ﺍلأﺻﻞ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ

ﺇﻥّ ﺣﺼﻴﻠﺔ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻣﺘﻮﺟﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﻮﺭ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻀﻴﻖ ﺍﻟﻤﻘﻴﺪ، ﻭﺍﻟﻘﺴﻢُ ﺍلآﺧﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻳﺮﻧﻮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلأﺧﺮﻭﻱ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ﺍﻟﻄﻠﻴﻖ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻗﺴﻤﺎ ﻣﻦ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻓﻲ ﻓﻀﺎﺋﻞ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﻗﺪ ﻋﺒّﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﺑﺄﺳﻠﻮﺏ ﺑـلاﻏﻲ ﻳﻨﺎﺳﺐ ﺍﻟﺘﺮﻏﻴﺐ ﻭﺍﻟﺘﺮﻫﻴﺐ، ﻓﻘﺪ ﻇﻦ ﻣَﻦ لا ﻳُﻨﻌﻢ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﺒﺎﻟﻐﺔ!. ﻛـلا، ﺇﻧﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻟﻌَﻴﻦُ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻣﺤﺾُ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺒﺎﻟﻐﺔ ﻗﻂ.

ﻣﺜﺎﻝ: ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﺮﺵُ ﺃﺫﻫﺎﻥ ﺍﻟﻤﺘﻌﺴﻔﻴﻦ ﻭﻳﺜﻴﺮُﻫﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍلآﺗﻲ: «ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗﻌﺪِﻝ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻨﺎﺡَ ﺑﻌﻮﺿﺔٍ ﻣﺎ ﺷَﺮﺏ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮُ ﻣﻨﻬﺎ ﺟُﺮﻋﺔ ﻣﺎﺀ». ﺃﻭ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ. ﻭﺣﻘﻴﻘﺘُﻪ ﻫﻲ:

ﺃﻥّ ﻛﻠﻤﺔ «ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ» ﺗﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ، ﻓﺎﻟﻨﻮﺭُ ﺍﻟﻤﻨﺒﺜﻖ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ، ﻭﻟﻮ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﺟﻨﺎﺡ ﺑﻌﻮﺿﺔ ﻫﻮ ﺃﻭﺳﻊُ ﻭﺃﻋﻢُّ، لأﻧﻪ ﺃﺑﺪﻱ، ﻣﻦ ﻧﻮﺭ ﻣﻮﻗﺖ ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻳﻤـلأ ﺍلأﺭﺽ. ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ لا ﻳﻌﻘﺪ ﻣﻮﺍﺯﻧﺔً ﺑﻴﻦ ﺟﻨﺎﺡ ﺍﻟﺒﻌﻮﺽ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﻤﻮﺍﺯﻧﺔُ ﻫﻲ ﺑﻴﻦ ﺩﻧﻴﺎ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ، ﻣﺤﺼﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﻋﻤﺮﻩ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮ، ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﺍﻟﻤﺸﻊ، ﻭﻟﻮ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﺟﻨﺎﺡ ﺑﻌﻮﺿﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻴﺾ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻭﺇﺣﺴﺎﻧﻪ ﺍﻟﻌﻤﻴﻢ.

ﺛﻢ ﺇﻥّ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻬﺎ ﻭﺟﻬﺎﻥ، ﺑﻞ ﺛـلاﺛﺔ ﺃﻭﺟﻪ:

ﺍلأﻭﻝ: ﻭﺟﻪ ﻛﺎﻟﻤﺮﺁﺓ ﺗﻌﻜﺲ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ.

ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻭﺟﻪ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍلآﺧﺮﺓ، ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺰﺭﻋﺔ ﺍلآﺧﺮﺓ.

ﺃﻣَّﺎ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﻓﻬﻮ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﺀ، ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍلأﺧﻴﺮ ﻫﻮ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺮﺿﻴّﺔ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ ﺑﺪﻧﻴﺎ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ.

ﺇﺫﻥ ﻓﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻛﻤﺮﺍﻳﺎ ﻟـلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻭﺭﺳﺎﺋﻞ ﺻﻤﺪﺍﻧﻴﺔ، ﻭلا ﻫﻲ ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﺰﺭﻋﺔ ﻟﻶ ﺧﺮﺓ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻧﻘﻴﺾُ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻭﻣﻨﺸﺄ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺨﻄﺎﻳﺎ ﻭﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﻭﻣﻨﺒﻊ ﻛﻞ ﺍﻟﺒـلاﻳﺎ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ، ﻫﻲ ﺩﻧﻴﺎ ﻋﺒﺪَﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻌﺪِﻝ ﺫﺭﺓً ﻭﺍﺣﺪﺓً ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍلآﺧﺮﺓ ﺍﻟﺴﺮﻣﺪﻱ ﺍﻟﻤﻤﻨﻮﺡ ﻟﻌﺒﺎﺩ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ. ﻓﺄﻳﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ ﺍﻟﺼﺎﺋﺒﺔ ﻣﻦ ﻓﻬﻢ ﺃﻫﻞ ﺍلإﻟﺤﺎﺩ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ﻟﻤﺎ ﻇﻨﻮﻩ ﻣﺒﺎﻟﻐﺔ؟!

ﻭﻣﺜﺎﻝ ﺁﺧﺮ: ﻫﻮ ﻣﺎ ﺫﻫﺐ ﺍﻟﻤﻠﺤﺪﻭﻥ ﻭﺗﻤﺎﺩﻭﺍ ﻓﻴﻪ ﺑﺘﻌﺴﻔﻬﻢ ﺣﻴﻦ ﻇﻨّﻮﺍ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻣﻦ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﺣﻮﻝ ﺛﻮﺍﺏ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﻭﻓﻀﺎﺋﻞ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺴﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﺒﺎﻟﻐﺔً ﻏﻴﺮ ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻗﺎﻟﻮﺍ ﺇﻧﻬﺎ ﻣﺤﺎﻟﺔ!

ﻓﻘﺪ ﻭﺭﺩ -ﻣﺜـلا- ﺃﻥ ﺳﻮﺭﺓ «ﺍﻟﻔﺎﺗﺤﺔ» ﻟﻬﺎ ﺛﻮﺍﺏ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﺳﻮﺭﺓ «ﺍلإﺧﻼص» ﺗﻌﺪِﻝ ﺛُﻠﺚ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﺳﻮﺭﺓ «ﺍﻟﺰﻟﺰﺍﻝ» ﺭﺑﻊ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﺳﻮﺭﺓ «ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻭﻥ» ﺭﺑﻊ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺳﻮﺭﺓ «ﻳﺲ» ﻟﻬﺎ ﺛﻮﺍﺏ ﻋﺸﺮﺓ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ. ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ لا ﻳُﻨﻌِﻤﻮﻥ ﺍﻟﻨﻈﺮَ ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻬﻢ ﺇﻧﺼﺎﻑ ﻭﺗﺮﻭٍّ ﻳﺪّﻋﻮﻥ ﺍﺳﺘﺤﺎﻟﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ! ﺇﺫ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﻛﻴﻒ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﺴﻮﺭﺓ «ﻳﺲ» ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﻭﻫﻲ ﺳﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺳﻮﺭ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﺎﺿﻠﺔ؟!

ﺇﻥ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ ﻫﻲ: ﺃﻥّ ﻟﻜﻞ ﺣﺮﻑ ﻣﻦ ﺣﺮﻭﻑ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺛﻮﺍﺑﺎ، ﻭﻫﻮ ﺣﺴﻨﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻭﻟﻜﻦ ﺑﻔﻀﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻛﺮﻣﻪ ﻳﺘﻀﺎﻋﻒ ﺛﻮﺍﺏُ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﻭﻳﺜﻤﺮ ﺣﻴﻨﺎ ﻋﺸﺮ ﺣﺴﻨﺎﺕ، ﻭﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﺳﺒﻌﻴﻦ، ﻭﺃﺧﺮﻯ ﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ (ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺣﺮﻭﻑ ﺁﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ) ﻭﺭﺍﺑﻌﺔ: ﺃﻟﻔﺎ ﻭﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ (ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺣﺮﻭﻑ ﺳﻮﺭﺓ ﺍلإﺧﻼص) ﻭﺧﺎﻣﺴﺔ: ﻋﺸﺮﺓ ﺁلاﻑ ﺣﺴﻨﺔ (ﻛﻘﺮﺍﺀﺓ ﺍلآﻳﺎﺕ ﻓﻲ ﺍلأﻭﻗﺎﺕ ﺍﻟﻔﺎﺿﻠﺔ ﻭﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﻨﺼﻒ ﻣﻦ ﺷﻌﺒﺎﻥ) ﻭﺳﺎﺩﺳﺔ: ﺛـلاﺛﻴﻦ ﺃﻟﻔﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺴﻨﺎﺕ (ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﺍلآﻳﺎﺕ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ) ﻓﺘﺘﻀﺎﻋﻒ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺴﻨﺎﺕ ﻛﻤﺎ ﺗﺘﻜﺎﺛﺮ ﺑﺬﻭﺭ ﺍﻟﺨﺸﺨﺎﺵ. ﻭﻳﻤﻜﻦ ﻓﻬﻢَ ﺗﻀﺎﻋﻒ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺇﻟﻰ ﺛـلاﺛﻴﻦ ﺃﻟﻔﺎ ﻣﻦ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ (ﺍﻟﻘﺪﺭ:٣).

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓـلا ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻘﺎﻳﺴﺔ ﻭلا ﻣﻮﺍﺯﻧﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﻊ ﻭﺟﻮﺩ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻀﺎﻋﻒ ﺍﻟﻌﺪﺩﻱ ﺍﻟﺘﺼﺎﻋﺪﻱ ﻟﻠﺜﻮﺍﺏ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﻣﻊ ﺃﺻﻞ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﻟﺒﻌﺾ ﺍﻟﺴﻮﺭ.

ﻭﻟﻨﻮﺿﺢ ﺫﻟﻚ ﺑﻤﺜﺎﻝ: ﻟﻨﻔﺮﺽ ﺃﻥ ﻣﺰﺭﻋﺔً ﺯُﺭﻋﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻟﻒُ ﺣﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺬُﺭﺓ، ﻓﻠﻮ ﺃﻧﺒﺘﺖ ﺑﻌﺾُ ﺣﺒﺎﺗﻬﺎ ﺳﺒﻊَ ﺳﻨﺎﺑﻞ (ﻋﺮﺍﻧﻴﺲ) ﻓﻲ ﻛﻞ ﺳﻨﺒﻠﺔ ﻣﺎﺋﺔ ﺣﺒﺔ، ﻓﺈﻥ ﺣﺒﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺭﺓ ﺗﻌﺪِﻝ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﺛُﻠﺜﻲ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺰﺭﻋﺔ. ﻭﻟﻮ ﻓﺮﺿﻨﺎ ﻣﺜـلا، ﺃﻥ ﺣﺒﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﺃﻧﺒﺘﺖ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﺎﺑﻞ (ﻋﺮﺍﻧﻴﺲ) ﻓﻲ ﻛﻞ ﺳﻨﺒﻠﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎﺋﺔُ ﺣﺒﺔ، ﻓﺈﻥ ﺣﺒﺔً ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻋﻨﺪ ﺫﻟﻚ ﺗﺴﺎﻭﻱ ﺿﻌﻒَ ﺍﻟﺤﺒﻮﺏ ﺍﻟﻤﺰﺭﻭﻋﺔ ﺃﺻـلا.. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻗﺲ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ.

ﻓﺎلآﻥ ﻧﺘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﺰﺭﻋﺔً ﺳﻤﺎﻭﻳﺔً ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻣﻘﺪّﺳﺔ، ﻛﻞُّ ﺣﺮﻑ ﻓﻴﻪ ﻣﻊ ﺛﻮﺍﺑﻪ ﺍلأﺻﻠﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺣﺒﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﺑﻐﺾ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺳﻨﺎﺑﻠﻬﺎ، ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﻃﺒﻘﺖَ ﻫﺬﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﻳﻤﻜﻨﻚ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻓﻀﺎﺋﻞ ﺍﻟﺴﻮﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺭﺩﺕْ ﺑﺤﻘﻬﺎ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ، ﺑﻤﻘﺎﺭﻧﺘﻬﺎ ﺑﺄﺻﻞ ﺣﺮﻭﻑ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ.

ﻣﺜﺎﻝ ﺫﻟﻚ: ﺇﻥ ﺣﺮﻭﻑ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺛـلاﺛﻤﺎﺋﺔ ﺃﻟﻒ ﻭﺳﺘﻤﺎﺋﺔ ﻭﻋﺸﺮﻭﻥ ﺣﺮﻓﺎ، ﻭﺣﺮﻭﻑَ ﺳﻮﺭﺓ ﺍلإﺧﻼص ﻣﻊ ﺍﻟﺒﺴﻤﻠﺔ ﺗﺴﻊ ﻭﺳﺘﻮﻥ ﺣﺮﻓﺎ، ﻓﺜـلاﺛﺔ ﺃﺿﻌﺎﻑ ﺗﺴﻊ ﻭﺳﺘﻴﻦ ﺗﺴﺎﻭﻱ ﻣﺎﺋﺘﻴﻦ ﻭﺳﺒﻌﺔ ﺣﺮﻭﻑ. ﺃﻱ ﺇﻥ ﺣﺴﻨﺎﺕ ﻛﻞ ﺣﺮﻑ ﻣﻦ ﺣﺮﻭﻑ ﺳﻮﺭﺓ ﺍلإﺧﻼص ﺗﻘﺎﺭﺏ ﺃﻟﻔﺎ ﻭﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﺣﺴﻨﺔ. ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺇﺫﺍ ﺣﺴﺒﺖَ ﺣﺮﻭﻑ ﺳﻮﺭﺓ «ﻳﺲ» ﻭﺃﺧﺬﺕَ ﺍﻟﻨﺴﺒﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻭﺑﻴﻦ ﻣﺠﻤﻮﻉ ﺣﺮﻭﻑ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﺃﺧﺬﻧﺎ ﺍﻟﺘﻀﺎﻋﻒ ﺇﻟﻰ ﻋﺸﺮﺓ ﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﺑﻨﻈﺮ ﺍلاﻋﺘﺒﺎﺭ، ﻧﺠﺪ ﺃﻥ ﻟﻜﻞ ﺣﺮﻑ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺭﺏ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﺣﺴﻨﺔ.

ﻓﺈﺫﺍ ﻗِﺴْﺖَ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻮﺍﻝ ﺑﻘﻴﺔ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﻓﻀﺎﺋﻞ ﺍﻟﺴﻮﺭ ﻓﻲ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﻓﺴﺘُﺪﺭﻙ ﻣﺪﻯ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺻﺎﺋﺒﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ، ﻭﻣﺪﻯ ﺑُﻌﺪﻫﺎ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻮﻣﺊ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺒﺎﻟﻐﺔ ﻭﺍلإﺳﺮﺍﻑ ﻓﻲ ﺍﻟﻜـلاﻡ.

ﺍلأﺻﻞ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮ

ﻗﺪ ﻳﻈﻬﺮ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻬﻢ ﺧﻮﺍﺭﻕ ﻓﻲ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﻭﺍلأﻓﻌﺎﻝ، ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻃﻮﺍﺋﻒ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ. ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻟﻔﺬ ﻫﺬﺍ ﻗﺪ ﺳﺒﻖ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﻭﺑﺰّﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺼـلاﺡ، ﻓﺴﻴﻜﻮﻥ ﻣﺒﻌﺚَ ﻓﺨﺮٍ ﻟﺒﻨﻲ ﺟﻨﺴﻪ ﻭﻣﺪﺍﺭَ ﺍﻋﺘﺰﺍﺯﻫﻢ، ﻭﺇلا ﻓﻬﻮ ﻧﺬﻳﺮُ ﺷﺆﻡ ﻭﺑـلاﺀ ﻋﻠﻴﻬﻢ. ﻓﻜﻞّ ﻣﻦ ﻫﺆلاﺀ ﺍلأﻓﺬﺍﺫ ﻳﻨﺒﺚُّ ﻛﺸﺨﺼﻴﺔ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻭﻳﺤﺎﻭﻝ ﺍلآﺧﺮﻭﻥ ﺗﻘﻠﻴﺪﻩ ﻓﻲ ﺃﻓﻌﺎﻟﻪ ﻭﻳﺠﺪّﻭﻥ ﻟﺒﻠﻮﻍ ﺷﺄﻭﻩ، ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻳﺒﻠﻎ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺒﻠﻐَﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺃﻭ ﺫﺍﻙ. ﻓﺎﻟﻘﻀﻴﺔُ ﺇﺫﻥ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ ﻫﻲ ﻗﻀﻴﺔ «ﻣﻤﻜﻨﺔ»، لإﻣﻜﺎﻥ ﻭﺟﻮﺩ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻟﺨﺎﺭﻕ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ، ﻭﺟﻮﺩﺍ ﻣﺨﻔﻴﺎ ﻭﻣﻄﻠﻘﺎ. ﺃﻱ ﺇﻧﻪ ﺃﺻﺒﺢ ﺷﺨﺼﺎ ﻛﻠﻴﺎ ﺑﻌَﻤﻠﻪ ﻫﺬﺍ، ﺃﻱ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻮﻟّﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻛﻬﺬﻩ.

ﻓﺎﻧﻈﺮ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ ﻧﺒﻮﻳﺔ ﺷﺮﻳﻔﺔ ﻭﺭﺩﺕ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ: ﻣَﻦ ﺻﻠﻰ ﺭﻛﻌﺘﻴﻦ ﻛﺬﺍ ﻓﻠﻪ ﺃﺟﺮ ﺣِﺠﺔ. ﺃﻱ ﺛﻮﺍﺏ ﺭﻛﻌﺘﻴﻦ ﻓﻲ ﺃﻭﻗﺎﺕ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻳﻘﺎﺑﻞ ﺣِﺠﺔ، ﻫﺬﻩ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔ. ﻓﻴﺠﻮﺯ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﺗﺤﻤﻞ ﻛﻞُّ ﺭﻛﻌﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﺑﺎﻟﻜﻠﻴﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻮﻗﻮﻉ ﺍﻟﻔﻌﻠﻲ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ ﻟﻴﺲ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﻭلا ﻛﻠﻴﺎ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻟﻠﻘﺒﻮﻝ ﺷﺮﺍﺋﻄﻪ ﺍﻟﻤﻌﻴﻨﺔ. ﻟﺬﺍ ﺗﻨﺘﻔﻲ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ ﺻﻔﺔُ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﻳﻤﻮﻣﺔ؛ ﻓﻬﻲ ﺇﻣﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻣﻮﻗﺘﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ؛ ﺃﻭ ﻫﻲ ﻗﻀﻴﺔ ﻣﻤﻜﻨﺔ، ﻛﻠﻴﺔ. ﻭﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍلإﻣﻜﺎﻥ ﺍلاﻋﺘﺒﺎﺭﻱ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ: «ﺍﻟﻐﻴﺒﺔ ﻛﺎﻟﻘﺘﻞ». ﺃﻱ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺑﺎﻟﻐﻴﺒﺔ ﺳﻤﺎ ﺯﻋﺎﻓﺎ ﻗﺎﺗـلا. ﻭﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ: «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻄﻴﺒﺔ ﺻﺪﻗﺔ ﻛﻌﺘﻖ ﺭﻗﺒﺔ».

ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﺇﻳﺮﺍﺩ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺼﻴﻐﺔ ﻫﻲ: ﺇﺑﺮﺍﺯ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﻭﻗﻮﻉ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻔﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ ﻭﻓﻲ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ، لأﻧﻪ ﺃﺑﻠﻎُ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﻏﻴﺐ ﻭﺍﻟﺘﺮﻫﻴﺐ ﻭﺃﻛﺜﺮُ ﺣﻀﺎ ﻟﻠﻨﻔﻮﺱ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺃﺷﺪُّ ﺗﺠﻨﻴﺒﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮ.

ﺛﻢ ﺇﻥّ ﺷﺆﻭﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلأﺑﺪﻱ لا ﺗﻮﺯَﻥ ﺑﻤﻘﺎﻳﻴﺲ ﻋﺎﻟﻤﻨﺎ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ، ﺇﺫ ﺇﻥّ ﺃﺿﺨﻢ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﺻﻐﺮَ ﺷﻲﺀ ﻫﻨﺎﻙ ﻭلا ﻳﻮﺍﺯﻳﻪ. ﻓﺜﻮﺍﺏُ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﻧﻈﺮﺍ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻳﺘﻄﻠﻊ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلأﺑﺪﻱ ﻓﺈﻥ ﻧﻈﺮﺗﻨﺎ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﺍﻟﻀﻴﻘﺔ ﺗﻐﺪﻭ ﻗﺎﺻﺮﺓً ﺩﻭﻧﻪ، ﻓﻨﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﻮﻋﺒﻪ ﺑﻌﻘﻮﻟﻨﺎ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ.

ﻓﻤﺜـلا: ﻫﻨﺎﻙ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺗُﻠﻔﺖُ ﺃﻧﻈﺎﺭَ ﻣﻦ لا ﻳﺪﻗﻘﻮﻥ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻭلا ﻳُﻨﺼﻔﻮﻥ ﻓﻲ ﺃﺣﻜﺎﻣﻬﻢ. ﻫﻲ: «ﻣﻦ ﻗﺮﺃ ﻫﺬﺍ ﺃﻋﻄﻲ ﻟﻪ ﻣﺜﻞ ﺛﻮﺍﺏ ﻣﻮﺳﻰ، ﻭﻫﺎﺭﻭﻥ»، ﺃﻱ «ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﺭﺏّ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺭﺏ ﺍلأﺭﺿﻴﻦ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻭﻟﻪ ﺍﻟﻜﺒﺮﻳﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ. ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﺭﺏ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺭﺏ ﺍلأﺭﺿﻴﻦ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻭﻟﻪ ﺍﻟﻌﻈﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﻭﻟﻪ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺭﺏّ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ».

ﻓﺤﻘﻴﻘﺔ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺜﻴﺮ ﺍلأﺫﻫﺎﻥ ﻫﻲ: ﺃﻧﻨﺎ لا ﻧﺪﺭﻙ ﻣﺪﻯ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺎﻟُﻪ ﻧﺒﻴﺎﻥ ﻋﻈﻴﻤﺎﻥ ﻫﻤﺎ ﻣﻮﺳﻰ ﻭﻫﺎﺭﻭﻥ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﺇلا ﺣﺴﺐ ﺗﺼﻮّﺭﻧﺎ ﻭﻭﻓﻖ ﺇﻃﺎﺭ ﻓﻜﺮﻧﺎ ﺍﻟﻀﻴﻖ ﻭﺿﻤﻦ ﺣﺪﻭﺩ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﺍﻟﻘﺎﺻﺮ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻱ؛ ﻟﺬﺍ ﻓﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺎﻟﻪ ﻋﺒﺪ ﻋﺎﺟﺰ ﻣﻄﻠﻖ ﺍﻟﻌﺠﺰ ﺑﻘﺮﺍﺀﺗﻪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮِﺭﺩ، ﻣﻦ ﺭﺏٍّ ﺭﺣﻴﻢ ﻭﺍﺳﻊ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ، ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺓ ﺧﺎﻟﺪﺓ ﺃﺑﺪﻳﺔ، ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻤﺎﺛـلا ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺼﻮّﺭﻧﺎﻩ ﺑﻌﻘﻮﻟﻨﺎ ﺍﻟﻘﺎﺻﺮﺓ ﻟﻠﻨﺒﻴﻴﻦ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﻴﻦ، ﻭﺫﻟﻚ ﺣﺴﺐ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﻭﺃﻓﻖ ﺗﻔﻜﻴﺮﻧﺎ.

ﻣﺜَﻠُﻨﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﻛﻤﺜﻞ ﺑﺪﻭﻱ ﻟﻢ ﻳﺮ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻭلا ﻳُﺪﺭﻙ ﻋﻈﻤﺘَﻪ ﻭﺃﺑّﻬﺘﻪ، ﻭﻓﻲ ﻧﻈﺮﻩ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩ ﻭﻓﻜﺮﻩ ﺍﻟﻀﻴﻖ، ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺷﺨﺺ ﻛﺸﻴﺦ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﻨﻪ ﺑﻘﻠﻴﻞ. ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﺣﻮﺍﻟﻴﻨﺎ -ﻓﻲ ﺷﺮﻗﻲ ﺍلأﻧﺎﺿﻮﻝ- ﻗﺮﻭﻳﻮﻥ ﺳﺬّﺝ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﺇﻥ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻳﺠﻠﺲ ﻗﺮﺏ ﺍﻟﻤﻮﻗﺪ ﻭﻳﺸﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﻃﺒﻴﺨﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ.. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺃﻗﺼﻰ ﻣﺎ ﻳﺘﺼﻮﺭﻩ ﺍﻟﺒﺪﻭﻱّ ﻟﻌﻈﻤﺔ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ لا ﻳﺮﻗﻰ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺁﻣﺮ ﻓﻮﺝ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻴﺶ.. ﻓﻠﻮ ﻗﻴﻞ لأﺣﺪ ﻫﺆلاﺀ: ﺇﺫﺍ ﺃﻧﺠﺰﺕَ ﻟﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻓﺴﺄﻛﺎﻓﺌﻚ ﺑﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ (ﺃﻱ ﺑﻤﻜﺎﻧﺔ ﺁﻣﺮ ﺍﻟﻔﻮﺝ) ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻭﺻﻮﺍﺏ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﻋﻈﻤﺔ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻓﻲ ﺫﻫﻦ ﺍﻟﺴﺎﻣﻊ ﻭﻓﻲ ﻓﻜﺮﻩ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩ ﻫﻲ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﻋﻈﻤﺔ ﺁﻣﺮ ﺍﻟﻔﻮﺝ ﻟﻴﺲ ﺇلا.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻨﺤﻦ لا ﻧﻜﺎﺩ ﻧﻔﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺪﻭﻱ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻓﻲ ﺛﻮﺍﺏ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﺍلآﺧﺮﺓ، ﺑﻌﻘﻮﻟﻨﺎ ﺍﻟﻀﻴﻘﺔ ﻭﺑﺄﻓﻜﺎﺭﻧﺎ ﺍﻟﻘﺎﺻﺮﺓ ﻭﺑﻨﻈﺮﻧﺎ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻱ ﺍﻟﻜﻠﻴﻞ؛ ﺇﺫ ﺇﻥ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﻋﻘﺪ ﻟﻤﻮﺍﺯﻧﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺎﻟُﻪ ﻣﻮﺳﻰ ﻭﻫﺎﺭﻭﻥ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺍﻟﺴـلاﻡ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﺠﻬﻮﻝ ﻟﺪﻳﻨﺎ، ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺎﻟﻪ ﺍﻟﻌﺒﺪُ ﺍﻟﺬﺍﻛﺮ ﻟﻠﻮﺭﺩ؛ لأﻥ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﻫﻲ ﻗﻴﺎﺱُ ﺍﻟﻤﺠﻬﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ، ﺃﻱ ﺇﺩﺭﺍﻙُ ﺣُﻜﻢ ﺍﻟﻤﺠﻬﻮﻝ ﻣﻦ ﺣُﻜﻢ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ. ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻮﺍﺯﻧﺔ ﻫﻲ ﺑﻴﻦ ﺛﻮﺍﺑﻬﻤﺎ «ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ» ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺣﺴﺐ ﺗﺼﻮّﺭﻧﺎ، ﻭﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻠﻌﺒﺪ ﺍﻟﺬﺍﻛﺮ «ﺍﻟﻤﺠﻬﻮﻝ» ﻋﻨﺪﻧﺎ.

ﺛﻢ ﺇﻥّ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺔ ﻣﻦ ﺳﻄﺢ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﻭﻣﻦ ﻗﻄﺮﺓ ﻣﺎﺀ ﻫﻲ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓُ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻭﺍﻟﻔﺮﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻮﻋﻴﺔ ﻓﻘﻂ. ﻓﻜـلاﻫﻤﺎ ﻳﻌﻜﺴﺎﻥ ﺻﻮﺭﺓَ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺿﻮﺀﻫﺎ، ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺭﻭﺡ ﻛﻞٍّ ﻣﻦ ﻣﻮﺳﻰ ﻭﻫﺎﺭﻭﻥ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﺮﺁﺓ ﺻﺎﻓﻴﺔ ﻛﺎﻟﺒﺤﺮ ﺗﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﻣﺎ ﻳﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺍﻟﺬﺍﻛﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻛﻘﻄﺮﺓ ﻣﺎﺀ. ﻓﻜـلاﻫﻤﺎ ﺛﻮﺍﺏ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﺎﻫﻴﺔ ﻭﺍﻟﻜﻤﻴﺔ ﺇلا ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻮﻋﻴﺔ ﺗﺨﺘﻠﻒ، ﺇﺫ ﺗﺘﺒﻊ ﺍﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺔ.

ﺛﻢ ﺇﻥّ ﺗﺮﺩﻳﺪ ﺫﻛﺮٍ ﻭﺗﺴﺒﻴﺢ ﻣﻌﻴﻦ، ﺃﻭ ﺗـلاﻭﺓ ﺁﻳﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻗﺪ ﺗﻔﺘﺢ ﻣﻦ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻣﺎ لا ﺗﻔﺘﺤﻪ ﻋﺒﺎﺩﺓُ ﺳﺘﻴﻦ ﺳﻨﺔ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﺎلاﺕ ﺗﻤﻨﺢ ﻓﻴﻬﺎ ﺁﻳﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻮﺍﺋﺪ ﻣﺎ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻛﻠﻪ.

ﺛﻢ ﺇﻥّ ﺍﻟﻔﻴﻮﺿﺎﺕ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﺑﺘـلاﻭﺗﻪ ﺁﻳﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺴﺎﻭﻳﺔ ﻟﻔﻴﺾ ﺇﻟﻬﻲ ﻛﺎﻣﻞ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻲ ﺁﺧﺮ؛ ﺇﺫ ﻫﻮ صلى الله عليه وسلم ﻣﻮﺿﻊ ﺗﺠﻠﻲ ﺍلاﺳﻢ ﺍلأﻋﻈﻢ. ﻓﺈﺫﺍ ﻗﻴﻞ ﺇﻥّ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺍﻟﺬﺍﻛﺮ ﻗﺪ ﺗﻌﺮﺽ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺤﺔٍ ﻣﻦ ﻇﻞ ﺍلاﺳﻢ ﺍلأﻋﻈﻢ ﺑﻔﻀﻞ ﻭﺭﺍﺛﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﻧﺎﻝ ﺛﻮﺍﺑﺎ ﺑﻬﺎ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﻗﺎﺑﻠﻴﺘﻪ، ﺑﻘﺪﺭ ﺍﻟﻔﻴﺾ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻲ ﺁﺧﺮ، ﻓﻠﻴﺲ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺧـلاﻑ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﻗﻂ.

ﺛﻢ ﺇﻥّ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﻭﺍلأﺟﺮ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﺤﺼﺮ ﻋﺎﻟﻢ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﺫﺭﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﺑﻤﺜﻞ ﺍﻧﺤﺼﺎﺭ ﺻﻮﺭﺓِ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺑﻨﺠﻮﻣﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﻄﻌﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺯﺟﺎﺝ ﻭﺭﺅﻳﺘﻬﺎ ﻓﻴﻬﺎ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻘﺮﺍﺀﺓُ ﺁﻳﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺃﻭ ﺫﻛﺮ ﻣﻌﻴﻦ ﺑﻨﻴﺔٍ ﺧﺎﻟﺼﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻮﻟّﺪ ﺷﻔﺎﻓﻴﺔً ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻭﺡ -ﻛﺎﻟﺰﺟﺎﺝ- ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﺴﺘﻮﻋﺐ ﺛﻮﺍﺑﺎ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺎ ﻛﺎﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ.

ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ: ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻨﺎﻇﺮ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺑﻌﻴﻦ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﻭﺍﻟﺘﺠﺮﻳﺢ ﻭﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺗﺪﻗﻴﻖ، ﻭﻳﺎ ﺫﺍ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻮﺍﻫﻲ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻤﻤﻠﻮﺀ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ  ﺃﻧﺼِﻒْ ﻗﻠﻴـلا! ﺃﺩِﻡ ﺍﻟﻨﻈﺮَ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺻﻮﻝ ﺍﻟﻌﺸﺮﺓ، ﻭﺇﻳﺎﻙ ﺃﻥ ﺗﻤﺪّ ﺇﺻﺒﻊ ﺍﻋﺘﺮﺍﺿﻚ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻭﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺨﻞ ﺑﻤﺮﺗﺒﺔ ﻋﺼﻤﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻟﻠﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﺑﺤُﺠﺔِ ﻣﺎ ﺗﺮﺍﻩ ﻓﻲ ﺭﻭﺍﻳﺔٍ ﻣﻦ ﺧـلاﻑ ﻗﻄﻌﻲ ﻟﻠﻮﺍﻗﻊ ﻭﻣﻨﺎﻓﺎﺓ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍلأﺻﻮﻝ ﺍﻟﻌﺸﺮﺓ، ﻭﻣﻴﺎﺩﻳﻦ ﺗﻄﺒﻴﻘﻬﺎ ﺗﺠﻌﻠﻚ ﺗﺘﺨﻠﻰ ﻋﻦ ﺍلإﻧﻜﺎﺭ، ﻭﺗﻜﻔّﻚ ﻋﻦ ﺍﻟﺮﻓﺾ ﺃﻭلا. ﺛﻢ ﺗﺨﺎﻃﺒﻚ: ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﻘﺼﻴﺮ ﺣﻘﻴﻘﻲ، ﻓﻬﺬﺍ ﺭﺍﺟﻊ ﺇﻟﻴﻨﺎ (ﺃﻱ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺻﻮﻝ) ﻭﻟﻴﺲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﻗﻄﻌﺎ. ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺛﻤﺔ ﺗﻘﺼﻴﺮ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻓﻬﻮ ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺳﻮﺀ ﻓﻬﻤﻚ ﺃﻧﺖ

ﻭﺣﺎﺻﻞ ﺍﻟﻜـلاﻡ: ﺇﻥ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﺮﺳﻞ ﻓﻲ ﺍلإﻧﻜﺎﺭ ﻭﺍﻟﺮﻓﺾ، ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﻔﻨّﺪ ﺍلأﺻﻮﻝ ﺍﻟﻌﺸﺮﺓ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﻭﺇلا ﻓـلا ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍلإﻧﻜﺎﺭ. ﻓﺈﻥ ﻛﻨﺖ ﻣﻨﺼﻔﺎ ﺣﻘﺎ ﻓﺘﺄﻣﻞ ﺟﻴﺪﺍ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺻﻮﻝ ﺍﻟﻌﺸﺮﺓ، ﻭﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ لا ﺗﻨﻬﺾ لإﻧﻜﺎﺭ ﺣﺪﻳﺚ ﻧﺒﻮﻱ ﻳﺮﺍﻩ ﻋﻘﻠُﻚ ﻣﺨﺎﻟﻔﺎ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ، ﺑﻞ ﻗﻞ: ﺭﺑﻤﺎ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻟﻪ، ﺃﻭ ﺗﺄﻭﻳﻞ، ﺃﻭ ﺗﻌﺒﻴﺮ، ﻭَﺩَﻉِ ﺍلاﻋﺘﺮﺍﺽ!

ﺍلأﺻﻞ ﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﻋﺸﺮ

ﻛﻤﺎ ﺃﻥّ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺁﻳﺎﺕٍ ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺎﺕٍ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺗﺄﻭﻳﻞ ﺃﻭ ﺗﻄﻠﺐ ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢَ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ، ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﻣﺸﻜـلاﺕ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻭﺗﻌﺒﻴﺮ ﺩﻗﻴﻘﻴﻦ. ﻭﻳﻤﻜﻨﻚ ﺍلاﻛﺘﻔﺎﺀ ﺑﺎلأﻣﺜﻠﺔ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﻴَﻘِﻆَ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﺭﺅﻳﺎ ﺍﻟﻨﺎﺋﻢ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻨﺎﺋﻢُ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﻤﻊ ﻣَﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﻘﻈﻴﻦ ﻗﺪ ﻳﻄﺒﻖ ﻛـلاﻣَﻬﻢ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻣﻪ، ﻓﻴﻌﺒّﺮ ﻋﻨﻪ ﺑﻤﺎ ﻳـلاﺋﻤﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻮﻡ.

ﻓﻴﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﻨﻮَّﻡ ﺑﺎﻟﻐﻔﻠﺔ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ، ﻭﻳﺎ ﻋﺪﻳﻢَ ﺍلإﻧﺼﺎﻑ! ﺇﻥّ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺣﻘﻪ:﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى﴾ (ﺍﻟﻨﺠﻢ:17)  ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻝ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ «ﺗﻨﺎﻡُ ﻋﻴﻨﺎﻱ ﻭلا ﻳﻨﺎﻡُ ﻗﻠﺒﻲ» ﻫﻮ ﺍﻟﻴﻘﻈﺎﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ. ﻓـلا ﺗُﻨﻜِﺮ ﻣﺎ ﻳﺮﺍﻩ ﻫﻮ، ﺑﻞ ﻋَﺒّﺮ ﻋﻨﻪ ﻭﺟِﺪْ ﺗﻌﺒﻴﺮﺍ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺭﺅﻳﺎﻙ، ﻭﺍﻟﺘﻤﺲ ﻟﻪ ﺗﻔﺴﻴﺮﺍ. ﺇﺫ ﻟﻮ ﻟﺴﻌﺖْ ﺑﻌﻮﺿﺔ ﺷﺨﺼﺎ ﻧﺎﺋﻤﺎ، ﻓﺈﻥ ﺁﺛﺎﺭ ﺫﻟﻚ ﺗﻈﻬﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻗﺪ ﺟُﺮﺡ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﺏ. ﻭﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺍﺳﺘُﻔﺴﺮ ﻋﻨﻪ ﺑﻌﺪ ﺻﺤﻮِﻩ، ﻓﺴﻴﻘﻮﻝ: ﻧﻌﻢ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﺣﺮﺏ ﺩﺍﻣﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺪﺍﻓﻊ ﻣﺼﻮّﺑﺔ ﻧﺤﻮﻱ! ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻴﻘﻈﻮﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺣﻮﻟَﻪ ﻳﺄﺧﺬﻭﻥ ﺍﺿﻄﺮﺍﺑﻪ ﻫﺬﺍ ﻣﺄﺧﺬَ ﺍلاﺳﺘﻬﺰﺍﺀ. ﻓﻨﻈﺮُ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﺍﻟﻤﻨﻮِّﻣﺔ ﻭﻓﻜﺮُ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﺎ ﻗﻄﻌﺎ ﻣَﺤَﻜَّﺎ ﻟﻠﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ.

ﺍلأﺻﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺸﺮ

ﺇﻥّ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻭﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻳﺮﻯ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻓﻲ ﻧﻮﺭ ﺍلأﻟﻮﻫﻴﺔ ﻭﺍلآﺧﺮﺓ ﻭﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻜﻮﻥ، لأﻧﻪ ﻣﺘﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻌﻠﻢُ ﺍﻟﺘﺠﺮﻳﺒﻲ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻓﺈﻧّﻪ ﻳﺮﻯ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﻭﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، لأﻧﻪ ﻣُﺘﻮَﺟّﻪ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﻓﺎﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺇﺫﻥ ﺑﻴﻦ ﺯﺍﻭﻳﺘﻲ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺑﻌﻴﺪﺓ ﺟﺪﺍ. ﻓﺮُﺏّ ﻏﺎﻳﺔٍ ﻋﻈﻴﻤﺔٍ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻟﺪﻯ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺗﺎﻓﻬﺔٌ ﻭﺻﻐﻴﺮﺓ لا ﺗﻜﺎﺩ ﺗﺮﻯ ﺑﻴﻦ ﻣﻘﺎﺻﺪ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﻋﻠﻢ ﺍﻟﻜـلاﻡ. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻓﻘﺪ ﺗﻘﺪﻡ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺘﺠﺮﻳﺒﻲ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺧﻮﺍﺹ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻬﺎ ﻭﺃﻭﺻﺎﻓﻬﺎ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺗﺨﻠّﻔﻮﺍ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﺣﺘﻰ ﻋﻦ ﺃﺑﺴﻂ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻭﺃﻗﻠِّﻬﻢ ﻋﻠﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻝ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ.

ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ لا ﻳﺪﺭﻛﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮّ، ﻳﻈﻨﻮﻥ ﺃﻥّ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻣﺘﺄﺧﺮﻭﻥ ﻋﻦ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﺍﻟﻔـلاﺳﻔﺔ. ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻥ ﻣﻦ ﺍﻧﺤﺪﺭﺕ ﻋﻘﻮﻟُﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﻋﻴﻮﻧﻬﻢ ﻭﺃﺻﺒﺤﻮﺍ لا ﻳﻔﻜﺮﻭﻥ ﺇلا ﺑﻤﺎ ﻳﺮﻭﻥ، ﻭﻏﺮﻗﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﺃﻧّﻰ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺠُﺮﺃﺓ ﻟﻴﻠﺤﻘﻮﺍ ﺑﻮَﺭﺛﺔ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺑﻠﻐﻮﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﺻﺪ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻭﻏﺎﻳﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺘﻴﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔﺘﻴﻦ، ﻓـلاﺷﻚ ﻣﻦ ﻇﻬﻮﺭ ﺣﻘﻴﻘﺘﻴﻦ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺘﻴﻦ، ﻭﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﻛﻠﺘﺎﻫﻤﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔ. ﻭﺣﺘﻤﺎ لا ﺗﺘﻌﺎﺭﺽ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻗﺎﻃﻌﺔ ﻣﻊ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، ﺇﺫ ﺍﻟﻴﺪُ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮﺓ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﺍﻟﺘﺠﺮﻳﺒﻲ ﻗﺎﺻﺮﺓ ﻋﻦ ﺑﻠﻮﻍ ﺃﻫﺪﺍﺏِ ﻃﺮﻑٍ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﺍﻟﻤﻨﺰّﻫﺔ. ﻭﺳﻨﻮﺭﺩ ﻣﺜﺎلا ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻓﻘﻂ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ:

ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻫﻲ: ﺃﻧﻬﺎ ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺤﺠﻢ ﺍﻟﻤﺘﻮﺳﻂ، ﺗﺪﻭﺭ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﻭﻫﻲ ﺟِﺮﻡ ﺻﻐﻴﺮ ﻗﻴﺎﺳﺎ ﺑﺎﻟﻜﻮﺍﻛﺐ ﻭﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻌﺪ ﻭلا ﺗﺤﺼﻰ. ﺃﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﺑﻨﻈﺮ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﺤﻘﻴﻘﺘُﻬﺎ ﻫﻲ ﻛﻤﺎ ﻭﺿﺤّﺘﻬﺎ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮﺓ»:

ﺇﻥّ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﻟﻄﻒُ ﺛﻤﺮﺓ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ، ﻭﻣﻌﺠﺰﺓ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﻦ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﻭﺃﺑﺪﻉُ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻭﺃﻋﺰُّﻫﺎ ﻭﺃﻟﻄﻔُﻬﺎ، ﻣﻊ ﺃﻧﻪ ﺃﻋﺠﺰُﻫﺎ ﻭﺃﺿﻌﻔُﻬﺎ.. ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻳﻌﻴﺶ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺭﺽ، ﻓﺎلأﺭﺽ ﺇﺫﻥ ﻣﻬﺪ ﻟﻬﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻓﻬﻲ ﻣﻊ ﺻﻐﺮﻫﺎ ﻭﺣﻘﺎﺭﺗﻬﺎ ﻗﻴﺎﺳﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻭﺟﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻭﺍﻟﻤﻐﺰﻯ ﻭﺍلإﺑﺪﺍﻉ؛ ﺣﺘﻰ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺑﺎﻟﻤﻨﻈﻮﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ: ﻗﻠﺐَ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﻣﺮﻛﺰَﻩ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ.. ﻭﻣﻌﺮﺽَ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓ.. ﻭﻣﻮﺿﻊَ ﺗﺠﻠﻲ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻛﻠﻬﺎ، ﺣﺘﻰ ﻟﻜﺄﻧﻬﺎ ﺍﻟﺒﺆﺭﺓُ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻟﺘﻠﻚ ﺍلأﻧﻮﺍﺭ.. ﻭﻣﺤﺸﺮُ ﺍلأﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﻣﺮﺁﺗُﻬﺎ.. ﻭﺳﻮﻕ ﻭﺍﺳﻌﺔ لإﺑﺮﺍﺯ ﺍﻟﺨـلاﻗﻴﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ، ﻭلا ﺳﻴﻤﺎ ﺇﻳﺠﺎﺩُﻫﺎ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﺑﻜﻞ ﺟﻮﺩ ﻭﻛﺮﻡ.. ﻭﻧﻤﻮﺫﺝ ﻣﺼﻐّﺮ ﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﻋﺎﻟﻢ ﺍلآﺧﺮﺓ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ﺍﻟﻔﺴﻴﺢ.. ﻭﻣﺼﻨﻊ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻗﺼﻮﻯ لإﻧﺘﺎﺝ ﻣﻨﺴﻮﺟﺎﺕ ﺧﺎﻟﺪﺓ.. ﻭﻣﻮﺿﻊُ ﻋﺮﺽ ﻟﻨﻤﺎﺫﺝ ﺍﻟﻤﻨﺎﻇﺮ ﺍﻟﺴﺮﻣﺪﻳﺔ ﺍﻟﻤﺘﺒﺪﻟﺔ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ.. ﻭﻣﺰﺭﻋﺔ ﺿﻴﻘﺔ ﻣﺆﻗﺘﺔ لاﺳﺘﻨﺒﺎﺕ ﺑُﺬﻳﺮﺍﺕ ﺗُﺮﺑّﻰ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻟﻠﺒﺴﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ.

ﻟﻬﺬﺍ ﻛﻠّﻪ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥُ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍلأﺭﺽَ ﺻﻨﻮﺍ ﻟﻠﺴﻤﺎﻭﺍﺕ، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻋﻈﻤﺘُﻬﺎ ﻣﻌﻨﻰً ﻭﺃﻫﻤﻴﺘُﻬﺎ ﺻﻨﻌﺔً. ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﺛﻤﺮﺓ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻟﺸﺠﺮﺓ ﺿﺨﻤﺔ، ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﻗﻠﺐ ﺻﻐﻴﺮ ﻟﺠﺴﺪ ﺿﺨﻢ. ﻓﻴﺬﻛﺮﻫﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥُ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﻘﺮﻭﻧﺔً ﺑﺎﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ، ﻓﻬﻲ ﻓﻲ ﻛﻔّﺔ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕُ ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻔﺔ، ﻓﺘﻜﺮﺭ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻘﺲ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻮﺍﻝ، ﻭﺍﻓﻬﻢ: ﺃﻥّ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻤﻴﺘﺔ ﺍﻟﻤﻨﻜﻔﺌﺔ ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ، لا ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺘﺼﺎﺩﻡ ﻣﻊ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨﻮﺭﺓ. ﻓﻜﻠﺘﺎﻫﻤﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔ، ﺇلا ﺃﻥّ ﺍلاﺧﺘـلاﻑ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﺍﻟﻨﻈﺮ، ﻓﺘﻈﻬﺮ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖُ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ.