﻴﻚ ﻳﻔﺴﺪ ﺻـلاﺗﻚ ﺃﻭ ﻭﺿﻮﺀﻙ، ﻭﻟﻢ ﺗﻄّﻠﻊ ﻋﻠﻴﻪ. ﻓﺼـلاﺗُﻚ ﻭﻭﺿﻮﺀُﻙ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺻﺤﻴﺤﺎﻥ ﻭﺣﺴﻨﺎﻥ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ. ﻭﻋﻨﺪ ﺍﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ: ﺇﻧﻬﻤﺎ ﻗﺒﻴﺤﺎﻥ ﻭﻓﺎﺳﺪﺍﻥ ﺣﻘﻴﻘﺔً، ﻭﻟﻜﻨﻬﻤﺎ ﻣﻘﺒﻮلاﻥ ﻣﻨﻚ ﻟﺠﻬﻠﻚ، ﺇﺫ ﺍﻟﺠﻬﻞ ﻋﺬﺭ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺃﻳﻬﺎ ﺍلأﺥ ﺍﻟﻤُﺒﺘﻠﻰ، ﻓﺄﺧﺬﺍً ﺑﻤﺬﻫﺐ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻤﻠُﻚ ﺻﺤﻴﺤﺎ لا ﻏﺒﺎﺭ ﻋﻠﻴﻪ، ﻧﻈﺮﺍ ﻟﻤﻮﺍﻓﻘﺘﻪ ﻇﺎﻫﺮ ﺍﻟﺸﺮﻉ. ﻭﺇﻳّﺎﻙ ﺃﻥ ﺗﻮﺳﻮﺱ ﻓﻲ ﺻﺤﺔ ﻋﻤﻠﻚ، ﻭﻟﻜﻦ ﺇﻳﺎﻙ ﺃﻥ ﺗﻐﺘﺮ ﺑﻪ ﺃﻳﻀﺎ، لأﻧﻚ لا ﺗﻌﻠﻢ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ، ﺃﻫﻮ ﻣﻘﺒﻮﻝ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻡ لا؟.

    ﺍﻟﺪﻭﺍﺀ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺍﻋﻠﻢ ﺃﻥّ ﺍلإﺳـلاﻡ ﺩﻳﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﻖ، ﺩﻳﻦُ ﻳُﺴﺮ لا ﺣﺮﺝ ﻓﻴﻪ، ﻭﺃﻥّ ﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ﺍلأﺭﺑﻌﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻖ. ﻓﺈﻥ ﺃﺩﺭﻙ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﺗﻘﺼﻴﺮَﻩ ﺗـلاﻓﺎﻩ ﺑﺎلاﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﺛﻘﻞ ﻣﻴﺰﺍﻧﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﻭﺭ ﺍﻟﻨﺎﺷﺊ ﻣﻦ ﺇﻋﺠﺎﺑﻪ ﺑﺎلأﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﺔ. ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻳﺮﻯ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺳﻮﺱ ﻧﻔﺴَﻪ ﻣﻘﺼﺮﺍ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻪ ﻭﻳﺴﺘﻐﻔﺮ ﺭﺑﻪ ﺧﻴﺮ ﻟﻪ ﺃﻟﻒ ﻣﺮﺓ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻐﺘﺮ ﺇﻋﺠﺎﺑﺎ ﺑﻌﻤﻠﻪ. ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﺍلأﻣﺮ ﻫﻜﺬﺍ، ﻓﺎﻃﺮﺡ ﺍﻟﻮﺳﺎﻭﺱ ﻭﺍﺻﺮﺥ ﻓﻲ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ: ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺣﺮﺝ، ﻭﺇﻥ ﺍلاﻃـلاﻉ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ ﺃﻣﺮ ﺻﻌﺐ ﺟﺪﺍ، ﺑﻞ ﻳﻨﺎﻓﻲ ﺍﻟﻴﺴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﻳﺨﺎﻟﻒ ﻗﺎﻋﺪﺓ: «لا ﺣَﺮﺝَ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ» ﻭ«ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳُﺴﺮ». ﻭلاﺑﺪ ﺃﻥ ﻋﻤﻠﻲ ﻫﺬﺍ ﻳﻮﺍﻓﻖ ﻣﺬﻫﺒﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ ﺍﻟﺤﻘﺔ، ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻜﻔﻴﻨﻲ. ﺣﻴﺚ ﻳﻜﻮﻥ ﻭﺳﻴﻠﺔ لأﻥ ﺃﻟﻘﻲ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﺧﺎﻟﻘﻲ ﻭﻣﻮلاﻱ ﺳﺎﺟﺪﺍ ﻣﺘﻀﺮﻋﺎ ﺃﻃﻠﺐ ﺍﻟﻤﻐﻔﺮﺓ، ﻭﺃﻋﺘﺮﻑ ﺑﺘﻘﺼﻴﺮﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺴﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﺠﻴﺐ.

      ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ

ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻮﺳﺎﻭﺱ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻘﻤﺺ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﻓﻲ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ:

ﻓﻜﺜﻴﺮﺍ ﻣﺎ ﻳﻠﺘﺒﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺳﻮﺱ ﺍﻟﻤﺤﺘﺎﺭ ﺧﻠﺠﺎﺕ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ، ﻓﻴﻈﻦ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻨﺎﺕ ﻋﻘﻠﻪ. ﺃﻱ ﻳﺘﻮﻫﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺎﺏ ﺧﻴﺎﻟَﻪ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ ﻟﺪﻯ ﻋﻘﻠﻪ، ﺃﻱ ﺇﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺷﺒﻬﺎﺕ ﻋﻘﻠﻪ، ﻓﻴﻈﻦ ﺃﻥّ ﺍﻋﺘﻘﺎﺩﻩ ﻗﺪ ﻣﺴّﻪ ﺍﻟﺨﻠﻞ.. ﻭﻗﺪ ﻳﻈﻦ ﺍﻟﻤﻮﺳﻮﺱ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﺃﺧﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﺒﻬﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻮﻫﻤﻬﺎ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺷﻚّ ﻳﻀﺮّ ﺑﺈﻳﻤﺎﻧﻪ.. ﻭﻗﺪ ﻳﻈﻦ ﺗﺎﺭﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﺘﺼﻮﺭﻩ ﻣﻦ ﺭﺅﻯ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﻛﺄﻥ ﻋﻘﻠَﻪ ﻗﺪ ﺻﺪّﻗﻪ.. ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻳﺤﺴﺐ ﺃﻥ ﻛﻞّ ﺗﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻛﻔﺮ، ﺃﻱ ﺇﻧﻪ ﻳﺤﺴﺐ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺗﺤﺮٍ ﻭﺗﻤﺤﻴﺺ، ﻭﻛﻞ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻭﻣﺤﺎﻛﻤﺔ ﻋﻘﻠﻴﻪ ﻣﺤﺎﻳﺪﺓ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﺃﻧﻪ ﺧـلاﻑ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ. ﻓﺄﻣﺎﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻠﻘﻴﻨﺎﺕ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﺎﻛﺮﺓ ﻳﺮﺗﻌﺶ ﻭﻳﺮﺗﺠﻒ، ﻭﻳﻘﻮﻝ: «ﻭﻳـلاﻩ  ﻟﻘﺪ ﺿﺎﻉ ﻗﻠﺒﻲ ﻭﻓﺴﺪ ﺍﻋﺘﻘﺎﺩﻱ ﻭﺍﺧﺘﻞ». ﻭﺑﻤﺎ ﺃﻧﻪ لا ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺼﻠﺢ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ ﺑﺈﺭﺍﺩﺗﻪ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ -ﻭﻫﻲ ﻏﻴﺮ ﺇﺭﺍﺩﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺍلأﻏﻠﺐ- ﻳﺘﺮﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﻫﺎﻭﻳﺔ ﺍﻟﻴﺄﺱ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ.

ﺃﻣﺎ ﻋـلاﺝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺮﺡ ﻓﻬﻮ: ﺃﻥّ ﺗَﻮﻫﻢ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻟﻴﺲ ﻛُﻔﺮﺍ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺗﺨﻴﻞ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻟﻴﺲ ﻛﻔﺮﺍ، ﻭﺇﻥّ ﺗﺼﻮﺭ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﻟﻴﺲ ﺿـلاﻟﺔ، ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﻟﻴﺲ ﺿـلاﻟﺔ. ﺫﻟﻚ لأﻥ ﺍﻟﺘﺨﻴﻞ ﻭﺍﻟﺘﻮﻫﻢ ﻭﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﺮ.. ﻛﻞ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﻣﺘﺒﺎﻳﻦ ﻭﻣﺘﻐﺎﻳﺮ ﻛﻠﻴﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ ﻭﺍلإﺫﻋﺎﻥ ﺍﻟﻘﻠﺒﻲ. ﺇﺫ ﺍﻟﺘﺨﻴﻞ ﻭﺍﻟﺘﻮﻫﻢ ﻭﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﺃﻣﻮﺭ ﺣﺮﺓ ﻃﻠﻴﻘﺔ ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍ ﻣﺎ، ﻟﺬﻟﻚ ﻓﻬﻲ لا ﺗﺤﻔَﻞ ﺑﺎﻟﺠﺰﺀ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ ﺍﻟﻤﻨﺒﺜﻖ ﻣﻦ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻭلا ﺗﺮﺿﺦ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺘﺒﻌﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ﻭﺍلإﺫﻋﺎﻥ ﻟﻴﺴﺎ ﻛﺬﻟﻚ، ﻓﻬﻤﺎ ﺧﺎﺿﻌﺎﻥ ﻟﻤﻴﺰﺍﻥ، ﻭلأﻥ ﻛـلا ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺨﻴﻞ ﻭﺍﻟﺘﻮﻫﻢ ﻭﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﻟﻴﺲ ﺑﺘﺼﺪﻳﻖ ﻭﺇﺫﻋﺎﻥ ﻓـلا ﻳﻌﺪّ ﺷﺒﻬﺔً ﻭلا ﺗﺮﺩﺩﺍ. ﻟﻜﻦ ﺇﺫﺍ ﺗﻜﺮﺭﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ -ﺩﻭﻥ ﻣﺒﺮﺭ- ﻭﺑﻠﻐﺖ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺍلاﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻔﺲ، ﻓﻘﺪ ﻳﺘﻤﺨﺾ ﻋﻨﻬﺎ ﻟﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ، ﺛﻢ ﻗﺪ ﻳﻨﺰﻟﻖ ﺍﻟﻤﻮﺳﻮﺱ -ﺑﺎﻟﺘﺰﺍﻣﻪ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻒ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﻤﺤﺎﻛﻤﺎﺕ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺩﻳﺔ ﺃﻭ ﺑﺎﺳﻢ ﺍلإﻧﺼﺎﻑ- ﺇﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﻳﻠﺘﺰﻡ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻒ ﺩﻭﻥ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﻣﻨﻪ، ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﻳﺘﻨﺼﻞ ﻣﻦ ﺍلاﻟﺘﺰﺍﻣﺎﺕ ﺍﻟﻮﺍﺟﺒﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺤﻖ، ﻓﻴﻬﻠﻚ. ﺇﺫ ﺗﺘﻘﺮﺭ ﻓﻲ ﺫﻫﻨﻪ ﺣﺎﻟﺔ ﺃﺷﺒﻪ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺎﻟﻤﻔﻮّﺽ ﻭﺍﻟﻤﺨﻮّﻝ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻒ ﺃﻱ ﺍﻟﺨﺼﻢ ﺃﻭ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ.

ﻭﻟﻌﻞ ﺃﻫﻢ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺳﻮﺳﺔ ﺍﻟﺨﻄﻴﺮﺓ ﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻮﺳﻮﺱ ﻳﻠﺘﺒﺲ ﻋﻠﻴﻪ «ﺍلإﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ» ﻭ«ﺍلإﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺬﻫﻨﻲ» ﺃﻱ ﺇﻧﻪ ﻳﺘﻮﻫﻢ ﺑﺬﻫﻨﻪ ﻭﻳﺸﻚ ﺑﻌﻘﻠﻪ ﻣﺎ ﻳﺮﺍﻩ ﻣﻤﻜﻨﺎ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ، ﻋﻠﻤﺎ ﺑﺄﻥ ﻫﻨﺎﻟﻚ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﻛـلاﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ ﺗﻨﺺ ﻋﻠﻰ: «ﺃﻥ ﺍلإﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ لا ﻳﻨﺎﻓﻲ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ، ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﻓـلا ﺗﻌﺎﺭﺽ ﻭلا ﺗﻀﺎﺩ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺍﺕ ﺍﻟﺬﻫﻨﻴﺔ ﻭﺑﺪﻳﻬﻴﺎﺗﻬﺎ».

ﻭﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﺫﻟﻚ ﻧﺴﻮﻕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ: ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻐﻮﺭ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍلأﺳﻮﺩ ﺍلآﻥ، ﻓﻬﺬﺍ ﺷﻲﺀ ﻣﺤﺘﻤﻞ ﺍﻟﻮﻗﻮﻉ ﺑﺎلإﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ، ﺇلا ﺃﻧﻨﺎ ﻧﺤﻜﻢ ﻳﻘﻴﻨﺎ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻌﻪ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ، ﻭلا ﻧﺸﻚ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻗﻄﻌﺎ. ﻓﻬﺬﺍ ﺍلاﺣﺘﻤﺎﻝ ﺍلإﻣﻜﺎﻧﻲ ﻭﺍلإﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ لا ﻳﻮﻟﺪﺍﻥ ﺷﺒﻬﺔ ﻭلا ﺷﻜﺎ، ﺑﻞ لا ﻳﺨـلاﻥ ﺑﻴﻘﻴﻨﻨﺎ ﺃﺑﺪﺍ.

ﻭﻣﺜﺎﻝ ﺁﺧﺮ: ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃلا ﺗﻐﻴﺐ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﻴﻮﻡ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃلا ﺗﺸﺮﻕ ﻏﺪﺍ، ﺇلا ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻣﻜﺎﻥ ﻭﺍلاﺣﺘﻤﺎﻝ لا ﻳﺨﻞ ﺑﻴﻘﻴﻨﻨﺎ ﺑﺄﻱ ﺣﺎﻝ ﻣﻦ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ، ﻭلا ﻳﻄﺮﺃ ﺃﺻﻐﺮ ﺷﺒﻬﺔ ﻋﻠﻴﻪ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻋﻠﻰ ﻏﺮﺍﺭ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﻦ ﻓﺎلأﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮِﺩ ﻣﻦ ﺍلإﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﻏﺮﻭﺏ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺷﺮﻭﻕ ﺍلآﺧﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ لا ﺗﻮﻟﺪ ﺧﻠـلا ﻓﻲ ﻳﻘﻴﻨﻨﺎ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻲ ﻗﻄﻌﺎ. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻓﺎﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﻔﻘﻪ: «لا ﻋِﺒﺮﺓَ ﻟـلاﺣﺘﻤﺎﻝ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻨﺎﺷﺊ ﻋﻦ ﺍﻟﺪَّﻟﻴﻞ».

  ﻭﺇﺫﺍ ﻗﻠﺖ: ﺗُﺮﻯ ﻣﺎ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻣﻦ ﺍﺑﺘـلاﺀ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻮﺳﺎﻭﺱ ﺍﻟﻤﺰﻋﺠﺔ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﺍﻟﻤﺆﻟﻤﺔ ﻟﻠﻘﻠﺐ؟.

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻧﻨﺎ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﻧﺤّﻴﻨﺎ ﺍلإﻓﺮﺍﻁ ﻭﺍﻟﻐﻠﺒﺔ ﺟﺎﻧﺒﺎ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻮﺳﻮﺳﺔ ﺗﻜﻮﻥ ﺣﺎﻓﺰﺓً ﻟﻠﺘﻴﻘﻆ، ﻭﺩﺍﻋﻴﺔً ﻟﻠﺘﺤﺮﻱ، ﻭﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﺠﺪﻳﺔ، ﻭﻃﺎﺭﺩﺓ ﻟﻌﺪﻡ ﺍﻟﻤﺒﺎلاﺓ، ﻭﺩﺍﻓﻌﺔ ﻟﻠﺘﻬﺎﻭﻥ.. ﻭلأﺟﻞ ﻫﺬﺍ ﻛﻠﻪ ﺟﻌﻞ ﺍﻟﻌﻠﻴﻢُ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﻮﺳﻮﺳﺔَ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ ﺳَﻮﻁِ ﺗﺸﻮﻳﻖ ﻭﺃﻋﻄﺎﻩ ﺑﻴﺪ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻛﻲ ﻳﺤﺚ ﺑﻪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺍلاﻣﺘﺤﺎﻥ ﻭﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺴﺒﺎﻕ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤِﻜَﻢ. ﻭﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺃﻓﺮﻁ ﻓﻲ ﺍلأﺫﻯ، ﻓﺮﺭﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻭﺣﺪﻩ ﻣﺴﺘﺼﺮﺧﻴﻦ: ﺃﻋﻮﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺍﻟﺮﺟﻴﻢ.