ﺍﻟﻐﺼﻦ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ

ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻐﺼﻦ ﺧﻤﺲ ﺛﻤﺮﺍﺕ:

      ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﺍلأﻭﻟﻰ

ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲَ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔَ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ، ﻭﻳﺎ ﺭﻓﻴﻘﻲ ﺍﻟﻌﺎﺷﻖَ ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ! ﺍﻋﻠﻤﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺳﺒﺐُ ﻭﺟﻮﺩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ، ﻭﺍﻟﺮﺍﺑﻄﺔ لأﺟﺰﺍﺋﻬﺎ، ﻭﺃﻧﻬﺎ ﻧﻮﺭُ ﺍلأﻛﻮﺍﻥ، ﻭﺣﻴﺎﺗُﻬﺎ.

ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺃﺟﻤﻊَ ﺛﻤﺮﺓٍ ﻣﻦ ﺛﻤﺮﺍﺕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻓﻘﺪ ﺃﺩﺭﺟﺖ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ، ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻧﻮﺍﺓ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ، ﻣﺤﺒﺔ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍلاﺳﺘﺤﻮﺍﺫ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻛﻠﻬﺎ. ﻟﺬﺍ لا ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﺇلا ﺻﺎﺣﺐُ ﻛﻤﺎﻝٍ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻩٍ.

ﻓﻴﺎ ﻧﻔﺴﻲ! ﻭﻳﺎ ﺻﺎﺣﺒﻲ! ﻟﻘﺪ ﺃﻭﺩﻉ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺟﻬﺎﺯﻳﻦ ﻓﻲ ﻓﻄﺮﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻟﻴﻜﻮﻧﺎ ﻭﺳﻴﻠﺘﻴﻦ ﻟﻠﺨﻮﻑ ﻭﻟﻠﻤﺤﺒﺔ. ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻭﺍﻟﺨﻮﻑ ﺇﻣﺎ ﺳﻴﺘﻮﺟﻬﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨَﻠﻖ ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ. ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﺑﻠﻴّﺔ ﺃﻟﻴﻤﺔ، ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﺔَ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻬﺔ ﻧﺤﻮﻩ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﺼﻴﺒﺔ ﻣﻨﻐّﺼﺔ؛ ﺇﺫ ﺇﻧﻚ ﺃﻳﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺗﺨﺎﻑ ﻣﻦ لا ﻳﺮﺣﻤُﻚ، ﺃﻭ لا ﻳﺴﻤﻊ ﺍﺳﺘﺮﺣﺎﻣﻚ. ﻓﺎﻟﺨﻮﻑ ﺇﺫﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺑـلاﺀ ﺃﻟﻴﻢ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ؛ ﻓﺈﻥ ﻣﺎ ﺗﺤﺒﻪ، ﺇﻣﺎ ﺃﻧﻪ لا ﻳﻌﺮﻓﻚ، ﻓﻴﺮﺣﻞ ﻋﻨﻚ ﺩﻭﻥ ﺗﻮﺩﻳﻊ، ﻛﺸﺒﺎﺑﻚَ ﻭﻣﺎﻟﻚَ، ﺃﻭ ﻳﺤﻘّﺮﻙ ﻟﻤﺤﺒﺘﻚ! ﺃلا ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﺗﺴﻌﺔً ﻭﺗﺴﻌﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺸﺎﻕ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﻳﻴﻦ ﻳﺸﻜﻮﻥ ﻣﻌﺸﻮﻗﻴﻬﻢ؛ ﺫﻟﻚ لأﻥ ﻋﺸﻖَ ﻣﺤﺒﻮﺑﺎﺕ ﺩﻧﻴﻮﻳﺔ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎلأﺻﻨﺎﻡ ﻟﺤﺪ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ، ﺑﺒﺎﻃﻦ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﺮﺁﺓ ﺍﻟﺼﻤﺪ، ﺛﻘﻴﻞ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺑﻴﻦ، ﺇﺫ ﺍﻟﻔﻄﺮﺓ ﺗﺮﺩّ ﻛﻞَّ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻟﻴﺲ ﻓﻄﺮﻱ ﻭﺃﻫﻞ ﻟﻪ. «ﻭﺍﻟﺤﺐ ﺍﻟﺸﻬﻮﺍﻧﻲ ﺧﺎﺭﺝ ﻋﻦ ﺑﺤﺜﻨﺎ». ﺑﻤﻌﻨﻰ: ﺃﻥ ﻣﺎ ﺗﺤﺒﻪ ﻣﻦ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﺇﻣﺎ ﺃﻧﻬﺎ لا ﺗﻌﺮﻓُﻚ ﺃﻭ ﻳﺤﻘّﺮﻙ ﺃﻭ لا ﻳﺮﺍﻓﻘﻚ، ﺑﻞ ﻳﻔﺎﺭﻗﻚ ﻭﺃﻧﻔﻚ ﺭﺍﻏﻢ.

ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﺍلأﻣﺮ ﻫﻜﺬﺍ؛ ﻓﺎﺻﺮﻑ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻭﺍﻟﺨﻮﻑَ ﺇﻟﻰ ﻣَﻦ ﻳﺠﻌﻞ ﺧﻮﻓَﻚ ﺗﺬﻟـلا ﻟﺬﻳﺬﺍ، ﻭﻣﺤﺒﺘَﻚ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺑـلا ﺫﻟﺔ. ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻳﻌﻨﻲ ﻭﺟﺪﺍﻥَ ﺳﺒﻴﻞٍ ﺇﻟﻰ ﺭﺃﻓﺘﻪ ﻭﺭﺣﻤﺘِﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟـلاﻟﺘﺠﺎﺀ ﺇﻟﻴﻪ. ﻓﺎﻟﺨﻮﻑ ﺑﻬﺬﺍ ﺍلاﻋﺘﺒﺎﺭ ﻫﻮ ﺳﻮﻁُ ﺗﺸﻮﻳﻖٍ ﻳﺪﻓﻊ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺣﻀﻦ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ. ﺇﺫ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺃﻥ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﺓ ﺗﺨﻮّﻑ ﻃﻔﻠﻬﺎ ﻟﺘﻀﻤَّﻪ ﺇﻟﻰ ﺻﺪﺭﻫﺎ. ﻓﺬﻟﻚ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻟﺬﻳﺬ ﺟﺪﺍ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻄﻔﻞ. لأﻧﻪ ﻳﺠﺬﺏ ﻭﻳﺪﻓﻊ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺇﻟﻰ ﺻﺪﺭ ﺍﻟﺤﻨﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻄﻒ. ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺷﻔﻘﺔ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﺍﺕ ﻛﻠّﻬﻦ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇلا ﻟﻤﻌﺔ ﻣﻦ ﻟﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﺬﺓً ﻋﻈﻴﻤﺔً. ﻓﻠﺌﻦ ﻛﺎﻥ ﻟﻠﺨﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﺬﺓ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪ، ﻓﻜﻴﻒ ﺑﻤﺤﺒﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﺃلا ﻳُﻔﻬﻢ ﻛﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﺬﺍﺋﺬ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻓﻴﻬﺎ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﺎﻑ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﻨﺠﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻣﻦ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ، ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﺍﻟﻤﻠﻲﺀ ﺑﺎﻟﻘﺴﺎﻭﺓ ﻭﺍﻟﺒـلاﻳﺎ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻮﻟﻴﻬﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥُ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻠﻪ لا ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺸﻮﺑﺔً ﺑﺄﻟﻢ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ. ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻳﺤﺐ ﻧﻔﺴَﻪ ﺃﻭلا، ﺛﻢ ﻳﺤﺐ ﺃﻗﺎﺭﺑَﻪ، ﺛﻢ ﺃﻣﺘَﻪ، ﺛﻢ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﺛﻢ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ، ﺛﻢ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻓﻬﻮ ﺫﻭ ﻋـلاﻗﺔ ﻣﻊ ﻛﻞ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﺍﺋﺮ، ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﻠﺬﺫ ﺑﻠﺬﺍﺋﺬﻫﺎ ﻭﻳﺘﺄﻟﻢ ﺑﺂلاﻣﻬﺎ. ﺑﻴﻨﻤﺎ لا ﻳﻘﺮ ﻗﺮﺍﺭ ﻟﺸﻲﺀ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺼﺎﺧﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻮﺝ ﺑﺎﻟﻬﺮﺝ ﻭﺍﻟﻤﺮﺝ، ﻭﺗﻌﺼﻒ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻌﻮﺍﺻﻒُ ﺍﻟﻤﺪﻣّﺮﺓ، ﻟﺬﺍ ﺗﺮﻯ ﻗﻠﺐَ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦ ﻳُﺠﺮَﺡ ﺩﺍﺋﻤﺎ. ﻓﺎلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﺸﺒﺚ ﺑﻬﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﺮﺣُﻪ ﺑﺎﻟﺬﻫﺎﺏ ﻋﻨﻪ، ﺑﻞ ﻗﺪ ﺗﻘﻄﻊ ﻳﺪَﻩ، ﻟﺬﺍ لا ﻳﻨﺠﻮ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻗﻠﻖ ﺩﺍﺋﻢ، ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻳﻠﻘﻲ ﻧﻔﺴَﻪ ﻓﻲ ﺃﺣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻭﺍﻟﺴُﻜﺮ.

ﻓﻴﺎ ﻧﻔﺴﻲ! ﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺗﻌﻘﻠﻴﻦ، ﻓﺎﺟﻤﻌﻲ ﺇﺫﻥ ﺟﻤﻴﻊَ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻭﺳﻠّﻤﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻭﺍﻧﺠِﻲ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒـلاﻳﺎ.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ ﻟﺼﺎﺣﺐ ﻛﻤﺎﻝ ﻭﺟﻤﺎﻝ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻬﻤﺎ. ﻭﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﺳﻠﻤﺘﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺃﻥ ﺗﺤﺒّﻲ ﺍلأﺷﻴﺎﺀَ ﺟﻤﻴﻌَﻬﺎ ﺑﺎﺳﻤﻪ ﺩﻭﻥ ﻗﻠﻖ ﻭﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻬﺎ ﻣﺮﺍﻳﺎﻩ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻪ لا ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﺗﺼﺮﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔَ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ، ﻭﺇلا ﺗﻨﻘﻠﺐ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔُ ﺇﻟﻰ ﻧِﻘﻤﺔٍ ﺃﻟﻴﻤﺔ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻌﻤﺔً ﻟﺬﻳﺬﺓ.

ﻇﻞ ﺃﻣﺮ ﺁﺧﺮ ﻭﻫﻮ ﺃﻫﻢ ﻣﻤﺎ ﺫﻛﺮ: ﺇﻧﻚ ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺗﻮﻟﻴﻦ ﻭﺟﻪَ ﻣﺤﺒﺘﻚ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴِﻚ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﻓﺘﺠﻌﻠﻴﻦ ﻧﻔﺴَﻚ، ﻣﺤﺒﻮﺑﺔَ ﻧﻔﺴِﻬﺎ ﺑﻞ ﻣﻌﺒﻮﺩﺓً ﻟﻬﺎ، ﻭﺗﻀﺤﻴﻦ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻠﻬﺎ ﻭﻛﺄﻧﻚ ﺗﻤﻨﺤﻴﻨﻬﺎ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ، ﻣﻊ ﺃﻥ ﺳﺒﺐَ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺇﻣﺎ ﻛﻤﺎﻝ، ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻣﺤﺒﻮﺏ ﻟﺬﺍﺗﻪ، ﺃﻭ ﻣﻨﻔﻌﺔ ﺃﻭ ﻟﺬﺓ ﺃﻭ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺃﻭ ﺃﻱ ﺳﺒﺐ ﻣﺸﺎﺑﻪ ﺑﻬﺬﻩ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﺆﺩﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ.

ﻭﺍلآﻥ ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ! ﻟﻘﺪ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﻓﻲ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﺇﺛﺒﺎﺗﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ ﺃﻥ ﻣﺎﻫﻴﺘَﻚ ﺍلأﺻﻠﻴﺔ ﻫﻲ ﻋﺠﻴﻨﺔ ﻣﺮﻛﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﻭﺍﻟﻨﻘﺺ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺍﻟﻌﺠﺰ. ﻓﺈﻧﻚ ﺣﺴﺐ ﺍﻟﻀﺪّﻳﺔ ﺗﺆﺩﻳﻦ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ. ﻓﺒﺎﻟﻨﻘﺺ ﻭﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺍﻟﻌﺠﺰ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﻣﺎﻫﻴﺘﻚ ﺃﺻـلا، ﺗُﻈﻬﺮﻳﻦ ﻛﻤﺎﻝَ ﺍﻟﻔﺎﻃﺮ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻭﺟﻤﺎﻟَﻪ ﻭﻗﺪﺭﺗﻪ ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ، ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﺒﻴّﻦ ﺍﻟﻈـلاﻡُ ﺍﻟﺪﺍﻣﺲ ﺳﻄﻮﻉَ ﺍﻟﻨﻮﺭ.

ﻓﻴﺎ ﺃﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻨﻔﺲ! ﻋﻠﻴﻚ ﺃلا ﺗﺤﺒﻲ ﻧﻔﺴَﻚ ﺑﻞ ﺍلأﻭﻟﻰ ﻟﻚِ ﻣﻌﺎﺩﺍﺗُﻬﺎ، ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺄﻟﻢُ ﻟﺤﺎﻟﻬﺎ، ﻭﺍلإﺷﻔﺎﻕُ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺗُﺼﺒﺢَ ﻧﻔﺴﺎ ﻣﻄﻤﺌﻨﺔ.

ﻓﺈﻥ ﻛﻨﺖ ﺗﺤﺒﻴﻦ ﻧﻔﺴﻚِ ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﻣﻨﺸﺄ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﻭﺍﻟﻤﻨﻔﻌﺔ، ﻭﺃﻧﺖ ﻣﻔﺘﻮﻧﺔ ﺑﺄﺫﻭﺍﻕ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﻭﺍﻟﻤﻨﻔﻌﺔ، ﻓـلا ﺗﻔﻀّﻠﻲ ﻟﺬﺓً ﻧﻔﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﻘَﺪْﺭ ﺫﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﻟﺬﺓٍ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ ﻭﻣﻨﺎﻓﻊَ لا ﺣﺪّ ﻟﻬﺎ. ﻓـلا ﺗﻜﻮﻧﻲ ﻛﺎﻟﻴﺮﺍﻋﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﻐﺮﻕ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺟﻤﻴﻊَ ﺃﺣﺒﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻭﺣﺸﺔ ﺍﻟﻈـلاﻡ ﻣﻜﺘﻔﻴﺔً ﻫﻲ ﺑﻠُﻤﻴﻌﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ. لأﻥ ﻟﺬﺗَﻚ ﺍﻟﻨﻔﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﻣﻨﻔﻌﺘَﻚ ﻭﻣﺎ ﺗﻨﺘﻔﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀ ﻣﻨﻔﻌﺘﻬﻢ ﻭﻣﺎ ﺗﺴﻌﺪﻳﻦ ﺑﺴﻌﺎﺩﺗﻬﻢ ﻭﺟﻤﻴﻊَ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﻧﻔﻌَﻬﺎ ﻛﻠَّﻬﺎ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻟﻄﻒِ ﻣﺤﺒﻮﺏٍ ﺃﺯﻟﻲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ. ﻓﻌﻠﻴﻚ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﺗﺤﺒﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺏ ﺍلأﺯﻟﻲ ﺣﺘﻰ ﺗﻠﺘﺬﻱ، ﺑﺴﻌﺎﺩﺗﻚ ﻭﺑﺴﻌﺎﺩﺓ ﺃﻭﻟﺌﻚ، ﺑﻠﺬﺓ لا ﻣﻨﺘﻬﻰ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺤﺒﺔ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ.

ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺇﻥ ﻣﺤﺒﺘﻚ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪﺓ ﻟﻨﻔﺴﻚ ﻭﺍﻟﻤﻐﺮﻭﺯﺓ ﻓﻴﻚ، ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇلا ﻣﺤﺒﺔ ﺫﺍﺗﻴﺔ ﻣﺘﻮﺟﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﺇلا ﺃﻧﻚِ ﺃﺳﺄﺕِ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻓﻮﺟّﻬﺘﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺫﺍﺗﻚ. ﻓﻤﺰّﻗﻲ ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﺇﺫﻥ ﻣﺎ ﻓﻴﻚِ ﻣﻦ «ﺃﻧﺎ» ﻭﺃﻇﻬﺮﻱ «ﻫﻮ». ﻓﺈﻥ ﺟﻤﻴﻊَ ﺃﻧﻮﺍﻉِ ﻣﺤﺒﺘَﻚ ﺍﻟﻤﺘﻔﺮﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﺤﺒﺔ ﻣﻤﻨﻮﺣﺔ ﻟﻚ ﺗﺠﺎﻩ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻭﺻﻔﺎﺗﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ، ﺑﻴﺪ ﺃﻧﻚِ ﺃﺳﺄﺕِ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ، ﻓﺴﺘﻨﺎﻟﻴﻦ ﺟﺰﺍﺀَ ﻣﺎ ﻗﺪﻣﺖْ ﻳﺪﺍﻙ. لأﻥ ﺟﺰﺍﺀ ﻣﺤﺒﺔٍ ﻏﻴﺮ ﻣﺸﺮﻭﻋﺔ ﻭﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﻠﻬﺎ، ﻣﺼﻴﺒﺔ لا ﺭﺣﻤﺔ ﻓﻴﻬﺎ.

ﻭﺇﻥ ﻣﺤﺒﻮﺑﺎ ﺃﺯﻟﻴﺎ ﺃﻋﺪّ -ﺑﺎﺳﻤﻪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ- ﻣﺴﻜﻨﺎ ﺟﺎﻣﻌﺎ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺭﻏﺒﺎﺗﻚ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺠﻨّﺔ ﺍﻟﻤﺰﻳﻨﺔ ﺑﺎﻟﺤﻮﺭ ﺍﻟﻌﻴﻦ، ﻭﻫﻴﺄ ﺑﺴﺎﺋﺮ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺁلاﺀﻩ ﺍﻟﻌﻤﻴﻤﺔ لإﺷﺒﺎﻉ ﺭﻏﺒﺎﺕ ﺭﻭﺣِﻚ ﻭﻗﻠﺒِﻚ ﻭﺳﺮّﻙ ﻭﻋﻘﻠﻚ ﻭﺑﻘﻴﺔ ﻟﻄﺎﺋﻔﻚ. ﺑﻞ ﻟﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺍﺳﻢ ﻣﻦ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺧﺰﺍﺋﻦُ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ لا ﺗﻨﻔﺪ ﻣﻦ ﺍلإﺣﺴﺎﻥ ﻭﺍلإﻛﺮﺍﻡ. ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻥ ﺫﺭﺓً ﻣﻦ ﻣﺤﺒﺔِ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺏ ﺍلأﺯﻟﻲ ﺗﻜﻔﻲ ﺑﺪﻳـلا ﻋﻦ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻛﻠِّﻬﺎ، ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕُ ﺑﺮﻣّﺘِﻬﺎ ﺑﺪﻳـلا ﻋﻦ ﺗﺠﻞٍ ﺟﺰﺋﻲ ﻣﻦ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﻣﺤﺒﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ.

ﻓﺎﺳﺘﻤﻌﻲ ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﺍﺗﺒﻌﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻬﺪَ ﺍلأﺯﻟﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﻄﻘﻪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺏُ ﺍلأﺯﻟﻲ، ﺣﺒﻴﺒَﻪ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ:

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ:31).

      ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﻳﺎ ﻧﻔﺲُ! ﺇﻥ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻭﺗﻜﺎﻟﻴﻔَﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻘﺪﻣﺔً ﻟﺜﻮﺍﺏٍ لاﺣﻖ، ﺑﻞ ﻫﻲ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻨﻌﻤﺔ ﺳﺎﺑﻘﺔ.

ﻧﻌﻢ؛ ﻧﺤﻦ ﻗﺪ ﺃﺧﺬﻧﺎ ﺃﺟﺮﺗَﻨﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ، ﻭﺃﺻﺒﺤﻨﺎ ﺑﺤﺴﺐ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺟﺮﺓ ﺍﻟﻤﻘﺪَّﻣﺔ ﻟﻨﺎ ﻣﻜﻠّﻔﻴﻦ ﺑﺎﻟﺨﺪﻣﺔ ﻭﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ؛ ﺫﻟﻚ لاﻥّ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺫﺍ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﻭﺍلإﻛﺮﺍﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻟﺒﺴﻚِ -ﺃﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻨﻔﺲ- ﺍﻟﻮﺟﻮﺩَ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺾ، ﻗﺪ ﺃﻋﻄﺎﻙ ﺑﺎﺳﻤﻪ «ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ» ﻣﻌﺪﺓ ﺗﺘﺬﻭّﻗﻴﻦ ﻭﺗﺘﻠﺬﺫﻳﻦ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻓﺮَﺷَﻪ ﺃﻣﺎﻣَﻚ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪﺓ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ﻣﻦ ﻣﺄﻛﻮلاﺕ. ﺛﻢ ﺇﻧﻪ ﻭﻫَﺐ ﻟﻚ ﺣﻴﺎﺓً ﺣﺴﺎﺳﺔ، ﻓﻬﻲ ﻛﺎﻟﻤﻌﺪﺓ ﺗﻄﻠﺐ ﺭﺯﻗﺎ ﻟﻬﺎ، ﻓﻮﺿﻊ ﺃﻣﺎﻡ ﺣﻮﺍﺳﻚ ﻣﻦ ﻋﻴﻦ ﻭﺃﺫﻥ ﻭﻫﻲ ﻛﺎلأﻳﺪﻱ ﻣﺎﺋﺪﺓَ ﻧﻌﻤﺔٍ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﺳﻌﺔَ ﺳﻄﺢ ﺍلأﺭﺽ. ﺛﻢ ﻭﻫﺐ ﻟﻚ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺔً ﺗﻄﻠﺐ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﺃﺭﺯﺍﻗﺎ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻓﻔﺘﺢ ﺃﻣﺎﻡ ﻣﻌﺪﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺁﻓﺎﻕَ ﺍﻟﻤُﻠﻚ ﻭﺍﻟﻤﻠﻜﻮﺕ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﻣﺎ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻌﻘﻞُ.

ﻭﺑﻤﺎ ﻭﻫﺐ ﻟﻚ ﻣﻦ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻭﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ «ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ» ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﻄﻠﺐ ﻧِﻌَﻤﺎ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ، ﻭﻳﺘﻐﺬﻯ ﻋﻠﻰ ﺛﻤﺎﺭ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻨﻔﺪ، ﻓﺘﺢ ﻟﻚ ﻣﺎﺋﺪﺓَ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﻠﺬﺓ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ﻟـلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، ﺿﻤﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ. ﺛﻢ ﺃﻋﻄﺎﻙ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔَ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻧﻮﺭُ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ، ﻓﺄﺣﺴﻦ ﺇﻟﻴﻚِ ﺑﻤﺎﺋﺪﺓِ ﻧﻌﻤﺔٍ ﻭﺳﻌﺎﺩﺓ ﻭﻟﺬﺓ لا ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺃﺑﺪﺍ.

ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻚ ﻗﺪ ﺃﺻﺒﺤﺖ، ﺑﺈﺣﺴﺎﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﺑﺤﺴﺐ ﺟﺴﻤﻚ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩ ﺍﻟﻤﻘﻴﺪ ﺍﻟﺬﻟﻴﻞ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒ، ﻣﻦ ﺟﺰﺀٍ ﺇﻟﻰ ﻛﻠّﻲ، ﻭﺇﻟﻰ ﻛﻞٍّ ﻧﻮﺭﺍﻧﻲ، ﺇﺫ ﻗﺪ ﺭﻓﻌﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻧﻮﻉٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ، ﺑﻤﺎ ﺃﻋﻄﺎﻙ «ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ». ﺛﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻠّﻴﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ، ﺑﻤﺎ ﻭﻫﺐ ﻟﻚ «ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ»، ﺛﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﺃﺣﺴﻦ ﺇﻟﻴﻚ «ﺍلإﻳﻤﺎﻥ»، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺭﻓﻌﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺍﻟﺸﺎﻣﻞ ﺑﻤﺎ ﺃﻧﻌﻢ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻦ «ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﺔ».

ﻓﻴﺎ ﻧﻔﺲ! ﻟﻘﺪ ﻗﺒﻀﺖِ ﻣﻘﺪَّﻣﺎ ﻛﻞَّ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺟﻮﺭ ﻭﺍلأﺛﻤﺎﻥ؛ ﺛﻢ ﻛُﻠّﻔﺖِ ﺑﺎﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ، ﻭﻫﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﻟﺬﻳﺬﺓ ﻭﻃﺎﻋﺔ ﻃﻴﺒﺔ ﺑﻞ ﻣﺮﻳﺤﺔ ﺧﻔﻴﻔﺔ؛ ﺃﻓَﺒﻌﺪ ﻫﺬﺍ ﺗﺘﻜﺎﺳﻠﻴﻦ ﻋﻦ ﺃﺩﺍﺀ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺍﻟﻤﺸﺮّﻓﺔ؟ ﻭﺗﻘﻮﻟﻴﻦ ﺑﺪلاﻝ: ﻟِﻢَ لا ﻳُﻘﺒﻞ ﺩﻋﺎﺋﻲ؟ ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﻗﻤﺖِ ﺑﺎﻟﺨﺪﻣﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻬﻠﻬﻞ ﺗﻄﺎﻟﺒﻴﻦ ﺑﺄﺟﺮﺓٍ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺃﺧﺮﻯ، ﻭﻛﺄﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎلأﺟﺮﺓ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ؟ ﻧﻌﻢ؛ ﺇﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺣﻘﻚِ ﺍﻟﺪلاﻝ ﺃﺑﺪﺍ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻣﻦ ﻭﺍﺟﺒﻚ ﺍﻟﺘﻀﺮﻉ ﻭﺍﻟﺪﻋﺎﺀ، ﻓﺎﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻤﻨﺤﻚِ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﺑﻤﺤﺾ ﻓَﻀﻠِﻪ ﻭﻛﺮﻣِﻪ، ﻟﺬﺍ ﻓﺎﻟﺘﺠﺌﻲ ﺇﻟﻰ ﺭﺣﻤﺘﻪ، ﻭﺍﻋﺘﻤﺪﻱ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭﺭﺩﺩﻱ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺪﺍﺀ ﺍﻟﻌﻠﻮﻱ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ:

﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ (ﻳﻮﻧﺲ:58).

ﻭﺇﺫﺍ ﻗﻠﺖ: ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻨﻨﻲ ﺃﻥ ﺃﻗﺎﺑﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨِﻌَﻢ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗُﺤﺪّ ﺑﺸﻜﺮﻱ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ؟

  ﻓﺎﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺑﺎﻟﻨﻴﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ، ﻭﺑﺎلاﻋﺘﻘﺎﺩ ﺍﻟﺠﺎﺯﻡ ﺍﻟﺬﻱ لا ﺣﺪّ ﻟﻪ.

ﻓﻤﺜـلا: ﺇﻥ ﺭﺟـلا ﻳﺪﺧﻞ ﺇﻟﻰ ﺩﻳﻮﺍﻥ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺑﻬﺪﻳﺔ ﺯﻫﻴﺪﺓ ﻣﺘﻮﺍﺿﻌﺔ ﺑﻘﻴﻤﺔ ﺧﻤﺴﺔ ﻓﻠﻮﺱ، ﻭﻳﺸﺎﻫﺪ ﻫﻨﺎﻙ ﻫﺪﺍﻳﺎ ﻣﺮﺻﻮﺻﺔ ﺗﻘﺪَّﺭ ﺃﺛﻤﺎﻧُﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤـلاﻳﻴﻦ ﺃﺭﺳﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺫﻭﺍﺕ ﻣﺮﻣﻮﻗﻴﻦ. ﻓﻌﻨﺪﻫﺎ ﻳﻨﺎﺟﻲ ﻧﻔﺴﻪ: ﻣﺎﺫﺍ ﺃﻋﻤﻞ؟ ﺇﻥ ﻫﺪﻳﺘﻲ ﺯﻫﻴﺪﺓ ﻭلا ﺷﻲﺀ! ﺇلا ﺃﻧﻪ ﻳﺴﺘﺪﺭﻙ ﻭﻳﻘﻮﻝ ﻓﺠﺄﺓ: «ﻳﺎ ﺳﻴﺪﻱ؛ ﺇﻧﻨﻲ ﺃﻗﺪﻡ ﻟﻚ ﺟﻤﻴﻊَ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺎ ﺑﺎﺳﻤﻲ، ﻓﺈﻧﻚ ﺃﻫﻞ ﻟﻬﺎ، ﻭﻳﺎ ﺳﻴﺪﻱ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺑﺎﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻲ ﺃﻥ ﺃﻗﺪّﻡ ﻟﻚ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺎ ﺍﻟﺜﻤﻴﻨﺔ ﻟﻤﺎ ﺗﺮﺩﺩﺕ». ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ لا ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﺪ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﺒﻞ ﻫﺪﺍﻳﺎ ﺭﻋﺎﻳﺎﻩ ﺭﻣﺰﺍ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺪﻯ ﺇﺧـلاﺻﻬﻢ ﻭﺗﻌﻈﻴﻤﻬﻢ ﻟﻪ، ﻳﻘﺒﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻬﺪﻳﺔَ ﺍﻟﻤﺘﻮﺍﺿﻌﺔ ﺟﺪﺍ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺃﻋﻈﻢُ ﻫﺪﻳﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ﻣﻨﻪ، ﻭﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ، ﻭﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﺍﻟﺠﺎﺯﻡ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺍﻟﺴﺎﻣﻲ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﺎﻟﻌﺒﺪ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺼـلاﺓ: «ﺍﻟﺘﺤﻴﺎﺕ ﻟﻠﻪ» ﻳﻨﻮﻯ ﺑﻬﺎ: «ﺇﻧﻨﻲ ﺃﺭﻓﻊ ﺇﻟﻴﻚ ﻳﺎ ﺇﻟﻬﻲ ﺑﺎﺳﻤﻲ ﻫﺪﺍﻳﺎ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ. ﻓﻠﻮ ﻛﻨﺖُ ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺃﻗﺪﻡ ﺍﻟﺘﺤﻴﺎﺕ ﺇﻟﻴﻚ ﻳﺎ ﺭﺑﻲ ﺑﻌﺪﺩﻫﻢ ﻟﻤﺎ ﺃﺣﺠَﻤﺖُ ﻭلا ﺗﺮﺩﺩﺕ، ﻓﺈﻧﻚ ﺃﻫﻞ ﻟﺬﺍﻙ، ﺑﻞ ﺃﻛﺜﺮ. ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻨﻴﺔ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ ﻭﺍلاﻋﺘﻘﺎﺩ ﺍﻟﺠﺎﺯﻡ، ﻫﻲ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﺍﻟﻜﻠﻲ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ».

ﻭﻟﻨﺄﺧﺬ ﻣﺜـلا ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻨﻮﻯ ﻭﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻧﻴّﺎﺗﻬﺎ. ﻓﺎﻟﺒﻄﻴﺦ ﻣﺜـلا ﻳﻘﻮﻝ ﺑﻤﺎ ﻳﻨﻮﻯ ﻣﻦ ﺁلاﻑ ﺍﻟﻨﻮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﺟﻮﻓﻪ: ﻳﺎ ﺧﺎﻟﻘﻲ ﺇﻧﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺷﻮﻕ ﻭﺭﻏﺒﺔ ﺃﻥ ﺃﻋﻠﻦ ﻧﻘﻮﺵَ ﺃﺳﻤﺎﺋﻚ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻓﻲ ﺃﺭﺟﺎﺀ ﺍلأﺭﺽ ﻛﻠﻬﺎ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﻭﻛﻴﻒ ﻳﺤﺪﺙ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻘﺒﻞ ﺍﻟﻨﻴﺔ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻋﺒﺎﺩﺓُ ﻓﻌﻠﻴﺔ، ﺃﻱ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺣﺪﺛﺖ. ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺗﻌﻠﻢ ﻛﻴﻒ ﺃﻥ ﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻪ، ﻭﺗﻔﻬﻢ ﻛﺬﻟﻚ ﺣﻜﻤﺔَ ﺍﻟﺘﺴﺒﻴﺢ ﺑﺄﻋﺪﺍﺩ ﻏﻴﺮ ﻧﻬﺎﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ: «ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ ﻭﺑﺤﻤﺪﻙ ﻋﺪﺩ ﺧﻠﻘﻚ ﻭﺭﺿﺎﺀ ﻧﻔﺴﻚ ﻭﺯﻧﺔ ﻋﺮﺷﻚ ﻭﻣﺪﺍﺩ ﻛﻠﻤﺎﺗﻚ» ﻭﻧﺴﺒﺤﻚ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺗﺴﺒﻴﺤﺎﺕ ﺃﻧﺒﻴﺎﺋﻚ ﻭﺃﻭﻟﻴﺎﺋﻚ ﻭﻣـلاﺋﻜﺘﻚ.

ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻀﺎﺑﻂ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ ﻳﻘﺪّﻡ ﺃﻋﻤﺎﻟَﻬﻢ ﻭﺇﻧﺠﺎﺯﺍﺗِﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺑﺎﺳﻤﻪ، ﻛﺬﻟﻚ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺿﺎﺑﻂ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﻭﻗﺎﺋﺪ ﻟﻠﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ، ﻭﻣﺆﻫﻞ ﻟﻴﻜﻮﻥ ﺧﻠﻴﻔﺔً ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍلأﺭﺽ، ﻭﻳﻌﺪّ ﻧﻔﺴَﻪ ﻣﺴﺆﻭلا ﻭﻭﻛﻴـلا ﻋﻤّﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ.. ﻳﻘﻮﻝ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ﻓﻴﻘﺪّﻡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻌﺒﻮﺩ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﺟﻤﻴﻊَ ﻋﺒﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻭﺍﺳﺘﻌﺎﻧﺎﺗﻬﻢ.. ﻭﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻗﺎﻃﺒﺔ ﻛﺬﻟﻚ ﺗﺘﻜﻠﻢ ﺑﺎﺳﻤﻪ ﻭﺫﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﻗﻮﻟﻪ: «ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺗﺴﺒﻴﺤﺎﺕ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻚ، ﻭﺑﺄﻟﺴﻨﺔ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺗﻚ».

ﺛﻢ ﺇﻧﻪ ﻳﺼﻠﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺒﻲ صلى الله عليه وسلم ﺑﺎﺳﻢ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺭﺽ: «ﺍﻟﻠﻬﻢَّ ﺻﻞِّ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻤﺪٍ ﺑﻌﺪﺩ ﺫﺭﺍﺕ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﻣﺮﻛﺒﺎﺗﻬﺎ».. ﺇﺫ ﺇﻥ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻟﻪ ﻋـلاﻗﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻱ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻭﺍﻟﺴـلاﻡ.

   ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺍﻓﻬﻢ ﺣﻜﻤﺔَ ﺍلأﻋﺪﺍﺩ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺴﺒﻴﺤﺎﺕ ﻭﺍﻟﺼﻠﻮﺍﺕ.

ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

ﻓﻴﺎ ﻧﻔﺲ! ﺇﻥ ﻛﻨﺖِ ﺣﻘﺎ ﺗﺮﻳﺪﻳﻦ ﺃﻥ ﺗﻨﺎﻟﻲ ﻋﻤـلا ﺃﺧﺮﻭﻳﺎ ﺧﺎﻟﺪﺍ ﻓﻲ ﻋﻤﺮ ﻗﺼﻴﺮ؟ ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺣﻘﺎ ﺗﺮﻳﺪﻳﻦ ﺃﻥ ﺗﺮَﻱ ﻓﺎﺋﺪﺓً ﻓﻲ ﻛﻞ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﺩﻗﺎﺋﻖ ﻋﻤﺮﻙ ﻛﺎﻟﻌﻤﺮ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ؟ ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺣﻘﺎ ﺗﺮﻳﺪﻳﻦ ﺃﻥ ﺗﺤﻮّﻟﻲ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓَ ﺇﻟﻰ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﻭﺗﺒﺪّﻟﻲ ﻏﻔﻠﺘﻚ ﺇﻟﻰ ﻃﻤﺄﻧﻴﻨﺔ ﻭﺳﻜﻴﻨﺔ؟ ﻓﺎﺗﺒﻌﻲ ﺍﻟﺴﻨّﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ.. ﺫﻟﻚ: لأﻥ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﺍﻟﺴﻨّﺔ ﻭﺍﻟﺸﺮﻉ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔٍ ﻣﺎ، ﻳُﻮﺭﺙ ﺍﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔَ ﻭﺍﻟﺴﻜﻴﻨﺔ، ﻭﻳُﺼﺒﺢ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ، ﺑﻤﺎ ﻳﺜﻤﺮ ﻣﻦ ﺛﻤﺮﺍﺕ ﺃﺧﺮﻭﻳﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ.

ﻓﻤﺜـلا: ﺇﺫﺍ ﺍﺑﺘﻌﺖ ﺷﻴﺌﺎ، ﻓﻔﻲ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻄﺒﻖ ﺍلأﻣﺮ ﺍﻟﺸﺮﻋﻲ (ﺍلإﻳﺠﺎﺏ ﻭﺍﻟﻘﺒﻮﻝ) ﻓﺈﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻴﻊ ﻭﺍﻟﺸﺮﺍﺀ ﻳﺄﺧﺬ ﺣُﻜﻢَ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ. ﺣﻴﺚ ﺗﺬﻛﺮﻙ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﺸﺮﻋﻲ. ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻄﻲ ﺗﺼﻮّﺭﺍ ﺭﻭﺣﻴﺎ. ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﻳﺬﻛّﺮﻙ ﺑﺎﻟﺸﺎﺭﻉ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﺃﻱ ﻳﻌﻄﻲ ﺗﻮﺟّﻬﺎ ﺇﻟﻬﻴﺎ. ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﺴﻜﺐ ﺍﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ﻭﺍﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ.

ﺃﻱ ﺇﻥ ﺇﻧﺠﺎﺯ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﻭﻓﻖ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﻌﻤﻞَ ﺍﻟﻔﺎﻧﻲ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮ ﻣﺪﺍﺭﺍ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ، ﺫﺍﺕ ﺛﻤﺎﺭ ﺧﺎﻟﺪﺓ. ﻟﺬﺍ ﻓﺎﻧﺼﺘﻲ ﺟﻴﺪﺍ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (ﺍلأﻋﺮﺍﻑ:158) ﻭﺍﺳﻌَﻲ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻧﻲ ﻣﻈﻬﺮﺍ ﺟﺎﻣﻌﺎ ﺷﺎﻣـلا ﻟﻔﻴﺾ ﺗﺠﻞٍ ﻟﻜﻞ ﺍﺳﻢ ﻣﻦ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺍﻟﻤﻨﺘﺸﺮﺓ ﻓﻲ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻭﺍﻟﺸﺮﻉ.

ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ

ﺃﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻨﻔﺲ! لا ﺗﻘﻠّﺪﻱ ﺃﻫﻞَ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭلا ﺳﻴﻤﺎ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﺴﻔﺎﻫﺔ ﻭﺃﻫﻞُ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﺧﺎﺻﺔ، ﻣﻨﺨﺪﻋﺔً ﺑﺰﻳﻨﺘِﻬﻢ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ ﺍﻟﺼﻮﺭﻳﺔ، ﻭﻟﺬﺍﺋﺬِﻫﻢ ﺍﻟﺨﺎﺩﻋﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻋﺔ، لأﻧﻚ ﺑﺎﻟﺘﻘﻠﻴﺪ لا ﺗﻜﻮﻧﻴﻦ ﻣﺜﻠﻬﻢ ﻗﻄﻌﺎ، ﺑﻞ ﺗﺘﺮﺩَّﻳﻦ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﺟﺪﺍ، ﺑﻞ ﻟﻦ ﺗﻜﻮﻧﻲ ﺣﺘﻰ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎ ﺃﻳﻀﺎ؛ لأﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻲ ﺭﺃﺳﻚ ﻳُﺼﺒﺢ ﺁﻟﺔً ﻣﺸﺆﻭﻣﺔ ﻣﺰﻋﺠﺔ ﺗُﻨﺰﻝ ﺑﻤﻄﺎﺭﻗِﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻚ، ﺇﺫ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺛﻤﺔَ ﻗﺼﺮ ﻓﺨﻢ ﻓﻴﻪ ﻣﺼﺒﺎﺡ ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻲ ﻋﻈﻴﻢ ﺗﺸﻌﺒﺖ ﻣﻨﻪ ﻗﻮﺓُ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﻣﺼﺎﺑﻴﺢَ ﺃﺻﻐﺮ ﻓﺄﺻﻐﺮ ﻣﻮﺯّﻋﺔٍ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺯﻝَ ﺻﻐﻴﺮﺓٍ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﺼﺒﺎﺡ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ. ﻓﻠﻮ ﺃﻃﻔﺄ ﺃﺣﺪُﻫﻢ ﺍﻟﻤﺼﺒﺎﺡَ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻲ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ، ﻓﺴﻴﻌﻢُّ ﺍﻟﻈـلاﻡُ ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝَ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻛﻠَّﻬﺎ ﻭﺗﺴﺘﻮﻟﻰ ﺍﻟﻮﺣﺸﺔُ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻟﻜﻦ لأﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺼﺎﺑﻴﺢَ ﻓﻲ ﻗﺼﻮﺭ ﺃﺧﺮﻯ ﻏﻴﺮ ﻣﺮﺑﻮﻃﺔٍ ﺑﺎﻟﻤﺼﺒﺎﺡ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﺍﻟﻔﺨﻢ، ﻓﺈﻥ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﻫﺬﺍ ﺇﻥ ﺃﻃﻔﺄ ﺍﻟﻤﺼﺒﺎﺡَ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻲ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﺈﻥ ﻣﺼﺎﺑﻴﺢَ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺍلإﺿﺎﺀﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﻭﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﺆﺩﻱ ﺑﻬﺎ ﻋﻤﻠﻪ، ﻓـلا ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻠﺼﻮﺹ ﻧﻬﺐَ ﺷﻲﺀ ﻣﻨﻪ.

ﻓﻴﺎ ﻧﻔﺴﻲ! ﺍﻟﻘﺼﺮ ﺍلأﻭﻝ، ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ، ﻭﺍﻟﻤﺼﺒﺎﺡ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ، ﻫﻮ ﺳﻴﺪُﻧﺎ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ، ﻓﺈﻥ ﻧﺴﻴَﻪ ﻭﺃﺧﺮﺝَ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ -ﻭﺍﻟﻌﻴﺎﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ- ﻓـلا ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻌﺪُ ﺑﺄﻱّ ﻧﺒﻲ ﺁﺧﺮ. ﺑﻞ لا ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻮﺿﻊ ﻟﻠﻜﻤﺎلاﺕ ﻓﻲ ﺭﻭﺣﻪ، ﺑﻞ ﻳﻨﺴﻰ ﺭﺑَّﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻣﺎ ﺃﺩﺭﺝ ﻓﻲ ﻣﺎﻫﻴﺘﻪ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺯﻝ ﻭﻟﻄﺎﺋﻒ ﻃُﻌﻤﺔً ﻟﻠﻈـلاﻡ، ﻭﻳُﺤﺪِﺙُ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﺩﻣﺎﺭﺍ ﺭﻫﻴﺒﺎ ﻭﺗﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻮﺣﺸﺔ. ﺗُﺮﻯ ﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﻐﻨﻲ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻣﺎﺭ ﺍﻟﺮﻫﻴﺐ، ﻭﻣﺎ ﺍﻟﻨﻔﻊُ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻜﺴﺒﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻌﻤﺮّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺪﻣﺎﺭ ﻭﺍﻟﻮﺣﺸﺔ؟!

ﺃﻣﺎ ﺍلأﺟﺎﻧﺐ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﺸﺒﻬﻮﻥ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ، ﺑﺤﻴﺚ ﻟﻮ ﺃﺧﺮﺟﻮﺍ ﻧﻮﺭَ ﻣﺤﻤﺪ صلى الله عليه وسلم ﻣﻦ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ، ﺗﻈﻞُّ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﺃﻧﻮﺍﺭ، ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬﻢ، ﺃﻭ ﻳﻈﻨﻮﻥ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻈﻞ! ﺇﺫ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺒﻘﻰ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻭﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺑﻤﻮﺳﻰ ﻭﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺍﻟﺴـلاﻡ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﺤﻮﺭُ ﻛﻤﺎﻝِ ﺃﺧـلاﻗﻴﺎﺗﻬﻢ.

ﻓﻴﺎ ﻧﻔﺴﻲَ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ! ﺇﺫﺍ ﻗﻠﺖ: ﺃﻧﺎ لا ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃﻛﻮﻥ ﺃﺟﻨﺒﻴﺎ ﺑﻞ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎ! ﻓﻠﻘﺪ ﻛﺮﺭﻧﺎ ﻋﻠﻴﻚ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ: ﺇﻧﻚ ﻟﻦ ﺗﻜﻮﻧﻲ ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻟﺤﻴﻮﺍﻥ، لأﻧﻚ ﺗﻤﻠﻜﻴﻦ ﻋﻘـلا. ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﻘﻞ -ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ لآلاﻡ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﻣﺨﺎﻭﻑ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ- ﻳُﻨﺰﻝ ﺿﺮﺑﺎﺕٍ ﻣﻮﺟﻌﺔ ﻭﺻﻔﻌﺎﺕٍ ﻣﺆﻟﻤﺔ ﺑﺮﺃﺳﻚ ﻭﻋﻴﻨﻚ، ﻓﻴﺬﻳﻘﻚ ﺃﻟﻮﻑ ﺍلآلاﻡ ﻓﻲ ﺛﻨﺎﻳﺎ ﻟﺬﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﻳﺴﺘﻤﺘﻊ ﺑﻠﺬﺓ ﻏﻴﺮ ﻣﺸﻮﺑﺔ ﺑﺎلآلاﻡ. ﻟﺬﺍ ﺇﻥ ﺃﺭﺩﺕ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻧﻲ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎ ﻓﺘﺨﻠّﻲ ﻋﻦ ﻋﻘﻠﻚ ﺃﻭلا ﻭﺍﺭﻣﻴﻪ ﺑﻌﻴﺪﺍ، ﻭﺗﻌﺮّﺿﻲ ﻟﺼﻔﻌﺔ ﺍﻟﺘﺄﺩﻳﺐ ﻓﻲ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ (ﺍلأﻋﺮﺍﻑ:179).

ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ

ﻳﺎ ﻧﻔﺲ! ﻟﻘﺪ ﻛﺮﺭﻧﺎ ﺍﻟﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺛﻤﺮﺓُ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺨﻠﻘﺔ، ﻓﻬﻮ ﻛﺎﻟﺜﻤﺮﺓ ﺃﺑﻌﺪُ ﺷﻲﺀ ﻋﻦ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓ، ﻭﺃﺟﻤﻊُ ﻟﺨﺼﺎﺋﺺ ﺍﻟﻜﻞ، ﻭﻟﻪ ﻧﻈﺮ ﻋﺎﻡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ، ﻭﻳﻀﻢ ﺟﻬﺔَ ﻭﺣﺪﺓِ ﺍﻟﻜﻞ. ﻓﻬﻮ ﻣﺨﻠﻮﻕ ﻳﺤﻤﻞ ﻧﻮﺍﺓ ﺍﻟﻘﻠﺐ، ﻭﻭﺟﻬُﻪُ ﻣﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﻭﺍﻟﻰ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ، ﻭﺍﻟﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺣﺒﻞُ ﺍﻟﻮﺻﺎﻝ، ﺃﻭ ﻧﻘﻄﺔُ ﺍﺗﺼﺎﻝ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﻭﺍﻟﻤﻨﺘﻬﻰ، ﺗﺼﺮﻑُ ﻭﺟﻪَ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺘﻬﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ.

ﻟﻮ ﺃﻥ ﺛﻤﺮﺓً ﻗﻴّﻤﺔ ﺫﺍﺕ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺃﻭﺷﻜﺖ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﻜﻮّﻥ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ، ﺗﺒﺎﻫﺖْ ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ ﻭﻧﻈﺮﺕْ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻔﻞَ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻭﺃﻟﻘﺖ ﻧﻔﺴَﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﺃﻭ ﻏﻔﻠَﺖ ﻓﺴﻘﻄﺖ، ﻓـلا ﺷﻚ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺘﻔﺘﺖ ﻭﺗﺘـلاﺷﻰ ﻓﻲ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ، ﻭﺗﻀﻴﻊ ﻛﺄﻳﺔ ﺛﻤﺮﺓ ﺍﻋﺘﻴﺎﺩﻳﺔ. ﻭﻟﻜﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﺍﻟﻤُﺪﺭﻛﺔ ﺇﻥ ﻭَﺟﺪﺕ ﻧﻘﻄﺔَ ﺍﺳﺘﻨﺎﺩﻫﺎ ﻭﺗﻤﻜّﻨﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ ﺃﻧﻬﺎ ﺳﺘﻜﻮﻥ ﻭﺳﺎﻃﺔً ﻟﺒﻘﺎﺀ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻭﺇﻇﻬﺎﺭ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ ﻭﺩﻭﺍﻣﻬﺎ، ﺑﻤﺎ ﺗﺨﺒﺊ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻟﻠﺸﺠﺮﺓ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﺗﻨﺎﻝ ﺣﻘﻴﻘﺔً ﻛﻠﻴﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﺿﻤﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﺎﻕ ﺩﺍﺋﻢ..

ﻓﺎلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺎﻩ ﻓﻲ ﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻭﻏﺮﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ، ﻭﺃﺧﺬ ﺣﺐُ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﻠﺒِّﻪ ﺣﺘﻰ ﻏﺮّﻩ ﺗﺒﺴﻢ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺎﺕ ﻭﺳﻘﻂ ﻓﻲ ﺃﺣﻀﺎﻧﻬﺎ، لاﺷﻚ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻳﺨﺴﺮ ﺧﺴﺮﺍﻧﺎ ﻣﺒﻴﻨﺎ، ﺇﺫ ﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻀـلاﻝ ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﻌﺪﻡ، ﺃﻱ ﻳﻌﺪﻡ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻌﻨﻰ. ﻭﻟﻜﻦ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺭﻓﻊ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺭﺃﺳَﻪ ﻭﺍﺳﺘﻤﻊ ﺑﻘﻠﺐ ﺷﻬﻴﺪ ﻟﺪﺭﻭﺱ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻣﻦ ﻟﺴﺎﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﺗﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺼﻌﺪ ﺑﻤﻌﺮﺍﺝ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﻋﺮﺵ ﺍﻟﻜﻤﺎلاﺕ ﻭﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﻓﻴﻐﺪﻭ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎ ﺑﺎﻗﻴﺎ.

ﻳﺎ ﻧﻔﺴﻲ! ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔُ ﻫﻲ ﻫﺬﻩ، ﻭﺃﻧﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻠﺔ ﺍلإﺑﺮﺍﻫﻴﻤﻴﺔ ﻓﻘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻏﺮﺍﺭ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ: ﴿لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ﴾ ﻭﺗﻮﺟّﻬﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺏ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻭﺍﺑﻜﻲ ﻣﺜﻠﻲ، ﻗﺎﺋﻠﺔ: …………….

(ﺍلأﺑﻴﺎﺕُ ﺍﻟﻔﺎﺭﺳﻴﺔ ﻟﻢ ﺗُﺪﺭﺝ ﻫﻨﺎ، ﺣﻴﺚ ﺃﺩﺭﺟﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮﺓ).