ﻓﻘﺪ ﺗﺮﻯ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻤﻂ ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺘﻴﻦ ﻓﻘﻂ: ﴿ﺭَﺑُّﻚّ﴾ ﻭ﴿رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ ﺇﺫ ﻳﻌﻠّﻢ ﺍلأﺣﺪﻳﺔ ﺑﺘﻌﺒﻴﺮ﴿ﺭَﺑُّﻚّ﴾ ﻭﻳﻌﻠّﻢ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﻳﺔ ﺑ ﴿رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾، ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﻳﺔ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﺍلأﺣﺪﻳﺔ.

ﺑﻞ ﻗﺪ ﺗﺮﻯ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻤﻂ ﻣﻦ ﺍﻟﺒـلاﻏﺔ ﻓﻲ ﺟﻤﻠﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻴﺮﻳﻚ ﻓﻲ ﺁﻳﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﺜـلا ﻧﻔﻮﺫَ ﻋﻠﻤﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﺬﺭﺓ ﻓﻲ ﺑﺆﺑﺆ ﺍﻟﻌﻴﻦ ﻭﻣﻮﻗﻊَ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ ﻛﺒﺪ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ، ﻭﺇﺣﺎﻃﺔ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻀﻊ ﺑﺎلآﻟﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﻛـلا ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻪ، ﺟﺎﻋﻠﺔً ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻓﻴﻌﻘﺐ: ﴿وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ ﺑﻌﺪ ﺁﻳﺔ ﴿اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ (ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ:٦) ﺃﻱ ﻳﻌﻘﺐ ﻧﻔﻮﺫَ ﻋﻠﻤﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺇﻟﻰ ﺧﻔﺎﻳﺎ ﺍﻟﺼﺪﻭﺭ ﺑﻌﺪ ﺫﻛﺮﻩ ﻋﻈﻤﺔَ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﻭﺑﺴﻄﻬﺎ ﺃﻣﺎﻡ ﺍلأﻧﻈﺎﺭ. ﻓﻴﻘﺮّ ﻓﻲ ﺍلأﺫﻫﺎﻥ ﺃﻧﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﺧﻮﺍﻃﺮ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻭﺧﻮﺍﻓﻲ ﺷﺆﻭﻧﻬﺎ ﺿﻤﻦ ﺟـلاﻝ ﺧـلاﻗﻴﺘﻪ ﻟﻠﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﻭﺗﺪﺑﻴﺮﻩ ﻟﺸﺆﻭﻧﻬﺎ. ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﻌﻘﻴﺐ: ﴿وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ ﻟﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ ﻳﺤﻮﻝ ﺫﻟﻚ ﺍلأﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﺴﻬﻞ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ﺍﻟﻔﻄﺮﻱ -ﺍﻟﻘﺮﻳﺐ ﺇﻟﻰ ﺃﻓﻬﺎﻡ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ- ﺇﻟﻰ ﺇﺭﺷﺎﺩ ﺳﺎﻡٍ ﻭﺗﺒﻠﻴﻎ ﻋﺎﻡ ﺟﺬﺍﺏ.

ﺳﺆﺍﻝ: ﺇﻥ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﺍﻟﺴﻄﺤﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﺑﺮﺓ لا ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﺮﻯ ﻣﺎ ﻳﻮﺭﺩﻩ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺫﺍﺕ ﺃﻫﻤﻴﺔ، ﻓـلا ﺗﻌﺮﻑ ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻭﺍﻟﻌـلاﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﻓﺬﻟﻜﺔ ﺗﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﺗﻮﺣﻴﺪ ﺳﺎﻡ ﺃﻭ ﺗﻔﻴﺪ ﺩﺳﺘﻮﺭﺍ ﻛﻠﻴﺎ، ﻭﺑﻴﻦ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻣﻌﺘﺎﺩﺓ؛ ﻟﺬﺍ ﻳﺘﻮﻫﻢ ﺍﻟﺒﻌﺾُ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﻗﺼﻮﺭٍ ﻓﻲ ﺍﻟﺒـلاﻏﺔ، ﻓﻤﺜـلا لا ﺗﻈﻬﺮ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔُ ﺍﻟﺒـلاﻏﻴﺔ ﻓﻲ ﺫﻛﺮ ﺩﺳﺘﻮﺭ ﻋﻈﻴﻢ: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ ﺗﻌﻘﻴﺒﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻭﻫﻲ ﺇﻳﻮﺍﺀ ﻳﻮﺳﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﺃﺧﺎﻩ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺘﺪﺑﻴﺮ ﺫﻛﻲ. ﻓﻴﺮﺟﻰ ﺑﻴﺎﻥ ﺍﻟﺴﺮ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻭﻛﺸﻒ ﺍﻟﺤﺠﺎﺏ ﻋﻦ ﺣﻜﻤﺘﻪ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥّ ﺃﻏﻠﺐ ﺍﻟﺴﻮﺭ ﺍﻟﻤﻄﻮﻟﺔ ﻭﺍﻟﻤﺘﻮﺳﻄﺔ -ﺍﻟﺘﻲ ﻛﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻗﺮﺁﻥ ﻋﻠﻰ ﺣﺪﺓ- لا ﺗﻜﺘﻔﻲ ﺑﻤﻘﺼﺪﻳﻦ ﺃﻭ ﺛـلاﺛﺔ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍلأﺭﺑﻌﺔ (ﻭﻫﻲ: ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ، ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ، ﺍﻟﺤﺸﺮ، ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ) ﺑﻞ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻛﻠﻬﺎ، ﻭﺍﻟﻤﻘﺎﺻﺪ ﺍلأﺭﺑﻌﺔ ﻣﻌﺎ، ﺃﻱ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ: ﻛﺘﺎﺏُ ﺫﻛﺮ ﻭﺇﻳﻤﺎﻥ ﻭﻓﻜﺮ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻛﺘﺎﺏ ﺷﺮﻳﻌﺔ ﻭﺣﻜﻤﺔ ﻭﻫﺪﺍﻳﺔ. ﻓﻜﻞ ﺳﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴُﻮَﺭ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﻛُﺘﺒﺎ ﻋﺪﺓ، ﻭﺗﺮﺷﺪ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﻭﺱ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ. ﻓﺘﺠﺪ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻣﻘﺎﻡ -ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺼﺤﻴﻔﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ- ﻳﻔﺘﺢ ﺃﻣﺎﻡَ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺃﺑﻮﺍﺑﺎ ﻟـلإﻳﻤﺎﻥ ﻳﺤﻘﻖ ﺑﻬﺎ ﺇﻗﺮﺍﺭ ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺃﺧﺮﻯ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﺬﻛﺮ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺴﻄﻮﺭ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻭﻳﺒﻴﻨﻪ ﺑﻮﺿﻮﺡ، ﻓﻴﺮﺳّﺦ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻕ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺇﺣﺎﻃﺔ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﻳﺮﻳﻪ ﺗﺠﻠﻴﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﻬﻴﺒﺔ ﻓﻲ ﺍلآﻓﺎﻕ ﻭﺍلأﻧﻔﺲ. ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻣﺎ ﻳﺒﺪﻭ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﺿﻌﻴﻔﺔ، ﻳﺒﻨﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻘﺎﺻﺪ ﻛﻠﻴﺔ ﻓﺘﺘـلاﺣﻖ ﻣﻨﺎﺳﺒﺎﺕ ﻭﺛﻴﻘﺔ ﻭﻋـلاﻗﺎﺕ ﻗﻮﻳﺔ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﻇﺎﻫﺮﺍ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺍلأﺳﻠﻮﺏ ﻣﻄﺎﺑﻘﺎ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻟﻤﻘﺘﻀﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ، ﻓﺘﺘﻌﺎﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺘﻪ ﺍﻟﺒـلاﻏﻴﺔ.

ﺳﺆﺍﻝ ﺁﺧﺮ: ﻣﺎ ﺣﻜﻤﺔ ﺳَﻮﻕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺃﻟﻮﻑ ﺍﻟﺪلاﺋﻞ لإﺛﺒﺎﺕ ﺃﻣﻮﺭ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻭﺗﻠﻘﻴﻦ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻭﺇﺛﺎﺑﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮ؟ ﻭﻣﺎ ﺍﻟﺴﺮ ﻓﻲ ﻟﻔﺘﻪ ﺍلأﻧﻈﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺻﺮﺍﺣﺔً ﻭﺿﻤﻨﺎ ﻭﺇﺷﺎﺭﺓً ﻓﻲ ﻛﻞ ﺳﻮﺭﺓ ﺑﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺼﺤﻒ ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻘﺎﻡ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: لأﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﻨﺒّﻪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺃﻋﻈﻢ ﺍﻧﻘـلاﺏ ﻳﺤﺪﺙ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻭﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ.. ﻭﻫﻮ ﺍلآﺧﺮﺓ. ﻭﻳﺮﺷﺪﻩ ﺇﻟﻰ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺗﺨﺼﻪ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻣﻞ ﻟـلأﻣﺎﻧﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻭﺧـلاﻓﺔ ﺍلأﺭﺽ.. ﺗﻠﻚ ﻫﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺪﻭﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﻌﺎﺩﺗُﻪ ﻭﺷﻘﺎﻭﺗُﻪ ﺍلأﺑﺪﻳﺘﺎﻥ. ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺰﻳﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺳﻴﻞَ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﺩﻭﻥ ﺍﻧﻘﻄﺎﻉ، ﻭﻳﺤﻄﻢ ﺃﺷﺪّ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺠﺤﻮﺩ ﻭﺍلإﻧﻜﺎﺭ ﺍﻟﻤﻘﻴﺖ.

ﻟﺬﺍ ﻟﻮ ﻗﺎﻡ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥُ ﺑﺘﻮﺟﻴﻪ ﺍلأﻧﻈﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺑﺘﻠﻚ ﺍلاﻧﻘـلاﺑﺎﺕ ﺍﻟﻤﺪﻫﺸﺔ ﻭﺣﻤﻞِ ﺍلآﺧﺮﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺗﺼﺪﻳﻖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺔ ﻟﻠﺒﺸﺮ.. ﻧﻌﻢ، ﻟﻮ ﻗﺎﻡ ﺑﻪ ﺁلاﻑَ ﺍﻟﻤﺮﺍﺕ ﻭﻛﺮﺭ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﻣـلاﻳﻴﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺕ، لا ﻳﻌﺪّ ﺫﻟﻚ ﻣﻨﻪ ﺇﺳﺮﺍﻓﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺒـلاﻏﺔ ﻗﻂ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ لا ﻳﻮﻟﺪ ﺳﺄﻣﺎ ﻭلا ﻣﻠـلا ﺍﻟﺒﺘﺔ، ﺑﻞ لا ﺗﻨﻘﻄﻊ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﺗـلاﻭﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﺣﻴﺚ ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﻫﻢ ﻭلا ﺃﻋﻈﻢ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻭﺍلآﺧﺮﺓ.

ﻓﻤﺜـلا: ﺇﻥ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ﴾(ﺍﻟﺒﺮﻭﺝ:١١) ﻫﻲ ﺑﺸﺮﻯ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ ﺗﺰﻓّﻬﺎ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺇﻟﻰ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻳـلاﻗﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔَ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻛﻞ ﺣﻴﻦ، ﻓﺘﻨﻘﺬﻩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒﺸﺮﻯ ﻣﻦ ﺗﺼﻮﺭ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺇﻋﺪﺍﻣﺎ ﺃﺑﺪﻳﺎ، ﻭﺗﻨﺠﻴﻪ -ﻭﻋﺎﻟَﻤﻪ ﻭﺟﻤﻴﻊَ ﺃﺣﺒﺘﻪ- ﻣﻦ ﻗﺒﻀﺔ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ، ﺑﻞ ﺗﻤﻨﺤﻪ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﺃﺑﺪﻳﺔ، ﻭﺗﻜﺴﺒﻪ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺩﺍﺋﻤﺔ.. ﻓﻠﻮ ﺗﻜﺮﺭﺕ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻣﻠﻴﺎﺭﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺕ لا ﻳﻌﺪ ﺗﻜﺮﺍﺭُﻫﺎ ﻣﻦ ﺍلإﺳﺮﺍﻑ ﻗﻂ، ﻭلا ﻳﻤﺲ ﺑـلاﻏﺘَﻬﺎ ﺷﻲﺀ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺎﻟﺞ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ﻭﻳﺴﻌﻰ لإﻗﻨﺎﻉ ﺍﻟﻤﺨﺎﻃﺒﻴﻦ ﺑﻬﺎ ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ ﺍﻟﺤﺠﺞ ﺍﻟﺪﺍﻣﻐﺔ، ﻳﻌﻤّﻖ ﻓﻲ ﺍلأﺫﻫﺎﻥ ﻭﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﺤﻮلاﺕ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻭﺍﻟﺘﺒﺪلاﺕ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﺃﻣﺎﻣﻬﻢ ﺳﻬﻠﺔ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻛﺘﺒﺪﻝ ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ ﻭﺗﻐﻴﺮ ﺷﻜﻠﻪ. ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﻟﻔﺖ ﺍلأﻧﻈﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ -ﺻﺮﺍﺣﺔ ﻭﺿﻤﻨﺎ ﻭﺇﺷﺎﺭﺓ- ﺑﺄﻟﻮﻑ ﺍﻟﻤﺮﺍﺕ ﺿﺮﻭﺭﻱ ﺟﺪﺍ ﺑﻞ ﻫﻮ ﻛﻀﺮﻭﺭﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻧﻌﻤﺔ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻀﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻜﺮﺭ ﺣﺎﺟﺘﻪ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺩﺍﺋﻤﺎ.

ﻭﻣﺜـلا: ﺇﻥ ﺣﻜﻤﺔ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ﴾ (ﻓﺎﻃﺮ:36) ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ:21) ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺁﻳﺎﺕ ﺍلإﻧﺬﺍﺭ ﻭﺍﻟﺘﻬﺪﻳﺪ. ﻭﺳَﻮﻗﻬﺎ ﺑﺄﺳﻠﻮﺏ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺸﺪﺓ ﻭﺍﻟﻌﻨﻒ، ﻫﻲ -ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎﻫﺎ ﻓﻲ «ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ» ﺇﺛﺒﺎﺗﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ-: ﺃﻥّ ﻛﻔﺮَ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺗﺠﺎﻭﺯ -ﺃﻱّ ﺗﺠﺎﻭﺯ- ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﺃﻏﻠﺐ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﻣﻤﺎ ﻳﺜﻴﺮ ﻏﻀﺐَ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ، ﻭﻳﻤـلأ ﺻﺪﻭﺭَ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺣﻨﻘﺎ ﻭﻏﻴﻈﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ، ﺣﺘﻰ ﺗﻘﻮﻡ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺑﺼﻔﻊ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ﺑﺎﻟﻄﻮﻓﺎﻥ ﻭﻏﻴﺮﻩ. ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺠﺤﻴﻢ ﺗﻐﻀﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻏﻀﺒﺎ ﺗﻜﺎﺩ ﺗﺘﻔﺠﺮ ﻣﻦ ﺷﺪﺗﻪ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺻﺮﻳﺢ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ﴾ ﺍﻟﻤﻠﻚ:٧-٨). ﻓﻠﻮ ﻛَﺮَّﺭَ ﺳﻠﻄﺎﻥُ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺃﻭﺍﻣﺮﻩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻨﺎﻳﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ «ﺍﻟﻜﻔﺮ» ﻭﻋﻘﻮﺑﺘَﻬﺎ ﺑﺄﺳﻠﻮﺏ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺰﺟﺮ ﻭﺍﻟﺸﺪﺓ ﺃﻟﻮﻑ ﺍﻟﻤﺮﺍﺕ، ﺑﻞ ﻣـلاﻳﻴﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺕ، ﺑﻞ ﻣﻠﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺮﺍﺕ ﻟﻤﺎ ﻋُﺪّ ﺫﻟﻚ ﺇﺳﺮﺍﻓﺎ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻭلا ﻧﻘﺼﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺒـلاﻏﺔ، ﻧﻈﺮﺍ ﻟﻀﺨﺎﻣﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻨﺎﻳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻭﺗﺠﺎﻭﺯ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ، ﻭﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺣﻜﻤﺔ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺣﻘﻮﻕ ﺭﻋﻴﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺇﺑﺮﺍﺯ ﺍﻟﻘﺒﺢ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻲ ﻓﻲ ﻛﻔﺮ ﺍﻟﻤﻨﻜﺮﻳﻦ ﻭﻇﻠﻤﻬﻢ ﺍﻟﺸﻨﻴﻊ. ﺇﺫ لا ﻳﻜﺮﺭ ﺫﻟﻚ ﻟﻀﺂﻟﺔ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺣﻘﺎﺭﺗﻪ ﺑﻞ ﻟﻬﻮﻝ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ ﻭﻋﻈﻢ ﻇﻠﻤﻪ.

ﺛﻢ ﺇﻧﻨﺎ ﻧﺮﻯ ﺃﻥ ﻣﺌﺎﺕ ﺍﻟﻤـلاﻳﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻨﺬ ﺃﻟﻒ ﻭﻣﺌﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﻳﺘْﻠﻮﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﻠﻬﻔﺔ ﻭﺷﻮﻕ ﻭﺑﺤﺎﺟﺔ ﻣﺎﺳﺔ ﺇﻟﻴﻪ ﺩﻭﻥ ﻣﻠﻞ ﻭلا ﺳﺄﻡ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﻛﻞ ﻭﻗﺖ ﻭﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﺎﻟَﻢ ﻳﻤﻀﻲ ﻭﺑﺎﺏ ﻳﻨﻔﺘﺢ ﻟﻌﺎﻟﻢ ﺟﺪﻳﺪ، ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺗﻜﺮﺍﺭ: «لا ﺇﻟﻪ ﺇلا ﺍﻟﻠﻪ» ﺑﺸﻮﻕ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺃﻟﻮﻑ ﺍﻟﻤﺮﺍﺕ لأﺟﻞ ﺇﺿﺎﺀﺓ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﻛﻠﻬﺎ ﻭﺇﻧﺎﺭﺗﻬﺎ ﺑﻨﻮﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ، ﻳﺠﻌﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺳﺮﺍﺝ ﻣﻨﻴﺮ ﻓﻲ ﺳﻤﺎﺀ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﻭﺍلأﻳﺎﻡ. ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍلأﻣﺮ ﻫﻜﺬﺍ ﻓﻲ: «لا ﺇﻟﻪ ﺇلا ﺍﻟﻠﻪ» ﻛﺬﻟﻚ ﺗـلاﻭﺓ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻓﻬﻲ ﺗﺒﺪﺩ ﺍﻟﻈـلاﻡ ﺍﻟﻤﺨﻴﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﺍﻟﻜﺎﺛﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﺍﻟﺴﺎﺭﻳﺔ، ﻭﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﺍﻟﻤﺘﺠﺪﺩﺓ، ﻭﺗﺰﻳﻞ ﺍﻟﺘﺸﻮﻩ ﻭﺍﻟﻘﺒﺢ ﻋﻦ ﺻﻮﺭﻫﺎ ﺍﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺔ ﻓﻲ ﻣﺮﺁﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﺗﺠﻌﻞ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﻤﻘﺒﻠﺔ ﺷﻬﻮﺩﺍ ﻟﻪ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ لا ﺷﻬﻮﺩﺍ ﻋﻠﻴﻪ. ﻭﺗﺮﻗّﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻋِﻈَﻢ ﺟﺰﺍﺀ ﺍﻟﺠﻨﺎﻳﺎﺕ، ﻭﺗﺠﻌﻠﻪ ﻳﺪﺭﻙ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻨُّﺬُﺭ ﺍﻟﻤﺨﻔﻴﺔ ﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍلأﺯﻝ ﻭﺍلأﺑﺪ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﺘﺖ ﻋﻨﺎﺩ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ﺍﻟﻄﻐﺎﺓ، ﻭﺗﺸﻮّﻗﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨـلاﺹ ﻣﻦ ﻃﻐﻴﺎﻥ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ.. ﻓـلأﺟﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤِﻜَﻢ ﻛﻠﻬﺎ ﻳﻜﺮﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﺎ ﻳﻜﺮﺭ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ، ﻣﻈﻬﺮﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺬﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﺭ، ﻭﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻭﺍﻟﺸﺪﺓ ﻭﺍﻟﺘﻜﺮﺍﺭ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻋﻈﻤﻰ، ﻳﻨﻬﺰﻡ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥُ ﻣﻦ ﺗﻮﻫﻤﻬﺎ ﺑﺎﻃـلا، ﻭﻳﻬﺮﺏ ﻣﻦ ﺗﺨﻴﻠﻬﺎ ﻋﺒﺜﺎ. ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﻋﺬﺍﺏ ﺟﻬﻨﻢ ﻟﻬﻮ ﻋﻴﻦُ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ لأﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﺍﻟﺬﻳﻦ لا ﻳﻌﻴﺮﻭﻥ ﻟﻠﻨﺬﺭ ﺳﻤﻌﺎ.

ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﻜﺮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ «ﻗﺼﺺ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ» ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴـلاﻡ، ﻓﺎﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﻗﺼﺔ ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴـلاﻡ -ﻣﺜـلا- ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤِﻜﻢ ﻭﺍﻟﻔﻮﺍﺋﺪ ﻣﺎ ﻟﻌﺼﺎ ﻣﻮﺳﻰ، ﻭﻛﺬﺍ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔُ ﻓﻲ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﻗﺼﺺ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ لإﺛﺒﺎﺕ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍلأﺣﻤﺪﻳﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺈﻇﻬﺎﺭ ﻧﺒﻮﺓ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﺟﻤﻴﻌﻬﻢ ﺣﺠﺔً ﻋﻠﻰ ﺃﺣﻘﻴﺔ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍلأﺣﻤﺪﻳﺔ ﻭﺻﺪﻗﻬﺎ؛ ﺣﻴﺚ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﻜﺮﻫﺎ ﺇلا ﻣﻦ ﻳﻨﻜﺮ ﻧﺒﻮﺗﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ، ﻓﺬﻛﺮُﻫﺎ ﺇﺫﻥ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ لا ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ ﻛﻞ ﺣﻴﻦ ﻭلا ﻳﻮﻓّﻘﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺗـلاﻭﺓ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻛﻠﻪ، ﺑﻞ ﻳﻜﺘﻔﻮﻥ ﺑﻤﺎ ﻳﺘﻴﺴﺮ ﻟﻬﻢ ﻣﻨﻪ. ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺗﺒﺪﻭ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻓﻲ ﺟﻌﻞ ﻛﻞ ﺳﻮﺭﺓ ﻣﻄﻮﻟﺔ ﻭﻣﺘﻮﺳﻄﺔ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻗﺮﺁﻥ ﻣﺼﻐﺮ، ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﺍﻟﻘﺼﺺ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻤﺜﻞ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺔ. ﺃﻱ ﺇﻥ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﺺ ﻫﻮ ﻣﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﺒـلاﻏﺔ ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﺇﺳﺮﺍﻑ ﻗﻂ. ﺯﺩ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﻓﻴﻪ ﺗﻌﻠﻴﻤﺎ ﺑﺄﻥ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﻇﻬﻮﺭ ﻣﺤﻤﺪ صلى الله عليه وسلم ﺃﻋﻈﻢ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﻟﻠﺒﺸﺮﻳﺔ ﻭﺃﺟﻞّ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﻜﻮﻥ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﻣﻨﺢَ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻘﺎﻡ ﻭﺃﺳﻤﺎﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻭﺟﻌﻞ «ﻣﺤﻤﺪ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ» -ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ- ﻣﻘﺮﻭﻧﺎ ﺑ «لا ﺇﻟﻪ ﺇلا ﺍﻟﻠﻪ» ﺩﻟﻴﻞ -ﻭﺃﻱ ﺩﻟﻴﻞ- ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ ﻫﻲ ﺃﻛﺒﺮ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪﺍ صلى الله عليه وسلم ﻟﻬﻮ ﺃﺷﺮﻑ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻃﺮﺍ. ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻟﻤﺤﻤﺪ صلى الله عليه وسلم ﻫﻲ ﺍﻟﺴﺮﺍﺝ ﺍﻟﻤﻨﻴﺮ ﻟﻠﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻛﻠﻴﻬﻤﺎ، ﻭﺃﻧﻪ صلى الله عليه وسلم ﺃﻫﻞ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﺨﺎﺭﻕ، ﻛﻤﺎ ﻗﺪ ﺃﺛﺒﺖ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺃﺟﺰﺍﺀ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺑﺤﺠﺞ ﻭﺑﺮﺍﻫﻴﻦ ﻋﺪﻳﺪﺓ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ. ﻧﻮﺭﺩ ﻫﻨﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻣﻦ ﺃﻟﻒ ﻣﻨﻬﺎ. ﻛﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ:

ﺇﻥّ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻗﺎﻡ ﺑﻪ ﺟﻤﻴﻊُ ﺃﻣﺔ ﻣﺤﻤﺪ صلى الله عليه وسلم ﻣﻦ ﺣﺴﻨﺎﺕ ﻓﻲ ﺍلأﺯﻣﻨﺔ ﻗﺎﻃﺒﺔ ﻳُﻜﺘﺐ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺣﺴﻨﺎﺗﻪ صلى الله عليه وسلم، ﻭﺫﻟﻚ ﺣﺴﺐ ﻗﺎﻋﺪﺓ: «ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻛﺎﻟﻔﺎﻋﻞ»… ﻭﺇﻥّ ﺗﻨﻮﻳﺮﻩ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺑﺎﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺗﻰ ﺑﻪ لا ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﺠﻦّ ﻭﺍلأﻧﺲ ﻭﺍﻟﻤـلاﺋﻜﺔ ﻭﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻲ ﺍﻣﺘﻨﺎﻥ ﻭﺭﺿﻰ ﻭﺣﺪﻫﻢ، ﺑﻞ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﻜﻮﻥَ ﺑﺮﻣّﺘﻪ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺭﺍﺿﻴﺔ ﻋﻨﻪ ﻣﺤﺪّﺛﺔً ﺑﻔﻀﺎﺋﻠﻪ… ﻭﺇﻥّ ﻣﺎ ﻳﺒﻌﺜﻪ ﺻﺎﻟﺤﻮ ﺍلأﻣﺔ ﻳﻮﻣﻴﺎ ﻣﻦ ﻣـلاﻳﻴﻦ ﺍلأﺩﻋﻴﺔ ﻭﻣﻊ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﻴﻦ ﻣﻦ ﻣﻠﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍلأﺩﻋﻴﺔ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﺠﺎﺑﺔ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗُﺮﺩ -ﺑﺪلاﻟﺔ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﺍﻟﻔﻌﻠﻲ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫَﺪ لأﺩﻋﻴﺔ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍلاﺳﺘﻌﺪﺍﺩ، ﻭﺃﺩﻋﻴﺔ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺣﺎﺟﺔ ﺍﻟﻔﻄﺮﺓ- ﻭﻣﻦ ﺃﺩﻋﻴﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺑﺎﻟﺼـلاﺓ ﻭﺍﻟﺴـلاﻡ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻣﺎ ﻳﺮﺳﻠﻮﻧﻪ ﺑﻤﺎ ﻇﻔﺮﻭﺍ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﺳﺐ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻭﺣﺴﻨﺎﺕ ﻫﺪﺍﻳﺎ، ﺇﻧﻤﺎ ﺗﻘﺪﻡ ﺇﻟﻴﻪ ﺃﻭلا. ﻓﻀـلا ﻋﻤﺎ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺩﻓﺘﺮ ﺣﺴﻨﺎﺗﻪ صلى الله عليه وسلم ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﺭ لا ﺣﺪﻭﺩ ﻟﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﺗﺘﻠﻮﻩ ﺃﻣﺘُﻪ -ﺑﻤﺠﺮﺩ ﺍﻟﺘـلاﻭﺓ- ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﺮﻑ ﻣﻦ ﺣﺮﻭﻓﻪ -ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﺛـلاﺛﻤﺎﺋﺔ ﺃﻟﻒ ﺣﺮﻑ- ﻋﺸﺮ ﺣﺴﻨﺎﺕ ﻭﻋﺸﺮ ﺛﻤﺎﺭ ﺃﺧﺮﻭﻳﺔ، ﺑﻞ ﻣﺎﺋﺔ ﺑﻞ ﺃﻟﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺴﻨﺎﺕ..

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﻋـلاﻡ ﺍﻟﻐﻴﻮﺏ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻗﺪ ﺳﺒﻖ ﻋﻠﻤﻪ ﻭﺷﺎﻫﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ صلى الله عليه وسلم ﺳﺘﻜﻮﻥ ﻛﻤﺜﺎﻝ ﺷﺠﺮﺓ ﻃﻮﺑﻰ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻟﺬﺍ ﺃﻭلاﻩ ﻓﻲ ﻗﺮﺁﻧﻪ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﺣﻴﺚ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺴﺘﺤﻖ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﺮﻓﻴﻊ. ﻭﺑﻴّﻦ ﻓﻲ ﺃﻭﺍﻣﺮﻩ ﺑﺄﻥ ﻧﻴﻞ ﺷﻔﺎﻋﺘﻪ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺑﺎﺗﺒﺎﻋﻪ ﻭﺍلاﻗﺘﺪﺍﺀ ﺑﺴﻨﺘﻪ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻭﻫﻮ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ. ﺑﻞ ﺃﺧﺬ ﺑﻨﻈﺮ ﺍلاﻋﺘﺒﺎﺭ -ﺑﻴﻦ ﺣﻴﻦ ﻭﺁﺧﺮ- ﺃﻭﺿﺎﻋﻪ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺑﺬﺭﺓ ﺷﺠﺮﺓ ﻃﻮﺑﻰ ﺍﻟﺠﻨﺔ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓـلأﻥ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻤﻜﺮﺭﺓ ﺗﻤﻠﻚ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ﺍﻟﺮﺍﻗﻴﺔ ﻭﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤِﻜﻢ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ، ﻓﺎﻟﻔﻄﺮﺓ ﺍﻟﺴﻠﻴﻤﺔ ﺗﺸﻬﺪ ﺃﻥ ﻓﻲ ﺗﻜﺮﺍﺭﻩ ﻣﻌﺠﺰﺓً ﻣﻌﻨﻮﻳﺔً ﻗﻮﻳﺔ ﻭﻭﺍﺳﻌﺔ، ﺇلا ﻣَﻦ ﻣﺮﺽ ﻗﻠﺒُﻪ ﻭﺳَﻘﻢ ﻭﺟﺪﺍﻧُﻪ ﺑﻄﺎﻋﻮﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ، ﻓﺘﺸﻤﻠﻪ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭﺓ:

ﻗﺪ ﻳﻨﻜﺮ ﺍﻟﻤﺮﺀُ ﺿﻮﺀَ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻣﻦ ﺭَﻣﺪٍ    ﻭﻳﻨﻜﺮ ﺍﻟﻔﻢُ ﻃﻌﻢَ ﺍﻟﻤﺎﺀِ ﻣﻦ ﺳَﻘَﻢ

    ﺧﺎﺗﻤﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ ﻓﻲ ﺣﺎﺷﻴﺘﻴﻦ

ﺍﻟﺤﺎﺷﻴﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ: ﻃَﺮَﻕ ﺳﻤﻌﻲ ﻗﺒﻞ ﺍﺛﻨﺘﻲ ﻋﺸﺮﺓ ﺳﻨﺔ، ﺃﻥ ﺯﻧﺪﻳﻘﺎ ﻋﻨﻴﺪﺍ، ﻗﺪ ﻓﻀﺢ ﺳﻮﺀَ ﻃﻮﻳﺘﻪ ﻭﺧﺒﺚَ ﻗﺼﺪﻩ ﺑﺈﻗﺪﺍﻣﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻓﺤﺎﻙ ﺧﻄﺔً ﺭﻫﻴﺒﺔ، ﻟﻠﺘﻬﻮﻳﻦ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ ﺑﻤﺤﺎﻭﻟﺔ ﺗﺮﺟﻤﺘﻪ. ﻭﺻﺮﺡ ﻗﺎﺋـلا: ﻟﻴُﺘﺮﺟﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﺘﻈﻬﺮ ﻗﻴﻤﺘﻪ؟ ﺃﻱ ﻟﻴﺮﻯ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺗﻜﺮﺍﺭﺍﺗﻪ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺔ  ﻭﻟﺘُﺘﻠﻰ ﺗﺮﺟﻤﺘُﻪ ﺑﺪلا ﻣﻨﻪ  ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮﻩ ﻣﻦ ﺍلأﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺴﺎﻣﺔ. ﺇلا ﺃﻥ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ -ﺑﻔﻀﻞ ﺍﻟﻠﻪ- ﻗﺪ ﺷﻠّﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﻭﺃﺟﻬﻀﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺨﻄﺔ ﺑﺤﺠﺠﻬﺎ ﺍﻟﺪﺍﻣﻐﺔ ﻭﺑﺎﻧﺘﺸﺎﺭﻫﺎ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ، ﻓﺄﺛﺒﺘﺖ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ ﺃﻧﻪ لا ﻳﻤﻜﻦ ﻗﻄﻌﺎ ﺗﺮﺟﻤﺔُ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺗﺮﺟﻤﺔً ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ.. ﻭﺃﻥ ﺃﻳﺔ ﻟﻐﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻔﺼﺤﻰ ﻋﺎﺟﺰﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﻣﺰﺍﻳﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﻧُﻜﺘﻪ ﺍﻟﺒـلاﻏﻴﺔ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ.. ﻭﺇﻥ ﺍﻟﺘﺮﺟﻤﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻟﻦ ﺗَﺤُﻞ -ﺑﺄﻱ ﺣﺎﻝ- ﻣﺤﻞَّ ﺍﻟﺘﻌﺎﺑﻴﺮ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺓ ﻟﻠﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﺮﻑ ﻣﻦ ﺣﺮﻭﻓﻬﺎ ﺣﺴﻨﺎﺕ ﺗﺘﺼﺎﻋﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺸﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍلأﻟﻒ، ﻟﺬﺍ لا ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﺗـلاﻭﺓ ﺍﻟﺘﺮﺟﻤﺔ ﺑﺪلا ﻣﻨﻪ.

ﺑﻴﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﺘﻠﻤﺬﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺰﻧﺪﻳﻖ، ﺳﻌﻮﺍ ﺑﻤﺤﺎﻭلاﺕ ﻫﻮﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻟﻴﻄﻔﺌﻮﺍ ﻧﻮﺭَ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﺄﻓﻮﺍﻫﻬﻢ. ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖُ لا ﺃﻟﺘﻘﻲ ﺃﺣﺪﺍ، ﻓـلا ﻋﻠﻢ ﻟﻲ ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﺎ ﻳﺪﻭﺭ ﻣﻦ ﺃﻭﺿﺎﻉ، ﺇلا ﺃﻥ ﺃﻏﻠﺐ ﻇﻨﻲ ﺃﻥ ﻣﺎ ﺃﻭﺭﺩﺗُﻪ ﺁﻧﻔﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﺩﻋﺎ ﺇﻟﻰ ﺇﻣـلاﺀ ﻫﺬﻩ «ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ» ﻋﻠﻲّ، ﺭﻏﻢ ﻣﺎ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻲ ﻣﻦ ﺿﻴﻖ.

ﺍﻟﺤﺎﺷﻴﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﻛﻨﺖ ﺟﺎﻟﺴﺎ ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺎﺑﻖ ﺍﻟﻌﻠﻮﻱ ﻣﻦ ﻓﻨﺪﻕ «ﺷﻬﺮ» ﻋﻘﺐ ﺇﻃـلاﻕ ﺳﺮﺍﺣﻨﺎ ﻣﻦ ﺳﺠﻦ «ﺩﻧﻴﺰﻟﻲ» ﺃﺗﺄﻣﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﺣﻮﺍﻟﻲ ﻣﻦ ﺃﺷﺠﺎﺭ ﺍﻟﺤَﻮَﺭ (ﺍﻟﺼﻔﺼﺎﻑ) ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﺍﺋﻖ ﺍﻟﻐﻨّﺎﺀ ﻭﺍﻟﺒﺴﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ، ﺭﺃﻳﺘُﻬﺎ ﺟﺬلاﻧﺔ ﺑﺤﺮﻛﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺮﺍﻗﺼﺔ ﺍﻟﺠﺬﺍﺑﺔ، ﺗﺘﻤﺎﻳﻞ ﺑﺠﺬﻭﻋﻬﺎ ﻭﺃﻏﺼﺎﻧﻬﺎ، ﻭﺗﻬﺘﺰ ﺃﻭﺭﺍﻗﻬﺎ ﺑﺄﺩﻧﻰ ﻟﻤﺴﺔ ﻣﻦ ﻧﺴﻴﻢ. ﻓﺒﺪﺕ ﺃﻣﺎﻣﻲ ﺑﺄﺑﻬﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﻭﺃﺣـلاﻫﺎ، ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺴﺒّﺢ ﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺎﺕ ﺫﻛﺮ ﻭﺗﻬﻠﻴﻞ.

ﻣﺴّﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺃﻭﺗﺎﺭَ ﻗﻠﺒﻲ ﺍﻟﻤﺤﺰﻭﻥ ﻣﻦ ﻓﺮﺍﻕ ﺇﺧﻮﺍﻧﻲ، ﻭﺃﻧﺎ ﻣﻐﻤﻮﻡ لاﻧﻔﺮﺍﺩﻱ ﻭﺑﻘﺎﺋﻲ ﻭﺣﻴﺪﺍ.. ﻓﺨﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺎﻝ -ﻓﺠﺄﺓ- ﻣﻮﺳﻤَﺎ ﺍﻟﺨﺮﻳﻒ ﻭﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ﻭﺍﻧﺘﺎﺑﺘﻨﻲ ﻏﻔﻠﺔ، ﺇﺫ ﺳﺘﺘﻨﺎﺛﺮ ﺍلأﻭﺭﺍﻕ ﻭﺳﻴﺬﻫﺐ ﺍﻟﺮﻭﺍﺀ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ.. ﻭﺑﺪﺃﺕُ ﺃﺗﺄﻟﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤَﻮَﺭ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ، ﻭﺃﺗﺤﺴﺮ ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺋﺮ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﺸﻮﺓ ﺍﻟﻔﺎﺋﻘﺔ ﺗﺄﻟﻤﺎ ﺷﺪﻳﺪﺍ ﺣﺘﻰ ﺍﻏﺮﻭﺭﻗﺖ ﻋﻴﻨﺎﻱ ﻭﺍﺣﺘﺸﺪﺕ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻲ ﺃﺣﺰﺍﻥ ﺗﺪﻓﻘﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﺗﻤـلأ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺘﺎﺭ ﺍﻟﻤﺰﺭﻛﺶ ﺍﻟﺒﻬﻴﺞ ﻟﻠﻜﺎﺋﻨﺎﺕ!.

ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﺃﻧﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﺤﺰﻧﺔ ﺇﺫﺍ ﺑﺎﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺗﺖ ﺑﻪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔُ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ صلى الله عليه وسلم ﻳﻐﻴﺜﻨﻲ -ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﻐﻴﺚ ﻛﻞ ﻣﺆﻣﻦ ﻭﻳﺴﻌﻔﻪ- ﻓﺒﺪّﻝ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺣﺰﺍﻥَ ﻭﺍﻟﻐﻤﻮﻡ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺣﺪﻭﺩ ﻟﻬﺎ ﻣﺴﺮﺍﺕٍ ﻭﺃﻓﺮﺍﺣﺎ لا ﺣﺪ ﻟﻬﺎ، ﻓﺒﺖّ ﻓﻲ ﺍﻣﺘﻨﺎﻥ ﺃﺑﺪﻱ ﻭﺭﺿﻰ ﺩﺍﺋﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﻘﺬﻧﻲ ﻓﻴﺾ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﻓﻴﻮﺿﺎﺕ ﺃﻧﻮﺍﺭﻫﺎ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ، ﻓﻨﺸﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻔﻴﺾ ﺍﻟﺴﻠﻮﺍﻥ ﻓﻲ ﺃﺭﺟﺎﺀ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﺃﻋﻤﺎﻕ ﻭﺟﺪﺍﻧﻲ، ﻭﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﻛﺎلآﺗﻲ:

ﺇﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﺍﻟﻐﺎﻓﻠﺔ ﺃﻇﻬﺮﺕ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻭﺭﺍﻕ ﺍﻟﺮﻗﻴﻘﺔ ﻭﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﺍﻟﻔﺎﺭﻋﺔ ﺍﻟﻬﻴﻔﺎﺀ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﻭلا ﻣﻬﻤﺔ، لا ﻧﻔﻊَ ﻟﻬﺎ ﻭلا ﺟﺪﻭﻯ، ﻭﺃﻧﻬﺎ لا ﺗﻬﺘﺰ ﺍﻫﺘﺰﺍﺯﻫﺎ ﺍﻟﻠﻄﻴﻒ ﻣﻦ ﺷﺪﺓ ﺍﻟﺸﻮﻕ ﻭﺍﻟﻨﺸﻮﺓ ﺑﻞ ﺗﺮﺗﻌﺪ ﻣﻦ ﻫﻮﻝ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻕ.. ﻓﺘﺒّﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﻈﺮﺓ ﻏﺎﻓﻠﺔ ﺃﺻﺎﺑﺖ ﺻﻤﻴﻢَ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻐﺮﻭﺯ ﻓﻲّ -ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﻨﺪ ﻏﻴﺮﻱ- ﻣﻦ ﻋﺸﻖ ﻟﻠﺒﻘﺎﺀ، ﻭﺣﺐ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﺍلاﻓﺘﺘﺎﻥ ﺑﺎﻟﻤﺤﺎﺳﻦ، ﻭﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ ﺍﻟﺠﻨﺲ.. ﻓﺤﻮﻟﺖ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺇﻟﻰ ﺟﻬﻨﻢ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ، ﻭﺍﻟﻌﻘﻞَ ﺇﻟﻰ ﻋﻀﻮ ﻟﻠﺸﻘﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﻌﺬﻳﺐ. ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖُ ﺃﻗﺎﺳﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﻤﺆﻟﻢ، ﺇﺫﺍ ﺑﺎﻟﻨﻮﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﺎﺭ ﺑﻪ ﻣﺤﻤﺪ صلى الله عليه وسلم ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔَ ﺟﻤﻌﺎﺀ ﻳﺮﻓﻊ ﺍﻟﻐﻄﺎﺀ ﻭﻳﺰﻳﻞ ﺍﻟﻐﺸﺎﻭﺓ ﻭﻳﺒﺮﺯ ﺣِﻜَﻤﺎ ﻭﻣﻌﺎﻧﻲ ﻭﻭﻇﺎﺋﻒ ﻭﻣﻬﻤﺎﺕ ﻏﺰﻳﺮﺓ ﺟﺪﺍ ﺗﺒﻠﻎ ﻋﺪﺩ ﺃﻭﺭﺍﻕ ﺍﻟﺤَﻮَﺭ. ﻭﻗﺪ ﺃﺛﺒﺘﺖ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﻭﺍﻟﺤﻜﻢ ﺗﻨﻘﺴﻢ ﺇﻟﻰ ﺛـلاﺛﺔ ﺃﻗﺴﺎﻡ:

ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍلأﻭﻝ: ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟّﻪ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻟﻠﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ. ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺻﺎﻧﻌﺎ ﻣﺎﻫﺮﺍ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﻗﺎﻡ ﺑﺼﻨﻊ ﻣﺎﻛﻨﺔ ﺑﺪﻳﻌﺔ، ﻳﺜﻨﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊُ ﻭﻳﻘﺪﺭﻭﻥ ﺻﻨﻌﺘﻪ ﻭﻳﺒﺎﺭﻛﻮﻥ ﺇﺑﺪﺍﻋﻪ، ﻓﺈﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺎﻛﻨﺔ ﻫﻲ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﺻﺎﻧﻌَﻬﺎ ﻭﺗﺜﻨﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺣﺎﻟﻬﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺈﺭﺍﺀﺗﻬﺎ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩﺓ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﺭﺍﺀﺓ ﺗﺎﻣﺔ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻓﻬﻮ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺫﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺃﻱ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻮﺿﻊَ ﻣﻄﺎﻟﻌﺔٍ ﺣﻠﻮﺓ ﻭﺗﺄﻣﻞ ﻟﺬﻳﺬ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻛﻞُّ ﺷﻲﺀ ﻛﺄﻧﻪ ﻛﺘﺎﺏ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻭﻋﻠﻢ، ﻭلا ﻳﻐﺎﺩﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻢ -ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ- ﺇلا ﺑﻌﺪ ﻭﺿﻊ ﻣﻌﺎﻧﻴﻪ ﻓﻲ ﺃﺫﻫﺎﻥ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ، ﻭﻃﺒﻊ ﺻﻮَﺭﻩ ﻓﻲ ﺣﺎﻓﻈﺘﻬﻢ، ﻭﺍﻧﻄﺒﺎﻉ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﻓﻲ ﺍلأﻟﻮﺍﺡ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ﻟﺴﺠـلاﺕ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﺃﻱ لا ﻳﻨﺴﺤﺐ ﻣﻦ ﻋﺎﻟَﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺇلا ﺑﻌﺪ ﺩﺧﻮﻟﻪ ﺿﻤﻦ ﺩﻭﺍﺋﺮِ ﻭﺟﻮﺩٍ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻭﻳﻜﺴﺐ ﺃﻧﻮﺍﻋﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﻭﺍﻟﻐﻴﺒﻲ ﻭﺍﻟﻌﻠﻤﻲ.

ﻧﻌﻢ ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍ، ﻭﻋﻠﻤُﻪ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ، ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ لا ﻳﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻋﺪﻡ، ﻭﺇﻋﺪﺍﻡ، ﻭﺍﻧﻌﺪﺍﻡ، ﻭﻋﺒﺚ، ﻭﻣﺤﻮ، ﻭﻓﻨﺎﺀ، ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺩﻧﻴﺎ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﺯﺍﺧﺮﺓ ﺑﺎﻟﻌﺪﻡ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻭﺍلاﻧﻌﺪﺍﻡ ﻭﻣﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻟﻌﺒﺚ ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﺀ. ﻭﻣﻤﺎ ﻳﻮﺿﺢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﺎ ﻳﺪﻭﺭ ﻋﻠﻰ ﺍلأﻟﺴﻨﺔ ﻣﻦ ﻗﻮﻝ ﻣﺸﻬﻮﺭ ﻫﻮ: «ﻣَﻦ ﻛﺎﻥ ﻟﻪ ﺍﻟﻠﻪ، ﻛﺎﻥ ﻟﻪ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﻣَﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﺷﻲﺀ».

ﺍﻟﺨـلاﺻﺔ: ﺇﻥّ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﻨﻘﺬ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺍلإﻋﺪﺍﻡ ﺍلأﺑﺪﻱ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺍﻟﻤﻮﺕ، ﻓﻬﻮ ﻳﻨﻘﺬ ﺩﻧﻴﺎ ﻛﻞ ﺷﺨﺺ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﻦ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺍلاﻧﻌﺪﺍﻡ ﻭﺍﻟﻌﺒﺚ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻜﻔﺮ -ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ- ﻓﺈﻧﻪ ﻳُﻌﺪﻡ ﺫﻟﻚ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻳﻌﺪﻡ ﺩﻧﻴﺎﻩ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻪ ﺑﺎﻟﻤﻮﺕ. ﻭﻳﻠﻘﻴﻪ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﺟﻬﻨﻢ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻣﺤﻮّلا ﻟﺬﺍﺋﺬ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺁلاﻣﺎ ﻭﻏﺼﺼﺎ.

ﻓﻠْﺘﺮﻥّ ﺁﺫﺍﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺘﺤﺒﻮﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﺍلآﺧﺮﺓ، ﻭﻟﻴﺄﺗﻮﺍ ﺑﻌـلاﺝ ﻟﻬﺬﺍ ﺍلأﻣﺮ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺻﺎﺩﻗﻴﻦ، ﺃﻭ ﻟﻴﺪﺧﻠﻮﺍ ﺣﻈﻴﺮﺓ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﻳﺨﻠﺼﻮﺍ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺴﺎﺭﺓ ﺍﻟﻔﺎﺩﺣﺔ.

﴿ﺳُﺒْﺤَﺎﻧَﻚَ لا ﻋِﻠْﻢَ ﻟَﻨَﺎ ﺍِلا ﻣﺎ ﻋَﻠَّﻤْﺘَﻨﺎ ﺍِﻧَّﻚَ ﺍَﻧْﺖَ ﺍﻟْﻌَﻠﻴﻢُ ﺍﻟْﺤَﻜﻴﻢ﴾

ﺃﺧﻮﻛﻢ ﺍﻟﺮﺍﺟﻲ ﺩﻋﻮﺍﺗِﻜﻢ ﻭﺍﻟﻤﺸﺘﺎﻕ ﺇﻟﻴﻜﻢ

ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻨﻮﺭﺳﻲ