ﺫﻳﻞ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩ

  ﻳﺨﺺ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺭﺿﻮﺍﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ

    ﺃﻗﻮﻝ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻣﻮلاﻧﺎ ﺟﺎﻣﻲ:

    ﻳﺎ ﺭَﺳُﻮﻝَ ﺍﻟﻠّﻪ ﭼِﻪ ﺑَﺎﺷَﺪْ ﭼُﻮﻥ ﺳَﮓِ ﺍَﺻْﺤَﺎﺏِ ﻛَﻬْﻒ

    ﺩَﺍﺧِﻞِ ﺟَﻨَّﺖْ ﺷَﻮَﻡْ ﺩَﺭْ ﺯُﻣْﺮَﻩ ﻯ ﺍَﺻْﺤَﺎﺏِ ﺗُﻮ؟

    ﺍُﻭ ﺭَﻭَﺩْ ﺩَﺭْ ﺟَﻨَّﺖْ ﻣَﻦْ ﺩَﺭْ ﺟَﻬَﻨَّﻢَ ﻛَﻰْ ﺭَﻭَﺍﺳْﺖ؟!

    ﺍُﻭ ﺳَﮓِ ﺍَﺻْﺤَﺎﺏِ ﻛَﻬْﻒ ﻣَﻦْ ﺳَﮓِ ﺍَﺻْﺤَﺎﺏْ ﺗُﻮ؟.

(حاشية) ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺍلأﺑﻴﺎﺕ ﺍﻟﻔﺎﺭﺳﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﺼﺪﺭﺓ ﺑﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﺸﻌﺮ:

 ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠّﻪ ﻣﺎ ﺿﺮ ﻟﻮ ﺩﺧﻠﺖُ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﻦ،

 ﻛﻜﻠﺐ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻜﻬﻒ ﻓﻲ ﺯﻣﺮﺓ ﺃﺻﺤﺎﺑﻚ ﺍلأﻭﻟﻴﻦ.

 ﺃﻳُّﻨﺎ ﺃﻟﻴَﻖ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ ﺃﻧﺎ ﺃﻡ ﻣَﻦ ﺣﺮﺱ ﺍﻟﻜﻬﻒ ﺳﻨﻴﻦ

 ﻫﻮ ﻛﻠﺐ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺮﻗﻴﻢ ﻭﺃﻧﺎ ﻛﻠﺐ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍلأﻣﻴﻦ.

 ﺑِﺎﺳﻤِﻪِ ﺳُﺒْﺤَﺎﻧَﻪُ

﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ (ﺍﻟﻔﺘﺢ:29).

ﺗﺴﺄﻝ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ: ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺭﻭﺍﻳﺎﺕ ﺗﻔﻴﺪ ﺃﻧﻪ ﻋﻨﺪ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭ ﺍﻟﺒﺪﻉ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺒﻠﻎَ ﻣﺆﻣﻨﻮﻥ ﺻﺎﺩﻗﻮﻥ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺭﺿﻮﺍﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻳﺴﺒﻘﻮﻧَﻬﻢ، ﻓﻬﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ ﺻﺤﻴﺤﺔ؟ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺬﻟﻚ، ﻓﻤﺎ ﺣﻘﻴﻘﺘُﻬﺎ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥّ ﺇﺟﻤﺎﻉ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻟﻬﻮ ﺣﺠﺔ ﻗﺎﻃﻌﺔ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻫﻢ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺑﻌﺪ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴـلاﻡ. ﻓﺎﻟﺼﺤﻴﺢُ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ ﻳﺨﺺّ ﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ، ﺇﺫ ﻗﺪ ﻳﺘﺮﺟّﺢ ﺍﻟﻤﺮﺟﻮﺡُ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺍﺟﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﻭﻓﻲ ﻛﻤﺎﻝٍ ﺧﺎﺹ ﻣﻌﻴﻦ، ﻭﺇلا ﻓـلا ﻳﺒﻠُﻎ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻣﻨﺰﻟﺔَ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﺛﻨﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﻲ ﻗﺮﺁﻧﻪ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ ﻭﻭﺻﻔَﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻮﺭﺍﺓ ﻭﺍلإﻧﺠﻴﻞ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺧﺘﺎﻡ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺘﺢ.

ﻭﺳﻨﺒﻴﻦ ﺛـلاﺛﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤِﻜَﻢ ﺍﻟﻤﻨﻄﻮﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺛـلاﺛﺔ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻭﺍﻟﺤِﻜﻢ.

   ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ

ﺇﻥّ ﺍﻟﺼﺤﺒﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺇﻛﺴﻴﺮ ﻋﻈﻴﻢ، ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﺨﺎﺭﻕ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺸﺮّﻓﻮﻥ ﺑﻬﺎ ﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻳﻨﺎﻟﻮﻥ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﺎ لا ﻳﻨﺎﻟُﻪ ﻣﻦ ﻳﺼﺮﻑ ﺳﻨﻴﻦَ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺴﻠﻮﻙ؛ ﺫﻟﻚ لأﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺼُﺤﺒﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻧﺼﺒﺎﻏﺎ ﺑﺼﺒﻐﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﺍﻧﻌﻜﺎﺳﺎ لأﻧﻮﺍﺭﻫﺎ. ﺇﺫ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻤﺮﺀُ ﺑﺎﻧﻌﻜﺎﺱ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍلأﻋﻈﻢ ﺃﻥ ﻳﺮﻗﻰ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻭﺩﺭﺟﺎﺕ ﺭﻓﻴﻌﺔ، ﻭﺃﻥ ﻳﺤﻈﻰ ﺑﺎﻟﺘﺒﻌﻴﺔ ﻭﺍلاﻧﺘﺴﺎﺏ ﺑﺄﺭﻓﻊ ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﺎﺕ. ﻣَﺜﻠُﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﻣﺜﻞُ ﺧﺎﺩﻡ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺭﻓﻴﻌﺔ لا ﻳﻘﺪﺭ ﻋﻠﻰ ﺑﻠﻮﻏﻬﺎ ﻗﻮﺍﺩ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻭﺃﻣﺮﺍﺅﻩ.

ﻭﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ ﻧﺮﻯ ﺃﻧﻪ لا ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺮﻗﻰ ﺃﻋﻈﻢُ ﻭﻟﻲٍّ ﻣﻦ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺻﺤﺎﺑﻲ ﻛﺮﻳﻢ ﻟﻠﺮﺳﻮﻝ ﺍلأﻋﻈﻢ صلى الله عليه وسلم، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺗَﺸﺮّﻑ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﺻﺎﻟﺤﻮﻥ ﻣﺮﺍﺭﺍ ﺑﺼﺤﺒﺔ ﺍﻟﻨﺒﻲ صلى الله عليه وسلم ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺤﻮﺓ، ﻛﺠـلاﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺴﻴﻮﻃﻲ ﻣﺜـلا، ﻭﺃُﻛﺮﻣﻮﺍ ﺑﻠﻘﺎﺋﻪ ﻳﻘﻈﺔً ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻓـلا ﻳﺒﻠﻐﻮﻥ ﺃﻳﻀﺎ ﺩﺭﺟﺔَ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ. لأﻥ ﺻﺤﺒﺔ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻟﻠﻨﺒﻲ صلى الله عليه وسلم ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻨﻮﺭ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ، ﺇﺫ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺼﺤﺒﻮﻧﻪ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻛﻮﻧﻪ ﻧﺒﻴﺎ ﺭﺳﻮلا. ﺃﻣﺎ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀُ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻮﻥ ﻓﺈﻥ ﺭﺅﻳﺘَﻬﻢ ﻟﻪ صلى الله عليه وسلم ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺑﻌﺪ ﻭﻓﺎﺗﻪ، ﺃﻱ ﺑﻌﺪ ﺍﻧﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﻮﺣﻲ، ﻓﻬﻲ ﺻﺤﺒﺔ ﺑﻨﻮﺭ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ، ﺃﻱ ﺇﻥّ ﺗﻤﺜﻞَ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﻭﻇﻬﻮﺭَﻩ ﻟﻨﻈﺮﻫﻢ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﺍلأﺣﻤﺪﻳﺔ، ﻭﻟﻴﺲ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ. ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﺍلأﻣﺮ ﻫﻜﺬﺍ، ﻓـلا ﺑﺪ ﺃﻥ ﺗﺘﻔﺎﻭﺕ ﺍﻟﺼﺤﺒﺘﺎﻥ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﺳﻤﻮّ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﻋﻠﻮّﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ.

ﻭﻟﻜﻲ ﻳﺘﻮﺿﺢ ﻣﺎ ﻟﻠﺼﺤﺒﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺧﺎﺭﻕ ﻭﻧﻮﺭ ﻋﻈﻴﻢ، ﻳﻜﻔﻲ ﻣـلاﺣﻈﺔ ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻲ:

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺃﻋﺮﺍﺑﻲ ﻏﻠﻴﻆُ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻳﺌﺪ ﺑﻨﺘَﻪ ﺑﻴﺪﻩ، ﺇﺫﺍ ﺑﻪ ﻳﻜﺴﺐ ﺧـلاﻝ ﺣﻀﻮﺭﻩ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﻭﻣﻦ ﺻﺤﺒﺘﻪ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﺭﻗﺔَ ﻗﻠﺐ ﻭﺳﻌﺔَ ﺻﺪﺭ ﻭﺷﻔﺎﻓﻴﺔَ ﺭﻭﺡ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻳﺘﺤﺎﺷﻰ ﻗﺘﻞ ﻧﻤﻠﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ… ﺃﻭ ﺁﺧﺮُ ﻳﺠﻬﻞ ﺷﺮﺍﺋﻊَ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﻭﻋﻠﻮﻣَﻬﺎ، ﻳﺤﻀﺮ ﻣﺠﻠﺲَ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﻓﻴُﺼﺒﺢ ﻣُﻌﻠِّﻤﺎ لأﺭﻗﻰ ﺍلأﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﻀﺮﺓ، ﻛﺎﻟﻬﻨﺪ ﻭﺍﻟﺼﻴﻦ. ﻭﻳﺤﻜُﻢ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﻘﺴﻄﺎﺱ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ، ﻭﻳﻐﺪﻭ ﻟﻬﻢ ﻣﺜـلا ﺃﻋﻠﻰ ﻭﻗﺪﻭﺓً ﻃﻴﺒﺔ.

   ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

ﻟﻘﺪ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ «ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩ» ﺃﻥّ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻫﻢ ﻓﻲ ﻗﻤﺔ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻲ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥّ ﺍﻟﺘﺤﻮﻝ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺣﺪﺛﻪ ﺍلإﺳـلاﻡُ ﻓﻲ ﻣﺠﺮﻯ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ، ﺳﻮﺍﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺮﺩ، ﻗﺪ ﺃﺑﺮﺯ ﺟﻤﺎﻝَ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺤﻖ ﻭﺃﻇﻬﺮ ﻧﺼﺎﻋﺘَﻬﻤﺎ ﺍﻟﺒﺎﻫﺮﺓ، ﻭﻛﺸﻒ ﻋﻦ ﺧُﺒﺚ ﺍﻟﺸﺮ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﻭﺑﻴّﻦ ﺳﻤﺎﺟﺘَﻬﻤﺎ ﻭﻗﺒﺤَﻬﻤﺎ، ﺣﺘﻰ ﺍﻧﺠﻠﻰ ﻛﻞّ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﻭﺍﻟﺼﺪﻕ ﻭﺍﻟﻜﺬﺏ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺗﺎﻡ، ﻳﻜﺎﺩ ﺍﻟﻤﺮﺀُ ﻳﻠﻤﺴﻪ ﻟﻤﺲ ﺍﻟﻴﺪ، ﻭﺍﻧﻔﺮﺟﺖ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔُ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺸﺮ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺼﺪﻕ ﻭﺍﻟﻜﺬﺏ، ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻜﻔﺮ، ﺑﻞ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻭﺍﻟﻨﺎﺭ.

ﻟﺬﺍ ﻓﺎﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺭﺿﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻭُﻫﺒﻮﺍ ﻓِﻄَﺮﺍ ﺳﻠﻴﻤﺔ ﻭﻣﺸﺎﻋﺮَ ﺳﺎﻣﻴﺔ، ﻭﻫﻢ ﺍﻟﺘﻮﺍﻗﻮﻥ ﻟﻤﻌﺎﻟﻲ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻭﻣﺤﺎﺳﻦ ﺍلأﺧـلاﻕ ﺷﺪّﻭﺍ ﺃﻧﻈﺎﺭﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺴﻨّﻢ ﻗﻤﺔ ﺃﻋﻠﻰ ﻋِﻠِّﻴﻲ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺪﺍﻋﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺼﺪﻕ ﻭﺍﻟﺤﻖ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍلأﻛﻤﻞ ﻭﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍلأﺗﻢ، ﺫﻟﻜﻢ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺣﺒﻴﺐ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻣﺤﻤﺪ صلى الله عليه وسلم، ﻓﺒﺬﻟﻮﺍ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻭﻫﺒﻬﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﻗﻮﺓ ﻟـلاﻧﻀﻮﺍﺀ ﺗﺤﺖ ﻟﻮﺍﺋﻪ، ﺑﻤﻘﺘﻀﻰ ﺳﺠﻴّﺘﻬﻢ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮﺓ ﻭﺟﺒﻠّﺘﻬﻢ ﺍﻟﻨﻘﻴﺔ، ﻭﻟﻢ ﻳُﺮ ﻣﻨﻬﻢ ﺃﻱُّ ﻣﻴﻞ ﻛﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﺎﻃﻴﻞ ﻣﺴﻴﻠﻤﺔ ﺍﻟﻜﺬﺍﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﻜﺬﺏ ﻭﺍﻟﺸﺮ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﻭﺍﻟﺨﺮﺍﻓﺎﺕ.

ﻭﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﺍلأﻣﺮ ﻧﺴﻮﻕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ: ﺗُﻌﺮﺽ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﻓﻲ ﺳﻮﻕ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻭﻣﻌﺮﺽ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلآﺛﺎﺭ ﺍﻟﺴﻴﺌﺔ ﺍﻟﻤﺮﻋﺒﺔ ﻭﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﺸﺮﻳﺮﺓ ﺍﻟﺨﺒﻴﺜﺔ ﻣﺎ ﻟﻠﺴﻢّ ﺍﻟﺰﻋﺎﻑ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ. ﻓﻜﻞ ﻣﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﻓﻄﺮﺓ ﺳﻠﻴﻤﺔ ﻳﻨﻔﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺸﺪﺓ ﻭﻳﺘﺠﻨﺒﻬﺎ ﻭلا ﻳﻘﺮﺑُﻬﺎ.. ﻭﺗُﻌﺮﺽ ﻛﺬﻟﻚ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﺃﺧﺮﻯ ﻭﺃﻣﺘﻌﺔ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻄﻴﺒﺔ ﻭﺍلآﺛﺎﺭ ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻘﻄﺐ ﺍلأﻧﻈﺎﺭَ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﺍﻟﺪﻭﺍﺀ ﺍﻟﻨﺎﺟﻊ لأﻣﺮﺍﺽ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻟﺬﺍ ﻳﺴﻌﻰ ﻧﺤﻮﻫﺎ ﺍﻟﻤﻔﻄﻮﺭﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺼـلاﺡ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﻔﻲ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺍﻟﺴﻌﻴﺪ ﻭﺧﻴﺮ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺍلإﻃـلاﻕ، ﻋُﺮﺿَﺖ ﻓﻲ ﺳﻮﻕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺃﻣﻮﺭ. ﻓﺒﺪﻳﻬﻲ ﺃﻥ ﻳﺴﻌﻰ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﺼﺪﻕ ﻭﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺤﻖ ﻟﻤﺎ ﻳﻤﻠﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻓﻄﺮ ﺻﺎﻓﻴﺔ ﻭﺳﺠﺎﻳﺎ ﺳﺎﻣﻴﺔ، ﻭﺑﺪﻳﻬﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﺃﻥ ﻳﻨﻔﺮﻭﺍ ﻭﻳﺘﺠﻨّﺒﻮﺍ ﻛﻞَّ ﻣﺎﻟﻪ ﻧﺘﺎﺋﺞُ ﻭﺧﻴﻤﺔ ﻭﺷﻘﺎﺀُ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍلآﺧﺮﺓ ﻛﺎﻟﻜﺬﺏ ﻭﺍﻟﺸﺮ ﻭﺍﻟﻜﻔﺮ، ﻓﺎﻟﺘﻔﻮﺍ ﺣﻮﻝ ﺭﺍﻳﺔ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﻭﺗﺠﻨﺒﻮﺍ ﻣﻬﺎﺯﻝ ﻣﺴﻴﻠﻤﺔ ﺍﻟﻜﺬﺍﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺜﻞ ﺍﻟﻜﺬﺏ ﻭﺍﻟﺸﺮ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻞ.

ﺑﻴﺪ ﺃﻥّ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺗﻐﻴﺮﺕ ﺗﺪﺭﻳﺠﻴﺎ ﻭﺑﻤﺮﻭﺭ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻓﻠﻢ ﺗﺒﻖ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻗﺮﻭﻥ ﺍﻟﺨﻴﺮ، ﻓﺘﻘﻠﺼﺖ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔُ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻜﺬﺏ ﻭﺍﻟﺼﺪﻕ ﺭﻭﻳﺪﺍ ﺭﻭﻳﺪﺍ ﻛﻠّﻤﺎ ﺍﻗﺘﺮﺑﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻋﺼﻮﺭﻧﺎ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﺓ ﺣﺘﻰ ﺃﺻﺒﺤﺎ ﻣﺘﺮﺍﺩﻓَﻴﻦ ﻣﺘﻜﺎﺗﻔﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ، ﻓﺼﺎﺭ ﺍﻟﺼﺪﻕُ ﻭﺍﻟﻜﺬﺏ ﻳُﻌﺮﺿﺎﻥ ﻣﻌﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﺽ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﻳﺼﺪﺭﺍﻥ ﻣﻌﺎ ﻣﻦ ﻣﺼﺪﺭ ﻭﺍﺣﺪ ﻓﻔﺴﺪﺕ ﺍلأﺧـلاﻕُ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﺧﺘﻠﺖ ﻣﻮﺍﺯﻳﻨُﻬﺎ. ﻭﺯﺍﺩﺕ ﺍﻟﺪﻋﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺇﺧﻔﺎﺀَ ﻗﺒﺢ ﺍﻟﻜﺬﺏ ﺍﻟﻤﺮﻋﺐ ﻭﺳﺘﺮَ ﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺼﺪﻕ ﺍﻟﺒﺎﻫﺮ.

ﻓﻬﻞ ﻳﻘﻮﻯ ﺃﺣﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﺮﺃﺓ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ ﻛﻬﺬﺍ ﻭﻳﺪّﻋﻲ: ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺃﺩﻧﻮ ﻣﻦ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺑﻠﻐﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﻭﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﻭﺍﻟﺼﺪﻕ ﻭﺑﺬﻝ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﺍﻟﻨﻔﻴﺲ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﺤﻖ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻐﻪ ﺃﺣﺪ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﺒﻘﻬﻢ؟

ﺳﺄﻭﺭﺩ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺮّﺕ ﻋﻠﻲّ ﺗﻮﺿّﺢ ﺟﺎﻧﺒﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ: ﻟﻘﺪ ﺧﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻲ ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ﺳﺆﺍﻝ ﻭﻫﻮ: ﻟِﻢَ لا ﻳﺒﻠﻎ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻣﺤﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ ﻣﺮﺗﺒﺔَ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ؟ ﺛﻢ لاﺣﻈﺖُ ﻓﻲ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﻗﻮﻟﻲ ﻓﻲ ﺳﺠﻮﺩٍ ﻓﻲ ﺻـلاﺓ: «ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺭﺑﻲ ﺍلأﻋﻠﻰ» ﺃﻥ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻄﻴﺒﺔ ﻗﺪ ﺍﻧﻜﺸﻒ ﻟﻲ، لا ﺃﻗﻮﻝ ﻛﻠﻬﺎ، ﺑﻞ ﺍﻧﻜﺸﻒ ﺷﻲﺀ ﻣﻨﻬﺎ. ﻓﻘﻠﺖ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ: ﻟﻴﺘﻨﻲ ﺃﺣﻈﻰ ﺑﺼـلاﺓٍ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺗﻨﻜﺸﻒ ﻟﻲ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﺍﻧﻜﺸﻒ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ، ﻓﻬﻲ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺳﻨﺔٍ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﺍﻓﻞ. ﺛﻢ ﺃﺩﺭﻛﺖُ ﻋﻘﺐ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺨﺎﻃﺮﺓ ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﻮﺍﺑﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﺆﺍﻟﻲ، ﻭﺇﺭﺷﺎﺩﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﺤﺎﻟﺔ ﺇﺩﺭﺍﻙِ ﺃﺣﺪٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺩﺭﺟﺔَ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ؛ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺣﺪﺛﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥُ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﺄﻧﻮﺍﺭﻩ ﺍﻟﺴﺎﻃﻌﺔ ﻗﺪ ﻣﻴَّﺰ ﺍلأﺿﺪﺍﺩ ﺑﻌﻀَﻬﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺍلآﺧﺮ، ﻓﺎﻟﺸﺮﻭﺭُ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺗﻮﺍﺑﻌﻬﺎ ﻭﻇﻠﻤﺎﺗﻬﺎ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﺑﻬﺔ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎلاﺕ ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻧﻮﺍﺭﻫﺎ ﻭﻧﺘﺎﺋﺠﻬﺎ. ﻓﻔﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﺤﻔّﺰﺓ لاﻧﻄـلاﻕ ﻧﻮﺍﺯﻉ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺸﺮ ﻣﻦ ﻋﻘﺎﻟﻬﺎ، ﺗﻨﺒّﻬﺖ ﻟﺪﻯ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻧﻮﺍﺯﻋﻪ، ﻓﻐﺪﺍ ﻛﻞُّ ﺫﻛﺮ ﻭﺗﺴﺒﻴﺢ ﻭﺗﺤﻤﻴﺪ ﻳﻔﻴﺪ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻣﻌﺎﻧﻴَﻪ ﻛﺎﻣﻠﺔً ﻭﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﺗﻌﺒﻴﺮﺍ ﻧَﺪِﻳّﺎ ﻧﻀﺮﺍ، ﻓﺎﺭﺗﺸﻔﺖْ ﻣﺸﺎﻋﺮُﻫﻢ ﺍﻟﻤﺮﻫﻔﺔ ﻭﻟﻄﺎﺋﻔُﻬﻢ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮﺓ ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺧﻴﺎﻟُﻬﻢ ﻭﺳﺮُّﻫﻢ ﺭﺣﻴﻖَ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪﺓ ﻟﺘﻠﻚ ﺍلأﺫﻛﺎﺭ ﺍﺭﺗﺸﺎﻓﺎ ﺻﺎﻓﻴﺎ ﻳﻘﻈﺎ ﺣﺴﺐ ﺃﺫﻭﺍﻗﻬﺎ ﺍﻟﺮﻗﻴﻘﺔ. ﻭﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻤﻠﻜﻮﻥ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﺣﺴﺎﺳﺔ ﻣﺮﻫﻔﺔ ﻭﺣﻮﺍﺱ ﻣﻨﺘﺒﻬﺔ ﻭﻟﻄﺎﺋﻒ ﻳﻘﻈﺔ، ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺬﻛﺮﻭﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ لأﻧﻮﺍﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﺘﺴﺒﻴﺢ ﻭﺍﻟﺘﺤﻤﻴﺪ ﻳﺸﻌﺮﻭﻥ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﻭﻳﺄﺧﺬﻭﻥ ﺣﻈﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﻟﻄﺎﺋﻔﻬﻢ ﺍﻟﺰﻛﻴﺔ.

ﺑﻴﺪ ﺃﻥ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻟﻢ ﺗﺒﻖ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﻨﺪﻱ ﻭﺍﻟﻄﺮﺍﻭﺓ ﻭﺍﻟﺠﺪّﺓ، ﻓﺘﺒﺪﻟﺖ ﺗﺪﺭﻳﺠﻴﺎ ﺑﻤﺮﻭﺭ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺣﺘﻰ ﻏﻄَّﺖ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒُ ﻓﻲ ﻧﻮﻡ ﻋﻤﻴﻖ، ﻭﻏﻔﻠﺖ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮُ ﻭﺍﻟﺤﻮﺍﺱُ ﻭﺍﻧﺼﺮﻓﺖْ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ، ﻓﻔﻘﺪﺕْ ﺍلأﺟﻴﺎﻝُ ﺍﻟـلاﺣﻘﺔ ﺷﻴﺌﺎ ﻓﺸﻴﺌﺎ ﻗﺪﺭﺗَﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﺬﻭﻕ ﻃﺮﺍﻭﺓ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻄﻴﺒﺔ ﻭﺍﻟﺘﻠﺬﺫ ﺑﻄﻌﻮﻣﻬﺎ ﻭﻧﺪﺍﻭﺗﻬﺎ، ﻓﻐﺪﺕ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻛﺎﻟﺜﻤﺎﺭ ﺍﻟﻔﺎﻗﺪﺓ ﻟﻄﺮﺍﻭﺍﺗﻬﺎ ﻭﻧﻀﺎﺭﺗﻬﺎ، ﺣﺘﻰ ﻟﻜﺄﻧﻬﺎ ﺟﻔّﺖ ﻭﻳﺒﺴﺖ ﻭﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺤﻤﻞ ﻟﻬﻢ ﺇلا ﻧﺰﺭﺍ ﻳﺴﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﺍﻭﺓ، لا ﺗُﺴﺘﺨﻠﺺ ﺇلا ﺑﻌﺪ ﺇﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺬﻫﻦ ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ، ﻭﺑﺬﻝِ ﺍﻟﺠﻬﺪ ﻭﺻﺮﻑ ﺍﻟﻄﺎﻗﺔ. ﻟﺬﺍ ﻓﺎﻟﺼﺤﺎﺑﻲ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺎﻝ ﻣﻘﺎﻣﺎ ﻭﻓﻀﻴﻠﺔً ﻓﻲ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﺩﻗﻴﻘﺔ لا ﻳﻨﺎﻟُﻪ ﻏﻴﺮُﻩ ﺇلا ﻓﻲ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣﺎ، ﺑﻞ ﻓﻲ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﺳﻨﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﻔﻀﻞ ﺍﻟﺼﺤﺒﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ.

   ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ

ﻟﻘﺪ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ «ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﺸﺮﺓ ﻭﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻭﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ»: ﺃﻥّ ﻧﺴﺒﺔَ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﻛﻨﺴﺒﺔ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺩﺓ ﺑﺬﺍﺗِﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ، ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺳﻤﻮَّ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﻫﻢ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺃﻗﺮﺏَ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﺴﺎﻃﻌﺔ، ﻭﻋﻠﻮَّ ﻣﺮﺗﺒﺘﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ، ﻫﻮ ﺑﻨﺴﺒﺔ ﺳﻤﻮِّ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﻋﻠﻮِّﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺴﺐ ﺃﺣﺪُ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ، ﻭﻫﻲ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻭﺭﺛﺔ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﺼﺪﻳﻘﻴﻦ ﻭﻭلاﻳﺔ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ، ﻓﺈﻧﻪ لا ﻳﺒﻠﻎ ﻣﻘﺎﻡَ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺼﻔﻮﺓ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻣﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻒ ﺍلأﻭﻝ، ﺭﺿﻮﺍﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ.

ﺳﻨﺒﻴﻦ ﺛـلاﺛﺔ ﺃﻭﺟﻪ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪﺓ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ:

ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍلأﻭﻝ: لا ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻠﺤﺎﻕ ﺑﺎﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻓﻲ ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩ، ﺃﻱ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻨﺒﺎﻁ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ، ﺃﻱ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻣﺮﺿﺎﺓ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﻛـلاﻣﻪ؛ لأﻥّ ﻣﺤﻮﺭ ﺫﻟﻚ ﺍلاﻧﻘـلاﺏ ﺍلإﻟﻬﻲ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺪﺙ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻛﺎﻥ ﻳﺪﻭﺭ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺿﺎﺓ ﺍﻟﺮﺏ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﻓَﻬﻢ ﺃﺣﻜﺎﻣﻪ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ. ﻓﺎلأﺫﻫﺎﻥُ ﻛﻠُّﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔً ﻣﺘﻮﺟﻬﺔً ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﻨﺒﺎﻁ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ، ﻭﺍﻟﻘﻠﻮﺏُ ﻛﻠﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﻠﻬﻔﺔً ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ: ﻣﺎﺫﺍ ﻳﺮﻳﺪ ﻣﻨﺎ ﺭﺑُّﻨﺎ؟ ﻓﺎﻟﻤﺤﺎﺩﺛﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﻭﺭﺍﺕ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ، ﻭﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﻭﺍلأﺣﺪﺍﺙ ﺗﺠﺮﻱ ﻓﻲ ﺿﻮﺋﻬﺎ.

ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥّ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻭﻛﻞَّ ﺣﺎﻝ ﻭﻛﻞَّ ﻣﺤﺎﻭﺭﺓ ﻭﻣﺠﺎﻟﺴﺔ ﻭﻣﺤﺎﺩﺛﺔ ﻭﺣﻜﺎﻳﺔ ﺗﺠﺮﻱ ﺑﻤﺎ ﻳﺮﺷﺪ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻭﻳﺪﻝ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻟﺬﺍ ﻛﺎﻧﺖ -ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ- ﺗﻜﻤّﻞ ﻗﺎﺑﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻭﺗﻨﻮّﺭ ﺃﻓﻜﺎﺭَﻫﻢ ﻭﺗُﻬﻴﺊ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺗِﻬﻢ ﻟﻘﺪﺡ ﺯﻧﺎﺩﻫﺎ ﻟـلاﺟﺘﻬﺎﺩ ﻭﺍﺳﺘﻨﺒﺎﻁ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ، ﺇﺫ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻜﺴﺒﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤَﻠَﻜﺔ ﻋﻠﻰ ﺍلاﺳﺘﻨﺒﺎﻁ ﻭﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﺎ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻣَﻦ ﻫﻮ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺫﻛﺎﺋﻬﻢ ﻭﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻫﻢ ﻓﻲ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮﺍﺕ، ﺑﻞ ﻓﻲ ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ، لأﻥ ﺍلأﻧﻈﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻣﺘﻮﺟﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﻧﻴﻞ ﺣﻴﺎﺓ ﺩﻧﻴﻮﻳﺔ ﺭﻏﻴﺪﺓ ﺩﻭﻥ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺍلآﺧﺮﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﻭﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻨﻌﻴﻢ ﺍﻟﻤﻘﻴﻢ ﻓﻴﻬﺎ، ﻓﺎلأﻧﻈﺎﺭُ ﻣﺼﺮﻭﻓﺔ ﻋﻨﻬﺎ. ﻓﻬﻤﻮﻡُ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻀﺎﻋﻒ ﺑﻌﺪﻡ ﺍﻟﺘﻮﻛﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻠﻘﻲ ﺛﻘﻠَﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺭﻭﺡ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺗﺠﻌﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﺿﻄﺮﺍﺏ ﻭﻗﻠﻖ، ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔُ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﺗﻜﻞّ ﺍﻟﻌﻘﻞَ ﻭﺗﻌﻤﻲ ﺍﻟﺒﺼﻴﺮﺓ. ﻓﺘﺮﻯ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻣﺜﻠﻤﺎ لا ﻳﻤﺪّ ﺫﻫﻦَ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺨﺺ «ﺍﻟﺬﻛﻲ» لا ﻳﺆﺍﺯﺭ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩَﻩ ﺍﻟﻔﻄﺮﻱ ﻧﺤﻮ ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩ ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻧﻪ ﻳﺸﺘﺘﻪ ﻭﻳﺮﻫﻘﻪ ﺃﻛﺜﺮ.

ﻭﻟﻘﺪ ﻋﻘﺪﻧﺎ ﻣﻮﺍﺯﻧﺔ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ «ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩ» ﺑﻴﻦ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﺍﺑﻦ ﻋﻴﻴﻨﺔ ﻭﻣَﻦ ﻫﻮ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺫﻛﺎﺋﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ، ﻭﺧﻠُﺼﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺍﺯﻧﺔ ﺇﻟﻰ: «ﺃﻥ ﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍلاﺳﺘﻨﺒﺎﻁ ﻓﻲ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮﺍﺕ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻫﻮ ﺑﻤﺴﺘﻮﻯ ﺫﻛﺎﺋﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻓﻲ ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ».

ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: لا ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻠﺤﺎﻕ ﺑﺎﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻓﻲ ﻗﺮﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺨﻄﻰ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ؛ ﺫﻟﻚ لأﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻫﻮ ﺃﻗﺮﺏُ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﺣﺒﻞ ﺍﻟﻮﺭﻳﺪ، ﺃﻣﺎ ﻧﺤﻦ ﻓﺒﻌﻴﺪﻭﻥ ﻋﻨﻪ ﺑُﻌﺪﺍ ﻣﻄﻠﻘﺎ. ﻭﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﻨﺎﻝ ﺍﻟﻘﺮﺏَ ﻣﻨﻪ ﺑﺎﻟﺼﻮﺭﺗﻴﻦ ﺍلآﺗﻴﺘﻴﻦ:

ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍلأﻭﻟﻰ: ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻧﻜﺸﺎﻑ ﺃﻗﺮﺑﻴﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻠﻌﺒﺪ. ﻓﻘﺮﺏُ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺇﻟﻴﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍلاﻧﻜﺸﺎﻑ. ﻭﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻬﻢ ﻭﺭﺛﺔُ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﺍﻟﺼﺤﺒﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﻳﺤﻈَﻮﻥ ﺑﻬﺬﺍ ﺍلاﻧﻜﺸﺎﻑ.

ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺑُﻌﺪﻧﺎ ﻋﻨﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻓﺎﻟﺘﺸﺮﻑ ﺑﺸﻲﺀ ﻣﻦ ﻗُﺮﺑﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻘﻄﻊ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺇﻟﻴﻪ. ﻭﺃﻏﻠﺐُ ﻃﺮﻕ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ، ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﻴﺮٍ ﻭﺳﻠﻮﻙ ﺗﺠﺮﻱ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ، ﺳﻮﺍﺀ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﺴﻴﺮُ ﺍلأﻧﻔﺴﻲ ﺃﻭ ﺍلآﻓﺎﻗﻲ.

ﻓﺎﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍلأﻭﻟﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍﻧﻜﺸﺎﻑُ ﺃﻗﺮﺑﻴﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ -ﺃﻱ ﻗﺮﺑُﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺪ- ﻫﺒﺔ ﻣﺤﻀﺔ ﻣﻨﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﻟﻴﺲ ﻛﺴﺒﺎ ﻗﻂ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﺍﻧﺠﺬﺍﺏ ﺇﻟﻬﻲ ﻭﺟﺬﺏ ﺭﺣﻤﺎﻧﻲ، ﻭﻣﺤﺒﻮﺑﻴﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ. ﻓﺎﻟﻄﺮﻳﻖ ﻗﺼﻴﺮ، ﺇلا ﺃﻧﻪ ﺛﺎﺑﺖ ﺭﺻﻴﻦ، ﻭﻫﻮ ﻋﺎﻝ ﺭﻓﻴﻊ ﺳﺎﻡ ﺟﺪﺍ، ﻭﺧﺎﻟﺺ ﻃﺎﻫﺮ لا ﻇﻞَّ ﻓﻴﻪ ﻭلا ﻛﺪﺭ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻘﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻬﻲ ﻛﺴﺒﻴﺔ، ﻃﻮﻳﻠﺔ، ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻮﺍﺋﺐ ﻭﻇـلاﻝ، ﻭﺭﻏﻢ ﺃﻥ ﺧﻮﺍﺭﻗﻬﺎ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻓﺈﻧﻬﺎ لا ﺗﺒﻠﻎ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓَ ﺍلأﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍلأﻫﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺮﺏ ﻣﻨﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ.

ﻭﻟﻨﻮﺿﺢ ﺫﻟﻚ ﺑﻤﺜﺎﻝ: لأﺟﻞ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺃﻣﺲ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻫﻨﺎﻙ ﻃﺮﻳﻘﺎﻥ:

ﺍلأﻭﻝ: ﺍلاﻧﺴـلاﺥ ﻣﻦ ﻭﻗﺎﺋﻊ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻭﺟﺮﻳﺎﻧﻪ ﺑﻘﻮﺓ ﻗﺪﺳﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻌﺮﻭﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﻭﺭﺅﻳﺔ ﺃﻣﺲ ﺣﺎﺿﺮﺍ ﻛﺎﻟﻴﻮﻡ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻓﻬﻮ ﻗﻄﻊُ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺳﻨﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻟﻤـلاﻗﺎﺓ ﺍلأﻣﺲ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ، ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻤﺴﻚ ﺑﻪ، لأﻧﻪ ﻳﺪَﻋﻚ ﻭﻳﻤﻀﻲ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺍلأﻣﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻔﻮﺫ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻓﺈﻧﻪ ﺑﺼﻮﺭﺗﻴﻦ:

ﺍلأﻭﻟﻰ: ﺍلاﻧﺠﺬﺍﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓً ﻭﻭﺟﺪﺍﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫَﺪ، ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺑﺮﺯﺥ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ.

ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﻗﻄﻊُ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺑﺎﻟﺴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺴﻠﻮﻙ.

ﻓﺄﻫﻞُ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﺭﻏﻢ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﻮﻓّﻘﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻓﻨﺎﺀ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ ﺑﺎﻟﺴﻮﺀ ﻭﻳﻘﺘﻠﻮﻧﻬﺎ، ﻓﺈﻧﻬﻢ لا ﻳﺒﻠﻐﻮﻥ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ، لأﻥ ﻧﻔﻮﺱ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺰﻛﺎﺓ ﻭﻣﻄﻬّﺮﺓ، ﻓﻨﺎﻟﻮﺍ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻭﺿﺮﻭﺑﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ ﺃﻟﻮﺍﻥ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﻭﺍﻟﺤﻤﺪ ﺑﺄﺟﻬﺰﺓ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪﺓ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻋﺒﺎﺩﺓُ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ -ﺑﻌﺪ ﻓﻨﺎﺀ ﺍﻟﻨﻔﺲ- ﺗﺼﺒﺢ ﻳﺴﻴﺮﺓ ﻭﺳﻬﻠﺔ.

ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: لا ﻳﻤﻜﻦ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻓﻲ ﻓﻀﺎﺋﻞ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﻭﺛﻮﺍﺏ ﺍلأﻓﻌﺎﻝ ﻭﺟﺰﺍﺀ ﺍلآﺧﺮﺓ، لأﻥ ﺍﻟﺠﻨﺪﻱ ﺍﻟﻤﺮﺍﺑﻂ ﻟﺴﺎﻋﺔٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻓﻲ ﻇﺮﻭﻑ ﺻﻌﺒﺔ ﺗﺤﻴﻄُﻪ، ﻭﻓﻲ ﻣﻮﻗﻊ ﻣﻬﻢ ﻣﺨﻴﻒ، ﻳﻜﺴﺐ ﻓﻀﻴﻠﺔً ﻭﺛﻮﺍﺑﺎ ﻳﻘﺎﺑﻞ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ، ﻭﺇﺫﺍ ﺃﺻﻴﺐ ﺑﻄﻠﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺴﻤﻮ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔٍ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺑﻠﻮﻏُﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﺇلا ﻓﻲ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻗﻞ ﺗﻘﺪﻳﺮ. ﻛﺬﻟﻚ ﺍلأﻣﺮ ﻓﻲ ﺟﻬﺎﺩ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻋﻨﺪ ﺇﺭﺳﺎﺀ ﺩﻋﺎﺋﻢ ﺍلإﺳـلاﻡ، ﻭﻧﺸﺮ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﺇﻋـلاﻧﻬﻢ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺃﺟﻤﻊ ﺑﺎﺳﻢ ﺍلإﺳـلاﻡ، ﻓﻬﻮ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻭﺧﺪﻣﺔ ﺟﻠﻴﻠﺔ لا ﺗﺮﻗﻰ ﺳﻨﺔٌ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﺪﻯ ﻏﻴﺮﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻬﻢ، ﺑﻞ ﻳﺼﺢ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ:

ﺇﻥّ ﺩﻗﺎﺋﻖ ﻋﻤﺮ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ -ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ- ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺑﻤﺜﻞ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺳﺘﺸﻬﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺠﻨﺪﻱ، ﻭﺇﻥّ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﻋﻤﺮﻫﻢ ﻛﻠّﻬﺎ ﻫﻲ ﺑﻤﺜﻞ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﺠﻨﺪﻱ ﺍﻟﻔﺪﺍﺋﻲ ﺍﻟﻤﺮﺍﺑﻂ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻊ ﺧﻄﺮ ﻣﺮﻋﺐ. ﻓﺎﻟﻌﻤﻞُ ﻗﻠﻴﻞ، ﺇلا ﺃﻥ ﺍلأﺟﺮ ﻋﻈﻴﻢ ﻭﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺟﺰﻳﻞ، ﻭﺍلأﻫﻤﻴﺔ ﺟﻠﻴﻠﺔ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻤﺜّﻠﻮﻥ ﺍﻟﻠﺒﻨﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ ﻓﻲ ﺗﺄﺳﻴﺲ ﺻﺮﺡ ﺍلإﺳـلاﻡ، ﻭﻫﻢ ﺍﻟﺼﻒ ﺍلأﻭﻝ ﻓﻲ ﻧﺸﺮ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﻠﻬﻢ ﺇﺫﻥ ﻗﺴﻂ ﻭﺍﻓﺮ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﺴﻨﺎﺕ ﺍلأﻣﺔ، ﺣﺴﺐ ﻗﺎﻋﺪﺓ «ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻛﺎﻟﻔﺎﻋﻞ». ﻓﺎلأﻣﺔ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺗﺮﺩﻳﺪﻫﺎ: «ﺍﻟﻠﻬﻢَّ ﺻﻞِّ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻭﺳﻠّﻢ» ﺇﻧﻤﺎ ﺗﺒﻴﻦ ﻣﺎ ﻟﻶ ﻝِ ﻭﺍﻟﺼﺤﺐ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻣﻦ ﺣﻆٍ ﻭﺍﻓﺮ ﻓﻲ ﺣﺴﻨﺎﺕ ﺍلأﻣﺔ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ.

ﻭﻟﻜﻲ ﻧﻮﺿﺢ ﻣﺎ ﻳﺘﺮﺗﺐ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺛﺮٍ ﺿﺌﻴﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ ﻧﺴﻮﻕ ﺍلأﻣﺜﻠﺔ ﺍلآﺗﻴﺔ: ﺧﺎﺻﻴﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻣﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﺟﺬﺭ ﺍﻟﻨﺒﺎﺕ ﺗﺄﺧﺬ ﺻﻮﺭﺓً ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﺃﻏﺼﺎﻧﻬﺎ، ﻓﺘﻠﻚ ﺍﻟﺨﺎﺻﻴﺔُ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺬﺭ ﺇﺫﻥ ﻫﻲ ﺃﻋﻈﻢُ ﻣﻦ ﺃﻋﻈﻢ ﻏﺼﻦ.. ﻭﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺿﺌﻴﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ ﻳﻜﻮﻥ ﺗﺪﺭﻳﺠﻴﺎ ﻋﻈﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ.. ﻭﺇﻥّ ﺍﻟﺰﻳﺎﺩﺓ ﺍﻟﻄﻔﻴﻔﺔ ﻓﻲ ﻧﻘﻄﺔ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ، ﻭﻟﻮ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﺃﻧﻤﻠﺔ، ﺗﻜﻮﻥ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﻣﺘﺮ ﻛﺎﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓـلأﻥ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻫﻢ ﻣﺆﺳﺴﻮ ﺍلإﺳـلاﻡ، ﻭﺟﺬﻭﺭُ ﺷﺠﺮﺓ ﺍلإﺳـلاﻡ ﺍﻟﻤﻨﻴﺮﺓ، ﻭﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﺨﻄﻮﻁ ﺍلأﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﺒﻨﺎﺀ ﺍلإﺳـلاﻡ، ﻭﺭﻛﻴﺰﺓُ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍلإﺳـلاﻣﻲ ﻭﺃﺋﻤﺘُﻪ، ﻭﺃﻗﺮﺏ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﺷﻤﺲ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺍﻟﻤﻨﻴﺮﺓ ﻭﺳﺮﺍﺝ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.. ﻓﻌﻤﻞ ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻫﻮ ﻋﻈﻴﻢ ﺟﻠﻴﻞ، ﻭﺧﺪﻣﺔ ﺿﺌﻴﻠﺔ ﻳﻘﺪﻣﻮﻧﻬﺎ ﻫﻲ ﺟﺴﻴﻤﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻓـلا ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻠﺤﺎﻕُ ﺑﻬﻢ ﻭﺇﺩﺭﺍﻛُﻬﻢ ﺇلا ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺮﺀُ ﺻﺤﺎﺑﻴﺎ ﻣﺜﻠﻬﻢ.

ﺍﻟﻠّﻬﻢ ﺻﻞِّ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺎﻝ: «ﺃﺻﺤﺎﺑﻲ ﻛﺎﻟﻨﺠﻮﻡ ﺑﺄﻳّﻬﻢ ﺍﻗﺘﺪﻳﺘﻢ ﺍﻫﺘﺪﻳﺘﻢ» ﻭ«ﺧﻴﺮ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ ﻗﺮﻧﻲ..» ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻭﺳﻠﻢ.

﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾

    *   *   *

    ﺳﺆﺍﻝ: ﻳُﻘﺎﻝ ﺇﻥ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻗﺪ ﺭﺃﻭﺍ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم ﻋﻴﺎﻧﺎ ﺛﻢ ﺁﻣﻨﻮﺍ ﺑﻪ ﻭﺻﺪّﻗﻮﻩ، ﺃﻣﺎ ﻧﺤﻦ ﻓﻘﺪ ﺁﻣﻨﺎ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻧﺮﺍﻩ، ﻓﺈﻳﻤﺎﻧُﻨﺎ ﺇﺫﻥ ﺃﻗﻮﻯ ﻣﻦ ﺇﻳﻤﺎﻧﻬﻢ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺭﻭﺍﻳﺎﺕٍ ﺗﺆﻳﺪ ﻣﺎ ﻧﺬﻫﺐ ﺇﻟﻴﻪ!!

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥّ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺭﺿﻮﺍﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ، ﻗﺪ ﻭﻗﻔﻮﺍ ﺃﻣﺎﻡَ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺃﺟﻤﻊ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺎﺩﻱ ﺣﻘﺎﺋﻖَ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻭﺗﺼﺪّﻫﺎ. ﻓﺂﻣﻨﻮﺍ ﺇﻳﻤﺎﻧﺎ ﺭﺍﺳﺨﺎ ﺻﺎﺩﻗﺎ ﺧﺎﻟﺼﺎ ﻣﻊ ﺃﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺮﻭﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﺑﻌﺪُ ﺇلا ﻇﺎﻫﺮَ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﺑﻞ ﺁﻣﻨﻮﺍ ﺑﻪ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺮﻭﺍ ﻣﻨﻪ ﻣﻌﺠﺰﺓً، ﻭﺃﺻﺒﺢ ﺇﻳﻤﺎﻧُﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺳﻮﺥ ﻭﺍﻟﻤﺘﺎﻧﺔ ﻣﺎ لا ﺗﺰﻋﺰﻋﻪ ﺟﻤﻴﻊُ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﻫﻀﺔ ﻟـلإﺳـلاﻡ، ﺑﻞ ﻟﻢ ﺗﺆﺛﺮ ﻭﻟﻮ ﺑﺄﺩﻧﻰ ﺷﺒﻬﺔ ﺃﻭ ﻭﺳﻮﺳﺔ.

ﺃﻣﺎ ﺃﻧﺘﻢ ﻓﻤَﻊ ﺃﻧﻜﻢ ﻟﻢ ﺗﺮﻭﺍ ﺻﻮﺭﺗَﻪ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻭﺷﺨﺼﻴﺘَﻪ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻧﻮﺍﺓٍ ﻟﺸﺠﺮﺓ ﻃﻮﺑﻰ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ، ﻓﺈﻥ ﺃﻓﻜﺎﺭَ ﻋﺎﻟَﻢ ﺍلإﺳـلاﻡ ﺗﺸﺪّ ﻣﻦ ﺇﻳﻤﺎﻧﻜﻢ ﻭﺗﻤﺪّﻩ ﻭﺗﻌﺰﺯﻩ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻧﻜﻢ ﺗﺮَﻭﻥ ﺑﻌﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ، ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ صلى الله عليه وسلم ﺍﻟﻤﻨﻮّﺭﺓ ﺑﺄﻧﻮﺍﺭ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻭﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺍﻟﻤﻬﻴﺒﺔ ﺑﺄﻟﻒٍ ﻣﻦ ﻣﻌﺠﺰﺍﺗﻪ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ.. ﺃﻓﻴﻮﺍﺯَﻥ ﺇﻳﻤﺎﻧُﻜﻢ ﻫﺬﺍ ﻣﻊ ﺇﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ؟. ﻓﺄﻳﻦ ﺇﻳﻤﺎﻧُﻜﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻬﻮﻱ ﻓﻲ ﺷِﺮﺍﻙ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﻛـلاﻡ ﻳُﻄﻠﻘﻪ ﻓﻴﻠﺴﻮﻑ ﻣﺎﺩﻱ ﺃﻭﺭﺑﻲ، ﻣﻦ ﺇﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻛﺎﻟﻄﻮﺩ ﺍﻟﺸﺎﻣﺦ لا ﻳﺘﺰﻋﺰﻉ ﺃﻣﺎﻡ ﺍلأﻋﺎﺻﻴﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺜﻴﺮﻫﺎ ﺟﻤﻴﻊُ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﺍلإﻟﺤﺎﺩ ﻭﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺎﺀ؟

ﻓﻴﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺪّﻋﻲ! ﺃﻳﻦ ﺇﻳﻤﺎﻧُﻚ ﺍﻟﻮﺍﻫﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺪ لا ﻳﻘﻮﻯ لأﺩﺍﺀ ﺍﻟﻔﺮﺍﺋﺾ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻬﻬﺎ ﻣﻦ ﺻـلاﺑﺔِ ﻭﻗﻮﺓ ﺇﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﻭﻋﻈﻴﻢِ ﺗﻘﻮﺍﻫﻢ ﻭﺻـلاﺣﻬﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻠﻎ ﻣﺮﺗﺒﺔَ ﺍلإﺣﺴﺎﻥ؟

ﺃﻣﺎ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﺑﻤﺎ ﻣﻌﻨﺎﻩ: ﺃﻥّ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﺮﻭﻧﻲ ﻭﺁﻣﻨﻮﺍ ﺑﻲ ﻫﻢ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻨﻜﻢ .. ﻓﻬﻮ ﻳﺨﺺّ ﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ، ﻭﻫﻮ ﺑﺤﻖ ﺑﻌﺾ ﺍلأﺷﺨﺎﺹ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺑﺤﺜُﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻭﻣﺎ ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍلأﻛﺜﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ.

ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﺇﻥّ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﻭﺃﺻﺤﺎﺏَ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻗﺪ ﺗﺮﻛﻮﺍ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻋﺎﻓﻮﺍ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ، ﺑﻤﻀﻤﻮﻥ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﺷﺮﻳﻒ: «ﺣﺐُّ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺭﺃﺱُ ﻛﻞ ﺧﻄﻴﺌﺔ»، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻗﺪ ﺃﺧﺬﻭﺍ ﺑﺄﻣﻮﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺃﻗﺒَﻠﻮﺍ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﻟﻢ ﻳﺪَﻋﻮﻫﺎ، ﺑﻞ ﻗﺪ ﺳﺒﻖ ﻗﺴﻢ ﻣﻨﻬﻢ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﻓﻲ ﺃﺧﺬﻫﻢ ﺑﻤﺘﻄﻠﺒﺎﺕ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ. ﻓﻜﻴﻒ ﺗﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ﺃﺻﻐﺮَ ﺻﺤﺎﺑﻲّ ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺆلاﺀ ﻫﻮ ﻛﺄﻋﻈﻢ ﻭﻟﻲّ ﻣﻦ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻟﻘﺪ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ ﻓﻲ «ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜـلاﺛﻴﻦ»:

ﺃﻥ ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ ﺛـلاﺛﺔ ﻭﺟﻮﻩ: ﻓﺈﺑﺪﺍﺀُ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻬَﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻤﺘﻄﻠﻌَﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻭﺍلآﺧﺮﺓ، ﻟﻴﺲ ﻧﻘﺼﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﻣﻨﺎﻁُ ﻛﻤﺎﻝ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺳﻤﻮّ ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ، ﺇﺫ ﻛﻠﻤﺎ ﺟﻬﺪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥُ ﻓﻲ ﻣﺤﺒﺘﻪ ﻟﺬَﻳﻨﻚ ﺍﻟﻮﺟﻬَﻴﻦ ﻛﺴﺐَ ﻣﺰﻳﺪﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻭﻣﺰﻳﺪﺍ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ. ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺩﻧﻴﺎ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻣﺘﻮﺟﻬﺔً ﺇﻟﻰ ﺫَﻳﻨﻚ ﺍﻟﻮﺟﻬﻴﻦ، ﻓﻌﺪّﻭﻫﺎ ﻣﺰﺭﻋﺔَ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻭﺯﺭﻋﻮﺍ ﺍﻟﺤﺴﻨﺎﺕ ﻭﺟَﻨﻮﺍ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﺍﻟﻴﺎﻧﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺍﻟﺠﺰﻳﻞ ﻭﺍلأﺟﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﻭﺍﻋﺘﺒﺮﻭﺍ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺗﻌﻜﺲ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻓﺘﺄﻣﻠﻮﺍ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻓﻜﺮﻭﺍ ﻓﻲ ﺟﻨﺒﺎﺗﻬﺎ ﺑﻠﻬﻔﺔ ﻭﺷﻮﻕ، ﻓﺘﻘﺮﺑﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺜﺮ. ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﺗﺮﻛﻮﺍ ﺍﻟﻮﺟﻪَ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻫﻮ ﻭﺟﻬﻬﺎ ﺍﻟﻔﺎﻧﻲ ﺍﻟﻤﺘﻄﻠّﻊ ﺇﻟﻰ ﺷﻬﻮﺍﺕ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻫﻮﺍﻩ.

ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺇﻥ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻫﻲ ﺳُﺒﻞ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ، ﻭﺃﺷﻬﺮُﻫﺎ ﻭﺃﺳﻤﺎﻫﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻨﻘﺸﺒﻨﺪﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺪّ ﺍﻟﺠﺎﺩﺓ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ. ﻭﻗﺪ ﻟﺨّﺺ ﻗﻮﺍﻋﺪَﻫﺎ ﺑﻌﺾُ ﺃﻗﻄﺎﺑﻬﺎ ﻫﻜﺬﺍ:

   ﺩَﺭْ ﻃَﺮِﻳﻖِ ﻧَﻘْﺸِﺒَﻨﺪِﻯ لاﺯِﻡْ ﺃَﻣَﺪْ ﭼَﺎﺭِ ﺗَﺮْﻙ:     ﺗَﺮْﻙِ ﺩُﻧﻴَﺎ، ﺗَﺮْﻙِ ﻋُﻘْﺒﻰَ، ﺗَﺮْﻙِ ﻫَﺴْﺘِﻰ، ﺗَﺮْﻙِ ﺗَﺮﻙْ

    ﺃﻱ ﻳﻠﺰﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻨﻘﺸﺒﻨﺪﻳﺔ ﺗﺮﻙ ﺃﺭﺑﻌﺔِ ﺃﺷﻴﺎﺀ: ﺗﺮﻙُ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺄﻥ لا ﺗﺠﻌﻠﻬﺎ ﻣﻘﺼﻮﺩﺍ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ. ﻭﺗﺮﻙُ ﺍلآﺧﺮﺓ ﺑﺤﺴﺎﺏ ﺍﻟﻨﻔﺲ. ﻭﺗﺮﻙُ ﺍﻟﻨﻔﺲ، ﺃﻱ ﺃﻥ ﺗﻨﺴﺎﻫﺎ، ﺛﻢ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﺘﺮﻙ. ﺃﻱ ﺃﻥ لا ﺗﺘﻔﻜﺮ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﺮﻙ، ﻟﺌـلا ﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺠﺐ ﻭﺍﻟﻔﺨﺮ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎلاﺕ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺘﻴﻦ ﺇﻧﻤﺎ ﺗﺤﺼﻞ ﻓﻲ ﺗﺮﻙ ﻣﺎ ﺳﻮﺍﻩ ﺗﻌﺎﻟﻰ..

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﺠﺮﺩَ ﻗﻠﺐ ﻓﻘﻂ، ﻟﻜﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺘﺮﻙ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺳﻮﺍﻩ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﺑﻞ ﻳﺘﺮﻙ ﺣﺘﻰ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﻭﻳﺮﺗﺒﻂ ﻗﻠﺒُﻪ ﺑﺬﺍﺗﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ. ﻭﻟﻜﻦ ﻟـلإﻧﺴﺎﻥ ﻟﻄﺎﺋﻒُ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍ ﻛﺎﻟﻘﻠﺐ، ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺍﻟﺴﺮ، ﻛﻞُّ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻜﻠﻔﺔ ﺑﻮﻇﻴﻔﺔ ﻭﻣﺄﻣﻮﺭﺓ ﻟﻠﻘﻴﺎﻡ ﺑﻌﻤﻞ ﺧﺎﺹ ﺑﻬﺎ.

ﻓﺎلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﻫﻮ ﻛﺎﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ، ﻳﺴﻮﻕ ﺟﻤﻴﻊَ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺼﻮﺩﻩ ﺍلأﺳﺎﺱ ﻭﻫﻮ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺍﻟﻠﻪ. ﻓﻴﺴﻮﻕ ﺍﻟﻘﻠﺐُ ﻛﺎﻟﻘﺎﺋﺪ ﻛﻞّ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻳﻮﺟّﻬﻬﺎ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﻄﺮﻳﻖ ﻋﺒﻮﺩﻳﺔ ﺧﺎﺹ ﺑﻬﺎ. ﻋﻨﺪ ﺫﻟﻚ ﺗﺴﻴﺮ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓُ ﺍﻟﻜﺎﺛﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﺟﻨﻮﺩﺍ ﻓﻲ ﺭﻛﺐ ﻋﻈﻴﻢ ﻭﻓﻲ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﻭﺍﺳﻊ ﻓﺴﻴﺢ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺭﺿﻮﺍﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ. ﻭﺇلا ﻓﺈﻥّ ﺗﺮﻙَ ﺍﻟﻘﻠﺐِ ﺟﻨﻮﺩَﻩ ﺩﺍﺭﺟﺎ ﻭﺣﺪَﻩ لإﻧﻘﺎﺫ ﻧﻔﺴﻪ، ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺨﺮ ﻭﺍلاﻋﺘﺰﺍﺯ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﺿﻄﺮﺍﺭ ﻟﻴﺲ ﺇلا.

ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ: ﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﻳﻨﺸﺄ ﺍﺩﻋﺎﺀ ﺍلأﻓﻀﻠﻴﺔ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ؟ ﻭﻣَﻦ ﻫﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺜﻴﺮﻭﻥ ﻫﺬﺍ ﺍلاﺩﻋﺎﺀ؟ ﻭﻟﻤﺎﺫﺍ ﺗُﺜﺎﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ؟ ﻭﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﻳﻨﺒﻌﺚ ﺍﺩﻋﺎﺀُ ﺑﻠﻮﻍ ﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻳﻦ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ؟

   ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥّ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﻫﻢ ﻗﺴﻤﺎﻥ:

ﻗﺴﻢ ﻣﻨﻬﻢ: ﺭﺃﻭﺍ ﺑﻌﺾ ﺍلأﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻭﻧﺸﺮﻭﻫﺎ ﻛﻲ ﻳﺤﻔّﺰﻭﺍ ﺍﻟﺸﻮﻕَ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻤﺘﻘﻴﻦ ﻭﺃﻫﻞ ﺍﻟﺼـلاﺡ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻭﻳﺮﻏّﺒﻮﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ.. ﻓﻬﺆلاﺀ ﻫﻢ ﺃﻫﻞُ ﺩﻳﻦ ﻭﻋﻠﻢ، ﻭﻫﻢ ﻣﺨﻠﺼﻮﻥ. ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻨﺎ ﻣﺎ ﻧﻌﻠّﻖ ﺑﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻭﻫﻢ ﻗﻠﺔ ﻭﻳﻨﺘﺒﻬﻮﻥ ﺑﺴﺮﻋﺔ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍلآﺧﺮ: ﻓﻬﻢ ﺃﻧﺎﺱ ﻣﻐﺮﻭﺭﻭﻥ ﺟﺪﺍ، ﻭﻣﻌﺠَﺒﻮﻥ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ﺃﻳّﻤﺎ ﺇﻋﺠﺎﺏ، ﻳﺮﻳﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺒﺜﻮﺍ ﺍﻧﺴـلاﺧﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ﺍﻟﻔﻘﻬﻴﺔ ﺗﺤﺖ ﺍﺩﻋﺎﺀ ﺃﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻳﻦ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ، ﺑﻞ ﻳﺤﺎﻭﻟﻮﻥ ﺇﻣﺮﺍﺭ ﺇﻟﺤﺎﺩﻫﻢ ﻭﺍﻧﺴـلاﺧﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﺎﺩﻋﺎﺀ ﺃﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺼﺤﺐ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ، ﻓﻬﺆلاﺀ ﺍﻟﻀﺎﻟﻮﻥ ﻗﺪ ﻭﻗﻌﻮﺍ:

ﺃﻭلا: ﻓﻲ ﻫﺎﻭﻳﺔ ﺍﻟﺴﻔﺎﻫﺔ ﺣﺘﻰ ﻏﺪﻭﺍ ﻣﻌﺘﺎﺩﻳﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭلا ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ ﺃﻥ ﻳﺘﺮﻛﻮﺍ ﻣﺎ ﺍﻋﺘﺎﺩﻭﻩ، ﻭﻳﻨﻬﻀﻮﺍ ﺑﺘﻜﺎﻟﻴﻒ ﺍﻟﺸﺮﻉ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺩﻋﻬﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻔﺎﻫﺔ. ﻓﺘﺮﻯ ﺃﺣﺪَﻫﻢ ﻳﺒﺮّﺭ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺎﺋـلا: «ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﻳﺔ، ﻭﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ﺍﻟﻔﻘﻬﻴﺔ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﻓﻲ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ، ﻭﻫﻢ ﺭﺟﺎﻝ ﻗﺪ ﺍﺟﺘﻬﺪﻭﺍ ﻭﻧﺤﻦ ﺃﻳﻀﺎ ﺭﺟﺎﻝ ﺃﻣﺜﺎﻟُﻬﻢ، ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺠﺘﻬﺪ ﻣﺜﻠﻬﻢ، ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﻳﺨﻄﺌﻮﻥ ﻣﺜﻠﻨﺎ، ﻟﺬﺍ ﻧﺆﺩﻱ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ ﺑﺎﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻭﻕ ﻟﻨﺎ ﻧﺤﻦ، ﺃﻱ ﻟﺴﻨﺎ ﻣﻀﻄﺮﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﺗّﺒﺎﻋﻬﻢ!!». ﻓﻬﺆلاﺀ ﺍﻟﺘﻌﺴﺎﺀ ﻳﺤﻠُّﻮﻥ ﺭﺑﻘﺔَ ﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ﻋﻦ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺪﺳﻴﺴﺔ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻧﻴﺔ. ﻓﻤﺎ ﺃﻭﻫﺎﻫﺎ ﻣﻦ ﺩﺳﻴﺴﺔ ﻭﻣﺎ ﺃﺭﺧﺼَﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺒﺮﻳﺮ! ﻭﻗﺪ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ «ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩ».

ﺛﺎﻧﻴﺎ: ﺇﻧﻬﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺭﺃﻭﺍ ﺃﻥّ ﺩﺳﻴﺴﺘﻬﻢ لا ﺗﻜﻤﻞ ﺣﻠﻘﺎﺗُﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺣﺪّ ﺍﻟﺘﻌﺮﺽ ﻟﻠﻤﺠﺘﻬﺪﻳﻦ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ، ﺑﺪﺅﻭﺍ ﻳﺘﻌﺮﺿﻮﻥ ﻟﻠﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺭﺿﻮﺍﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻳﻦ ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻭﺣﺪَﻫﺎ، ﻭﻫﺆلاﺀ ﺍﻟﻀﺎﻟﻮﻥ ﻳﺮﻭﻣﻮﻥ ﻫﺪﻡَ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻭﺗﻐﻴﻴﺮﻫﺎ، ﻓﻠﻮ ﻗﺎﻟﻮﺍ: «ﻧﺤﻦ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻳﻦ» ﻟﻢ ﺗﻨﺘﻪ ﻗﻀﻴﺘُﻬﻢ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥّ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻳﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮُ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﻔﺮﻋﻴﺔ، ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ، ﻟﺬﺍ ﺗﺮﺍﻫﻢ ﻭﻫﻢ ﻣﻨﺴﻠﺨﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ﻳﺒﺪﺅﻭﻥ ﺑﻤﺲّ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍلأﺟـلاﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﺣﺎﻣﻠﻮ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ. ﻭﻟﻜﻦ ﻫﻴﻬﺎﺕ! ﻓﻠﻴﺲ ﺃﻣﺜﺎﻝُ ﻫﺆلاﺀ ﺍلأﻧﻌﺎﻡ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺇﻧﺴﺎﻥ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺍلإﻧﺴﺎﻥُ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ، ﺑﻞ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﻮﻥ ﻣﻨﻬﻢ ﻭﻫﻢ ﺃﻋﺎﻇﻢ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ، لا ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﻜﺴﺒﻮﺍ ﺩﻋﻮﻯ ﺍﻟﻤﻤﺎﺛﻠﺔ ﻣﻊ ﺃﺻﻐﺮ ﺻﺤﺎﺑﻲ ﺟﻠﻴﻞ. ﻛﻤﺎ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎﻩ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ «ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩ».

 ﺍﻟﻠّﻬﻢَّ ﺻﻞِّ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﺭﺳﻮﻟﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺎﻝ: «لا ﺗﺴﺒّﻮﺍ ﺃﺻﺤﺎﺑﻲ لا ﺗﺴﺒّﻮﺍ ﺃﺻﺤﺎﺑﻲ ﻓﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻴﺪﻩ ﻟﻮ ﺃﻥّ ﺃﺣﺪَﻛﻢ ﺃﻧﻔﻖ ﻣﺜﻞَ ﺃﺣﺪٍ ﺫﻫﺒﺎ ﻣﺎ ﺃﺩﺭﻙ ﻣُﺪَّ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻭلا ﻧَﺼﻴﻔﻪ»