ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍلأﻭﻝ: ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻤﻘﺮﺭﺓ ﻟﻠﻨﺒﻮﺓ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ، ﺍﻟﺘﺨﻠّﻖ ﺑﺄﺧـلاﻕ ﺍﻟﻠﻪ. ﺃﻱ ﻛﻮﻧﻮﺍ ﻋﺒﺎﺩَ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺨﻠِﺼﻴﻦ، ﻣﺘﺤﻠّﻴﻦ ﺑﺄﺧـلاﻕ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺤﺘﻤﻴﻦ ﺑﺤﻤﺎﻩ ﻣﻌﺘﺮﻓﻴﻦ ﻓﻲ ﻗﺮﺍﺭﺓ ﺃﻧﻔﺴﻜﻢ ﺑﻌَﺠﺰﻛﻢ ﻭﻓَﻘﺮﻛﻢ ﻭﻗﺼﻮﺭﻛﻢ.

ﻓﺄﻳﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ: «ﺗﺸﺒّﻬﻮﺍ ﺑﺎﻟﻮﺍﺟﺐ»! ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺮﺭﻫﺎ ﻏﺎﻳﺔً ﻗﺼﻮﻯ ﻟـلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ!

ﺃﻳﻦ ﻣﺎﻫﻴﺔُ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﻋُﺠِﻨﺖ ﺑﺎﻟﻌﺠﺰ ﻭﺍﻟﻀﻌﻒ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ ﻣﻦ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮُ ﺍﻟﻘﻮﻱُّ ﺍﻟﻐﻨﻲ ﺍﻟﻤﺘﻌﺎﻝ!!

ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻟﻠﻨﺒﻮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﺃﻥ «ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ» ﺩﺳﺘﻮﺭ ﻣﻬﻴﻤﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺍﻟﻘﻤﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ، ﻓﺘﺮﻯ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕِ ﺗﻤﺪّ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ، ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺗﻤﺪّ ﺍلإﻧﺴﺎﻥَ، ﺑﻞ ﺫﺭﺍﺕ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﺗﻤﺪّ ﺧـلاﻳﺎ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻭﺗﻌﺎﻭﻧُﻬﺎ.

ﻓﺄﻳﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭُ ﺍﻟﻘﻮﻳﻢ ﺩﺳﺘﻮﺭُ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﻭﻗﺎﻧﻮﻥُ ﺍﻟﻜﺮﻡ ﻭﻧﺎﻣﻮﺱ ﺍلإﻛﺮﺍﻡ ﻣﻦ ﺩﺳﺘﻮﺭ «ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ» ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻘﻮﻝ ﺑﻪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻣﻦ ﺃﻧﻪ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢُ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ «ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ» ﻧﺎﺷﺊ ﻓﻘﻂ ﻟﺪﻯ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻈﻠﻤﺔ ﻭﺍﻟﻮﺣﻮﺵ ﺍﻟﻜﺎﺳﺮﺓ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﺳﻮﺀ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﻓﻄﺮﺗﻬﻢ، ﺑﻞ ﺃﻭﻏﻠﺖ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔُ ﻓﻲ ﺿـلاﻟﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺍﺗﺨﺬﺕ ﺩﺳﺘﻮﺭ «ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ» ﻫﺬﺍ ﺣﺎﻛﻤﺎ ﻣﻬﻴﻤﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﺎﻓﺔ، ﻓﻘﺮﺭﺕ ﺑﺒـلاﻫﺔ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ: «ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺟﺪﺍﻝ ﻭﺻﺮﺍﻉ».

ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﻤﺜﻠﻰ ﻟﻠﻨﺒﻮﺓ ﻭﻣﻦ ﻗﻮﺍﻋﺪﻫﺎ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ، ﺃﻥ «ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ لا ﻳﺼﺪﺭ ﺇلا ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ»، ﺃﻱ ﺃﻥ ﻛﻞَّ ﻣﺎﻟَﻪ ﻭﺣﺪﺓ لا ﻳﺼﺪﺭ ﺇلا ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ؛ ﺇﺫ ﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ -ﻭﻓﻲ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻛﻠِّﻬﺎ- ﻭﺣﺪﺓٌ ﻇﺎﻫﺮﺓ، ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺫﺍﺕٍ ﻭﺍﺣﺪﺓٍ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺩﺳﺘﻮﺭُ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻭﻋﻘﻴﺪﺗُﻬﺎ ﻫﻮ «ﺃﻥ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ لا ﻳﺼﺪﺭ ﻋﻨﻪ ﺇلا ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ» ﺃﻱ لا ﻳﺼﺪﺭ ﻋﻦ ﺫﺍﺕٍ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺇلا ﺷﻲﺀ ﻭﺍﺣﺪ، ﺛﻢ ﺍلأﺷﻴﺎﺀُ ﺍلأﺧﺮﻯ ﺗﺼﺪﺭ ﺑﺘﻮﺳﻂ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻂ. ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺗﻌﻄﻲ ﻟـلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻭﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻂِ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﺍﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ، ﻭﺗُﻈﻬﺮ ﺃﻥّ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮَ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﺍﻟﻐﻨﻲَ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻐﻨﻲ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺑﺤﺎﺟﺔٍ ﺇﻟﻰ ﻭﺳﺎﺋﻂ ﻋﺎﺟﺰﺓ! ﺑﻞ ﺿﻠﻮﺍ ﺿـلالا ﺑﻌﻴﺪﺍ ﻓﺄﻃﻠﻘﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺟﻞّ ﻭﻋـلا ﺍﺳﻢ ﻣﺨﻠﻮﻕٍ ﻭﻫﻮ  ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍلأﻭﻝ  ﻭﻗﺴّﻤﻮﺍ ﺳﺎﺋﺮ ﻣُﻠﻜﻪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻂ، ﻓﻔﺘﺤﻮﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺇﻟﻰ ﺷﺮﻙ ﻋﻈﻴﻢ.

ﻓﺄﻳﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭُ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻱ ﻟﻠﻨﺒﻮﺓ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ -ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺍﻟﺴﻘﻴﻤﺔ- ﺍﻟﻤﻠﻮّﺛﺔ ﺑﺎﻟﺸﺮﻙ ﻭﺍﻟﻤﻠﻄﺨﺔ ﺑﺎﻟﻀـلاﻟﺔ؟ ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﺍلاﺷﺮﺍﻗﻴﻮﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﺃﺭﻗﻰ ﺍﻟﻔـلاﺳﻔﺔ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺎﺀ ﻓﻬﻤﺎ ﻳﺘﻔﻮّﻫﻮﻥ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺴﺨﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﻜـلاﻡ، ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻜﻮﻥ -ﻳﺎ ﺗﺮﻯ- ﻛـلاﻡ ﻣَﻦ ﻫﻢ ﺩﻭﻧَﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻣﻦ ﻣﺎﺩﻳﻴﻦ ﻭﻃﺒﻴﻌﻴﻴﻦ؟.

ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ: ﺇﻧﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺳﺎﺗﻴﺮ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﻟﻠﻨﺒﻮﺓ، ﺃﻥّ ﻟﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﺣِﻜَﻤﺎ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻭﻣﻨﺎﻓﻊَ ﺷﺘﻰ ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﻟﻠﺜﻤﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺤِﻜَﻢِ ﻣﺎ ﻳُﻌﺪّ ﺑﻌﺪﺩ ﺛﻤﺮﺍﺕ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ، ﻛﻤﺎ ﻳُﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ (ﺍلإﺳﺮﺍﺀ:٤٤) ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ -ﻟﺨﻠﻖِ ﺫﻱ ﺣﻴﺎﺓٍ- ﻣﺘﻮﺟﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﺣﻜﻤﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻴﻪ، ﻓﺈﻥ ﺁلاﻓﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺧﺎﻟﻘﻪ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻭﺁلاﻓﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤِﻜَﻢ ﺗﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﻓﺎﻃﺮﻩ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ.

ﺃﻣﺎ ﺩﺳﺘﻮﺭُ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﻬﻮ: «ﺃﻥ ﺣﻜﻤﺔ ﺧﻠﻖِ ﻛﻞِّ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲ ﻭﻓﺎﺋﺪﺗَﻪ ﻣﺘﻮﺟﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ، ﺃﻭ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻣﺼﺎﻟﺤﻪ» ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺗﺴﻠﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺣِﻜَﻤﺎ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺃﻧﻴﻄﺖ ﺑﻬﺎ، ﻭﺗﻌﻄﻲ ﺛﻤﺮﺓً ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻛﺤﺒﺔ ﻣﻦ ﺧﺮﺩﻝ ﺇﻟﻰ ﺷﺠﺮﺓٍ ﺿﺨﻤﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔ، ﻓﺘﺤﻮّﻝ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﻋﺒﺚ لا ﻃﺎﺋﻞ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺋﻪ.

ﻓﺄﻳﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔُ ﺍﻟﺼﺎﺋﺒﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻔﺎﺳﺪﺓ ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ -ﺍﻟﻔﺎﺭﻏﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ- ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼﺒﻎ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻛﻠﻪ ﺑﺎﻟﻌﺒﺚ!.

ﻭﻟﻘﺪ ﻗﺼﺮﻧﺎ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﻫﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﺭ، ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻨﺎ ﻗﺪ ﺑﺤﺜﻨﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ ﺑﺸﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﺼﻴﻞ.

ﻭﺑﻌﺪ.. ﻓﻴﻤﻜﻨﻚ ﺃﻥ ﺗﻘﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻮﺍﻝ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻣﺜﻠﺔ ﺍلأﺭﺑﻌﺔ ﺁلاﻓﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻤﺎﺫﺝ ﻭﺍلأﻣﺜﻠﺔ ﻭﻗﺪ ﺃﺷﺮﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﻗﺴﻢٍ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ «ﺍﻟﻠﻮﺍﻣﻊ».

ﻭﻧﻈﺮﺍ لاﺳﺘﻨﺎﺩ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺳﺲ ﺍﻟﺴﻘﻴﻤﺔ ﻭﻟﻨﺘﺎﺋﺠﻬﺎ ﺍﻟﻮﺧﻴﻤﺔ ﻓﺈﻥ ﻓـلاﺳﻔﺔ ﺍلإﺳـلاﻡ ﺍﻟﺪﻫﺎﺓ، ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻏﺮَّﻫﻢ ﻣﻈﻬﺮُ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺒﺮﺍﻕ، ﻓﺎﻧﺴﺎﻗﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ﻛﺎﺑﻦ ﺳﻴﻨﺎ ﻭﺍﻟﻔﺎﺭﺍﺑﻲ، ﻟﻢ ﻳﻨﺎﻟﻮﺍ ﺇلا ﺃﺩﻧﻰ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ، ﺩﺭﺟﺔِ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﺩﻱ، ﺑﻞ ﻟﻢ ﻳﻤﻨﺤﻬﻢ ﺣﺠﺔُ ﺍلإﺳـلاﻡ ﺍلإﻣﺎﻡ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ﺣﺘﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ. ﻭﻛﺬﺍ ﺃﺋﻤﺔ ﺍﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ، ﻭﻫﻢ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﺍﻟﻤﺘﺒﺤﺮﻳﻦ، ﻓـلأﻧﻬﻢ ﺍﻓﺘﺘﻨﻮﺍ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺯﻳﻨﺘِﻬﺎ ﻭﺃﻭﺛﻘﻮﺍ ﺻﻠﺘﻬﻢ ﺑﻬﺎ، ﻭﺣﻜّﻤﻮﺍ ﺍﻟﻌﻘﻞ، ﻟﻢ ﻳﻈﻔﺮﻭﺍ ﺑﺴﻮﻯ ﺩﺭﺟﺔِ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺍﻟﻤﺒﺘﺪﻉ ﺍﻟﻔﺎﺳﻖ. ﻭﻛﺬﺍ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﻌـلاﺀ ﺍﻟﻤﻌﺮﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺃﻋـلاﻡ ﺃﺩﺑﺎﺀ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑُ ﺑﺘﺸﺎﺅﻣﻪ، ﻭﻋﻤﺮُ ﺍﻟﺨﻴﺎﻡ ﺍﻟﻤﻮﺻﻮﻑ ﺑﻨﺤﻴﺒﻪ ﺍﻟﻴﺘﻤﻲ، ﻭﺃﻣﺜﺎﻟُﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺍلأﺩﺑﺎﺀ ﺍلأﻋـلاﻡ ﻣﻤﻦ ﺍﺳﺘﻬﻮَﺗﻬﻢ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔُ، ﻭﺍﻧﺒﻬﺮﺕ ﻧﻔﻮﺳُﻬﻢ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ ﺑﻬﺎ.. ﻓﻬﺆلاﺀ ﻗﺪ ﺗﻠﻘَّﻮﺍ ﺻﻔﻌﺔَ ﺗﺄﺩﻳﺐٍ ﻭﻟﻄﻤﺔَ ﺗﺤﻘﻴﺮ ﻭﺗﻜﻔﻴﺮ ﻣﻦ ﻗِﺒﻞ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻝ، ﻓﺰَﺟﺮﻭﻫﻢ ﻗﺎﺋﻠﻴﻦ: «ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺴﻔﻬﺎﺀ ﺃﻧﺘﻢ ﺗﻤﺎﺭﺳﻮﻥ ﺍﻟﺴﻔَﻪ ﻭﺳﻮﺀَ ﺍلأﺩﺏ، ﻭﺗﺴﻠﻜﻮﻥ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﺰﻧﺪﻗﺔ، ﻭﺗﺮﺑّﻮﻥ ﺍﻟﺰﻧﺎﺩﻗﺔ ﻓﻲ ﺃﺣﻀﺎﻥ ﺃﺩَﺑﻜﻢ!».

ﺛﻢ ﺇﻥ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺍلأﺳﺲ ﺍﻟﻔﺎﺳﺪﺓ ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ ﺃﻥ ‹‹أنا›› ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ ﺇلا ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺿﻌﻴﻔﺔ ﻛﺄﻧﻪ ﻫﻮﺍﺀ ﺃﻭ ﺑﺨﺎﺭ، ﻟﻜﻦ ﺑﺸﺆﻡ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ، ﻭﺭﺅﻳﺘِﻬﺎ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍلاﺳﻤﻲ، ﻳﺘﻤﻴّﻊ. ﺛﻢ ﺑﺴﺒﺐ ﺍلإﻟﻔﺔ ﻭﺍﻟﺘﻮﻏﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺎﺕ ﻭﺍﻟﺸﻬﻮﺍﺕ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺘﺼﻠﺐ، ﺛﻢ ﺗﻌﺘﺮﻳﻪ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔُ ﻭﺍلإﻧﻜﺎﺭ ﻓﺘﺘﺠﻤﺪ ﺗﻠﻚ «ﺍلأﻧﺎﻧﻴﺔ». ﺛﻢ ﺑﺎﻟﻌﺼﻴﺎﻥ لأﻭﺍﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺘﻜﺪﺭ ‹‹أنا›› ﻭﻳﻔﻘﺪ ﺷﻔﺎﻓﻴﺘَﻪ ﻭﻳﺼﺒﺢ ﻗﺎﺗﻤﺎ. ﺛﻢ ﻳﺴﺘﻐﻠﻆ ﺷﻴﺌﺎ ﻓﺸﻴﺌﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺒﺘﻠﻊ ﺻﺎﺣﺒَﻪ. ﺑﻞ لا ﻳﻘﻒ ‹‹أنا›› ﻋﻨﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻨﺘﻔﺦ ﻭﻳﺘﻮﺳﻊ ﺑﺄﻓﻜﺎﺭ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻳﺒﺪﺃ ﺑﻘﻴﺎﺱ ﺍﻟﻨﺎﺱ -ﻭﺣﺘﻰ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ- ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ، ﻓﻴﻤﻨﺤُﻬﺎ ﻓﺮﻋﻮﻧﻴﺔً ﻃﺎﻏﻴﺔ -ﺭﻏﻢ ﺭﻓﻀﻬﺎ ﻭﺍﺳﺘﻌﺎﺫﺗﻬﺎ ﻣﻨﻬﺎ- ﻭﻋﻨﺪ ﺫﻟﻚ ﻳﺄﺧﺬ ﻃﻮﺭَ ﺍﻟﺨﺼﻢ ﻟـلأﻭﺍﻣﺮ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﴿مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ (ﻳﺲ:78) ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻳﺘﺤﺪّﻯ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ، ﻭﻳﺘﻬﻢ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮَ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺑﺎﻟﻌﺠﺰ، ﺛﻢ ﻳﺒﻠﻎ ﺑﻪ ﺍلأﻣﺮ ﺃﻥ ﻳﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺃﻭﺻﺎﻑ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ، ﻓﻴﻨﻜﺮ ﺃﻭ ﻳﺤﺮّﻑ ﺃﻭ ﻳﺮﺩّ ﻛﻞَّ ﻣﺎ لا ﻳـلاﺋﻢ ﻫﻮﺍﻩ، ﺃﻭ لا ﻳﻌﺠﺐ ﻓﺮﻋﻮﻧﻴﺔَ ﻧﻔﺴﻪ.

ﻓﻤﺜـلا: ﺃﻃﻠﻘﺖ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻔـلاﺳﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ: ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﻤﻮﺟِﺐ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ» ﻓﻨَﻔَﻮﺍ ﺍلإﺭﺍﺩﺓَ ﻭﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭ ﻣﻨﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻣﻜﺬّﺑﻴﻦ ﺷﻬﺎﺩﺓَ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺇﺭﺍﺩﺗﻪ ﺍﻟﻄﻠﻴﻘﺔ. ﻓﻴﺎ ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ! ﻣﺎ ﺃﻋﺠﺐَ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ! ﺇﻥّ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻗﺎﻃﺒﺔً ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻤﻮﺱ ﻟﺘﺪﻝّ ﺩلاﻟﺔ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻋﻠﻰ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ؛ ﺑﺘﻌﻴّﻨﺎﺗﻬﺎ، ﻭﺍﻧﺘﻈﺎﻣﻬﺎ، ﻭﺣِﻜَﻤﻬﺎ، ﻭﻣﻮﺍﺯﻳﻨِﻬﺎ، ﻛﻴﻒ لا ﺗﺮﺍﻫﺎ ﻋﻴﻦُ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ؟ ﺃﻋﻤﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﺑﺼﺎﺭَﻫﻢ!

ﻭﺍﺩّﻋﺖ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﻔـلاﺳﻔﺔ: «ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍلإﻟﻬﻲ لا ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺠﺰﺋﻴﺎﺕ» ﻧﺎﻓﻴﻦ ﺇﺣﺎﻃﺔَ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ، ﺭﺍﻓﻀﻴﻦ ﺷﻬﺎﺩﺓَ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻤﻪ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺗﻤﻨﺢ ﺍلأﺳﺒﺎﺏَ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ، ﻭﺗﻌﻄﻲ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍلإﻳﺠﺎﺩَ ﻭﺍلإﺑﺪﺍﻉ، ﻓـلا ﺗﺮﻯ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘـلأﻟﺌﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ، ﺍﻟﺪﺍﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ -ﻛﻤﺎ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎﻩ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ»- ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻧﻬﺎ ﺗُﺴﻨﺪ ﺧﻠﻖَ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ -ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻜﺎﺗﻴﺐ ﺇﻟﻬﻴﺔ ﺻﻤﺪﺍﻧﻴﺔ- ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰﺓ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪﺓ ﺍﻟﻔﺎﻗﺪﺓ ﻟﻠﺸﻌﻮﺭ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ ﻳﺪﻳﻬﺎ ﺇلا ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔُ ﺍﻟﻌﺸﻮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻘﻮﺓُ ﺍﻟﻌﻤﻴﺎﺀ، ﺟﺎﻋﻠﺔً ﻟﻬﺎ -ﺃﻱ ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ- ﻣﺼﺪﺭﻳﺔً ﻓﻲ ﺧﻠﻖ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ، ﻭﻓﺎﻋﻠﻴﺔً ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ! ﻓﺤﺠﺒَﺖ ﺁلاﻑَ ﺍﻟﺤِﻜﻢ ﺍﻟﻤﻨﺪﺭﺟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ.

ﺛﻢ ﺇﻥّ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻟﻢ ﺗﻬﺘﺪ ﺇﻟﻰ ﺑﺎﺏ ﺍلآﺧﺮﺓ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ، ﻓﺄﻧﻜﺮﺕ ﺍﻟﺤﺸﺮَ ﻭﺍﺩّﻋﺖ ﺃﺯﻟﻴﺔ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ، ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰَّ ﻭﺟﻞَّ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻭﺍﻟﻜﻮﻥَ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺣﻘﺎﺋﻘﻪ ﻭﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀَ ﻭﺍﻟﺮﺳﻞ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴـلاﻡ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﺟﺎﺀﻭﺍ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ، ﻭﺍﻟﻜﺘﺐَ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﺔ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺁﻳﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ.. ﺗﺒﻴّﻦ ﺍﻟﺤﺸﺮَ ﻭﺍلآﺧﺮﺓ، ﻛﻤﺎ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎﻩ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ».

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺃﻥ ﺗﻘﻴﺲ ﺳﺎﺋﺮ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺮﺍﻓﺎﺕ ﺍﻟﺴﺨﻴﻔﺔ.

ﺃﺟﻞ، ﻟﻜﺄﻥ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦَ ﺍﺧﺘﻄﻔﻮﺍ ﻋﻘﻮﻝَ ﺍﻟﻔـلاﺳﻔﺔ ﺍﻟﻤﻠﺤﺪﻳﻦ ﺑﻤﻨﻘﺎﺭ ‹‹أنا›› ﻭﻣﺨﺎﻟﻴﺒِﻪ ﻭﺃﻟﻘﻮﻫﺎ ﻓﻲ ﺃﻭﺩﻳﺔ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ، ﻭﻣﺰﻗﻮﻫﺎ ﺷﺮَّ ﻣﻤﺰﻕ.

ﻓـ‹‹أنا›› ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ (ﺍلإﻧﺴﺎﻥ) ﻛﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ، ﻛـلاﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻮﺍﻏﻴﺖ: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:256).

    *   *   *

    ﻭﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﺖُ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﻣﺜﺎﻟﻴﺔ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺸﺮﻭﻉ ﺑﺘﺄﻟﻴﻒ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺑﺜﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮﺍﺕ، ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﺇﺳﻄﻨﺒﻮﻝ ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ، ﻭﻛﺎﻥ ﺁﻧﺌﺬٍ ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ -ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻧﺸﻐﻞ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ- ﻋﻠﻰ ﻭﺷﻚ ﺃﻥ ﻳﻨﻘﻠﺐ ﺇﻟﻰ ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ.. ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻭﺣﻴﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﺗﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﻟﻚ ﺍﻟﺜـلاﺛﺔ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺧﺘﺎﻡ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ﺑـ ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ (ﺍﻟﻔﺎﺗﺤﺔ:٧) ﺭﺃﻳﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﺍﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ ﻭﻫﻲ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺃﺷﺒﻪ ﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺑﺎﻟﺮﺅﻳﺎ. ﺳﺠّﻠﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻲ «ﺍﻟﻠﻮﺍﻣﻊ» ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﺳﻴﺎﺣﺔ ﺧﻴﺎﻟﻴﺔ ﻭﺑﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﻨﻈﻢ. ﻭﻗﺪ ﺣﺎﻥ ﺍلآﻥ ﻭﻗﺖُ ﺫﻛﺮِ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ ﻭﺷﺮﺣﻬﺎ، ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻬﺎ ﺗﺴﻠّﻂ ﺍلأﺿﻮﺍﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ.

ﻛﻨﺖ ﺃﺭﻯ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﺳﻂ ﺻﺤﺮﺍﺀ ﺷﺎﺳﻌﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ، ﻭﻗﺪ ﺗﻠﺒّﺪﺕ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺑﺴُﺤﺐ ﻗﺎﺗﻤﺔ ﻣﻈﻠﻤﺔ، ﺣﺘﻰ ﻟﺘﻜﺎﺩ ﺍلأﻧﻔﺎﺱ ﺗﺨﺘﻨﻖ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺭﺽ ﻛﺎﻓﺔ. ﻓـلا ﻧﺴﻴﻢ ﻭلا ﺿﻴﺎﺀ ﻭلا ﻣﺎﺀ. ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻣﻔﻘﻮﺩ.

ﺗﻮﻫﻤﺖ ﺃﻥ ﺍلأﺭﺽ ﻣﻶ ﻯ ﺑﺎﻟﻮﺣﻮﺵ ﻭﺍﻟﻀﻮﺍﺭﻯ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺍﻟﻀﺎﺭﺓ. ﻓﺨﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻲ ﺃﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍلأﺭﺽ ﻳﻮﺟﺪ ﻧﺴﻴﻢ ﻋﻠﻴﻞ ﻭﻣﺎﺀ ﻋﺬﺏ ﻭﺿﻴﺎﺀ ﺟﻤﻴﻞ، ﻓـلا ﻣﻨﺎﺹ ﺇﺫﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﻮﺭ ﺇﻟﻰ ﻫﻨﺎﻙ.. ﺛﻢ ﻭﺟﺪﺗُﻨﻰ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺳﺎﻕ ﺇﻟﻰ ﻫﻨﺎﻙ ﺩﻭﻥ ﺇﺭﺍﺩﺗﻲ.. ﺩﺧﻠﺖ ﻛﻬﻔﺎ ﺗﺤﺖ ﺍلأﺭﺽ، ﺃﺷﺒﻪَ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺄﻧﻔﺎﻕ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ، ﺳﺮﺕُ ﻓﻲ ﺟﻮﻑ ﺍلأﺭﺽ ﺧﻄﻮﺓً ﺧﻄﻮﺓ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺷﺎﻫﺪ ﺃﻥ ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ ﻗﺪ ﺳﺒﻘﻮﻧﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤُﻀﻲ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺗﺤﺖ ﺍلأﺭﺽ، ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳُﻜﻤﻠﻮﺍ ﺍﻟﺴﻴﺮَ ﺇﺫ ﻇﻠﻮﺍ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻛﻨﻬﻢ ﻣﺨﺘﻨﻘﻴﻦ، ﻓﻜﻨﺖ ﺃﺭﻯ ﺁﺛﺎﺭ ﺃﻗﺪﺍﻣﻬﻢ، ﻭﺃﺳﻤﻊ -ﺣﻴﻨﺎ- ﺃﺻﻮﺍﺕَ ﻋﺪﺩٍ ﻣﻨﻬﻢ.. ﺛﻢ ﺗﻨﻘﻄﻊ ﺍلأﺻﻮﺍﺕُ.

ﻓﻴﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﺍﻓﻘﻨﻲ ﺑﺨﻴﺎﻟﻪ ﻓﻲ ﺳﻴﺎﺣﺘﻲ ﺍﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ ﻫﺬﻩ!

ﺇﻥّ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺭﺽ ﻫﻲ «ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ» ﻭ«ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ». ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻨﻔﻖ ﻓﻬﻮ ﺍﻟﻤﺴﻠﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﺷﻘّﻪ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺑﺄﻓﻜﺎﺭﻫﻢ ﻟﺒﻠﻮﻍ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ. ﺃﻣﺎ ﺁﺛﺎﺭُ ﺍلأﻗﺪﺍﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﺭﺃﻳﺘﻬﺎ ﻓﻬﻲ ﻟﻤﺸﺎﻫﻴﺮ ﺍﻟﻔـلاﺳﻔﺔ ﻛﺄﻓـلاﻃﻮﻥ ﻭﺃﺭﺳﻄﻮ. (حاشية) ﻭﺇﻥ ﻗﻠﺖ: ﻓﻤﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﻧﺖ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺎﺯﻝ ﻫﺆلاﺀ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﻴﺮ؟ ﻓﻬﻞ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻧﻈﻴﺮ ﺫﺑﺎﺑﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻃﻴﺮﺍﻥ ﺍﻟﺼﻘﻮﺭ؟ ﻓﺄﻧﺎ ﺃﻗﻮﻝ: ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻟﻲ ﺃﺳﺘﺎﺫ ﺃﺯﻟﻲ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﻓـلا ﺃﺭﺍﻧﻲ ﻣﻀﻄﺮﺍ ﺃﻥ ﺃﺑﺎﻟﻲ -ﻭﻟﻮ ﺑﻘﺪﺭ ﺟﻨﺎﺡ ﺫﺑﺎﺑﺔ- ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ، ﺑﺄﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺼﻘﻮﺭ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﺗـلاﻣﻴﺬ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﻠﻮﺛﺔ ﺑﺎﻟﻀـلاﻟﺔ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻤﺒﺘﻠﻰ ﺑﺎلأﻭﻫﺎﻡ. ﻓﻤﻬﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﺩﻧﻰ ﻣﻨﻬﻢ ﺩﺭﺟﺔ ﺇلا ﺃﻥ ﺃﺳﺘﺎﺫﻫﻢ ﺃﺩﻧﻰ ﺑﺪﺭﺟﺎﺕ لا ﺣﺪّ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﺳﺘﺎﺫﻱ، ﻓﺒﻔﻀﻞ ﺃﺳﺘﺎﺫﻱ ﻭﻫﻤّﺘﻪ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓُ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻏﺮﻗﺘﻬﻢ ﺃﻥ ﺗﺒﻠﻞ ﻗﺪﻣﻲ. ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺍﻟﺠﻨﺪﻱ ﺍﻟﺒﺴﻴﻂ ﺍﻟﺤﺎﻣﻞ لأﻭﺍﻣﺮ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﻋﻈﻴﻢ ﻭﻗﻮﺍﻧﻴﻨﻪ، ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﻨﺠﺰ ﻣﻦ ﺍلأﻋﻤﺎﻝ ﻣﺎلا ﻳﻨﺠﺰﻩ ﻣﺸﻴﺮ ﻟﺪﻯ ﻣﻠﻚ ﺻﻐﻴﺮ. ﻭﻣﺎ ﺳﻤﻌﺘُﻪ ﻣﻦ ﺃﺻﻮﺍﺕ ﻫﻲ ﺃﺻﻮﺍﺕُ ﺍﻟﺪﻫﺎﺓ ﻛﺎﺑﻦ ﺳﻴﻨﺎ ﻭﺍﻟﻔﺎﺭﺍﺑﻲ.. ﻧﻌﻢ، ﻛﻨﺖ ﺃﺟﺪ ﺃﻗﻮﺍلا لاﺑﻦ ﺳﻴﻨﺎ ﻭﻗﻮﺍﻧﻴﻦَ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺍلأﻣﺎﻛﻦ، ﻭﻟﻜﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﺍلأﺻﻮﺍﺕُ ﺗﻨﻘﻄﻊ ﻛﻠﻴﺎ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺃﻥ ﻳﺘﻘﺪﻡ، ﺃﻱ ﺇﻧﻪ ﺍﺧﺘﻨﻖ.. ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ ﻓﻘﺪ ﺑﻴﻨﺖ ﻟﻚ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ لأﺧﻔﻒ ﻋﻨﻚ ﺗﻠﻬّﻔﻚ ﻭﺗﺸﻮّﻗﻚ.. ﻭﺍلآﻥ ﺃﻋﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺫﻛﺮ ﺳﻴﺎﺣﺘﻲ:

ﺍﺳﺘﻤﺮَّ ﺑﻲ ﺍﻟﺴﻴﺮ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﺸﻴﺌﻴﻦ ﻳُﺠﻌَـلاﻥ ﺑﻴﺪﻱَّ.

ﺍلأﻭﻝ: ﻣﺼﺒﺎﺡ ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻲ، ﻳﺒﺪﺩ ﻇﻠﻤﺎﺕٍ ﻛﺜﻴﻔﺔ ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ ﺗﺤﺖ ﺍلأﺭﺽ.

ﻭﺍلآﺧﺮ: ﺁﻟﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ، ﺗﻔﺘّﺖ ﺻﺨﻮﺭﺍ ﺿﺨﻤﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ.. ﻓﻴﻨﻔﺘﺢ ﻟﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ.

ﻭﻫُﻤِﺲ ﻓﻲ ﺃﺫﻧﻲ ﺁﻧﺬﺍﻙ: ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺼﺒﺎﺡ ﻭﺍلآﻟﺔ، ﻗﺪ ﻣُﻨﺤﺘﺎ ﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﺰﻳﻨﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻘﺪ ﺳﺮﺕ ﻣﺪﺓً ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻮﺍﻝ، ﺣﺘﻰ ﺭﺃﻳﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﻗﺪ ﻭﺻﻠﺖُ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﺍلأﺧﺮﻯ، ﻓﺈﺫﺍ ﺍﻟﺸﻤﺲُ ﻣﺸﺮﻗﺔ ﻓﻲ ﺳﻤﺎﺀ ﺻﺎﻓﻴﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ لا ﺳﺤﺎﺏ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﺍﻟﻴﻮﻡُ ﻳﻮﻡ ﺭﺑﻴﻊ ﺑﻬﻴﺞ، ﻭﺍﻟﻨﺴﻴﻢُ ﻳﻬﺐّ ﻫﺒﻮﺏَ ﺍﻟﺮﻭﺡ، ﻭﺍﻟﻤﺎﺀ ﺍﻟﺴﻠﺴﺒﻴﻞ ﺍﻟﻌﺬﺏ ﻳﺠﺮﻱ. ﻓﻘﺪ ﺭﺃﻳﺖ ﻋﺎﻟَﻤﺎ ﻋﻤّﺘﻪ ﺍﻟﺒﻬﺠﺔُ ﻭﺩﺏّ ﺍﻟﻔﺮﺡُ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ، ﻓﺤﻤﺪﺕُ ﺍﻟﻠﻪ.

ﺛﻢ ﻧﻈﺮﺕ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻲ، ﻓﺮﺃﻳﺖ ﺃﻧﻰ لا ﺃﻣﻠﻜﻬﺎ ﻭلا ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭﻛﺄﻥّ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻳﻀﻌﻨﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﺍلاﺧﺘﺒﺎﺭ، ﻭﻋﻠﻰ ﺣﻴﻦ ﻏﺮﺓ ﺭﺃﻳﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﺤﺮﺍﺀ ﺍﻟﺸﺎﺳﻌﺔ، ﻭﻗﺪ ﺃﻃﺒﻘﺖ ﺍﻟﺴُﺤﺐ ﺍﻟﻘﺎﺗﻤﺔ ﺃﻳﻀﺎ ﻓﺄﻇﻠﻤﺖ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀُ، ﻭﺍلأﻧﻔﺎﺱُ ﺗﻜﺎﺩ ﺗﺨﺘﻨﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﻴﻖ.. ﺃﺣﺴﺴﺖ ﺳﺎﺋﻘﺎ ﻳﺴﻮﻗﻨﻲ ﺇﻟﻰ ﻃﺮﻳﻖ ﺁﺧﺮ، ﺇﺫ ﺭﺃﻳﺖ ﺃﻧﻲ ﺃﺳﻴﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺭﺽ ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺟﻮﻓﻬﺎ، ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﺍلأﺧﺮﻯ.. ﻓﺮﺃﻳﺖ ﻓﻲ ﺳﻴﺮﻯ ﻫﺬﺍ ﺃﻣﻮﺭﺍ ﻋﺠﻴﺒﺔ ﻭﻣﺸﺎﻫﺪَ ﻏﺮﻳﺒﺔ لا ﺗﻜﺎﺩ ﺗﻮﺻﻒ؛ ﻓﺎﻟﺒﺤﺮُ ﻏﺎﺿﺐ ﻋﻠﻲّ، ﻭﺍﻟﻌﺎﺻﻔﺔُ ﺗﻬﺪﺩﻧﻲ، ﻭﻛﻞُّ ﺷﻲﺀ ﻳﻠﻘﻲ ﺃﻣﺎﻣﻲ ﺍﻟﻌﻮﺍﺋﻖَ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﻋﺐ. ﺇلا ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﺗُﺬﻟَّﻞ ﺑﻔﻀﻞ ﻣﺎ ﻭُﻫﺐ ﻟﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﻦ ﻭﺳﻴﻠﺔٍ ﺳﻴﺎﺣﻴﺔ. ﻓﻜﻨﺖ ﺃﺗﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻮﺳﻴﻠﺔ.. ﻭﺑﺪﺃﺕ ﺃﻗﻄﻊ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﺧﻄﻮﺓً ﺧﻄﻮﺓ، ﺷﺎﻫﺪﺕ ﺃﺷـلاﺀَ ﺍﻟﺴﺎﺋﺤﻴﻦ ﻭﺟﻨﺎﺋﺰَﻫﻢ ﻣﻠﻘﺎﺓً ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ، ﻫﻨﺎ ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻓﻠﻢ ﻳُﻨﻪِ ﺇلا ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﺃﻟﻒٍ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺣﺔ.. ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ ﻓﻘﺪ ﻧﺠﻮﺕُ ﻣﻦ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴُﺤﺐ ﺍﻟﺨﺎﻧﻘﺔ، ﻭﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍلأﺭﺽ، ﻭﻗﺎﺑﻠﺖُ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ، ﻭﺗﻨﻔﺴﺖُ ﺍﻟﻨﺴﻴﻢَ ﺍﻟﻌﻠﻴﻞ، ﻭﺑﺪﺃﺕ ﺃﺟﻮﻝ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺒﻬﻴﺞ ﻛﺎﻟﺠﻨﺔ، ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺭﺩﺩ: ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ.

ﺛﻢ ﺭﺃﻳﺖ ﺃﻧﻨﻲ ﻟﻦ ﺃُﺗﺮَﻙ ﻫﻨﺎ، ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻣَﻦ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﺮﻳَﻨﻰ ﻃﺮﻳﻘﺎ ﺁﺧﺮ، ﻓﺄﺭﺟَﻌَﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻴﻪ.. ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﺤﺮﺍﺀ ﺍﻟﺸﺎﺳﻌﺔ.. ﻓﻨﻈﺮﺕ ﻓﺈﺫﺍ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﻧﺎﺯﻟﺔ ﻣﻦ ﺍلأﻋﻠﻰ ﻛﻨﺰﻭﻝ ﺍﻟﻤﺼﺎﻋﺪ (ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ) ﺑﺄﺷﻜﺎﻝ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﻭﺃﻧﻤﺎﻁ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﻌﻀُﻬﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﻄﺎﺋﺮﺍﺕ ﻭﺑﻌﻀُﻬﺎ ﺷﺒﻴﻪ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ، ﻭﺃﺧﺮﻯ ﻛﺎﻟﺴـلاﻝ ﺍﻟﻤﺘﺪﻟﻴﺔ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﺄﻳّﻤﺎ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺈﺣﺪﻯ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ، ﺣﺴﺐ ﻗﺎﺑﻠﻴﺘﻪ ﻭﻗﻮﺗﻪ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳُﻌﺮَﺝ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺍلأﻋﻠﻰ.. ﻓﺮﻛﺒﺖ ﺇﺣﺪﺍﻫﺎ، ﻭﺇﺫﺍ ﺃﻧﺎ ﻓﻲ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﺴُﺤﺐ ﻭﻋﻠﻰ ﺟﺒﺎﻝ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻣﺨﻀﻮﺿﺮﺓ، ﺑﻞ لا ﺗﺒﻠﻎ ﺍﻟﺴُﺤﺐ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﺍﻟﺸﺎﻫﻘﺔ.. ﻭﻳُﺸﺎﻫَﺪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ ﺃﺟﻤﻞُ ﺿﻴﺎﺀ، ﻭﺃﻋﺬﺏُ ﻣﺎﺀ ﻭﺃﻟﻄﻒ ﻧﺴﻴﻢ.. ﻭﺣﻴﻨﻤﺎ ﺳﺮﺣﺖُ ﻧﻈﺮﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ ﻛﻠِّﻬﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ -ﺍﻟﺸﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎﻟﻤﺼﺎﻋﺪ- ﻣﻨﺘﺸﺮﺓ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ. ﻭﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﺷﺎﻫﺪﺕ ﻣﺜﻠَﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍلأﺭﺽ ﻓﻲ ﺗﻠﻜﻤﺎ ﺍﻟﺴﻴﺎﺣﺘﻴﻦ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺘﻴﻦ.. ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﺃﻓﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎ، ﺑﻴﺪ ﺃﻧﻲ ﺍلآﻥ ﺃﻓﻬﻢ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ لآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺎﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍلأﻭﻝ: ﻫﻮ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻀﺎﻟﻴﻦ ﺍﻟﻤﺸـﺎﺭ ﺇﻟﻴﻪ ﺑـ﴿الضَّالِّينَ﴾ ﻭﻫﻮ ﻣﺴﻠﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺯﻟّﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﻣﻔﻬﻮﻡ «ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ» ﻭﺗﺒﻨّﻮﺍ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﻴﻦ.. ﻭﻗﺪ ﻟﻤﺴﺘُﻢ ﻣﺪﻯ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﺍﻟﻤﻠﻲﺀ ﺑﺎﻟﻤﺸﻜـلاﺕ ﻭﺍﻟﻌﻮﺍﺋﻖ.

ﻭﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺍﻟﻤﺸﺎﺭ ﺇﻟﻴﻪ ﺑـ﴿الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ ﻓﻬﻮ ﻣﺴﻠﻚ ﻋَﺒَﺪﺓ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻭﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﻴﻠﻮﻥ ﺍﻟﺨَﻠﻖ ﻭﺍلإﻳﺠﺎﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻂ، ﻭﻳﺴﻨﺪﻭﻥ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ، ﻭﻳﺮﻳﺪﻭﻥ ﺑﻠﻮﻍَ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ، ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻞ ﺟـلاﻟﻪ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﺣﺪﻩ، ﻛﺎﻟﺤﻜﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺸّﺎﺋﻴﻴﻦ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺍﻟﻤﺸﺎﺭ ﺇﻟﻴﻪ ﺑـ﴿الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺼﺮﺍﻁ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ ﻭﺍﻟﺠﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ لأﻫﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﻫﻮ ﺃﻗﺼﺮُ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﻭﺃﺳﻠﻤُﻪ ﻭﺃﻳﺴﺮُﻩ، ﻭﻣﻔﺘﻮﺡ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻛﺎﻓﺔ ﻟﻴﺴﻠﻜﻮﻩ، ﻭﻫﻮ ﻣﺴﻠﻚ ﺳﻤﺎﻭﻱ ﺭﺣﻤﺎﻧﻲ ﻧﻮﺭﺍﻧﻲ.