ﺍﻟﻤﺪﺍﺭ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ

ﺇﻥّ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﻤﺤﺎﺳﻦ ﻭﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻜﻤﺎلاﺕ ﻭﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺷﻮﺍﻕ ﻭﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﻭﺟﻤﻴﻊ ﺍلاﻧﺠﺬﺍﺑﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﺮﺣّﻤﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﻌﻠﻤﻬﺎ ﻭﻧﺮﺍﻫﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇلا ﻣﻌﺎﻥٍ، ﻭﻣﻀﺎﻣﻴﻦُ، ﻭﻛﻠﻤﺎﺕ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ، ﺗﺒﻴّﻦ ﻟﻠﻘﻠﺐ ﺑﻜﻞ ﻭﺿﻮﺡ ﻭﺗُﻈﻬﺮ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﺑﻜﻞ ﺟـلاﺀ، ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕُ ﻛﺮﻡِ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻭﺇﺣﺴﺎﻧِﻪ، ﻭﺃﻧﻬﺎ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕُ ﺭﺣﻤﺘِﻪ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ ﻭﻟﻄﻔﻪ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ. ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎﻙ «ﺣﻘﻴﻘﺔ» ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﻨﺎ، ﻭﺭﺣﻤﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ، ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﺳﺘﻜﻮﻥ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓُ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ. ﻭﻗﺪ ﺃﻭﺿﺤﺖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ» ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻛﺎﻟﺸﻤﺲ.

ﺍﻟﻤﺪﺍﺭ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ

ﺇﻥّ ﺍﻟﻮﺟﺪﺍﻥ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﻟﻺ ﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻓﻄﺮﺗُﻪ، ﻳﺪﻝّ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻭﻳﺮﻧﻮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﻐﻲ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﺪﺍﻧﻪ ﺍﻟﻴﻘﻆ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺴﻤﻊ ﺣﺘﻤﺎ ﺻﻮﺕ «ﺍلأﺑﺪ.. ﺍلأﺑﺪ» ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺃﻋﻄﻲ ﻛﻞُّ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻮﺟﺪﺍﻥ ﻓﺈﻧﻪ لا ﻳﺴﺪّ ﺣﺎﺟﺘَﻪ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺑﺪ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﺟﺪﺍﻥ ﻣﺨﻠﻮﻕ ﻟﺬﻟﻚ ﺍلأﺑﺪ، ﻭﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺬﺏ ﻭﺍلاﻧﺠﺬﺍﺏ ﺍﻟﻮﺟﺪﺍﻧﻲ لا ﻳﻜﻮﻥ ﺇلا ﺑﺠﺬﺏٍ ﻣﻦ ﻏﺎﻳﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﺑﺠﺎﺫﺏ ﺣﻘﻴﻘﻲ.

ﻭﻗﺪ ﺃﻇﻬﺮﺕ ﺧﺎﺗﻤﺔُ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺤﺎﺩﻳﺔ ﻋﺸﺮﺓ ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ» ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.

ﺍﻟﻤﺪﺍﺭ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ

ﺇﻥّ ﻛـلاﻡ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ ﺍﻟﻤﺼﺪَّﻕ ﺍﻟﻤﺼﺪﻭﻕ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻟﻬﺎﺷﻤﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﻭﺍﻟﺴـلاﻡ ﻗﺪ ﻓﺘﺢ ﺃﺑﻮﺍﺏَ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ، ﻭﺇﻥ ﺃﺣﺎﺩﻳﺜَﻪ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻧﻮﺍﻓﺬُ ﻣﻔﺘّﺤﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ ﺗﻄﻞّ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭﻫﻮ ﺇﺫ ﻳﻤﻠﻚ ﻗﻮﺓَ ﺇﺟﻤﺎﻉ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﺟﻤﻴﻌﻬِﻢ ﻭﺗﻮﺍﺗﺮَ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﻴﻦ ﻛﻠّﻬِﻢ، ﻓﻘﺪ ﺭَﻛّﺰ ﺑﻴﻘﻴﻦ ﺭﺍﺳﺦ ﻛﻞَّ ﺩﻋﻮﺍﻩ، ﺑﻜﻞ ﻗﻮﺍﻩ، ﺑﻌﺪ ﺗﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﻠﻪ، ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍلأﺳﺎﺱ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺤﺸﺮُ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓُ ﺍلآﺧﺮﺓ. ﻓﻬﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﺷﻲﺀ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺰﺣﺰﺡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺼﺎﻣﺪﺓ؟.

ﻭﻗﺪ ﺃﻭﺿﺤﺖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﺸﺮﺓ ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ» ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺗﺎﻡ.

ﺍﻟﻤﺪﺍﺭ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮ

ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺒـلاﻍ ﺍﻟﻤُﺒﻴﻦ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺇﻋﺠﺎﺯﻩ -ﺑﺴﺒﻌﺔ ﺃﻭﺟﻪ- ﻃﻮﺍﻝ ﺛـلاﺛﺔ ﻋﺸﺮ ﻗﺮﻧﺎ ﻭﻣﺎ ﺯﺍﻝ، ﻛﻤﺎ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ ﺇﻋﺠﺎﺯﻩ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ».

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﺇﺧﺒﺎﺭَ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻧﻔﺴِﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻲ ﻫﻮ ﺗﻨﻮﻳﺮ ﻛﺎﻑٍ ﻭﻛﺸﻒ ﺑﻴّﻦ ﻟﻪ، ﻓﻬﻮ ﺍﻟﻤﻔﺘﺎﺡ ﻟﻠﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻤُﻮﺩَﻋﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﻟﻠﺴﺮّ ﺍﻟﻤﻐﻠﻖ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ. ﻭﻟﻘﺪ ﺩﻋﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥُ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻣﺮﺍﺭﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﻭﻟَﻔﺖ ﺍلأﻧﻈﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺁلاﻑٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺮﺍﻫﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﻘﻄﻌﻴﺔ. ﻓﺎلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻣﺜـلا:﴿ﻭَﻗَﺪْ ﺧَﻠﻘَﻜُﻢ ﺃﻃْﻮﺍﺭًا﴾ (ﻧﻮﺡ:14) ﴿ﻗﻞ ﻳُﺤﻴﻴﻬَﺎ ﺍﻟــﺬﻱ ﺃﻧْﺸَــــﺎﻫَﺎ ﺃﻭَّﻝَ ﻣَﺮَّﺓٍ﴾ (ﻳﺲ:79) ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻧﻤﺎﺫﺝ ﻟﻠﻘﻴﺎﺱ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻠﻲ. ﻭﺇﻥ ﴿ﻭَﻣَﺎ ﺭَﺑُّﻚَ ﺑﻈَـلاﻡٍ ﻟِﻠْﻌَﺒﻴﺪِ﴾ (ﻓﺼﻠﺖ:46) ﻧﻤﻮﺫﺝ ﺁﺧﺮ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺩﻟﻴﻞ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﺁﻳﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻗﺪ ﻭﺿﻌﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﻈﺎﺭﺍﺕُ «ﻣﺮﺍﺻﺪ» ﺫﺍﺕ ﻋﺪﺳﺎﺕ ﻣﻜﺒّﺮﺓ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻛﻲ ﺗﻨﻈﺮ ﺑﺈﻣﻌﺎﻥ ﻣﻦ ﺧـلاﻟﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻲ.

ﻭﻗﺪ ﺃﻭﺿﺤﻨﺎ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ «ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ» ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻠﻲ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﺍلآﻳﺘﻴﻦ ﺍلأﻭﻟﻴﻴﻦ ﻣﻊ ﺳﺎﺋﺮ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﻭﺧـلاﺻﺘﻪ: ﺃﻥّ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻛﻠّﻤﺎ ﺍﻧﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻃﻮﺭٍ ﺇﻟﻰ ﻃﻮﺭ ﻣﺮّ ﺑﺎﻧﻘـلاﺑﺎﺕٍ ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ ﻋﺠﻴﺒﺔ، ﻓﻤﻦ ﺍﻟﻨﻄﻔﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻘﺔ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻘﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻀﻐﺔ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﻀﻐﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻈﻢ ﺛﻢ ﺍﻟﻠﺤﻢ، ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﺇﻟﻰ ﺧﻠﻖ ﺟﺪﻳﺪ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻧﻘـلاﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺻﻮﺭﺓِ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻳﺘﺒَﻊ ﺩﺳﺎﺗﻴﺮَ ﺩﻗﻴﻘﺔ. ﻓﻜﻞُّ ﻃﻮﺭ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﺍلأﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﻤﻌﻴّﻨﺔ ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﻤﻄّﺮﺩﺓ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺸﻒّ ﻋﻤﺎ ﺗﺤﺘﻪ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺍﻟﻘﺼﺪ ﻭﺍلإﺭﺍﺩﺓ ﻭﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ.

ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻳُﺒﺪّﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﺳﻨﻮﻳﺎ ﻛﺘﺒﺪﻳﻞ ﺍﻟﺜﻴﺎﺏ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺴﺪُ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﺟﺪﻳﺪ ﻛﻲ ﻳﺘﺒﺪّﻝ ﻭﻳﺒﻘﻰ ﺣﻴّﺎ، ﻭﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺇﺣـلاﻝ ﺫﺭﺍﺕٍ ﻓﻌّﺎﻟﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﺤﻞَّ ﻣﺎ ﺍﻧﺤﻞّ ﻣﻦ ﺍلأﺟﺰﺍﺀ؛ ﻟﺬﺍ ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﺗﻨﻬﺪﻡ ﺣﺠﻴﺮﺍﺗُﻪ ﺑﻘﺎﻧﻮﻥ ﺇﻟﻬﻲ ﻣﻨﺘﻈﻢ، ﻛﺬﻟﻚ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﺎﺩﺓ ﻟﻄﻴﻔﺔٍ ﺑﺎﺳﻢ «ﺍﻟﺮﺯﻕ» ﻛﻲ ﻳﻌﻤﺮ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﺑﻘﺎﻧﻮﻥ ﺇﻟﻬﻲ ﺭﺑّﺎﻧﻲ ﺩﻗﻴﻖ.. ﻓﺎﻟﺮﺯّﺍﻕ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻳﻮﺯﻉ ﻭﻳﻘﺴﻢ، ﺑﻘﺎﻧﻮﻥ ﺧﺎﺹ، ﻟﻜﻞ ﻋﻀﻮ ﻣﻦ ﺃﻋﻀﺎﺀ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻭﺑﻨﺴﺒﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎﺟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﻳﻨﺔ.

ﻭﺍلآﻥ ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻃﻮﺍﺭ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺮﺳَﻠﺔ ﻣﻦ ﻗِﺒﻞ ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺗَﺮَ ﺃﻥ ﺫﺭّﺍﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻫﻲ ﻛﻘﺎﻓﻠﺔٍ ﻣﻨﺘﺸﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻐـلاﻑ ﺍﻟﺠﻮّﻱ.. ﻓﻲ ﺍلأﺭﺽ.. ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺀ.. ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﺒﻌﺜﺮﺓ ﻫﻨﺎ ﻭﻫﻨﺎﻙ، ﺇﺫﺍ ﺑﻬﺎ ﺗُﺴﺘَﻨﻔﺮ ﻓﺘﺘﺠﻤﻊ ﺑﻜﻴﻔﻴﺔٍ ﺧﺎﺻﺔ، ﻭﻛﺄﻥ ﻛﻞَّ ﺫﺭﺓ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﻲ ﻣﺴﺆﻭﻟﺔ ﻋﻦ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺃﺭﺳﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺎﻥ ﻣﻌﻴّﻦ ﺑﻮﺍﺟﺐ ﺭﺳﻤﻲ، ﻓﺘﺠﺘﻤﻊ ﻣﻊ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ، ﻣﻤﺎ ﻳﻮﺣﻲ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺣﺮﻛﺔ ﻣﻘﺼﻮﺩﺓ، ﻓﺴﻠﻮﻛُﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﻳﺒﻴّﻦ:

ﺃﻥّ ﻓﺎﻋـلا ﺫﺍ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﻳﺴﻮﻕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ، ﺑﻘﺎﻧﻮﻧﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ، ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺠﻤﺎﺩﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ. ﻭﻫﻨﺎ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺩﺧﻠﺖ ﺟﺴﻤﺎ ﻣﻌﻴﻨﺎ، ﺭﺯﻗﺎ ﻟﻪ، ﺗﺴﻴﺮ ﻭﻓﻖَ ﻧُﻈُﻢ ﻣﻌﻴﻨﺔٍ ﻭﺣﺮﻛﺎﺕ ﻣﻄﺮﺩﺓٍ ﻭﺣﺴﺐ ﺩﺳﺎﺗﻴﺮَ ﺧﺎﺻﺔ، ﺇﺫ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺗﻨﻀﺞ ﻓﻲ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﻣﻄﺎﺑﺦ ﻭﺗُﻤﺮّﺭ ﺑﺄﺭﺑﻌﺔ ﺍﻧﻘـلاﺑﺎﺕ ﻋﺠﻴﺒﺔ ﻭﺗﺼﻔّﻰ ﺑﺄﺭﺑﻌﺔ ﻣﺼﺎﻑ، ﺗُﻬﻴّﺄ ﻟﻠﺘﻮﺯﻳﻊ ﺇﻟﻰ ﺃﻗﻄﺎﺭ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻭﺃﻋﻀﺎﺋﻪ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺣﺴﺐ ﺍﻟﺤﺎﺟﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﻟﻜﻞ ﻋﻀﻮ، ﻭﺗﺤﺖ ﺭﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻭﻋﻨﺎﻳﺘﻪ ﻭﺑﻘﻮﺍﻧﻴﻨﻪ ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ. ﻓﺈﺫﺍ ﺗﺄﻣﻠﺖ ﺑﻌﻴﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺃﻳﺔ ﺫﺭّﺓٍ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﻓﺈﻧﻚ ﺳﺘﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﻮﻕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺬﺭّﺓ ﻭﻳﺴﻴّﺮُﻫﺎ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺴﻮﻗُﻬﺎ ﺑﻜﻞ ﺑﺼﻴﺮﺓ، ﻭﺑﻜﻞ ﻧﻈﺎﻡ، ﻭﺑﻤﻞﺀ ﺍﻟﺴﻤﻊ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ.. ﻓـلا ﻳﻤﻜﻦ ﺑﺤﺎﻝ ﻣﻦ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ ﺃﻥ ﻳﺘﺪﺧﻞ ﻓﻴﻪ «ﺍلاﺗﻔﺎﻕُ ﺍلأﻋﻤﻰ» ﻭ«ﺍﻟﺼﺪﻓﺔُ ﺍﻟﻌﺸﻮﺍﺀ» ﻭ«ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺼﻤّﺎﺀ» ﻭ«ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻮﺍﻋﻴﺔ»؛ لأﻥ ﻛﻞ ﺫﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺩﺧﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﺃﻱ ﻃﻮﺭ ﻣﻦ ﺍلأﻃﻮﺍﺭ، ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻋﻨﺼﺮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﻭﺍﻧﺘﻬﺎﺀً ﺇﻟﻰ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺨﻠﻴﺔ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺴﻢ، ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﻌﻤﻞ ﺑﺈﺭﺍﺩﺓ ﻭﺑﺎﺧﺘﻴﺎﺭ ﺣﺴﺐ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻤﻌﻴّﻨﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻃﻮﺭ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻃﻮﺍﺭ. ﺇﺫ ﻫﻲ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺪﺧﻞ ﺑﻨﻈﺎﻡ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﺃﻳﺔ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺴﻴﺮ ﺑﺨﻄﻮﺍﺕٍ ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﺗﻈﻬﺮ ﺟﻠﻴﺎ ﻛﺄﻥ ﺃﻣﺮَ ﺳﺎﺋﻖٍ ﺣﻜﻴﻢٍ ﻳﺴﻮﻗﻬﺎ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻭﺑﻜﻞ ﺍﻧﺘﻈﺎﻡ، ﻛﻠّﻤﺎ ﺳﺎﺭﺕ ﺍﻟﺬﺭﺓُ ﻣﻦ ﻃﻮﺭ ﺇﻟﻰ ﻃﻮﺭ ﻭﻣﻦ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﺮﻯ لا ﺗﺤﻴﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ، ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﻤﺨﺼّﺺ ﻟﻬﺎ ﺑﺄﻣﺮٍ ﺭﺑّﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻗﺰﺣﻴﺔِ ﻋﻴﻦ «ﺗﻮﻓﻴﻖ» ﻣﺜـلا.. ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺗﻘﻒ ﻟﺘُﻨﺠﺰ ﻭﻇﺎﺋﻔَﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﺗﺆﺩﻱ ﻣﺎ ﺃﻧﻴﻂ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﻋﻤﺎﻝ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺗﺠﻠّﻰ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺍلأﺭﺯﺍﻕ، ﻳﺒﻴّﻦ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ، ﻣﻨﺬ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ، ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻴّﻨﺔً ﻭﻣﺄﻣﻮﺭﺓً، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺆﻭﻟﺔً ﻋﻦ ﻭﻇﻴﻔﺔ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻣﻬﻴّﺄﺓً ﻣﺴﺘﻌﺪﺓً ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻤﺨﺼﺼﺔ ﻟﻬﺎ. ﻭﻛﺄﻥ ﻛﻞّ ﺫﺭﺓ ﻣﻜﺘﻮﺏ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻴﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﺳﺘﺆﻭﻝُ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﺃﻱ ﺃﻧﻬﺎ ﺳﺘﻜﻮﻥ ﺭﺯﻗﺎ ﻟﻠﺨﻠﻴﺔ ﺍﻟﻔـلاﻧﻴﺔ. ﻣﻤﺎ ﻳﺸﻴﺮ ﻟﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡُ ﺍﻟﺮﺍﺋﻊ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﺳﻢَ ﻛﻞِّ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻣﻜﺘﻮﺏ ﻋﻠﻰ ﺭﺯﻗﻪ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺭﺯﻗَﻪ ﻣﻜﺘﻮﺏ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻴﻨﻪ ﺑﻘﻠﻢ ﺍﻟﻘﺪﺭ. ﻓﻬﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃﻥّ ﺍﻟﺮﺏّ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺫﺍ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓِ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔِ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺃلا ﻳُﻨﺸﺊ «ﺍﻟﻨﺸﺄﺓَ ﺍلأﺧﺮﻯ»؟ ﺃﻭ ﻳﻌﺠِﺰ ﻋﻨﻬﺎ؟ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻪ ﻣُﻠﻚ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﻭﻫﻦّ ﻣﻄﻮﻳﺎﺕ ﺑﻴﻤﻴﻨﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺠﺮﺍﺕ ﻭﻳﺪﻳﺮُﻫﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺿﻤﻦ ﻧﻈﺎﻡ ﻣُﺤﻜﻢ ﻭﻣﻴﺰﺍﻥ ﺩﻗﻴﻖ.. ﻓﺴﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻤﺎ ﻳﺼﻔﻮﻥ.

ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺁﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺗُﻠﻔﺖ ﻧﻈﺮَ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ «ﺍﻟﻨﺸﺄﺓ ﺍلأﻭﻟﻰ» ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﻛﻤَﺜَﻞٍ ﻗﻴﺎﺳﻲ ﻟـ«ﻟﻨﺸﺄﺓ ﺍلأﺧﺮﻯ» ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﻛﻲ ﺗﺴﺘﺒﻌﺪ ﺇﻧﻜﺎﺭَﻫﺎ ﻣﻦ ﺫﻫﻦ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻓﺘﻘﻮﻝ: ﴿ﻗﻞ ﻳُﺤﻴﻴﻬَﺎ ﺍﻟــﺬﻱ ﺃﻧْﺸَــــﺎﻫَﺎ ﺃﻭَّﻝَ ﻣَﺮَّﺓٍ …﴾ (ﻳﺲ:79) ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﺸﺄﻛﻢ -ﻭﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻮﺍ ﺷﻴﺌﺎ ﻳﺬﻛﺮ- ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻴﻴﻜﻢ ﻓﻲ ﺍلآﺧﺮﺓ.

ﻭﺗﻘﻮﻝ: ﴿ﻭﻫﻮَ ﺍﻟﺬﻱ ﻳَﺒﺪَﺅﺍ ﺍﻟﺨَﻠْﻖَ ﺛُﻢَّ ﻳُﻌﻴﺪُﻩُ ﻭَﻫﻮَ أَﻫﻮﻥُ ﻋﻠﻴﻪ﴾ (ﺍﻟﺮﻭﻡ:27) ﺃﻱ ﺇﻥّ ﺇﻋﺎﺩَﺗﻜﻢ ﻭﺇﺣﻴﺎﺀَﻛﻢ ﻓﻲ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻫﻲ ﺃﺳﻬﻞُ ﻣﻦ ﺧﻠﻘﻜﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺍﻧﺘﺸﺮﻭﺍ ﻭﺗﻔﺮّﻗﻮﺍ ﻟـلاﺳﺘﺮﺍﺣﺔ، ﻳﻤﻜﻦ ﺇﺭﺟﺎﻋﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﺎﻛﻨﻬﻢ ﺗﺤﺖ ﺭﺍﻳﺔ ﺍﻟﻔﺮﻗﺔ ﺑﻨﻔﺨﺔٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻮﻕ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ، ﻓﺠَﻤﻌُﻬﻢ ﻫﻜﺬﺍ ﻣﻦ ﺍلاﺳﺘﺮﺍﺣﺔ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﻣﻌﻴﻦ ﺃﺳﻬﻞُ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﻓﺮﻗﺔٍ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ. ﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺍلأﺳﺎﺱ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺳﺘَﺄﻧﺴﺖْ ﻭﺍﺭﺗﺒﻂ ﺑﻌﻀُﻬﺎ ﺑﺎﻟﺒﻌﺾ ﺍلآﺧﺮ ﺑﺎﻣﺘﺰﺍﺟﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﺴﻢ ﻣﻌﻴﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻨﻔﺦُ ﺇﺳﺮﺍﻓﻴﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴّـلاﻡ ﻓﻲ ﺻُﻮﺭِﻩِ ﻧﻔﺨﺔً ﻭﺍﺣﺪﺓً ﺗﻬﺐّ ﻗﺎﺋﻠﺔً: ﻟﺒّﻴﻚ لأﻣﺮ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﻭﺗﺠﺘﻤﻊ. ﻓﺎﺟﺘﻤﺎﻋﻬﺎ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺍلآﺧﺮ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ لا ﺭﻳﺐ ﺃﺳﻬﻞ ﻭﺃﻫﻮﻥ ﻋﻘـلا، ﻣﻦ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺃﻭﻝ ﻣﺮّﺓً.

ﻫﺬﺍ ﻭﻗﺪ لا ﻳﻜﻮﻥ ﺿﺮﻭﺭﻳﺎ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺟﻤﻴﻊِ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺗﻜﻔﻲ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕُ ﺍلأﺳﺎﺱُ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﻭﺍﻟﻨﻮﻯ ﻟـلأﺟﺴﺎﻡ. ﻛﻤﺎ ﻋﺒّﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚُ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ «ﻋَﺠْﺐ ﺍﻟﺬﻧﺐ» اﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍلأﺳﺎﺱ ﻭﺍﻟﺬﺭﺓ ﺍلأﺻﻴﻠﺔ ﺍﻟﻜﺎﻓﻴﺔ ﻭﺣﺪﻫﺎ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﺳﺎﺳﺎ لإﻧﺸﺎﺀ ﺍﻟﻨﺸﺄﺓ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻓﺎﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻳﺒﻨﻲ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﺟﺴﺪَ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍلأﺳﺎﺱ.

ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﺍﻟﻌﺪﻟﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿ﻭﻣﺎ ﺭﺑُّﻚ ﺑﻈـلاﻡٍ ﻟﻠﻌَﺒﻴﺪ﴾ (ﻓﺼﻠﺖ:46)  ﻓﺨـلاﺻﺘﻪ: ﺃﻧﻨﺎ ﻧﺮﻯ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﻨﺎ، ﺃﻥ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦَ ﻭﺍﻟﻔﺠّﺎﺭ ﻳﻘﻀﻮﻥ ﺣﻴﺎﺗَﻬﻢ ﻓﻲ ﺭﻓﺎﻩ ﻭﺭﺍﺣﺔ ﺗﺎﻣﺔ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﻈﻠﻮﻣﻮﻥ ﻭﺍﻟﻤﺘﺪﻳﻨﻮﻥ ﻓﻴﻘﻀﻮﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺷﻈﻒٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﺑﻜﻞ ﻣﺸﻘﺔ ﻭﺇﺭﻫﺎﻕ.. ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻲ ﺍﻟﻤﻮﺕُ ﻓﻴﺤﺼﺪ ﺍلاﺛﻨﻴﻦ ﻣﻌﺎ ﺩﻭﻥ ﺗﻤﻴﻴﺰ، ﻓﻠﻮ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻣﻘﺼﻮﺩﺓ ﻭﻣﻌﻴﻨﺔ ﻟﻈﻬﺮ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﺇﺫﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ؛ ﻟﺬﺍ ﻓـلاﺑﺪّ ﻣﻦ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍلأﺧﺮﻭﻱ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺎﻝ ﺍلأﻭﻝُ ﻋﻘﺎﺑَﻪ ﻭﻳﻨﺎﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺛﻮﺍﺑَﻪ؛ ﺇﺫ ﺍﻟﻤﻨﺰّﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﺑﺸﻬﺎﺩﺓ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻗﺎﻃﺒﺔً، لا ﻳﻤﻜﻦ ﺑﺤﺎﻝ ﻣﻦ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ ﺃﻥ ﺗﻘﺒﻞ ﻋﺪﺍﻟﺘُﻪ ﻭﺣﻜﻤﺘُﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺮﺿَﻴﺎ ﺑﻪ. ﻓﺎﻟﻨﻬﺎﻳﺔُ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩﺓ ﺇﺫﻥ ﺣﺘﻤﻴّﺔ؛ لأﻥ ﺭﺅﻳﺔَ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻜﺎﺩﺡ ﺍﻟﻤﻨﻬﻮﻙ ﺟﺰﺍﺀﻩ ﻭﺛﻮﺍﺑﻪ -ﺣﺴﺐ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻩ- ﻳﺠﻌﻠﻪ ﺭﻣﺰﺍ ﻟﻠﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻟﻤﺤﻀﺔ ﻭﻣﺪﺍﺭﺍ ﻟﻬﺎ، ﻭﻣﻈﻬﺮﺍ ﻟﻠﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺮﺑّﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻣﻨﺴﺠﻤﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﺃﺧﺎ ﻛﺒﻴﺮﺍ ﻟﻬﺎ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﺩﺍﺭَ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮﺓ ﻫﺬﻩ لا ﺗﻜﻔﻲ -ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻇﺮﻓﺎ- لإﻇﻬﺎﺭ ﻣﺎ لا ﻳﺤﺪّ ﻣﻦ ﺍلاﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﻨﺪﻣﺠﺔ ﻓﻲ ﺭﻭﺡ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺇﺛﻤﺎﺭِﻫﺎ، ﻓـلاﺑﺪّ ﺃﻥ ﻳُﺮﺳَﻞ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺁﺧﺮ.. ﻧﻌﻢ، ﺇﻥّ ﺟﻮﻫﺮ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻋﻈﻴﻢ، ﻟﺬﺍ ﻓﻬﻮ ﺭﻣﺰ ﻟـلأﺑﺪﻳﺔ ﻭﻣﺮﺷّﺢ ﻟﻬﺎ. ﻭﺇﻥّ ﻣﺎﻫﻴﺘَﻪ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻭﺭﺍﻗﻴﺔ؛ ﻟﺬﺍ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺟﻨﺎﻳﺘُﻪ ﻋﻈﻴﻤﺔ؛ ﻓـلا ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﻭﺇﻥ ﻧﻈﺎﻣَﻪ ﺩﻗﻴﻖ ﻭﺭﺍﺋﻊ، ﻓﻠﻦ ﺗﻜﻮﻥَ ﻧﻬﺎﻳﺘُﻪ ﺩﻭﻥ ﻧﻈﺎﻡ، ﻭﻟﻦ ﻳُﻬﻤَﻞ ﻭﻳﺬﻫﺐ ﻋﺒﺜﺎ، ﻭﻟﻦ ﻳُﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﻔﻨﺎﺀ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﻳﻬﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﻡ.

ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺗﻔﺘﺢ ﺟﻬﻨﻢُ ﺃﻓﻮﺍﻫَﻬﺎ ﻓﺎﻏﺮﺓً.. ﺗﻨﺘﻈﺮﻩ..

ﻭﺍﻟﺠﻨﺔ ﺗﺒﺴﻂ ﺫﺭﺍﻋﻴﻬﺎ لاﺣﺘﻀﺎﻧﻪ..

ﺃﻭﺟﺰﻧﺎ ﻫﻨﺎ ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ» ﻗﺪ ﺃﻭﺿﺤﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﺠـلاﺀ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﺃﻭﺭﺩﻧﺎ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍلآﻳﺘﻴﻦ ﻣﺜﺎلا، ﻭﻋﻠﻴﻚ ﺃﻥ ﺗﻘﻴﺲ ﻭﺗﺘﺘﺒﻊ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﺑﺮﺍﻫﻴﻦ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ.

ﻓﺘﻠﻚ ﻋﺸﺮﺓ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﺑﻊ ﻭﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺞ ﺣﺪﺳﺎ ﺻﺎﺩﻗﺎ ﻭﺑﺮﻫﺎﻧﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺸﺮ. ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺪﺱ ﺍﻟﺜﺎﺑﺖ ﻭﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍﻟﻘﻮﻱ ﺩﻟﻴﻞ ﻗﻄﻌﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﺪﻭﺙ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻭﺍﻟﺤﺸﺮ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻲ ﻭﻳﻘﺘﻀﻴﻪ، ﻛﺬﻟﻚ ﺍلأﺳﻤﺎﺀُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ: ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ، ﺍﻟﺤﻔﻴﻆ، ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ، ﻭﺃﻏﻠﺐ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻳﻮﻡَ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ، ﻭﺗﺪﻝّ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻘﻘﻬﺎ ﻭﻭﻗﻮﻋﻬﺎ ﻗﻄﻌﺎ، ﻛﻤﺎ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎﻫﺎ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ» . ﻟﺬﺍ ﻓﻤﻘﺘﻀﻴﺎﺕُ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻗﻮﻳﺔً ﻭﻣﺘﻴﻨﺔً ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻨﻔُﺬ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺷﺒﻬﺔ ﻭلا ﺷﻚٌ ﻣﻄﻠﻘﺎ.

ﺍلأﺳﺎﺱ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ

ﻧﻌﻢ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ لاﺷﻚ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﺤﺸﺮ، ﻛﺬﻟﻚ لا ﺭﻳﺐ ﺃﺑﺪﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻟﻠﺬﻱ ﻳﺤﺪﺙ ﺍﻟﺤﺸﺮ، ﻓـلا ﻧﻘﺺَ ﻓﻲ ﻗﺪﺭﺗﻪ، ﺇﺫ ﻳﺴﺘﻮﻱ ﻋﻨﺪﻩ ﻛﻞُّ ﻋﻈﻴﻢٍ ﻭﺻﻐﻴﺮ، ﻭﺳﻮﺍﺀ ﻋﻨﺪﻩ ﺧﻠﻖُ ﺭﺑﻴﻊ ﻛﺎﻣﻞ ﻭﺧﻠﻖُ ﺯﻫﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﻗﺪﻳﺮﺍ ﻳﺸﻬﺪ ﺑﻌﻈﻤﺘﻪ ﻭﻗﺪﺭﺗﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥُ ﺑﺄﻟﺴﻨﺔِ ﺷﻤﻮﺳِﻪ ﻭﻧﺠﻮﻣِﻪ ﻭﻋﻮﺍﻟﻤﻪ ﺣﺘﻰ ﺑﺄﻟﺴﻨﺔ ﺫﺭّﺍﺗﻪ ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ، ﻫﻞ ﻳﺤﻖ لأﻱّ ﻭَﻫﻢٍ ﺃﻭ ﻭﺳﻮﺳﺔ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺒﻌﺪ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﺍﻟﺤﺸﺮَ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻲ؟.

ﺇﻥ ﻗﺪﻳﺮﺍ ﺫﺍ ﺟـلاﻝ ﻳﺨﻠﻖ ﺃﻛﻮﺍﻧﺎ ﺟﺪﻳﺪﺓً ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻋﺼﺮ ﺿﻤﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﻬﺎﺋﻞ، ﺑﻞ ﻳﺨﻠﻖ ﻓﻲ ﻛﻞّ ﺳﻨﺔ ﺩﻧﻰً ﺳﻴﺎﺭﺓً ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ، ﺑﻞ ﻳﺨﻠﻖ ﻓﻲ ﻛﻞّ ﻳﻮﻡ ﻋﻮﺍﻟﻢَ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ، ﻓﻴﺨﻠﻖ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻋﻮﺍﻟﻢَ ﻭﺩﻧﻰً ﻭﺃﻛﻮﺍﻧﺎ ﺯﺍﺋﻠﺔ ﻣﺘﻌﺎﻗﺒﺔ، ﻭﻳﺒﺪّﻟﻬﺎ ﺑﻜﻞ ﺣﻜﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ، ﻧﺎﺷﺮﺍ ﻭﻣﻌﻠﻘﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﺭ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻋﻮﺍﻟﻢَ ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ ﺑﻌﺪﺩ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ ﻭﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﺑﻞ ﺑﻌﺪﺩ ﺍلأﻳﺎﻡ. ﻓﻴُﺮﻱ ﺑﻬﺎ ﻋﻈﻤﺔَ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﺟﻞّ ﻭﻋـلا، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺯﻳّﻦ ﺑﺴﺘﺎﻥَ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ﺑﻤﺌﺎﺕ ﺍلآلاﻑ ﻣﻦ ﻧﻘﻮﺵ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﻳﺘﻮّﺝ ﺑﻬﺎ ﻫﺎﻣﺔَ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺯﻫﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻓﻴُﻈﻬﺮ ﻟﻨﺎ ﺟﻤﺎﻝَ ﺻﻨﻌﺘﻪ ﻭﻛﻤﺎﻝَ ﺣﻜﻤﺘﻪ. ﻓﻬﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺠﺮﺅ ﺃﺣﺪ ﻟﻴﻘﻮﻝ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ: ﻛﻴﻒ ﻳُﺤﺪِﺙ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ؟ ﺃﻭ ﻛﻴﻒ ﻳﺒﺪّﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺂﺧﺮﺓ؟ ﻓﺎلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿ﻣﺎ ﺧَﻠﻘُﻜُﻢ ﻭلا ﺑَﻌﺜُﻜﻢ ﺇلا ﻛَﻨَﻔْﺲٍ ﻭﺍﺣﺪﺓ﴾ (ﻟﻘﻤﺎﻥ:28) ﺗﻌﻠﻦ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺟﻞ ﻭﻋـلا لا ﻳﺼﻌﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻲﺀ، ﻓﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﺃﻋﻈﻤﻪُ ﻭﺃﺻﻐﺮُﻩ ﻳﺴﻴﺮ ﻋﻨﺪﻩ، ﻭﺍﻟﺠﻤﻮﻉُ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﺑﺄﻋﺪﺍﺩﻫﺎ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻛﻔﺮﺩٍ ﻭﺍﺣﺪ ﻋﻨﺪﻩ..

ﻭﻗﺪ ﺃﻭﺿﺤﻨﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﻓﻲ ﺧﺎﺗﻤﺔ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ» ﻣﺠﻤﻠﺔً، ﻭﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ «ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻞ ﺟـلاﻟﻪ» ﻭ«ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ»، ﺃﻣﺎ ﻫﻨﺎ ﻓﺴﻨﻮﺿﺤﻬﺎ ﺑﺈﻳﺠﺎﺯ ﻓﻲ ﺛـلاﺙ ﻣﺴﺎﺋﻞ:

ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺫﺍﺗﻴﺔ؛ ﻓـلا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﺨﻠﻠﻬﺎ ﺍﻟﻌﺠﺰُ..

ﻭﺇﻧﻬﺎ ﺗﺘﻌﻠّﻖ ﺑﻤﻠﻜﻮﺗﻴﺔ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ، ﻓـلا ﺗﺘﺪﺍﺧﻞ ﺍﻟﻤﻮﺍﻧﻊُ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻄﻠﻘﺎ..

ﻭﺇﻥ ﻧﺴﺒﺘَﻬﺎ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ؛ ﻓﺎﻟﺠﺰﺀُ ﻳﺘﺴﺎﻭﻯ ﻣﻊ ﺍﻟﻜﻞ ﻭﺍﻟﺠﺰﺋﻲ ﻳﺼﺒﺢ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻟﻜﻠّﻲ..

ﻭﺳﻨﺜﺒﺖ ﻭﻧﻮﺿﺢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺜـلاﺙ:

ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ: ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍلأﺯﻟﻴﺔ ﺿﺮﻭﺭﻳﺔ ﻟﻠﺬﺍﺕ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ.

ﺃﻱ ﺇﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ لاﺯﻣﺔ ﻟﻠﺬﺍﺕ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، ﻓـلا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻠﻘﺪﺭﺓ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻜﺎﻙ ﻣﻄﻠﻘﺎ، ﻟﺬﺍ ﻓﻤﻦ ﺍﻟﺒﺪﻳﻬﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺠﺰ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺿﺪُّ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳَﻌﺮِﺽ ﻟﻠﺬﺍﺕ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺳﺘﻠﺰﻣﺖ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓَ، لأﻧﻪ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﺳﻴﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻀﺪﺍﻥ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺤﺎﻝ.

ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﻌﺠﺰُ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﺎﺭﺿﺎ ﻟﻠﺬﺍﺕ، ﻓﻤﻦ ﺍﻟﺒﺪﻳﻬﻲ ﺃﻧﻪ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﺨﻠﻞ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓَ ﺍﻟـلاﺯﻣﺔَ ﻟﻠﺬﺍﺕ ﺃﻳﻀﺎ، ﻭﻣﺎﺩﺍﻡ ﺍﻟﻌﺠﺰُ لا ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻗﻄﻌﺎ، ﻓﺒﺪﻳﻬﻲ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺮﺍﺗﺐ، لأﻥ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺘﺪﺍﺧُﻞ ﺃﺿﺪﺍﺩِﻩ ﻣﻌﻪ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮﻥ ﺑﺘﺨﻠﻞ ﺍﻟﺒﺮﻭﺩﺓ، ﻭﺩﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﺤُﺴﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮﻥ ﺑﺘﺪﺍﺧﻞ ﺍﻟﻘُﺒﺢ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻘﺲ.

ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ ﻓـلأﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﻟﺰﻭﻡ ﺫﺍﺗﻲ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﺃﻭ ﺗﺎﺑﻊ؛ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺍلأﺿﺪﺍﺩُ ﻣﺘﺪﺍﺧﻠﺔً ﺑﻌﻀُﻬﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺍلآﺧﺮ، ﻓﺘﻮﻟّﺪﺕ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐُ ﻭﻧﺘﺠﺖ ﻋﻨﻬﺎ ﺍلاﺧﺘـلاﻓﺎﺕ، ﻓﻨﺸﺄﺕ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻐﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﻟﻴﺴﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﻗﻂ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍلأﺯﻟﻴﺔ، ﻟﺬﺍ ﻓﺎﻟﻤﻘﺪّﺭﺍﺕُ ﻫﻲ ﺣﺘﻤﺎ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ، ﻓﻴﺘﺴﺎﻭﻯ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢُ ﺟﺪﺍ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻐﺮ، ﻭﺗﺘﻤﺎﺛﻞ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡُ ﻣﻊ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ، ﻭﺣﺸﺮُ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻛﺒﻌﺚ ﻧﻔﺲ ﻭﺍﺣﺪﺓ.. ﻭﻛﺬﺍ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﻛﺨﻠﻖ ﺯﻫﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺳﻬﻞ ﻫﻴّﻦ ﺃﻣﺎﻡ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ.. ﻭﻟﻮ ﺃﺳﻨﺪ ﺍﻟﺨﻠﻖُ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻋﻨﺪ ﺫﺍﻙ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﺣﻴﺎﺀُ ﺯﻫﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻋﺴﻴﺮﺍ ﻭﺻﻌﺒﺎ ﻣﺜﻞ ﺇﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ.

ﻭﻗﺪ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﺑﺎﻟﺒﺮﺍﻫﻴﻦ ﺍﻟﺪﺍﻣﻐﺔ ﻓﻲ ﺣﺎﺷﻴﺔ ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺍلأﺧﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻟﻤﺮﺍﺗﺐ «ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ» ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ، ﻭﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﻭ«ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻭﺫﻳﻠﻪ»، ﺃﻧﻪ ﻋﻨﺪ ﺇﺳﻨﺎﺩ ﺧﻠﻖِ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪِ ﺍلأﺣﺪ ﻳﺴﻬﻞ ﺧﻠﻖُ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻛﺨﻠﻖ ﺷﻲﺀ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﺇﺫﺍ ﺃﺳﻨﺪ ﺧﻠﻖ ﺷﻲﺀٍ ﻭﺍﺣﺪ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺻﻌﺒﺎ ﺟﺪﺍ ﻭﻣﻌﻀـلا ﻛﺨﻠﻖ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ.

ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻤﻠﻜﻮﺗﻴﺔ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﻟﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﺟﻬَﻴﻦ ﻛﺎﻟﻤﺮﺁﺓ: ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ: ﺟﻬﺔُ ﺍﻟﻤُﻠﻚ ﻭﻫﻲ ﻛﺎﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻲ ﺍﻟﻤﻠﻮّﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ. ﻭﺍلآﺧﺮ ﻫﻲ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﻤَﻠﻜﻮﺕ ﻭﻫﻲ ﻛﺎﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺼﻘﻴﻞ ﻟﻠﻤﺮﺁﺓ.

ﻓﺠﻬﺔ ﺍﻟﻤﻠﻚ، ﻫﻲ ﻣﺠﺎﻝُ ﻭﻣﻴﺪﺍﻥ ﺗﺠﻮّﻝ ﺍلأﺿﺪﺍﺩ ﻭﻣﺤﻞ ﻭﺭﻭﺩ ﺃﻣﻮﺭ ﺍﻟﺤُﺴﻦ ﻭﺍﻟﻘُﺒﺢ ﻭﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺸﺮ ﻭﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﻭﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻭﺍﻟﺼﻌﺐ ﻭﺍﻟﺴﻬﻞ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ.. ﻟﺬﺍ ﻭﺿﻊَ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖُ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍلأﺳﺒﺎﺏَ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺳﺘﺎﺭﺍ ﻟﺘﺼﺮﻓﺎﺕ ﻗﺪﺭﺗﻪ، ﻟﺌـلا ﺗﻈﻬﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓُ ﻳﺪ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻈﻬﺮ ﻟﻠﻌﻘﻮﻝ ﺍﻟﻘﺎﺻﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﻯ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ، ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺧﺴﻴﺴﺔ ﻏﻴﺮ لاﺋﻘﺔ، ﺇﺫ ﺍﻟﻌﻈﻤﺔُ ﻭﺍﻟﻌﺰّﺓ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﻫﻜﺬﺍ.. ﺇلا ﺃﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﻂِ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﺘﻠﻚ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻭﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻂ؛ ﺇﺫ ﻭﺣﺪﺓُ ﺍلأﺣﺪﻳﺔ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻫﻜﺬﺍ ﺃﻳﻀﺎ.

ﺃﻣﺎ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﻤﻠﻜﻮﺕ، ﻓﻬﻲ ﺷﻔﺎﻓﺔ، ﺻﺎﻓﻴﺔ، ﻧﺰﻳﻬﺔ، ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻓـلا ﺗﺨﺘﻠﻂ ﻣﻌﻬﺎ ﺃﻟﻮﺍﻥ ﻭﻣﺰﺧﺮﻓﺎﺕُ ﺍﻟﺘﺸﺨﺼﺎﺕ.. ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﻣﺘﻮﺟﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﺑﺎﺭﺋﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﻭﺳﺎﻃﺔ، ﻓﻠﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺮﺗّﺐ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻭﺍﻟﻤﺴﺒّﺒﺎﺕ ﻭلا ﺗﺴﻠﺴﻞ ﺍﻟﻌﻠﻞ، ﻭلا ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻌﻠﻴّﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻟﻴﺔ، ﻭلا ﺗﺘﺪﺍﺧﻞ ﺍﻟﻤﻮﺍﻧﻊ. ﻓﺎﻟﺬﺭﺓُ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺷﻘﻴﻘﺔَ ﺍﻟﺸﻤﺲ.

ﻧﺨﻠﺺ ﻣﻤﺎ ﺳﺒﻖ: ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻫﻲ ﻣﺠﺮﺩﺓ، ﺃﻱ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺆﻟّﻔﺔ ﻭﻣﺮﻛّﺒﺔ، ﻭﻫﻲ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ، ﻭﻫﻲ ﺫﺍﺗﻴﺔ ﺃﻳﻀﺎ. ﺃﻣﺎ ﻣﺤﻞ ﺗﻌﻠّﻘﻬﺎ ﺑﺎلأﺷﻴﺎﺀ ﻓﻬﻲ ﺩﻭﻥ ﻭﺳﺎﻃﺔ، ﺻﺎﻓﻴﺔ ﺩﻭﻥ ﺗﻌﻜﺮ، ﻭﺩﻭﻥ ﺳﺘﺎﺭ ﻭﺩﻭﻥ ﺗﺄﺧﻴﺮ، ﻟﺬﺍ لا ﻳﺴﺘﻜﺒﺮ ﺃﻣﺎﻣَﻬﺎ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮُ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ، ﻭلا ﺗُﺮﺟّﺢ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔُ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺮﺩ، ﻭلا ﻳﺘﺒﺠّﺢ ﺍﻟﻜﻞّ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺿﻤﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ.