ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

   ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (ﺍﻟﺰﻣﺮ:62-63)

﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (ﻳﺲ:83)

﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ (ﺍﻟﺤﺠﺮ:21)

 ﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (ﻫﻮﺩ:56)

   ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ

ﻟﻘﺪ ﺑﻴّﻨﺎ ﺇﺟﻤﺎلا ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ «ﻗﻄﺮﺓ ﻣﻦ ﺑﺤﺮ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ» ﻗﻄﺐَ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﻫﻮ «ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻠﻪ». ﻭﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺏ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﻳﺸﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ ﺑﺨﻤﺴﺔ ﻭﺧﻤﺴﻴﻦ ﻟﺴﺎﻧﺎ. ﻭﺫﻛﺮﻧﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ «ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻞَّ ﺟـلاﻟُﻪ» ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺑﺮﺍﻫﻴﻦ ﻛﻠﻴّﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺏ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ، ﻛﻞُّ ﺑﺮﻫﺎﻥ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻘﻮﺓ ﺃﻟﻒ ﺑﺮﻫﺎﻥ. ﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﻣﺌﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺮﺍﻫﻴﻦ ﺍﻟﻘﺎﻃﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﻴّﻦ ﻭﺟﻮﺏَ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻘﺮُﺏ ﻣﻦ ﺍﺛﻨﺘﻲ ﻋﺸﺮﺓ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻟﺬﺍ ﻧﻜﺘﻔﻲ ﺑﻤﺎ ﺳﺒﻖ ﻭلا ﻧﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﺩﻗﻴﻘﺔ، ﺇلا ﺃﻧﻨﺎ ﻧﺴﻌﻰ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» لإﻇﻬﺎﺭ «ﺍﺛﻨﺘﻲ ﻋﺸﺮﺓ» ﻟﻤﻌﺔ ﻣﻦ ﺷﻤﺲ «ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻠﻪ» ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺫﻛﺮﺗُﻬﺎ ﺇﺟﻤﺎلا ﻓﻲ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ.

   ﺍﻟﻠﻤﻌﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ

    ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﺗﻮﺣﻴﺪﺍﻥ، ﻟﻨﻮﺿﺢ ﺫﻟﻚ ﺑﻤﺜﺎﻝ:

ﺇﺫﺍ ﻭﺭﺩﺕْ ﺇﻟﻰ ﺳﻮﻕٍ ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﻀﺎﺋﻊ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭﺃﻣﻮﺍﻝ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻟﺸﺨﺺ ﻋﻈﻴﻢ، ﻓﻬﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺍﻝ ﺗُﻌﺮﻑ ﻣُﻠﻜﻴﺘﻬﺎ ﺑﺸﻜﻠﻴﻦ ﺍﺛﻨﻴﻦ:

  ﺍلأﻭﻝ: ﺷﻜﻞ ﺇﺟﻤﺎﻟﻲ ﻋﺎﻣﻲ (ﺃﻱ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ) ﻭﻫﻮ: «ﺃﻥ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻄﺎﺋﻠﺔ ﻟﻴﺲ ﺑﻤﻘﺪﻭﺭِ ﺃﺣﺪٍ ﻏﻴﺮﻩ ﺃﻥ ﻳﻤﺘﻠﻜﻬﺎ». ﻭﻟﻜﻦ ﺿﻤﻦ ﻧﻈﺮﺓ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﻌﺎﻣﻲ ﻫﺬﻩ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﺪﺙ ﺍﻏﺘﺼﺎﺏ، ﻓﻴﺪّﻋﻲ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻭﻥ ﺍﻣﺘـلاﻙ ﻗِﻄَﻌﻬﺎ.

ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺃﻥ ﺗُﻘﺮﺃ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔُ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺭﺯﻣﺔ ﻣﻦ ﺭﺯﻡ ﺍﻟﺒﻀﺎﻋﺔ، ﻭﺗُﻌﺮﻑ ﺍﻟﻄﻐﺮﺍﺀُ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻃَﻮﻝ، ﻭﻳُﻌﻠﻢ ﺍﻟﺨﺘﻢُ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣَﻌْﻠﻢ. ﺃﻱ ﻛﻞُّ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻳﺪﻝ ﺿﻤﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ.

ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ﻳُﻌﺮﻑ ﻣﺎﻟﻜُﻬﺎ ﺑﺸﻜﻠﻴﻦ، ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻓﺈﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﻋﻴﻦ:

   ﺍلأﻭﻝ: ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻱ ﺍﻟﻌﺎﻣﻲ: ﻭﻫﻮ «ﺃﻥّ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﺣﺪ لا ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ ﻭلا ﻣﺜﻴﻞ، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻛﻠّﻪ ﻣُﻠﻜﻪ».

  ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ: ﻭﻫﻮ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺑﻴﻘﻴﻦٍ ﺃﻗﺮﺏَ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ، ﺑﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻭﺑﺼﺪﻭﺭ ﻛﻞِّ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﻳﺪ ﻗﺪﺭﺗﻪ، ﻭﺑﺄﻧﻪ لا ﺷﺮﻳﻚَ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺃﻟﻮﻫﻴﺘﻪ، ﻭلا ﻣﻌﻴﻦَ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ، ﻭلا ﻧِﺪَّ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻣُﻠﻜﻪ، ﺇﻳﻤﺎﻧﺎ ﻳَﻬﺐُ ﻟﺼﺎﺣﺒﻪ ﺍلاﻃﻤﺌﻨﺎﻥ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﻭﺳﻜﻴﻨﺔ ﺍﻟﻘﻠﺐ، ﻟﺮﺅﻳﺘﻪ ﺁﻳﺔَ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻭﺧﺘﻢَ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﻭﻧﻘﺶَ ﻗﻠﻤﻪ، ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ. ﻓﻴﻨﻔﺘﺢ ﺷﺒﺎﻙ ﻧﺎﻓﺬ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺇﻟﻰ ﻧﻮﺭﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ.

ﻭﺳﻨﺬﻛﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ» ﺷﻌﺎﻋﺎﺕٍ ﺗﺒﻴّﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺍﻟﺨﺎﻟﺺ ﺍﻟﺴﺎﻣﻲ.

      ﺗﻨﺒﻴﻪ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻠﻤﻌﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ:

ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻐﺎﻓﻞ ﺍﻟﻐﺎﺭﻕ ﻓﻲ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ! ﺍﻋﻠﻢ ﺃﻥّ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻟﻴﺴﺖ ﺇلا ﺳﺘﺎﺋﺮَ ﺃﻣﺎﻡ ﺗﺼﺮﻑ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ، لأﻥ ﺍﻟﻌﺰﺓ ﻭﺍﻟﻌﻈﻤﺔ ﺗﻘﺘﻀﻴﺎﻥ ﺍﻟﺤﺠﺎﺏ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞُ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻓﻬﻮ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﺼﻤﺪﺍﻧﻴﺔ، لأﻥ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻭﺍﻟﺠـلاﻝ ﻳﺘﻄﻠﺒﺎﻥ ﻫﺬﺍ، ﻭﻳﻘﺘﻀﻴﺎﻥ ﺍلاﺳﺘﻘـلاﻝ.     ﻭﺍﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﻣﺄﻣﻮﺭﻱ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍلأﺯﻟﻲ ﻭﻣﻮﻇﻔﻴﻪ ﻟﻴﺴﻮﺍ ﻫﻢ ﺍﻟﻤﻨﻔّﺬﻳﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﻴﻦ لأﻣﻮﺭ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ، ﺑﻞ ﻫﻢ ﺩﺍﻟّﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻈﻤﺔ ﻭﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ، ﻭﺍﻟﺪﺍﻋﻮﻥ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻭﻣﺸﺎﻫﺪﻭﻫﺎ ﺍﻟﻤﻌﺠَﺒﻮﻥ، ﻓﻤﺎ ﻭُﺟﺪﻭﺍ ﺇلا لإﻇﻬﺎﺭ ﻋﺰّﺓ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﻭﻫﻴﺒﺘِﻬﺎ ﻭﻋﻈﻤﺘﻬﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﺌـلا ﺗﻈﻬﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓُ ﻳﺪِ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﺧﺴﻴﺴﺔ لا ﻳُﺪﺭِﻙ ﻧﻈﺮُ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻐﺎﻓﻠﻴﻦ ﺣُﺴﻨَﻬﺎ ﻭلا ﻳَﻌﺮﻑ ﺣﻜﻤﺘﻬﺎ، ﻓﻴﺸﺘﻜﻲ ﺑﻐﻴﺮ ﺣﻖ ﻭﻳﻌﺘﺮﺽ ﺑﻐﻴﺮ ﻋﻠﻢ. ﻭﻫﻢ ﻟﻴﺴﻮﺍ ﻛﻤﻮﻇﻔﻲ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳﻌﻴّﻨﻬﻢ ﻭﻟﻢ ﻳُﺸﺮﻛﻬﻢ ﻓﻲ ﺳﻠﻄﻨﺘﻪ ﺇلا ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻋَﺠﺰﻩ ﻭﺣﺎﺟﺘﻪ.

ﻓﺎلأﺳﺒﺎﺏ ﺇﺫﻥ ﺇﻧﻤﺎ ﻭُﺿﻌَﺖ ﻟﺘﺒﻘﻰ ﻋﺰﺓُ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻣﺼﻮﻧﺔً ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻱ؛ ﺇﺫ ﺇﻥّ ﻟﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﺟﻬﺘﻴﻦ -ﻛﻮﺟﻬﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ- ﺇﺣﺪﺍﻫﻤﺎ ﺟﻬﺔُ «ﺍﻟﻤُﻠﻚ» ﺍﻟﺸﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻲ ﺍﻟﻤﻠﻮّﻥ ﻟﻠﻤﺮﺁﺓ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻮﺿﻊَ ﺍلأﻟﻮﺍﻥ ﻭﺍﻟﺤﺎلاﺕ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻭﺍلأﺧﺮﻯ ﺟﻬﺔُ «ﺍﻟﻤﻠﻜﻮﺕ» ﺍﻟﺸﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺼﻘﻴﻞ ﻟﻠﻤﺮﺁﺓ. ﻓﻔﻲ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ -ﺃﻱ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﻤُﻠﻚ- ﻫﻨﺎﻙ ﺣﺎلاﺕ ﻣﻨﺎﻓﻴﺔ ﻇﺎﻫﺮﺍ ﻟﻌﺰﺓ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﺼﻤﺪﺍﻧﻴﺔ ﻭﻛﻤﺎﻟِﻬﺎ، ﻓﻮُﺿﻌَﺖ ﺍلأﺳﺒﺎﺏُ ﻛﻲ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺮﺟِﻌﺎ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎلاﺕ ﻭﻭﺳﺎﺋﻞَ ﻟﻬﺎ. ﺃﻣﺎ ﺟﻬﺔُ ﺍﻟﻤﻠﻜﻮﺕ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔِ ﻓﻜﻞُّ ﺷﻲﺀ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻔﺎﻑ ﻭﺟﻤﻴﻞ ﻭﻣـلاﺋﻢ ﻟﻤﺒﺎﺷﺮﺓِ ﻳﺪِ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻟﻬﺎ ﺑﺬﺍﺗﻬﺎ، ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻨﺎﻓﻴﺎ ﻟﻌﺰّﺗﻬﺎ، ﻟﺬﺍ ﻓﺎلأﺳﺒﺎﺏُ ﻇﺎﻫﺮﻳﺔ ﺑﺤﺘﺔ، ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻠﻜﻮﺗﻴﺔ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍلأﻣﺮ.

ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺣﻜﻤﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻟـلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ ﻭﻫﻲ: ﻋﺪﻡ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﺍﻟﺸﻜﺎﻭﻯ ﺍﻟﺠﺎﺋﺮﺓ ﻭﺍلاﻋﺘﺮﺍﺿﺎﺕ ﺍﻟﺒﺎﻃﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﺟﻞّ ﻭﻋـلا. ﺃﻱ ﻭُﺿﻌﺖ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻟﺘﻜﻮﻥَ ﻫﺪﻓﺎ ﻟﺘﻠﻚ ﺍلاﻋﺘﺮﺍﺿﺎﺕ ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻜﺎﻭﻱ، لأﻥ ﺍﻟﺘﻘﺼﻴﺮَ ﺻﺎﺩﺭ ﻣﻨﻬﺎ ﻧﺎﺷﺊ ﻣﻦ ﺍﻓﺘﻘﺎﺭ ﻗﺎﺑﻠﻴﺘﻬﺎ.

ﻭﻟﻘﺪ ﺭﻭﻱ ﻟﺒﻴﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ ﻣﺜﺎﻝ ﻟﻄﻴﻒ ﻭﻣﺤﺎﻭﺭﺓ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻫﻲ: ﺃﻥ ﻋﺰﺭﺍﺋﻴﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻗﺎﻝ ﻟﺮﺏ ﺍﻟﻌﺰﺓ: «ﺇﻥ ﻋﺒﺎﺩﻙ ﺳﻮﻑ ﻳﺸﺘﻜﻮﻥ ﻣﻨﻲ ﻭﻳﺴﺨﻄﻮﻥ ﻋﻠﻲّ ﻋﻨﺪ ﺃﺩﺍﺋﻲ ﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﻗﺒﺾ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ». ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻪ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ: «ﺳﺄﺿﻊ ﺑﻴﻨَﻚ ﻭﺑﻴﻦ ﻋﺒﺎﺩﻱ ﺳﺘﺎﺋﺮَ ﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻭﺍلأﻣﺮﺍﺽ ﻟﺘﺘﻮﺟﻪ ﺷﻜﺎﻭﺍﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ».

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﺗﺄﻣﻞ! ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍلأﻣﺮﺍﺽَ ﺳﺘﺎﺋﺮُ ﻳَﺮﺟﻊ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻳُﺘﻮﻫّﻢ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﻭﺉ ﻓﻲ ﺍلأﺟَﻞ، ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﻗﺒﺾ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ -ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ- ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﻋﺰﺭﺍﺋﻴﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ، ﻓﺈﻥ ﻋﺰﺭﺍﺋﻴﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﻫﻮ ﺍلآﺧﺮ ﺳﺘﺎﺭ، ﻓﻬﻮ ﺳﺘﺎﺭ لأﺩﺍﺀ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﻭﺣﺠﺎﺏ ﻟﻠﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ، ﺇﺫ ﺃﺻﺒﺢ ﻣﺮﺟِﻌﺎ ﻟﺤﺎلاﺕ ﺗﺒﺪﻭ ﻇﺎﻫﺮﺍ ﺃﻧﻬﺎ ﻏﻴﺮُ ﺫﺍﺕ ﺭﺣﻤﺔ ﻭلا ﺗﻠﻴﻖ ﺑﻜﻤﺎﻝ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﻌﺰّﺓ ﻭﺍﻟﻌﻈﻤﺔ ﺗﺴﺘﺪﻋﻴﺎﻥ ﻭﺿﻊَ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻌﻘﻞ، ﺇلا ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻭﺍﻟﺠـلاﻝ ﻳﺮﺩّﺍﻥ ﺃﻳﺪﻱ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ.

   ﺍﻟﻠﻤﻌﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

    ﺗﺄﻣَّﻞ ﻓﻲ ﺑﺴﺘﺎﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ، ﻭﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺟِﻨﺎﻥ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺭﺽ، ﻭﺃﻧﻌﻢ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺘـلأﻟﺌﺔ ﺑﺎﻟﻨﺠﻮﻡ، ﺗَﺮَ ﺃﻥ ﻟﻠﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺟﻞّ ﺟـلاﻟُﻪ ﺧﺘﻤﺎ ﺧﺎﺻﺎ ﺑﻤﻦ ﻫﻮ ﺻﺎﻧﻊُ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺼﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺗﻪ، ﻭﻋـلاﻣﺔً ﺧﺎﺻﺔً ﺑﻤﻦ ﻫﻮ ﺧﺎﻟﻖُ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺨﻠﻮﻕ ﻣﻦ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻪ، ﻭﺁﻳﺔً لا ﺗﻘﻠَّﺪ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍلأﺯﻝ ﻭﺍلأﺑﺪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻨﺸﻮﺭٍ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﺎﺕ ﻗﻠﻢ ﻗُﺪﺭﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺎﺋﻒ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻭﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ﻭﺻﻔﺤﺎﺕ ﺍﻟﺼﻴﻒ ﻭﺍﻟﺮﺑﻴﻊ. ﺳﻨﺬﻛﺮ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺧﺘﺎﻡ ﻭﺍﻟﻌـلاﻣﺎﺕ ﺑﻀﻌﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻧﻤﻮﺫﺟﺎ ﻟﻴﺲ ﺇلا.

ﺍﻧﻈﺮ ﻣﻤﺎ لا ﻳﺤﺼﻰ ﻣﻦ ﻋـلاﻣﺎﺗﻪ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌـلاﻣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺿﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ «ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ»: «ﺇﻧﻪ ﻳﺨﻠﻖ ﻣﻦ ﺷﻲﺀٍ ﻭﺍﺣﺪ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ، ﻭﻳﺨﻠﻖ ﻣﻦ ﻛﻞِّ ﺷﻲﺀٍ ﺷﻴﺌﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍ». ﻓﻤﻦ ﻣﺎﺀ ﺍﻟﻨﻄﻔﺔ ﺑﻞ ﻣﻦ ﻣﺎﺀ ﺍﻟﺸﺮﺏ، ﻳﺨﻠﻖ ﻣﺎ لا ﻳُﻌﺪ ﻣﻦ ﺃﺟﻬﺰﺓ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻭﺃﻋﻀﺎﺋﻪ، ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ لاﺷﻚ ﺃﻧﻪ ﺧﺎﺹ ﺑﻘﺪﻳﺮ ﻣﻄﻠﻖ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﺍلأﻃﻌﻤﺔ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ، ﺳﻮﺍﺀ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﻴﺔ، ﺇﻟﻰ ﺟﺴﻢ ﺧﺎﺹ ﺑﻨﻈﺎﻡ ﻛﺎﻣﻞ ﺩﻗﻴﻖ، ﻭﻧﺴﺞ ﺟﻠﺪ ﺧﺎﺹ ﻟﻠﻜﺎﺋﻦ ﻭﺃﺟﻬﺰﺓ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﻤﺘﻌﺪﺩﺓ لا ﺷﻚ ﺃﻧﻪ ﻋﻤﻞُ ﻗﺪﻳﺮ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﻋﻠﻴﻢ ﻣﻄﻠﻖ ﺍﻟﻌﻠﻢ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺧﺎﻟﻖ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻳﺪﻳﺮ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﺇﺩﺍﺭﺓً ﺣﻜﻴﻤﺔ ﺑﻘﺎﻧﻮﻥ ﺃﻣﺮﻱ ﻣﻌﺠِﺰ، ﺑﺤﻴﺚ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻄﺒّﻖ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻭﻳﻨﻔّﺬﻩ ﺇلا ﻣَﻦ ﻳﺼﺮّﻑ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺘﻪ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻨﻄﻔﺊ ﺟﺬﻭﺓ ﻋﻘﻠﻚ ﻭﻟﻢ ﺗﻔﻘﺪ ﺑﺼﻴﺮﺓَ ﻗﻠﺒﻚ ﻓﺴﺘﻔﻬﻢ ﺃﻥّ ﺟﻌﻞَ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪِ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻭﺍﻧﺘﻈﺎﻡ ﻛﺎﻣﻞ، ﻭﺟﻌﻞَ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﺷﻴﺌﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﺑﻤﻴﺰﺍﻥٍ ﺩﻗﻴﻖ ﻭﺍﻧﺘﻈﺎﻡ ﺭﺍﺋﻊ ﻭﺑﻤﻬﺎﺭﺓ ﻭﺇﺑﺪﺍﻉ، ﻟﻴﺲ ﺇلا ﻋـلاﻣﺔً ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻭﺁﻳﺔً ﺑﻴّﻨﺔ ﻟﺨﺎﻟﻖ ﻛﻞِّ ﺷﻲﺀ ﻭﺻﺎﻧِﻌﻪ.

ﻓﻠﻮ ﺭﺃﻳﺖ -ﻣﺜـلا- ﺃﻥ ﺃﺣﺪﺍ ﻳﻤﻠﻚ ﺃﻋﻤﺎلا ﺧﺎﺭﻗﺔ: ﻳﻨﺴﺞ ﻣﻦ ﻭﺯﻥِ ﺩﺭﻫﻢٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻄﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﻃَﻮﻝٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻮﻑ ﺍﻟﺨﺎﻟﺺ ﻭﺃﻃﻮﺍلا ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﻳﺮ ﻭﺃﻧﻮﺍﻋﺎ ﻣﻦ ﺍلأﻗﻤﺸﺔ، ﻭﺭﺃﻳﺖ ﺃﻧﻪ ﻳُﺨﺮﺝ -ﻋـلاﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ- ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﻄﻦ ﺣﻠﻮﻳﺎﺕ ﻟﺬﻳﺬﺓ ﻭﺃﻃﻌﻤﺔ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﺛﻢ ﺭﺃﻳﺖَ ﺃﻧﻪ ﻳﺄﺧﺬ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺘﻪ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ ﻭﺍﻟﺤﺠﺮ ﻭﺍﻟﻌﺴﻞ ﻭﺍﻟﺪﻫﻦ ﻭﺍﻟﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﺮﺍﺏ، ﻓﻴﺼﻨﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﺬﻫﺐ ﺍﻟﺨﺎﻟﺺ، ﻓﺴﺘَﺤﻜﻢ ﺣﺘﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻳﻤﻠﻚ ﻣﻬﺎﺭﺓً ﻣﻌﺠِﺰﺓ ﺗﺨﺼّﻪ ﻭﻗﺪﺭﺓً ﻣﻬﻴﻤﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺍلأﺭﺽ ﻣﺴﺨّﺮﺓ ﺑﺄﻣﺮﻩ، ﻭﺟﻤﻴﻊَ ﻣﺎ ﻳﺘﻮﻟﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﻣﻨﻔّﺬ ﻟﺤﻜﻤﻪ. ﻓﺈﻥ ﺗﻌﺠَﺐْ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺗﺠﻠﻲ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓِ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺣﻜﻤﺘِﻬﺎ ﻓﻲ «ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ» ﻟﻬﻮ ﺃﻋﺠﺐُ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺑﺄﻟﻒ ﻣﺮّﺓ.. ﻓﺈﻟﻴﻚ ﻋـلاﻣﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﻋـلاﻣﺎﺕ ﻋﺪﻳﺪﺓ ﻣﻮﺿﻮﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.

   ﺍﻟﻠﻤﻌﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

    ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ «ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ» ﺍﻟﻤﺘﺠﻮﻟﺔ ﻓﻲ ﺧﻀﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﻟﺔ، ﻭﺑﻴﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ، ﺗَﺮَ ﺃﻥ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲّ، ﺃﺧﺘﺎﻣﺎ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻭﺿَﻌﻬﺎ ﺍﻟﺤﻲُّ ﺍﻟﻘﻴﻮﻡ. ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺧﺘﻢ ﻭﺍﺣﺪٍ ﻣﻨﻬﺎ:

ﺇﻥّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺤﻲّ -ﻭﻟﻴﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥَ- ﻛﺄﻧﻪ ﻣﺜﺎﻝ ﻣﺼﻐَّﺮ ﻟﻠﻜﻮﻥ، ﻭﺛﻤﺮﺓ ﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﺨِﻠﻘﺔ، ﻭﻧﻮﺍﺓ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻢ، ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﺟﺎﻣﻊ ﻟﻤﻌﻈﻢ ﻧﻤﺎﺫﺝ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ. ﻭﻛﺄﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺤﻲّ ﻗﻄﺮﺓ ﻣﺤﻠﻮﺑﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻛﻠّﻪ، ﻣﺴﺘﺨﻠﺼﺔ ﺑﻤﻮﺍﺯﻳﻦ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﺣﺴﺎﺳﺔ، ﻟﺬﺍ ﻳﻠﺰﻡ ﻟﺨﻠﻖِ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺤﻲّ، ﻭﺗﺮﺑﻴﺘِﻪ ﻭﺭﻋﺎﻳﺘِﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻜﻮﻥُ ﻗﺎﻃﺒﺔ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﻭﺗﺤﺖ ﺗﺼﺮﻓﻪ. ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻘﻠُﻚ ﻏﺎﺭﻗﺎ ﻓﻲ ﺍلأﻭﻫﺎﻡ، ﻓﺴﺘﻔﻬﻢ ﺃﻥّ ﺟﻌﻞَ ﺍﻟﻨﺤﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﻛﻠﻤﺔً ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻓﻬﺮﺱ ﻣﺼﻐّﺮ ﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ.. ﻭﻛﺘﺎﺑﺔَ ﺃﻏﻠﺐ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻛﻴﺎﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺜّﻞ ﺻﺤﻴﻔﺔً ﻣﻦ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ.. ﻭﺇﺩﺭﺍﺝَ ﻣﻨﻬﺎﺝ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺘﻴﻦ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ ﻓﻲ ﺑُﺬﻳﺮﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﻧﻘﻄﺔً ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ.. ﻭﺇﺭﺍﺀﺓَ ﺁﺛﺎﺭ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺜﻞ ﺣﺮﻓﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ.. ﻭﺩﺭﺝَ ﻣﺎ ﺗﻀﻤّﻪ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﺿﺨﻤﺔ ﻣﻦ ﻣﻔﺼّﻞ ﺣﻴﺎﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺫﺍﻛﺮﺗﻪ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻐﺮ.. ﻛﻞُّ ﺫﻟﻚ ﺩﻭﻥ ﺷﻚ، ﺧﺘﻢ ﻳﺨﺺّ ﻣَﻦ ﻫﻮ ﺧﺎﻟﻖ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ.

ﻓﻠﺌﻦ ﺃﻇﻬﺮ ﺧﺘﻢٌ ﻭﺍﺣﺪ، ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺃﺧﺘﺎﻡٍ ﺭﺑﺎﻧﻴﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻋﻠﻰ  ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ  ﻧﻮﺭَﻩ ﺑﺎﻫﺮﺍ ﺣﺘﻰ ﺍﺳﺘﻘﺮﺃ ﺁﻳﺎﺗِﻪ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﻭﺍﺿﺤﺔ، ﻓﻜﻴﻒ ﺇﺫﺍ ﺍﺳﺘﻄﻌﺖَ ﺃﻥ ﺗﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺟﻤﻴﻊ «ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ» ﻭﺗﺸﺎﻫِﺪ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺧﺘﺎﻡ ﻣﻌﺎ، ﻭﺃﻥ ﺗﺮﺍﻫﺎ ﺩﻓﻌﺔً ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﺃﻣﺎ ﺗﻘﻮﻝ: «ﺳﺒﺤﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﺧﺘﻔﻰ ﺑﺸﺪﺓ ﻇُﻬﻮﺭﻩ»؟

   ﺍﻟﻠﻤﻌﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ

    ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﻠﻮّﻧﺔ ﺍﻟﺰﺍﻫﻴﺔ ﺍﻟﻤﺒﺜﻮﺛﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍلأﺭﺽ، ﻭﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﺤﺔ ﻓﻲ ﺑﺤﺮ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ، ﺗﺄﻣﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺟﻴﺪﺍ.. ﺗَﺮَ: ﺃﻥّ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻣﻨﻬﺎ ﻃﻐﺮﺍﺀ لا ﺗﻘﻠّﺪ ﻟﻠﻤﻨﻮّﺭ ﺍلأﺯﻟﻲ ﺟﻞّ ﻭﻋـلا. ﻓﻜﻤﺎ ﺗُﺸﺎﻫَﺪ ﻋﻠﻰ «ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ» ﺁﻳﺎﺗُﻪ ﻭﺷﺎﺭﺍﺗُﻪ، ﻭﻋﻠﻰ «ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ» ﺃﺧﺘﺎﻣُﻪ -ﻭﻗﺪ ﺭﺃﻳﻨﺎ ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻨﻬﺎ-، ﺗُﺸﺎﻫَﺪ ﺁﻳﺎﺕ ﻭﺷﺎﺭﺍﺕ ﺃﻳﻀﺎ ﻋﻠﻰ «ﺍلإﺣﻴﺎﺀ»، ﺃﻱ ﻣﻨﺢ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ. ﺳﻨﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ ﺑﻤﺜﺎﻝ، ﺇﺫ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻳﻘﺮِّﺏ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﻟـلأﻓﻬﺎﻡ:

ﺇﻧﻪ ﻳﺸﺎﻫَﺪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﺎﺑﺤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻀﺎﺀ، ﻭﻗﻄﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺎﺀ، ﻭﻗﻄﻊ ﺍﻟﺰﺟﺎﺝ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ، ﻭﺑﻠﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﺜﻠﺞ ﺍﻟﺒﺮﺍﻗﺔ.. ﻃﻐﺮﺍﺀ ﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺧﺘﻢ لاﻧﻌﻜﺎﺳﻬﺎ، ﻭﺃﺛﺮ ﻧﻮﺭﺍﻧﻲ ﺧﺎﺹ ﺑﻬﺎ، ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﺗﻘﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸُﻤَﻴﺴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺸﺮﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ، ﻫﻲ ﺍﻧﻌﻜﺎﺳﺎﺕ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺗﺠﻠّﻴﻬﺎ، ﻓﺴﺘﻀﻄﺮ ﺃﻥ ﺗﻘﺒﻞ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺷﻤﺲ ﺑﺎلأﺻﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻗﻄﺮﺓ، ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﻗﻄﻌﺔ ﺯﺟﺎﺝٍ ﻣﻌﺮّﺿﺔ ﻟﻠﻀﻮﺀ، ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﺫﺭﺓ ﺷﻔﺎﻓﺔ ﺗﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﻀﻮﺀ، ﻣﻤﺎ ﻳﻠﺰﻡ ﺗﺮﺩﻳﻚ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺒـلاﻫﺔ ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺠﻨﻮﻥ!

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﻠﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﻫﻮ ﻧﻮﺭُ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ «ﺍلإﺣﻴﺎﺀُ» ﻭﺇﻓﺎﺿﺔُ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻓﻬﻮ ﺁﻳﺔ ﺟﻠﻴﺔ ﻭﻃﻐﺮﺍﺀ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻳﻀﻌﻬﺎ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺫﻱ ﺣﻴﺎﺓ، ﺑﺤﻴﺚ ﻟﻮ ﺍﻓﺘُﺮﺽ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉُ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻭﺃﺻﺒﺢ ﻛﻞُّ ﺳﺒﺐ ﻓﺎﻋـلا ﻣﺨﺘﺎﺭﺍ ﻓﻠﻦ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﻣﻨﺢَ ﺣﻴﺎﺓٍ ﻟﻤﻮﺟﻮﺩ. ﺃﻱ ﺇﻧﻬﺎ ﺗﻌﺠَﺰ ﻋَﺠﺰﺍ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻋﻦ ﺃﻥ ﺗﻘﻠّﺪ ﺍﻟﺨﺘﻢَ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺍلإﺣﻴﺎﺀ. ﺫﻟﻚ لأﻥ ﻛﻞ ﺫﻱ ﺣﻴﺎﺓ ﻫﻮ ﺑﺤﺪّ ﺫﺍﺗﻪ ﻣﻌﺠﺰﺓ ﻣﻦ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ، ﺇﺫ ﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﻧﻘﻄﺔ ﻣﺮﻛﺰﻳﺔ «ﻛﺎﻟﺒﺆﺭﺓ» ﻟﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﺍﻟﺘﻲ ﻛﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺷﻌﺎﻉ ﻣﻦ ﻧﻮﺭﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ. ﻓﻠﻮ ﻟﻢ ﻳُﺴﻨَﺪ ﻣﺎ ﻳﺸﺎﻫَﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺤﻲّ ﻣﻦ ﺻﻨﻌﺔٍ ﺑﺪﻳﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ، ﻭﺣﻜﻤﺔٍ ﺑﺎﻟﻐﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ، ﻭﺗﺠﻞٍّ ﺑﺎﻫﺮ ﻟﺴﺮ ﺍلأﺣﺪﻳﺔ، ﺇﻟﻰ ﺍلأﺣﺪ ﺍﻟﺼﻤﺪ ﺟﻞّ ﺟـلاﻟُﻪ، ﻟﻠﺰﻡ ﻗﺒﻮﻝَ ﻗﺪﺭﺓٍ ﻓﺎﻃﺮﺓ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻣﺴﺘﺘﺮﺓ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺫﻱ ﺣﻴﺎﺓ، ﻭﻭﺟﻮﺩ ﻋﻠﻢٍ ﻣﺤﻴﻂ ﻭﺍﺳﻊ ﻓﻴﻪ، ﻣﻊ ﺇﺭﺍﺩﺓٍ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻗﺎﺩﺭﺓٍ ﻋﻠﻰ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﺑﻞ ﻳﺠﺐ ﻗﺒﻮﻝ ﻭﺟﻮﺩ ﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ، ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺤﻲ ﺫﺑﺎﺑﺔ ﺃﻭ ﺯﻫﺮﺓ! ﺃﻱ ﺇﻋﻄﺎﺀ ﺻﻔﺎﺕ ﺍلأﻟﻮﻫﻴﺔ ﻟﻜﻞ ﺫﺭﺓ ﻣﻦ ﺫﺭﺍﺕ ﺃﻱ ﻛﺎﺋﻦ! ﺃﻱ ﻗﺒﻮﻝُ ﺍﻓﺘﺮﺍﺿﺎﺕٍ ﻣﺤﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍلاﻓﺘﺮﺍﺿﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﺐ ﺍﻟﺴﻘﻮﻁَ ﺇﻟﻰ ﺃﺩﻧﻰ ﺑـلاﻫﺎﺕ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﻭﺣﻤﺎﻗﺎﺕ ﺍﻟﺨﺮﺍﻓﺔ! ﺫﻟﻚ لأﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺪ ﺃﻋﻄﻰ ﻟﺬﺭﺍﺕ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ -لا ﺳﻴﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓ ﻭﺍﻟﻨﻮﺍﺓ- ﻭﺿﻌﺎ ﻣﻌﻴﻨﺎ، ﻛﺄﻥّ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺬﺭﺓ ﺗﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺤﻲ ﻛﻠﻪ -ﺭﻏﻢ ﺃﻧﻬﺎ ﺟﺰﺀ ﻣﻨﻪ- ﻭﺗﺘﺨﺬ ﻣﻮﻗﻔﺎ ﻣﻌﻴﻨﺎ ﻭﻓﻖ ﻧﻈﺎﻣﻪ، ﺑﻞ ﺗﺘﺨﺬ ﻫﻴﺌﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﻔﻴﺪ ﺩﻭﺍﻡ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﻉ، ﻭﺍﻧﺘﺸﺎﺭﻩ ﻭﻧﺼﺐ ﺭﺍﻳﺘﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ، ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺘﻄﻠﻊ ﺇﻟﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﻓﻲ ﺍلأﺭﺽ -ﻓﺘﺰﻭﺩ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓ ﻣﺜـلا ﺑﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺟُﻨﻴﺤﺎﺕ لأﺟﻞ ﺍﻟﻄﻴﺮﺍﻥ ﻭﺍلاﻧﺘﺸﺎﺭ- ﻭﻳﺘﺨﺬ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺤﻲّ ﻣﻮﻗﻔﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﺘﺎﺟﻬﺎ لإﺩﺍﻣﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻭﺗﺮﺑﻴﺘﻪ ﻭﺭﺯﻗﻪ ﻭﻣﻌﺎﻣـلاﺗﻪ. ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺬﺭﺓُ ﻣﺄﻣﻮﺭﺓً ﻣﻦ ﻟﺪﻥ ﻗﺪﻳﺮ ﻣﻄﻠﻖ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ، ﻭﻗُﻄِﻌﺖ ﻧﺴﺒﺘُﻬﺎ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ، ﻟﺰﻡ ﺃﻥ ﻳُﻌﻄﻰ ﻟﻬﺎ ﺑﺼﺮ ﺗﺒﺼﺮ ﺑﻪ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ، ﻭﺷﻌﻮﺭ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ!!.

    ﺣﺎﺻﻞ ﺍﻟﻜـلاﻡ: ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻟﻮ ﻟﻢ ﺗُﺴﻨَﺪ ﺻُﻮﺭ ﺍﻟﺸُﻤﻴﺴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺸﺮﻗﺔ ﻭﺍﻧﻌﻜﺎﺳﺎﺕ ﺍلأﻟﻮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻄﺮﺍﺕ ﻭﻗﻄﻊ ﺍﻟﺰﺟﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﻗﺒﻮﻝ ﺷﻤﻮﺱ لا ﺗُﺤﺼﻰ ﺑﺪلا ﻣﻦ ﺷﻤﺲ ﻭﺍﺣﺪﺓ. ﻣﻤﺎ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﺑﺨﺮﺍﻓﺔ ﻣﺤﺎﻟﺔ؛ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳُﺴﻨﺪ ﺧﻠﻖُ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ، ﻟﻠﺰﻡ ﻗﺒﻮﻝُ ﺁﻟﻬﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﺑﻞ ﺑﻌﺪﺩ ﺫﺭﺍﺕ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺑﺪلا ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍلأﺣﺪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ. ﺃﻱ ﻗﺒﻮﻝُ ﻣﺤﺎﻝ ﺑﺪﺭﺟﺔ ﻣﺎﺋﺔ ﻣﺤﺎﻝ، ﺃﻱ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺍﻟﺴﻘﻮﻁ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻳﺎﻥ ﺍﻟﺠﻨﻮﻥ.

ﻧﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ: ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺫﺭﺓ ﺛـلاﺛﺔَ ﺷﺒﺎﺑﻴﻚ ﻧﺎﻓﺬﺓ ﻣﻔﺘّﺤﺔ ﺇﻟﻰ ﻧﻮﺭ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻞّ ﺟـلاﻟُﻪ ﻭﺇﻟﻰ ﻭﺟﻮﺏ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ: