ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ (ﺍلإﺧـلاﺹ:١-٢)

   (ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺛـلاﺛﺔ ﻣﻘﺎﺻﺪ) 

   ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﺍلأﻭﻝ

   ﺇﻥ ﺩﺍﻋﻴﺔ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﻭﺍﻟﻀـلاﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮﻯ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺭﺽ ﺑﺮَﺟﻢٍ ﻣﻦ ﻧﺠﻤﺔ، ﺗﺨﻠَّﻰ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻤﻂ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻋﻮﻯ، لأﻧﻪ ﻋﺠَﺰ ﻋﻦ ﺃﻥ ﻳﺠﺪ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻣﻮﺿﻊ ﻛﺎﻥ، ﻣﺜﻘﺎﻝَ ﺫﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﻙ، ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺠﺮﺍﺕ، ﺇلا ﺃﻧﻪ ﻋﺎﺩ -ﻛﺎﻟﺸﻴﻄﺎﻥ- ﻭﺣﺎﻭﻝ ﺗﺸﻜﻴﻚ ﺃﻫﻞِ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺈﻟﻘﺎﺀ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ ﺍلأﺣﺪﻳﺔ ﻭﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﺛـلاﺛﺔ ﺃﺳﺌﻠﺔ ﻣﻬﻤﺔ.

      ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍلأﻭﻝ:

ﺇﻧﻪ ﻳﻘﻮﻝ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﺰﻧﺪﻗﺔ: ﻳﺎ ﺃﻫﻞَ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ! ﺇﻧﻨﻲ ﻟﻢ ﺃﺗﻤﻜّﻦ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺃﺟﺪ ﺷﻴﺌﺎ ﺑﺎﺳﻢ ﻣﻮﻛﻠﻲ، ﻭﻋﺠﺰﺕُ ﻋﻦ ﺃﻥ ﺃﻗﻊ ﻋﻠﻰ ﺷﻲﺀ ﺃﺗﺸﺒﺚ ﺑﻪ ﻳﺆﻳّﺪ ﺩﻋﺎﻭﻱّ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﺎﻓﺔ، ﻓﻠﻢ ﺃﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺃُﺛﺒِﺖَ ﺻﻮﺍﺏَ ﻣﺴﻠﻜﻲ. ﻭﻟﻜﻦ ﻛﻴﻒ ﺗُﺜﺒﺘﻮﻥ ﺃﻧﺘﻢ ﻭﺟﻮﺩَ ﻭﺍﺣﺪٍ ﺃﺣﺪٍ ﻗﺪﻳﺮٍ ﻣﻄﻠﻖ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ؟ ﻓﻠِﻢَ ﺗﺮﻭﻥ ﺃﻧﻪ لا ﻳﻤﻜﻦ ﻗﻄﻌﺎ ﺃﻥ ﺗَﺪﺧﻞ ﺃﻳﺪٍ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻊ ﻗﺪﺭﺗﻪ.

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻟﻘﺪ ﺃﺛﺒﺖ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﺇﺛﺒﺎﺗﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ، ﻛﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺮﻫﺎﻥ ﻧﻴّﺮ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺏ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ، ﻓﻜﻞ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺴـلاﺳﻞ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺩﻟﻴﻞ ﻗﺎﻃﻊ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ، ﻭﻗﺪ ﺃﺛﺒﺖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻫﺬﺍ، ﺑﻤﺎ لا ﻳﺤﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺮﺍﻫﻴﻦ، ﺇلا ﺃﻧﻪ ﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﺒﺮﺍﻫﻴﻦ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻟﻌﻤﻮﻡ ﺍﻟﻤﺨﺎﻃﺒﻴﻦ.

ﻓﻔﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ (ﻟﻘﻤﺎﻥ:25). ﻭﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ:﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ﴾ (ﺍﻟﺮﻭﻡ:٢٢) ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪﺓ ﻳﻌﺮﺽ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺧﻠﻖَ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﺑﺮﻫﺎﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﺑﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺒﺪﺍﻫﺔ. ﻓﻜﻞّ ﻣَﻦ ﻳﻤﻠﻚ ﺷﻌﻮﺭﺍ ﻣﻀﻄﺮ ﺇﻟﻰ ﺗﺼﺪﻳﻖ ﺧﺎﻟﻘﻪ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻪ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾.

ﻭﻟﻘﺪ ﺑﻴَّﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍلأﻭﻝ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺧَﺘﻢَ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻭﺳﻜّﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﺫﺭﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ. ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﻄﺮﺩ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﻭﻳﻨﻔﻴﻪ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍﻧﺘﻬﺎﺀً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ، ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ، ﻓﻴﺸﻴﺮ ﻭﻳﻮﻣﺊ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﻓﻲ ﻧﻈﺎﻡ ﺑﺪﻳﻊ لاﺑﺪ ﻭﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ ﺍﻟﺸﻤﺴﻴﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺗﻪ، ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺘﻪ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ.

ﻭﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻳﻤﺴﻚ ﺍﻟﺸﻤﺲَ ﻭﺳﻴﺎﺭﺍﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺘﻪ ﻭﻳﻨﻈّﻤﻬﺎ ﻭﻳﺴﺨّﺮﻫﺎ، ﻭﻳﺪﻳﺮﻫﺎ. ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ ﻭﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺿﻤﻦ ﺇﺩﺍﺭﺗﻪ ﻭﺗﺪﺑﻴﺮﻩ ﺃﻳﻀﺎ.

ﻭﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺍﻟﻜﺮﺓُ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﺿﻤﻦ ﺗﺪﺑﻴﺮﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺿﻤﻦ ﺇﺩﺍﺭﺗﻪ، ﻓﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕُ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺨﻠَﻖ ﻭﺗُﻜﺘﺐ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺛﻤﺮﺍﺕ ﺍلأﺭﺽ ﻭﻏﺎﻳﺎﺗِﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺔ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ.

ﻭﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺟﻤﻴﻊُ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﻤﻨﺸﻮﺭﺓ ﻭﺍﻟﻤﻨﺜﻮﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍلأﺭﺽ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤّﻠﻬﺎ ﻭﺗﺰﻳّﻨﻬﺎ ﻭﺗﻤﻠﺆﻫﺎ ﻭﺗﻔﺮﻏﻬﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﻞ ﺣﻴﻦ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺔ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻭﻋﻠﻤﻪ، ﻭﺃﻧﻬﺎ ﺗﻮﺯَﻥ ﻭﺗُﻨﻈَّﻢ ﺑﻤﻴﺰﺍﻥ ﻋﺪﻟﻪ ﻭﺣﻜﻤﺘﻪ، ﻭﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺔ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ. ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﺃﻓﺮﺍﺩَﻫﺎ ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ ﺍﻟﻤﺘﻘﻨﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣﺜﺎﻝٍ ﻣﺼﻐﺮ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﻭﻛﺸﺎﻑ ﺳﺠـلاﺕ ﻣﻴﺰﺍﻧﻴﺔ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﻓﻬﺎﺭﺱ ﻣﺼﻐﺮﺓ ﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﺗﻜﻮﻥ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺔ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺇﻳﺠﺎﺩﻩ ﻭﺿﻤﻦ ﺇﺩﺍﺭﺗﻪ ﻭﺗﺮﺑﻴﺘﻪ.

ﻭﻣﺎﺩﺍﻡ ﻛﻞُّ ﺫﻱ ﺣﻴﺎﺓ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺔ ﺗﺪﺑﻴﺮﻩ ﻭﺗﺮﺑﻴﺘﻪ، ﻓـلاﺑﺪَّ ﺃﻥ ﺍﻟﺤُﺠﻴﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﻜﺮﻳﺎﺕ ﻭﺍلأﻋﻀﺎﺀ ﻭﺍلأﻋﺼﺎﺏ، ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜﻞ ﻭﺟﻮﺩ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺤﻲ، ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺔ ﻋﻠﻤِﻪ ﻭﻗﺪﺭﺗﻪ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ.

ﻭﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﻛﻞ ﺣﺠﻴﺮﺓٍ ﻭﻛﻞ ﻛُﺮﻳَّﺔٍ ﺩﻣﻮﻳﺔ ﻣﻨﻘﺎﺩﺓً لأﻭﺍﻣﺮﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻭﺿﻤﻦ ﺗﺪﺑﻴﺮﻩ ﻭﺗﺼﺮﻳﻔﻪ ﺍلأﻣﻮﺭ، ﻭﺗﺘﺤﺮﻙ ﻭﻓﻖ ﻗﺎﻧﻮﻧﻪ. ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻮﺍﺩﻫﺎ ﺍلأﺳﺎﺳﻴﺔ، ﻭﺟﻤﻴﻊَ ﺫﺭﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﻨﺴﺞ ﻣﻨﻬﺎ ﻧﻘﻮﺵُ ﺻﻨﻌﻬﺎ، ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺔ ﻗﺪﺭﺗﻪ، ﻭﺿﻤﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻋﻠﻤﻪ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ، ﻭلاﺑﺪ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺘﺤﺮﻙ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎﻡ ﻭﺗُﺆَﺩﻱ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﻋﻠﻰ ﺃﺗﻢَّ ﻭﺟﻪ ﺑﺄﻣﺮﻩ ﻭﺇﺫﻧﻪ ﻭﻗﻮﺗﻪ.

ﻭﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﺣﺮﻛﺔ ﻛﻞِّ ﺫﺭﺓ ﻭﺃﺩﺍﺅﻫﺎ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ، ﺑﻘﺎﻧﻮﻧﻪ ﻭﺇﺫﻧﻪ ﻭﺃﻣﺮﻩ، ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥّ ﺗﺸﺨّﺼﺎﺕ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻭﻣـلاﻣﺤَﻪ ﻭﻭﺟﻮﺩَ ﺍﻟﻌـلاﻣﺎﺕ ﺍﻟﻔﺎﺭﻗﺔ ﺍﻟﻤﻤﻴﺰﺓ ﻟﻜﻞِّ ﻓﺮﺩ ﻋﻦ ﺍلآﺧﺮ، ﺳﻮﺍﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻤـلاﻣﺢ، ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍلأﻟﺴﻨﺔ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺑﻌﻠﻤﻪ ﻭﺣﻜﻤﺘﻪ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ.

ﻓﺘﺪﺑّﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﻴﻦ ﻣﺒﺪﺃ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻠﺴﻠﺔ (ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ) ﻭﻣﻨﺘﻬﺎﻫﺎ ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ (ﺍﻟﺮﻭﻡ:٢٢).

ﻓﻴﺎ ﺩﺍﻋﻴﺔ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﺮﻙ! ﺇﻥ ﺍﻟﺒﺮﺍﻫﻴﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺜﺒﺖ ﻣﺴﻠﻚ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ، ﻭﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻳﺮ ﻣﻄﻠﻖ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ، ﻗﻮﻳﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺑﻘﻮﺓ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ؛ ﺇﺫ ﻣﺎﺩﺍﻡ ﺧﻠﻖُ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﻧﻊ ﻗﺪﻳﺮ، ﻭﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ، ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻤﺎﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻟﺪﻳﻪ، ﻓـلاﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﺳﺘﻐﻨﺎﺀٍ ﻣﻄﻠﻖٍ ﻋﻦ ﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺀ، ﺃﻱ لا ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺷﺮﻛﺎﺀ ﻓﻲ ﺃﻳﺔ ﺟﻬﺔ ﻛﺎﻧﺖ. ﻓﺈﺫ لا ﺍﺣﺘﻴﺎﺝ -ﻛﻤﺎ ﺗﺮﻯ- ﻓَﻠِﻢَ ﺇﺫﻥ ﺗﻨﺴﺎﻕ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﻠﻚ ﺍﻟﻤُﻈﻠﻢ؟ ﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻓﻌُﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﻫﻨﺎﻙ؟ ﻭﺣﻴﺚ لا ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺷﺮﻛﺎﺀ، ﻭﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻛﻠُّﻬﺎ ﻣﺴﺘﻐﻨﻴﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺀ ﺍﺳﺘﻐﻨﺎﺀً ﻣﻄﻠﻘﺎ، ﻓـلا ﺷﻚ ﺃﻥ ﻭﺟﻮﺩ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻸ ﻟﻮﻫﻴﺔ ﻭﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻭﻓﻲ ﺍلإﻳﺠﺎﺩ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﻤﺘﻨﻊ ﻣﺤﺎﻝ؛ لأﻥ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻠﻜﻬﺎ ﺻﺎﻧﻊُ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﻗﺪﺭﺓ لا ﻣﻨﺘﻬﻰ ﻟﻬﺎ ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ -ﻛﻤﺎ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎ- ﻭﻟﻮ ﻭﺟِﺪ ﺷﺮﻳﻚ ﻳﻠﺰﻡ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻗﺪﺭﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﺗﻐﻠﺐ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ، ﻭﺗﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺿﻊٍ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﺘﻤﻨﻊ لاﺗﻨﺎﻫﻴﻬﺎ ﻭﺗﺠﻌﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻭﺿﻊ ﻋَﺠﺰ ﻣﻌﻨﻮﻱ، ﻭﺗﺤﺪّﻫﺎ ﻭﻫﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺎ ﻳُﻨﻬﻲ ﻣﺎ لا ﻳﺘﻨﺎﻫﻰ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﻛﻤﺎﻝ لاﺗﻨﺎﻫﻴﻪ ﻭﻳﺠﻌﻠﻪ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺎ!! ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺃﺑﻌﺪُ ﺍﻟﻤﺤﺎلاﺕ ﻭﺃﺑﻌﺪُ ﺍﻟﻤﻤﺘﻨﻌﺎﺕ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻤﻨﻄﻖ.

ﺛﻢ ﺇﻥّ ﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺀ ﻣﺴﺘﻐﻨﻰً ﻋﻨﻬﺎ، ﻭﻣﻤﺘﻨﻌﺔ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥّ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﻣﺤﺎﻝ، ﻓﺎﺩّﻋﺎﺀ ﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺀ ﺇﺫﻥ ﺍﺩﻋﺎﺀ ﺗﺤﻜّﻤﻰ ﻟﻴﺲ ﺇلا. ﺇﺫ ﻟﻌﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩ ﺳﺒﺐ لاﺩﻋﺎﺀ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﻋﻮﻯ ﻋﻘـلا ﻭﻣﻨﻄﻘﺎ ﻭﻓﻜﺮﺍ ﻳُﻌﺪّ ﻛـلاﻣﺎ لا ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻪ، ﻭﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻋﺎﻭﻯ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍلأﺻﻮﻝ ﻣﺼﻄﻠﺢ: «ﺗﺤﻜّﻤﻲ»، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻪ ﺩﻋﻮﻯً ﻣﺠﺮﺩﺓ لا ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻬﺎ.

ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺪﺳﺎﺗﻴﺮ ﺍﻟﻤﻘﺮﺭﺓ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﻭﺍلأﺻﻮﻝ: «لا ﻋﺒﺮﺓ ﻟـلاﺣﺘﻤﺎﻝ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻨﺎﺷﺊ ﻋﻦ ﺩﻟﻴﻞ، ﻭلا ﻳﻨﺎﻓﻲ ﺍلإﻣﻜﺎﻥُ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦَ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ».

ﻣﺜﺎﻝ ﺫﻟﻚ: ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﻭﺍﻟﻤﺤﺘﻤﻞ ﺃﻥ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﺑﺤﻴﺮﺓ «ﺑﺎﺭلا» ﺇﻟﻰ ﺩﺑﺲ ﻭﻳﻨﻘﻠﺐ ﺇﻟﻰ ﺩﻫﻦ، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ. ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﺍلاﺣﺘﻤﺎﻝ لا ﻳﻨﺸﺄ ﻣﻦ ﺃﻣﺎﺭﺓ، ﻓـلا ﻳﺆﺛﺮ ﻭلا ﻳﻠﻘﻲ ﺷﻜﺎ ﻭلا ﺷﺒﻬﺔ ﻓﻲ ﻳﻘﻴﻨﻨﺎ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺒﺤﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﻣﺎﺀ.

ﻭﻋﻠﻰ ﻏﺮﺍﺭ ﻫﺬﺍ ﻓﻘﺪ ﺳﺄﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻣﻦ ﻧﻮﺍﺣﻲ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﻭﻣﻦ ﻛﻞ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﻣﻦ ﺯﻭﺍﻳﺎ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ، ﻭﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ -ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍلأﻭﻝ- ﻭﻣﻦ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﺇﻟﻰ ﺍﺧﺘـلاﻑ ﺃﻟﻮﺍﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺃﻟﺴﻨﺘﻪ -ﻛﻤﺎ ﻳﺸﺎﻫﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ- ﻓﻜﺎﻥ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺷﻬﺎﺩﺓَ ﺻﺪﻕٍ ﻟﻠﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﻝ، ﻭﺩلاﻟﺔً ﻗﺎﻃﻌﺔ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺧﺘﻢ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﻤﻀﺮﻭﺏ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ. ﻭﻗﺪ ﺷﺎﻫﺪﺗَﻪ ﺑﻨﻔﺴﻚ ﺃﻳﻀﺎ.

ﻟﺬﺍ ﻓـلا ﺗﻮﺟﺪ ﺃﻳﺔُ ﺃﻣﺎﺭﺓ ﻓﻲ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳُﺒﻨﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺍﻟﺸﺮﻙ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺩﻋﻮﻯ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﺩﻋﻮﻯ ﺗﺤﻜﻤﻴﺔ ﺑﺤﺘﺔ، ﺃﻭ ﻛـلاﻡ لا ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻪ، ﻭﺩﻋﻮﻯ ﻣﺠﺮﺩﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥّ ﻣﻦ ﺍﺩّﻋﻰ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﺑﻌﺪ ﻫﺬﺍ ﻓﻬﻮ ﺇﺫﻥ ﻓﻲ ﺟﻬﺎﻟﺔ ﺟﻬـلاﺀ ﻭﺑـلاﻫﺔ ﺑﻠﻬﺎﺀ.

ﻓﺄﻣﺎﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺠﺞ ﺍﻟﺪﺍﻣﻐﺔ ﻳﺒﻘﻰ ﺩﺍﻋﻴﺔُ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﻣﺒﻬﻮﺗﺎ لا ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻄﻖ ﺑﺸﻲﺀ، ﺇلا ﺃﻧﻪ ﻳﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻣﻦ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ، ﺃﻣﺎﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﺮﻙ، ﺇﺫ ﻛﻞُّ ﺷﻲﺀ ﻣﺮﺑﻮﻁ ﺑﺴﺒﺐ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻟﻸ ﺳﺒﺎﺏ ﺗﺄﺛﻴﺮﺍ ﺣﻘﻴﻘﻴﺎ، ﻭﺇﺫ ﻟﻬﺎ ﺗﺄﺛﻴﺮ، ﻓﻴﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺷﺮﻛﺎﺀ!.

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺴﺒَّﺒﺎﺕ ﻗﺪ ﺭُﺑﻄﺖ ﺑﺎلأﺳﺒﺎﺏ ﺑﻤﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﻤﺸﻴﺌﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺣﻜﻤﺘِﻬﺎ. ﻭلاﺳﺘﻠﺰﺍﻡ ﻇﻬﻮﺭ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻳُﺮﺑﻂ ﻛﻞُّ ﺷﻲﺀ ﺑﺴﺒﺐ. ﻭﻟﻘﺪ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺍﺿﻊ، ﻭﻓﻲ ﻛﻠﻤﺎﺕ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ ﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﻸﺳﺒﺎﺏ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻓﻲ ﺍلإﻳﺠﺎﺩ ﻭﺍﻟﺨﻠﻖ، ﻭﻧﻘﻮﻝ ﻫﻨﺎ: ﺇﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﻫﻮ ﺃﺷﺮﻑُ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻭﺃﻭﺳﻌُﻬﺎ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﺍ ﻭﺃﺷﻤﻠُﻬﺎ ﺗﺼﺮﻓﺎ ﻓﻲ ﺍلأﻣﻮﺭ، ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺃﻇﻬﺮ ﺃﻓﻌﺎﻟﻪ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻳﺔ، ﻛﺎلأﻛﻞ ﻭﺍﻟﻜـلاﻡ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮ -ﺍﻟﺘﻲ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻋﺠﻴﺒﺔ ﻭﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ- ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻧﺼﻴﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﺇلا ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻠﺴﻠﺔ.

ﻓﻤﺜـلا: ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺍلأﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪﺃ ﻣﻦ ﺍلأﻛﻞ ﻭﺗﻐﺬﻳﺔ ﺍﻟﺤﺠﻴﺮﺍﺕ ﺣﺘﻰ ﺗﺒﻠﻎ ﺗﺸﻜﻞ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ -ﻟﻴﺲ ﻟـلإﻧﺴﺎﻥ- ﺿﻤﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻠﺴﻠﺔ ﺍﻟﻄﻮﻳﻠﺔ، ﺇلا ﻣﻀﻐُﻪ ﻟﻠﻄﻌﺎﻡ. ﻭﻣﻦ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺍﻟﺘﻜﻠﻢ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺇلا ﺇﺩﺧﺎﻝُ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﺍﻟﺐ ﻣﺨﺎﺭﺝ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﻭﺇﺧﺮﺍﺟُﻪ ﻣﻨﻬﺎ. ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﻛﻠﻤﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﻓﻤﻪ ﻣﻊ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻛﺎﻟﺒﺬﺭﺓ، ﺇلا ﺃﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺷﺠﺮﺓ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻬﺎ ﺗﺜﻤﺮ ﻣـلاﻳﻴﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻭﺗﺪﺧﻞ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻤﺎﻉ ﻣـلاﻳﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﻌﻴﻦ. ﺑﻴﻨﻤﺎ لا ﺗﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻨﺒﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻲ ﺇلا ﻳﺪُ ﺧﻴﺎﻝ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ.. ﻓﺄﻧّﻰ ﻟﻠﻴﺪ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮﺓ ﻟـلاﺧﺘﻴﺎﺭ ﺃﻥ ﺗﺼﻞ ﺇﻟﻴﻪ.

ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻫﻮ ﺃﺷﺮﻑُ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﺃﻛﺜﺮُﻫﺎ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﺍ، ﻣﻐﻠﻮﻝَ ﺍﻟﻴﺪ ﻋﻦ ﺍلإﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ، ﻓﻜﻴﻒ ﺑﺎﻟﺠﻤﺎﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﺒﻬﺎﺋﻢ ﻭﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﻭﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، ﻛﻴﻒ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺘﺼﺮﻓﺔً ﺗﺼﺮﻓﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴﺎ؟!. ﻓﺘﻠﻚ ﺍلأﺳﺒﺎﺏُ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇلا ﺃﻏﻠﻔﺔُ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻇﺮﻭﻑُ ﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺎ ﺍﻟﺮﺣﻤﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺧَﺪﻣﺔ ﻟﺘﻘﺪﻳﻤﻬﺎ. ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﺤﻮﻥَ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﻘﺪَّﻡ ﻓﻴﻬﺎ ﻫﺪﺍﻳﺎ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ، ﺃﻭ ﺍﻟﻘﻤﺎﺵَ ﺍﻟﻤﻐﻠِّﻒ ﻟﻠﻬﺪﻳﺔ، ﺃﻭ ﺍﻟﺠﻨﺪﻱَ ﺍﻟﺬﻱ ﺳُﻠّﻤﺖ ﺑﻴﺪﻩ ﻫﺪﻳﺔُ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ، ﻟﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﺷﺮﻳﻜﺎ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎﻥ ﻗﻄﻌﺎ. ﻓﻤَﻦ ﺗﻮﻫﻢ ﺫﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﺗَﻔﻮَّﻩ ﺑﻬﺬﻳﺎﻥ ﻣﺎ ﺑﻌﺪﻩ ﻫﺬﻳﺎﻥ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﻸﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻂ ﺍﻟﺼﻮﺭﻳﺔ ﺣﺼﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻗﻄﻌﺎ، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻟﻬﺎ ﺇلا ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺨﺪﻣﺎﺕ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ.

   ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻋﺠَﺰ ﺩﺍﻋﻴﺔ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﻋﻦ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﻣﺴﻠﻚ ﺍﻟﺸﺮﻙ، ﻭﻳﺌﺲ ﻣﻦ ﺇﺛﺒﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﺃﻳﺔ ﺟﻬﺔ ﻛﺎﻧﺖ، ﺭﻏﺐ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺇﻟﻘﺎﺀ ﺷﻜﻮﻛِﻪ ﻭﺷﺒﻬﺎﺗﻪ ﻟﻬﺪﻡ ﻣﺴﻠﻚ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ.

ﻓﺴﺄﻝ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻗﺎﺋـلا: «ﻳﺎ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ! ﺃﻧﺘﻢ ﺗﻘﻮﻟﻮﻥ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ (ﺍلإﺧـلاﺹ:١-٢) ﺃﻱ ﺇﻥ ﺧﺎﻟﻖ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺍﺣﺪ، ﺃﺣﺪ، ﺻﻤﺪ، ﻭﻫﻮ ﺧﺎﻟﻖ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﺑﻴﺪﻩ ﻣﻘﺎﻟﻴﺪُ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﻫﻮ ﺍلأﺣﺪ ﺍﻟﻔﺮﺩ، ﺑﻴﺪﻩ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﺁﺧﺬ ﺑﻨﺎﺻﻴﺔ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻳﺘﺼﺮﻑ ﻓﻲ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ، ﺑﺄﺣﻮﺍﻟﻬﺎ ﻛﺎﻓﺔ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻤﻨﻊ ﺷﻲﺀ ﺷﻴﺌﺎ.. ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺼﺪﻳﻖُ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻋﺠﻴﺒﺔ ﻛﻬﺬﻩ؟ ﻓﻬﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻮﺍﺣﺪ ﻣﺸﺨّﺺ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺄﻋﻤﺎﻝٍ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻭﺑـلا ﺻﻌﻮﺑﺔ؟».

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻳُﺠﺎﺏ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺑﺒﻴﺎﻥ ﺳﺮ ﺍلأﺣﺪﻳﺔ ﻭﺍﻟﺼﻤﺪﺍﻧﻴﺔ، ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻌﻤﻖ ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺮﻓﻌﺔ ﻭﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﺴﻌﺔ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥّ ﻓﻜﺮ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻳﻘﺼﺮ ﻋﻦ ﻓﻬﻢ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﺇلا ﺑﻤﻨﻈﺎﺭ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﻭﺭﺻﺪ ﺍﻟﻤَﺜَﻞ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ لا ﻣِﺜﻞ ﻭلا ﻣﺜﻴﻞ ﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭلا ﻟﺼﻔﺎﺗﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ، ﺇلا ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤَﺜَﻞ ﻭﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻧﻪ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ. ﻟﺬﺍ ﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﺮ ﺑﺄﻣﺜﻠﺔ ﻣﺎﺩﻳﺔ:

ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍلأﻭﻝ: ﻛﻤﺎ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﻋﺸﺮﺓ» ﺃﻥ ﺷﺨﺼﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻳﻜﺴﺐ ﺻﻔﺔً ﻛﻠﻴﺔ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ، ﻭﻣﻊ ﻛﻮﻧﻪ ﺟﺰﺋﻴﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴﺎ ﻳُﺼﺒﺢ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﻛﻠّﻲ ﻣﺎﻟﻚٍ ﻟﺸﺆﻭﻥ ﻛﺜﻴﺮﺓ.

ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺰﺟﺎﺝ ﻭﺍﻟﻤﺎﺀ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟَﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻟﻸﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ (ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ) ﻭﺗُﻜﺴﺐ ﺍﻟﺸﻲﺀَ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﺻﻔﺔً ﻛﻠﻴﺔ، ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀُ ﻭﺍلأﺛﻴﺮ ﻭﺑﻌﺾ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺕِ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻳﺼﺒﺢ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻭﻳﺘﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﻭﺳﺎﺋﻂ ﻟﻠﺴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺣﺔ، ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﺍﻟﺒﺮﻕ ﻭﺍﻟﺨﻴﺎﻝ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺘﺠﻮﻝ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﻮﻥ ﻭﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﻮﻥ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮﺓ، ﻭﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ، ﻓﻴﺪﺧﻠﻮﻥ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻟﻮﻑ ﺍلأﻣﺎﻛﻦ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﺿﻊ. ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻧﻬﻢ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﻮﻥ ﻭﺻﻮﺭﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ ﻫﻲ ﻋﻴﻨُﻬﻢ ﻭﻣﺎﻟﻜﺔ ﻟﺼﻔﺎﺗﻬﻢ -ﺑﺨـلاﻑ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﻴﻦ- ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﺴﻴﻄﺮﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻣﺎﻛﻦ ﻛﺄﻧﻬﻢ ﻣﻮﺟﻮﺩﻭﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺬﻭﺍﺗﻬﻢ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺻﻮﺭ ﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﻴﻦ ﺍﻟﻜﺜﻴﻔﺔ، ﻟﻴﺴﺖ ﻋﻴﻨَﻬﺎ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺎﻟﻜﺔً ﻟﺼﻔﺎﺗﻬﺎ، ﻓﻬﻲ ﻣﻴﺘﺔ.

ﻣﺜـلا: ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﻣﻊ ﺃﻧﻬﺎ ﺟﺰﺋﻲ ﻣﺸﺨّﺺ، ﺇلا ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺼﺒﺢ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﻛﻠّﻲ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﻠﻤﺎﻋﺔ، ﺇﺫ ﺗﻌﻄﻲ ﺻﻮﺭﺗَﻬﺎ ﻭﻣﺜﺎﻟَﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﺎﺩﺓ ﻟﻤّﺎﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺢ ﺍلأﺭﺽ، ﻭﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﻗﻄﺮﺓ ﻣﺎﺀ، ﻭﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﻗﻄﻌﺔ ﺯﺟﺎﺝ، ﻛﻞ ﺣﺴﺐ ﻗﺎﺑﻠﻴﺘﻪ، ﻓﺘﻜﻮﻥ ﺣﺮﺍﺭﺓُ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺿﻴﺎﺅﻫﺎ ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﻟﻮﺍﻥ ﺳﺒﻌﺔ، ﻣﻊ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺻﻮﺭﺓ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ، ﻣﻮﺟﻮﺩﺓً ﻓﻲ ﻛﻞ ﺟﺴﻢ ﻟﻤّﺎﻉ.

ﻓﻠﻮ ﻓُﺮﺽ ﺃﻥ ﻟﻠﺸﻤﺲ ﻋﻠﻤﺎ ﻭﺷﻌﻮﺭﺍ، ﻟﻜﺎﻧﺖ ﻛﻞُّ ﻣﺮﺁﺓ ﺷﺒﻴﻬﺔً ﺑﻤﻨﺰﻟﻬﺎ ﻭﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻋﺮﺷﻬﺎ ﻭﻛﺮﺳﻴّﻬﺎ. ﻭﺗﻠﺘﻘﻲ ﺑﺬﺍﺗﻬﺎ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ، ﻭﺗﺘﺼﻞ -ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﺎﺗﻒ- ﻣﻊ ﻛﻞ ﺫﻱ ﺷﻌﻮﺭ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺑﺒﺆﺑﺆ ﻋﻴﻨﻪ. ﻓﻤﺎ ﻳﻤﻨﻊ ﺷﻲﺀ ﺷﻴﺌﺎ ﻭلا ﺗﺤﺠُﺐ ﻣﺨﺎﺑﺮﺓ ﺑﺎﻟﻬﺎﺗﻒ ﻣﺨﺎﺑﺮﺓً ﺃﺧﺮﻯ. ﻓﻤﻊ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ ﺇلا ﺃﻧﻬﺎ لا ﻳﺤﺪّﻫﺎ ﻣﻜﺎﻥ.

ﻓﺎﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﻣﺮﺁﺓٍ ﻣﺎﺩﻳﺔ ﻭﺟﺰﺋﻴﺔ ﻭﺟﺎﻣﻌﺔ لاﺳﻢٍ ﻭﺍﺣﺪٍ ﻣﻦ ﺃﻟﻒ ﺍﺳﻢ ﻭﺍﺳﻢ ﻣﻦ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻭﻫﻮ «ﺍﻟﻨﻮﺭ»، ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻊ ﺗﺸﺨّﺼﻬﺎ ﺗﻨﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ ﻣﻦ ﺍلأﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻭﺗﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﻛﻠﻴﺔ، ﺃﻓـلا ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞُ ﺫﻭ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﺑﺄﺣﺪﻳﺘﻪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ ﺃﻥ ﻳﻔﻌﻞ ﻣﺎ لا ﻳﺘﻨﺎﻫﻰ ﻣﻦ ﺍلأﻓﻌﺎﻝ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ؟!

ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﺷﺠﺮﺓ، ﻳﻤﻜﻦ ﺍﺗﺨﺎﺫﻫﺎ ﺇﺫﻥ ﻣﺜﺎلا لإﻇﻬﺎﺭ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ. ﻓﻨﺄﺧﺬ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻣﺎﻡ ﻏﺮﻓﺘﻨﺎ، ﻭﻫﻲ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺪُﻟﺐ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ، ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻣﺜﺎلا ﻣﺼﻐﺮﺍ ﻟﻠﻜﺎﺋﻨﺎﺕ. ﻭﺳﻨﺒﻴﻦ ﺗﺠﻠﻲ ﺍلأﺣﺪﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺑﻮﺳﺎﻃﺘﻬﺎ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺤﻮ ﺍلآﺗﻲ:

ﺇﻥّ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻣﺎ لا ﻳﻘﻞ ﻋﻦ ﻋﺸﺮﺓ ﺁلاﻑ ﺛﻤﺮﺓ، ﻭﻟﻜﻞ ﺛﻤﺮﺓٍ ﻣﺎ لا ﻳﻘﻞ ﻋﻦ ﻣﺌﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﺍﻟﻤﺠﻨّﺤﺔ، ﺃﻱ ﺇﻥ ﻛﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺛﻤﺎﺭ ﺍﻟﻌﺸﺮﺓ ﺁلاﻑ ﻭﺍﻟﻤﻠﻴﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻮﺿﻊ ﺍلإﻳﺠﺎﺩ ﻭﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﻮﺟﺪ ﺍﻟﻌﻘﺪﺓُ ﺍﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓ ﺍلأﺻﻠﻴﺔ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ، ﻭﻓﻲ ﺟﺬﺭﻫﺎ ﻭﻓﻲ ﺟﺬﻋﻬﺎ، ﻭﻫﻲ ﺷﻲﺀ ﺟﺰﺋﻲ ﻭﻣﺸﺨّﺺ ﻣﻦ ﺗﺠﻠﻲ ﺍلإﺭﺍﺩﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﻧﻮﺍﺓ ﻣﻦ ﺍلأﻣﺮ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ. ﻭﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ ﺗﺘﻜﻮﻥ ﻣﺮﻛﺰﻳﺔُ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ، ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓُ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﻛﻞ ﻏﺼﻦ ﻭﺩﺍﺧﻞَ ﻛﻞ ﺛﻤﺮﺓ ﻭﺟﻨﺐَ ﻛﻞ ﺑﺬﺭﺓ، ﺑﺤﻴﺚ لا ﺗﺪﻉ ﺷﻴﺌﺎ ﻧﺎﻗﺼﺎ لأﻱ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﺃﺟﺰﺍﺀ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻭلا ﻳﻤﻨﻌﻬﺎ ﻣﺎﻧﻊ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻟـلإﺭﺍﺩﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺍلأﻣﺮ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ، لا ﻳﻨﺘﺸﺮ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ، ﻛﺎﻧﺘﺸﺎﺭ ﺍﻟﻀﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﺀ، لأﻧﻪ لا ﻳﺘﺮﻙ ﺃﺛﺮﺍ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺎﺕ ﺍﻟﺒﻌﻴﺪﺓ ﻟﻸ ﻣﺎﻛﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺬﻫﺐ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، ﺑﻞ لا ﻳُﺮﻯ ﻟﻪ ﺃﺛﺮ ﻗﻂ. ﺇﺫ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺑﺎلاﻧﺘﺸﺎﺭ ﻟﺒَﺎﻥَ ﺍلأﺛﺮ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺟﻨﺐ ﻛﻞ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﺍلأﺟﺰﺍﺀ ﺩﻭﻥ ﺗﺠﺰﺋﺔ ﻭلا ﺍﻧﺘﺸﺎﺭ. ﻭلا ﺗﻨﺎﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﺃﺣﺪﻳﺘﻪ ﻭﺫﺍﺗﻴﺘﻪ.

ﻟﺬﺍ ﻳﺼﺢ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ: ﺇﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲَ ﻟـلإﺭﺍﺩﺓ ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥَ ﺍلأﻣﺮﻱ، ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻘﺪﺓَ ﺍﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﺟﻨﺐ ﻛﻞ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﺍلأﺟﺰﺍﺀ، ﻭلا ﻳﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻣﻜﺎﻥ ﺃﺻـلا. ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﻤﻬﻴﺒﺔ ﻋﻴﻮﻧﺎ ﻭﺁﺫﺍﻧﺎ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍلأﻣﺮﻱ، ﺑﻌﺪﺩ ﺍلأﺛﻤﺎﺭ ﻭﺍﻟﺒﺬﻭﺭ، ﺑﻞ ﺇﻥ ﻛﻞَّ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﺃﺟﺰﺍﺀ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﻣﺮﻛﺰٍ ﻟﺤﻮﺍﺱ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍلأﻣﺮﻱ، ﺑﺤﻴﺚ لا ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺎﺕ ﺍﻟﺒﻌﻴﺪﺓ ﻣﺎﻧﻌﺎ ﺑﻞ ﻭﺳﻴﻠﺔَ ﺗﺴﻬﻴﻞٍ ﻭﺗﻘﺮﻳﺐ -ﻛﺄﺳـلاﻙ ﺍﻟﻬﺎﺗﻒ- ﻓﺎلأﺑﻌﺪُ ﻛﺎلأﻗﺮﺏ ﺳﻮﺍﺀ ﺑﺴﻮﺍﺀ.

ﻓﻤﺎ ﺩﻣﻨﺎ ﻧﺸﺎﻫﺪ ﺗﺠﻠﻴﺎ ﺟﺰﺋﻴﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻣﻦ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺻﻔﺔ ﺍلإﺭﺍﺩﺓ ﻟﻸﺣﺪ ﺍﻟﺼﻤﺪ، ﻓﻲ ﻣﻠﻴﻮﻥٍ ﻣﻦ ﺍلأﻣﻜﻨﺔ، ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻣﺒﻌﺚ ﻣـلاﻳﻴﻦ ﺍلأﻓﻌﺎﻝ، ﺩﻭﻥ ﺩﺍﻉ ﺇﻟﻰ ﻭﺳﺎﻃﺔ، ﻓـلاﺑﺪ ﻣﻦ ﻟﺰﻭﻡ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﺑﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ، ﺑﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻓﻲ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺨﻠﻖ، ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺃﺟﺰﺍﺋﻬﺎ ﻭﺫﺭﺍﺗﻬﺎ ﻣﻌﺎ، ﺑﺘﺠﻞٍ ﻣﻦ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻭﺇﺭﺍﺩﺗﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ.

ﻭﻛﻤﺎ ﺃﺛﺒﺘﻨﺎ ﻭﺃﻭﺿﺤﻨﺎ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﻋﺸﺮﺓ»، ﻧﻘﻮﻝ ﻫﻨﺎ: ﺇﻥّ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕٍ ﻋﺎﺟﺰﺓً ﻭﻣﺴﺨّﺮﺓً ﻛﺎﻟﺸﻤﺲ، ﻭﻣﺼﻨﻮﻋﺎﺕٍ ﺷﺒﻪَ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻣﻘﻴّﺪﺓً ﺑﺎﻟﻤﺎﺩﺓ ﻛﺎﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻲ، ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﻓﻲ ﻋﺪﺓ ﻣﻮﺍﺿﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ، ﺑﺴﺮ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ؛ ﺇﺫ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﺟﺰﺋﻲ ﻣﻘﻴّﺪ، ﻳﻜﺴﺐ ﺣﻜﻤﺎ ﻛﻠﻴﺎ ﻣﻄﻠﻘﺎ، ﻳﻔﻌﻞ ﺑﺎﺧﺘﻴﺎﺭ ﺟﺰﺋﻲ ﺃﻋﻤﺎلا ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ.. ﻓﻜﻴﻒ ﺇﺫﻥ ﺑﻤﻦ ﻫﻮ ﻣﺠﺮﺩ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ، ﻭﻣﻘﺪّﺱ ﻋﻨﻬﺎ، ﻭﻣَﻦ ﻫﻮ ﻣﻨﺰّﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﺑﺎﻟﻘﻴﺪ ﻭﻇﻠﻤﺔِ ﺍﻟﻜﺜﺎﻓﺔ ﻭﻣﺒﺮﺃ ﻋﻨﻬﺎ، ﺑﻞ ﻣﺎ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻧﻮﺍﺭ ﻭﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺎﺕ ﻛﻠُّﻬﺎ ﺇلا ﻇـلاﻝ ﻛﺜﻴﻔﺔ لأﻧﻮﺍﺭ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻭﻣﺎ ﺟﻤﻴﻊُ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻛﻠﻬﺎ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺇلا ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺷﺒﻪ ﺷﻔﺎﻓﺔ لإﻇﻬﺎﺭ ﺟﻤﺎﻝ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺪﻭﺱ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺻﻔﺎﺗُﻪ ﻣﺤﻴﻄﺔ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﺷﺆﻭﻧُﻪ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ.

ﺗُﺮﻯ ﺃﻱُّ ﺷﻲﺀ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺘﺴﺘﺮ ﻋﻦ ﺗﻮﺟّﻪ ﺃﺣﺪﻳﺘﻪ ﻓﻲ ﺗﺠﻠﻲ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ، ﻭﺗﺠﻠﻲ ﺃﻓﻌﺎﻟﻪ ﺑﺈﺭﺍﺩﺗﻪ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻭﻗﺪﺭﺗﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﻋﻠﻤﻪ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ؟ ﻭﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﻳﺼﻌﺐ ﻋﻠﻴﻪ؟ ﻭﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺘﺨﻔﻰ ﻋﻨﻪ؟

ﺃﻭَ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻤﻨﻊ ﺷﻲﺀ ﺷﻴﺌﺎ؟ ﺃﻓﻴﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻮﺿﻊ ﻣﻦ ﺣﻀﻮﺭﻩ؟ ﺃلا ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺑﺼﺮ ﻳﺒﺼﺮ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻭﺳﻤﻊ ﻳﺴﻤﻊ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ؟

ﺃﻭَلا ﺗﻜﻮﻥ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻛﺎلأﺳـلاﻙ ﻭﺍﻟﻌﺮﻭﻕ ﻟﺠﺮﻳﺎﻥ ﺃﻭﺍﻣﺮﻩ ﻭﻗﻮﺍﻧﻴﻨِﻪ ﺑﺴﺮﻋﺔ؟ ﺃﻓـلا ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻮﺍﻧﻊ ﻭﺍﻟﻌﻮﺍﺋﻖ ﻭﺳﺎﺋﻞَ ﻭﻭﺳﺎﺋﻂَ ﻟﺘﺼﺮﻓﻪ؟ ﺃﻭَلا ﺗﻜﻮﻥ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﻭﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻂ ﺣﺠﺒﺎ ﻇﺎﻫﺮﻳﺔ ﺑﺤﺘﺔ؟

ﺃلا ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﻨﺰّﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ؟ ﺃﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺤﺘﺎﺟﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺤﻴﺰ ﻭﺍﻟﺘﻤﻜّﻦ؟ ﺃﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺒُﻌﺪ ﻭﺍﻟﺼِﻐَﺮ ﻭﺣُﺠُﺐ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻣﻮﺍﻧﻊَ ﻟﻘُﺮﺑﻪ ﻭﺗﺼﺮﻓﻪ ﻭﺷﻬﻮﺩﻩ؟ ﻭﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻠﺤﻖ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺍﻟﻤﺠﺮّﺩِ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ، ﺍﻟﻮﺍﺟﺐِ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻧﻮﺭِ ﺍلأﻧﻮﺍﺭ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪِ ﺍلأﺣﺪ، ﺍﻟﻤﻨﺰّﻩِ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻴﻮﺩ، ﺍﻟﻤﺒﺮﺃ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ، ﺍﻟﻤﻘﺪﺱِ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ، ﻭﺍﻟﻤﻌﻠّﻰ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﻘﺼﺎﻥ.. ﺧﻮﺍﺹُّ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ ﻭﺍﻟﻜﺜﻴﻔﺎﺕ ﻭﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﻤﻘﻴﺪﺍﺕ، ﻭﻣﺎ ﻳﻠﺰﻡ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓَ ﻭﺍلإﻣﻜﺎﻥ ﻭﺍﻟﻜﺜﺎﻓﺔ ﻭﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﻭﺍﻟﺘﻘﻴﺪ ﻭﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﻳﺔ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺭ، ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﺘﻐﻴّﺮ ﻭﺍﻟﺘﺒﺪﻝ ﻭﺍﻟﺘﺠﺰﺅ؟ ﺃﻳﻠﻴﻖ ﺑﻪ ﺍﻟﻌَﺠﺰ؟ ﺃﻳﻘﺮﺏُ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭُ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ ﻋﺰّﺗﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﺟﻞ ﺟـلاﻟﻪ.؟! ﺣﺎﺵَ ﻟﻠﻪ، ﻭﻛـلا. ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻮﺍ ﻛﺒﻴﺮﺍ.