ﺧﺎﺗﻤﺔ ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖُ ﻣﺘﺄﻣـلا ﻭﻣﺴﺘﻐﺮﻗﺎ ﻓﻲ ﺗﻔﻜﺮ ﻳﺨﺺ ﺍلأﺣﺪﻳﺔ، ﻧﻈﺮﺕ ﺇﻟﻰ ﺛﻤﺮﺍﺕ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺪﻟﺐ ﺍﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﻏﺮﻓﺘﻲ، ﻓﺨﻄﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺗﻔﻜﺮ ﻣﺘﺴﻠﺴﻞ ﺑﻌﺒﺎﺭﺍﺕ ﻋﺮﺑﻴﺔ، ﻓﻜﺘﺒﺘُﻪ ﻛﻤﺎ ﻭﺭﺩ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻭﺳﺄﺫﻛﺮ ﺗﻮﺿﻴﺤﺎ ﻣﺨﺘﺼﺮﺍ ﻟﻪ.

ﻓَﺎﻟﺒُﺬُﻭﺭُ ﻭَﺍﻟْﺄﺛْﻤَﺎﺭُ، ﻭﺍﻟﺤُﺒُﻮﺏُ ﻭَﺍلأﺯﻫَﺎﺭُ، ﻣُﻌﺠِﺰَﺍﺕُ ﺍﻟﺤِﻜﻤَﺔِ، ﺧَﻮَﺍﺭِﻕُ ﺍﻟﺼَّﻨﻌَﺔِ، ﻫَﺪَﺍﻳﺎ ﺍﻟﺮَّﺣْﻤَﺔِ، ﺑَﺮَﺍﻫﻴﻦُ ﺍﻟﻮَﺣْﺪَﺓِ، ﺷَﻮَﺍﻫِﺪُ ﻟُﻄْﻔِﻪِ ﻓﻲ ﺩﺍﺭِ ﺍلآﺧِﺮَﺓِ، ﺷَﻮَﺍﻫِﺪُ ﺻَﺎﺩِﻗَﺔ ﺑﺄﻥّ ﺧَـلاﻗَﻬَﺎ ﻋَﻠﻰ ﻛُﻞِّ ﺷَﻲﺀٍ ﻗَﺪِﻳﺮ، ﻭَﺑِﻜُﻞِّ ﺷَﻲﺀٍ ﻋَﻠِﻴﻢ، ﻗَﺪْ ﻭَﺳِﻊَ ﻛُﻞَّ ﺷَﻲﺀٍ ﺑِﺎﻟﺮَّﺣْﻤَﺔِ ﻭَﺍﻟﻌِﻠْﻢِ ﻭَﺍﻟﺨَﻠْﻖِ ﻭَﺍﻟﺘَّﺪْﺑﻴﺮِ ﻭَﺍﻟﺼُّﻨﻊِ ﻭَﺍﻟﺘَّﺼْﻮِﻳﺮِ، ﻓَﺎﻟﺸَّﻤﺲُ ﻛَﺎﻟﺒَﺬﺭَﺓِ ﻭَﺍﻟﻨّﺠْﻢُ ﻛَﺎﻟﺰَّﻫْﺮَﺓِ ﻭَﺍلأﺭﺽُ ﻛَﺎﻟﺤَﺒَّﺔِ لا ﺗَﺜْﻘُﻞُ ﻋَﻠَﻴﻪِ ﺑِﺎﻟﺨَﻠْﻖِ ﻭَﺍﻟﺘَّﺪْﺑﻴﺮِ ﻭَﺍﻟﺼُّﻨﻊِ ﻭَﺍﻟﺘَّﺼْﻮﻳﺮِ، ﻓَﺎﻟﺒُﺬُﻭﺭُ ﻭَﺍلأﺛْﻤَﺎﺭُ ﻣَﺮَﺍﻳﺎ ﺍﻟﻮَﺣْﺪَﺓِ ﻓﻲ ﺃﻗْﻄَﺎﺭِ ﺍﻟﻜَﺜْﺮَﺓِ، ﺇﺷَﺎﺭﺍﺕُ ﺍﻟﻘَﺪَﺭِ، ﺭُﻣُﻮﺯَﺍﺕُ ﺍﻟﻘُﺪْﺭَﺓِ ﺑِﺄﻥّ ﺗِﻠﻚَ ﺍﻟﻜَﺜْﺮَﺓَ ﻣِﻦ ﻣَﻨﺒَﻊِ ﺍﻟﻮَﺣْﺪَﺓِ، ﺗَﺼْﺪُﺭُ ﺷَﺎﻫِﺪَﺓً ﻟِﻮَﺣْﺪَﺓِ ﺍﻟﻔَﺎﻃِﺮِ ﻓﻲ ﺍﻟﺼُّﻨﻊِ ﻭَﺍﻟﺘَﺼْﻮﻳﺮِ. ﺛُﻢَّ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮَﺣْﺪَﺓِ ﺗَﻨﺘَﻬﻲ ﺫَﺍﻛِﺮَﺓً ﻟِﺤِﻜﻤَﺔِ ﺍﻟﺼَّﺎﻧِﻊِ ﻓﻲ ﺍﻟﺨَﻠْﻖِ ﻭَﺍﻟﺘَّﺪْﺑﻴِﺮِ. ﻭَﺗَﻠْﻮِﻳﺤﺎﺕُ ﺍﻟﺤِﻜْﻤَﺔِ ﺑﺄﻥّ ﺧَﺎﻟِﻖَ ﺍﻟﻜُﻞِّ ﺑِﻜُﻠِّﻴَّﺔِ ﺍﻟﻨّﻈَﺮِ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠُﺰْﺋﻲِّ ﻳَﻨﻈُﺮُ، ﺛَﻢَّ ﺇﻟﻰ ﺟُﺰْﺋِﻪِ، ﺇﺫْ ﺇﻥ ﻛﺎﻥَ ﺛَﻤَﺮَﺍ ﻓَﻬُﻮَ ﺍﻟﻤَﻘْﺼُﻮﺩُ ﺍلأﻇﻬَﺮُ ﻣِﻦ ﺧَﻠﻖِ ﻫَﺬﺍ ﺍﻟﺸَّﺠَﺮِ.

ﻓَﺎﻟﺒَﺸَﺮُ ﺛَﻤَﺮ ﻟِﻬَﺬِﻩِ ﺍﻟﻜَﺎﺋِﻨَﺎﺕِ، ﻓَﻬُﻮَ ﺍﻟﻤَﻘْﺼُﻮﺩُ ﺍلأﻇْﻬَﺮُ ﻟِﺨَﺎﻟِﻖِ ﺍﻟﻤَﻮْﺟُﻮﺩَﺍﺕِ. ﻭﺍﻟﻘَﻠﺐُ ﻛَﺎﻟﻨُّﻮَﺍﺓِ، ﻓَﻬُﻮَ ﺍﻟﻤِﺮﺁﺓُ ﺍلأﻧﻮَﺭُ ﻟِﺼَﺎﻧِﻊِ ﺍﻟﻤَﺨْﻠُﻮﻗَﺎﺕِ. ﻭَﻣِﻦ ﻫﺬِﻩِ ﺍﻟﺤِﻜْﻤَﺔِ ﻓَﺎلإﻧﺴَﺎﻥُ ﺍلأﺻْﻐَﺮُ ﻓﻲ ﻫﺬِﻩِ ﺍﻟﻜَﺎﺋِﻨﺎﺕِ ﻫُﻮَ ﺍﻟﻤَﺪَﺍﺭُ ﺍلأﻇْﻬَﺮُ ﻟﻠﻨّﺸْﺮِ ﻭَﺍﻟﻤﺤَﺸْﺮِ ﻓﻲ ﻫﺬِﻩِ ﺍﻟﻤَﻮﺟُﻮﺩﺍﺕِ، ﻭَﺍﻟﺘَّﺨْﺮﻳﺐِ ﻭﺍﻟﺘَّﺒْﺪﻳﻞِ ﻭَﺍﻟﺘَّﺤﻮﻳﻞِ ﻭَﺍﻟﺘَّﺠْﺪﻳﺪِ ﻟِﻬَﺬِﻩِ ﺍﻟﻜَﺎﺋِﻨﺎﺕِ.

ﻭﻣﺒﺪﺃ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻫﻮ: ﻓَﺴُﺒْﺤﺎﻥَ ﻣَﻦ ﺟَﻌَﻞَ ﺣَﺪﻳﻘَﺔَ ﺃﺭﺿِﻪِ ﻣَﺸْﻬَﺮَ ﺻَﻨﻌَﺘِﻪِ، ﻣَﺤْﺸﺮَ ﻓِﻄْﺮَﺗِﻪِ، ﻣَﻈْﻬَﺮَ ﻗُﺪﺭَﺗِﻪِ، ﻣَﺪَﺍﺭَ ﺣِﻜْﻤَﺘِﻪِ، ﻣَﺰْﻫَﺮَ ﺭَﺣْﻤَﺘِﻪِ، ﻣَﺰْﺭَﻉَ ﺟَﻨّﺘِﻪِ، ﻣَﻤَﺮَّ ﺍﻟﻤَﺨْﻠُﻮﻗَﺎﺕِ، ﻣَﺴِﻴﻞَ ﺍﻟﻤَﻮﺟُﻮﺩَﺍﺕِ، ﻣَﻜﻴﻞَ ﺍﻟﻤَﺼْﻨُﻮﻋَﺎﺕِ.

ﻓَﻤُﺰَﻳَّﻦُ ﺍﻟﺤَﻴْﻮﺍﻧَﺎﺕِ، ﻣُﻨَﻘَّﺶُ ﺍﻟﻄُّﻴﻮﺭﺍﺕِ، ﻣُﺜَﻤَّﺮُ ﺍﻟﺸَّﺠَﺮﺍﺕِ، ﻣُﺰَﻫَّﺮُ ﺍﻟﻨَﺒَﺎﺗَﺎﺕِ، ﻣُﻌْﺠِﺰَﺍﺕُ ﻋِﻠﻤِﻪِ، ﺧَﻮَﺍﺭِﻕُ ﺻُﻨﻌِﻪِ، ﻫَﺪﺍﻳَﺎ ﺟُﻮﺩِﻩِ، ﺑَﺮﺍﻫِﻴﻦُ ﻟُﻄْﻔِﻪِ.

ﺗَﺒَﺴُّﻢُ ﺍلأﺯﻫَﺎﺭِ ﻣِﻦ ﺯﻳﻨَﺔِ ﺍلأﺛْﻤَﺎﺭِ، ﺗَﺴَﺠُّﻊُ ﺍلأﻃﻴَﺎﺭِ ﻓﻲ ﻧَﺴْﻤَﺔِ ﺍلأﺳْﺤَﺎﺭِ، ﺗَﻬَﺰُّﺝُ ﺍلأﻣﻄَﺎﺭ ﻋَﻠﻰ ﺧُﺪُﻭﺩِ ﺍلأﺯﻫَﺎﺭِ، ﺗَﺮَﺣُّﻢُ ﺍﻟﻮَﺍﻟِﺪَﺍﺕِ ﻋَﻠﻰ ﺍلأﻃﻔَﺎﻝِ ﺍﻟﺼِّﻐَﺎﺭِ.. ﺗَﻌَﺮُّﻑُ ﻭَﺩُﻭﺩٍ، ﺗَﻮَﺩُّﺩُ ﺭَﺣﻤﻦٍ، ﺗَﺮَﺣُّﻢُ ﺣَﻨّﺎﻥٍ، ﺗَﺤَﻨُّﻦُ ﻣَﻨّﺎﻥٍ ﻟﻠِﺠِﻦّ ﻭَﺍلإﻧﺴَﺎﻥِ ﻭَﺍﻟﺮُّﻭﺡِ ﻭَﺍﻟﺤَﻴﻮَﺍﻥِ ﻭَﺍﻟﻤَﻠَﻚِ ﻭَﺍﻟﺠَﺎﻥِّ.

ﻭﺗﻮﺿﻴﺢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﺭﺩ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻫﻮ: ﺃﻥّ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺛﻤﺎﺭ ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺑُﺬﻳﺮﺍﺕ، ﻣﻌﺠﺰﺍﺕُ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ.. ﺧﻮﺍﺭﻕُ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ.. ﻫﺪﺍﻳﺎ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ.. ﺑﺮﺍﻫﻴﻦ ﻣﺎﺩﻳﺔ ﻟﻠﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ.. ﺑﺸﺎﺋﺮُ ﺍلأﻟﻄﺎﻑ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﺍلآﺧﺮﺓ.. ﺷﻮﺍﻫﺪُ ﺻﺎﺩﻗﺔ ﺑﺄﻥ ﺧـلاﻗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻗﺪﻳﺮ، ﻭﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻋﻠﻴﻢ.. ﻓﺎﻟﺒﺬﻭﺭُ ﻭﺍلأﺛﻤﺎﺭ، ﻣﺮﺍﻳﺎ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﺃﻗﻄﺎﺭ ﻋﺎﻟَﻢ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ، ﻭﻓﻲ ﺃﻃﺮﺍﻑ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﻤﺘﺸﻌﺒﺔ ﻛﺎﻟﻌﺎﻟﻢ، ﺗُﺼﺮِﻑ ﺍلأﻧﻈﺎﺭَ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ.

ﻓﻜﻞُّ ﺛﻤﺮ ﻭﺑﺬﺭ ﻳﻘﻮﻝ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﻝ: لا ﺗﺘﺸﺘﺖ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ ﺍﻟﻤﻤﺘﺪﺓ ﺍلأﻋﻀﺎﺀ ﻭﺍﻟﻌﺮﻭﻕ ﻓﻜﻞ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻴﻨﺎ، ﻛﺜﺮﺗُﻬﺎ ﺩﺍﺧﻠﺔ ﺿﻤﻦ ﻭﺣﺪﺗﻨﺎ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓ -ﻭﻫﻲ ﻛﻘﻠﺐ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ- ﻫﻲ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻣﺮﺁﺓ ﻣﺎﺩﻳﺔ ﻟﻠﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ، ﻓﻬﻲ ﺗﺬﻛُﺮ ﺍلأﺳﻤﺎﺀَ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺫﻛﺮﺍ ﻗﻠﺒﻴﺎ ﺧﻔﻴﺎ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﺗﺬﻛﺮﻫﺎ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓُ ﺫﻛﺮﺍ ﺟﻬﺮﻳﺎ.

ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺛﻤﺎﺭ ﻭﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﻣﺮﺍﻳﺎ ﻟﻠﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ، ﻓﻬﻲ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﻣﺸﻬﻮﺩﺍﺕ ﻟﻠﻘﺪﺭ، ﺭﻣﻮﺯﺍﺕ ﻣﺠﺴّﻤﺎﺕ ﻟﻠﻘﺪﺭﺓ، ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﻘَﺪﺭ ﻳﺸﻴﺮ ﺑﻬﺎ، ﻭﺍﻟﻘُﺪﺭﺓ ﺗﻘﻮﻝ ﺑﻬﺎ ﺭﻣﺰﺍ: ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺑﺄﻏﺼﺎﻧﻬﺎ ﺍﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻜﺔ ﻗﺪ ﻧﻤﺖ ﻣﻦ ﺑﺬﺭﺓ، ﻓﻬﻲ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﺻﺎﻧﻌِﻬﺎ ﻓﻲ ﺍلإﻳﺠﺎﺩ ﻭﺍﻟﺘﺼﻮﻳﺮ، ﺛﻢ ﺗُﺠﻤﻊ ﺣﻘﻴﻘﺘُﻬﺎ ﻓﻲ ﺛﻤﺮﺓٍ ﺑﻌﺪ ﺗﺸﻌﺐ ﺃﻏﺼﺎﻧﻬﺎ ﻭﻓﺮﻭﻋﻬﺎ ﻭﺗُﺪﺭﺝ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﺬﺭﺓ. ﻓﺘﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺣﻜﻤﺔ ﺧﺎﻟﻘﻬﺎ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻭﺍﻟﺘﺪﺑﻴﺮ.

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺷﺠﺮﺓُ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻫﺬﻩ، ﻓﻬﻲ ﺗﺄﺧﺬ ﻭﺟﻮﺩَﻫﺎ ﻣﻦ ﻣﻨﺒﻊ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﻭﺗﺘﺮﺑﻰ ﺑﻬﺎ، ﻭﺗﺜﻤﺮ ﺛﻤﺮﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺪﺍﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ. ﻓﺎﻟﻘﻠﺐ ﻳﺮﻯ ﺳﺮّ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﺑﻌﻴﻦ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ.

ﻭﻛﺬﺍ، ﻓﺈﻥ ﺗﻠﻚ ﺍلأﺛﻤﺎﺭ ﻭﺍﻟﺒﺬﻭﺭ؛ ﺗﻠﻮﻳﺤﺎﺕُ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ، ﻓﺎﻟﺤﻜﻤﺔ ﺗَﻨﻄﻖ ﺑﻬﺎ ﻭﺗُﺸﻌِﺮ ﺃﻫﻞَ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ: ﺇﻥّ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺍﻟﻜﻠﻲ ﻭﺍﻟﺘﺪﺑﻴﺮ ﺍﻟﻜﻠﻲ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ، ﺑﻜﻞ ﺷﻤﻮﻟﻴﺘﻬﻤﺎ ﻭﺳﻌﺘﻬﻤﺎ، ﻳﺘﻮﺟﻬﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ؛ لأﻥّ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﻣﺜﺎﻝ ﻣﺼﻐﺮ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩُ ﻣﻨﻬﺎ. ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺍﻟﻜﻠﻲ ﻭﺍﻟﺘﺪﺑﻴﺮ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻲ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﻣﻦ ﺑﺬﺭ ﺃﻳﻀﺎ. ﺇﺫ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓُ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻭﻓﻬﺮﺳﻬﺎ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥّ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﺑّﺮ ﺃﻣﻮﺭ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ، ﻭﺃﺳﻤﺎﺀﻩ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻬﺎ ﻋـلاﻗﺔ ﺑﺘﺪﺑﻴﺮﻫﺎ ﻣﺘﻮﺟﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﺛﻤﺮﺓ ﻣﻦ ﺛﻤﺮﺍﺕ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ، ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩﺓ ﻣﻦ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﺸﺠﺮ..

ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ ﻗﺪ ﺗﻘﻠّﻢ ﻭﺗﻜﺴّﺮ ﺑﻌﺾُ ﺃﻏﺼﺎﻧﻬﺎ، ﻟﻠﺘﺠﺪﻳﺪ، لأﺟﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ، ﻭﺗُﻄﻌّﻢ ﻟﺘﺜﻤﺮ ﺛﻤﺮﺍﺕ ﺑﺎﻗﻴﺔ، ﺃﺑﻬﻰ ﺟﻤﺎلا ﻭﺃﺯﻫﻰ ﻟﻄﺎﻓﺔ. ﻛﺬﻟﻚ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺛﻤﺮﺓُ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ؛ ﺇﺫ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﻣﻦ ﺇﻳﺠﺎﺩﻫﺎ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻏﺎﻳﺔُ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻫﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ. ﻭﺑﺬﺭﺓُ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ، ﻗﻠﺐُ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻫﻮ ﺃﻧﻮﺭُ ﻣﺮﺁﺓ ﻟﻠﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻭﺃﺟﻤﻌﻬﺎ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ، ﺃﺻﺒﺢ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﻫﺬﺍ ﻣﺤﻮﺭَ ﺍﻧﻘـلاﺑﺎﺕ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻟﻠﺤﺸﺮ ﻭﺍﻟﻨﺸﻮﺭ، ﻭﺳﺒﺒﺎ ﻟﺪﻣﺎﺭ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻭﺗﺒﺪﻳﻠﻬﺎ، ﺇﺫ ﻳﻨﺴﺪ ﺑﺎﺏُ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ لأﺟﻞ ﻣﺤﺎﻛﻤﺘﻪ ﻭﻳُﻔﺘﺢ ﺑﺎﺏُ ﺍلآﺧﺮﺓ لأﺟﻠﻪ.

ﻭﺇﺫ ﻭﺭﺩ ﺑﺤﺚ ﻓﻲ ﺍلآﺧﺮﺓ، ﻓﻘﺪ ﺁﻥ ﺃﻭﺍﻥ ﺫﻛﺮ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺑﻠﻴﻐﺔ ﺗﺒﻴّﻦ ﺟﺎﻧﺒﺎ ﻣﻦ ﺟﺰﺍﻟﺔ ﺑﻴﺎﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﻗﻮﺓ ﺗﻌﺎﺑﻴﺮﻩ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﺽ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﻭﻫﻲ: ﺃﻥّ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﺗُﺒﻴّﻦ ﺃﻧﻪ لأﺟﻞ ﻣﺤﺎﻛﻤﺔِ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻓﻮﺯﻩ ﺑﺎﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ، ﻳُﺪﻣّﺮ ﺍﻟﻜﻮﻥُ ﻛﻠﻪ ﺇﺫﺍ ﻟﺰﻡ ﺍلأﻣﺮ. ﻓﺎﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺪﻣﻴﺮ ﻭﺍﻟﺘﺒﺪﻳﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻌـلا ﻭﻫﻲ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻭﻣﺸﻬﻮﺩﺓ، ﺇلا ﺃﻥ ﻟﻠﺤﺸﺮ ﻣﺮﺍﺗﺐ:

ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻠﺰﻡ ﻣﻌﺮﻓﺘُﻪ، ﻭﺍلإﻳﻤﺎﻥُ ﺑﻪ ﻓﺮﺽ. ﻭﻗﺴﻢ ﺁﺧﺮ ﻳﻈﻬﺮ ﺣﺴﺐ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﺘﺮﻗﻴﺎﺕ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻤُﻪ ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔُ ﺑﻪ ﺿﺮﻭﺭﻳﺎ.

ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ لأﺟﻞ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﺃﺑﺴﻂ ﻭﺃﺳﻬﻞ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ ﻳﺒﻴﻦ ﻗﺪﺭﺓً ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﻓﺘﺢ ﺃﻭﺳﻊ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻣﻦ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﻭﺃﻋﻈﻤﻬﺎ.

ﻓﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺤﺸﺮ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻠﺰﻡ ﺍﻟﻌﻤﻮﻡَ ﺍلإﻳﻤﺎﻥُ ﺑﻪ، ﻫﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﻮﺕ، ﺗﺬﻫﺐ ﺃﺭﻭﺍﺣُﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺎﻣﺎﺕ ﺃﺧﺮﻯ ﻭﺃﺟﺴﺎﺩﻫﻢ ﺗَﺮﻡُّ ﺇلا ﻋَﺠْﺐَ ﺍﻟﺬَﻧﺐ -ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺟﺰﺀ ﺻﻐﻴﺮ لا ﻳﻨﺪﺛﺮ ﻣﻦ ﺟﺴﻢ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺑﺬﺭﺓ- ﻭﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﻨﺸﺊ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﺟﺴﺪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﻭﻳﺒﻌﺚ ﺇﻟﻴﻪ ﺭﻭﺣَﻪ.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﺳﻬﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﺃﻥ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﻤـلاﻳﻴﻦَ ﻣﻦ ﺍلأﻣﺜﻠﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺭﺑﻴﻊ. ﺇلا ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ لأﺟﻞ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺴﻬﻠﺔ، ﻳﺒﻴّﻦ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﻗﺪﺭﺓً ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺣﺸﺮ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﻭﻧﺸﺮﻫﺎ. ﻭﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﻳﺒﻴﻦ ﺁﺛﺎﺭ ﻗﺪﺭﺓٍ ﻭﺣﻜﻤﺔ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺇﺭﺳﺎﻝ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻛﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﻌﺪﻡ ﺛﻢ ﺇﻋﺎﺩﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﻨﺎﻙ.. ﻭﻳﺒﻴﻦ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺁﻳﺎﺗﻪ ﺁﺛﺎﺭَ ﻭﺗﺪﺍﺑﻴﺮَ ﻗﺪﺭﺓٍ ﻭﺣﻜﻤﺔ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﻧﺜﺮ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻭﺷﻖ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﻓﻄﺮﻫﺎ.. ﻭﺗﺒﻴﻦ ﺁﻳﺎﺕ ﺃﺧﺮﻯ ﺗﺪﺍﺑﻴﺮَ ﻗﺪﺭﺓٍ ﻭﺣﻜﻤﺔ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺇﻣﺎﺗﺔ ﺟﻤﻴﻊ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺑﻌﺜﻬﻢ ﺑﺼﻴﺤﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﺩﻓﻌﺔً ﻭﺍﺣﺪﺓ.. ﻭﻳﺒﻴﻦ ﻓﻲ ﺃﺧﺮﻯ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕِ ﻗﺪﺭﺓٍ ﻭﺣﻜﻤﺔ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺣﺸﺮ ﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺍلأﺭﺽ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﻧﺸﺮﻩ ﻛﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻧﻔﺮﺍﺩ.. ﻭﻳﺒﻴﻦ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﺁﺛﺎﺭَ ﻗﺪﺭﺓ ﻭﺣﻜﻤﺔ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺜﺮﺓ ﺍلأﺭﺽ ﻛﻠﻬﺎ ﻭﻧﺴﻒ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﻭﺗﺒﺪﻳﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﺃﺟﻤﻞَ ﻣﻨﻬﺎ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻪ ﻣﻤﺎ ﺳﻮﻯ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻔﺮﻭﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍلإﻳﻤﺎﻥُ ﺑﻪ ﻭﻣﻌﺮﻓﺘُﻪ، ﻓﺈﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺗﺒﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺘﺤﻘﻖ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ. ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﺍﻗﺘﻀﺖ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔُ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﻗﻴﺎﻣَﻬﺎ، ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻧﻪ ﺳﻴﻘﻴﻤﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻣﻊ ﺣﺸﺮ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻧﺸﺮﻩ، ﺃﻭ ﺳﻴﻘﻴﻢ ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻬﻤّﺎ ﻣﻨﻬﺎ.

ﺳﺆﺍﻝ: ﺗﻘﻮﻟﻮﻥ: ﺇﻧﻚ ﺗﺴﺘﻌﻤﻞ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﺍﻟﻘﻴﺎﺱَ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻠﻲ ﻛﺜﻴﺮﺍ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱُ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻠﻲ لا ﻳﻔﻴﺪ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﺣﺴﺐ «ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ»؛ ﺇﺫ ﻳﻠﺰﻡ ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥُ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﻴﻘﻴﻨﻴﺔ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱُ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻠﻲ ﻓﻴﺴﺘﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻜﻔﻴﻬﺎ ﺍﻟﻈﻦُّ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻟﺪﻯ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﻔﻘﻪ.

ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻧﻚ ﺗﺬﻛﺮ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴـلاﺕ ﻓﻲ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﺤﻜﺎﻳﺔ. ﻭﺍﻟﺤﻜﺎﻳﺔُ ﺗﻜﻮﻥ ﺧﻴﺎﻟﻴﺔ، لا ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔً ﻟﻠﻮﺍﻗﻊ.

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻧﻌﻢ، ﻟﻘﺪ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ: ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻠﻲ لا ﻳﻔﻴﺪ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ. ﺇلا ﺃﻥ ﻟﻠﻘﻴﺎﺱ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻠﻲ ﻧﻮﻋﺎ ﻫﻮ ﺃﻗﻮﻯ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍﻟﻴﻘﻴﻨﻲ ﻟﻠﻤﻨﻄﻖ. ﺑﻞ ﻫﻮ ﺃﻛﺜﺮ ﻳﻘﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﺮﺏ ﺍلأﻭﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺍلأﻭﻝ ﻟﻠﻤﻨﻄﻖ. ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﻫﻮ ﺇﻇﻬﺎﺭُ ﺟﺰﺀٍ ﻭﻃﺮﻑٍ ﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔٍ ﻛﻠﻴﺔ ﺑﺘﻤﺜﻴﻞٍ ﺟﺰﺋﻲ، ﺛﻢ ﺑﻨﺎﺀُ ﺍﻟﺤُﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﺑﻴﺎﻥُ ﻗﺎﻧﻮﻥِ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﻣﺎﺩﺓ ﺧﺎﺻﺔ، ﻛﻲ ﺗُﻌﺮَﻑ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ، ﻭﺗُﺮﺟَﻊ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ.

ﻓﻤﺜـلا: ﺍﻟﺸﻤﺲُ ﺗﻮﺟﺪ ﻗﺮﻳﺒﺔً ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻟﻤّﺎﻉ -ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ- ﻣﻊ ﺃﻧﻬﺎ ﺫﺍﺕٌ ﻭﺍﺣﺪﺓ. ﻓﺒﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻳُﺒﻴَّﻦ ﻗﺎﻧﻮﻥُ ﺣﻘﻴﻘﺔٍ ﻫﻲ: ﺃﻧﻪ لا ﻗﻴﺪَ ﻟﻠﻨﻮﺭ ﻭﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻲ، ﻓﺎﻟﺒﻌﻴﺪُ ﻭﺍﻟﻘﺮﻳﺐ ﺳﻮﺍﺀ، ﺍﻟﻘﻠﻴﻞ ﻭﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻳﺘﺴﺎﻭﻯ، ﻓـلا ﻳﺤﺪّﻩ ﻣﻜﺎﻥ.

ﻭﻣﺜـلا: ﺇﻥ ﺗﺸﻜﻴﻞَ ﺃﺛﻤﺎﺭ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻭﺃﻭﺭﺍﻗِﻬﺎ ﻭﺗﺼﻮﻳﺮَﻫﺎ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ، ﺑﻄﺮﺍﺯ ﻭﺍﺣﺪ، ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﺗﺎﻣﺔ، ﻭﻋﻠﻰ ﺃﻛﻤﻞ ﻭﺟﻪ، ﻣﻦ ﻣﺮﻛﺰ ﻭﺍﺣﺪ، ﺑﻘﺎﻧﻮﻥ ﺃﻣﺮﻱ ﻭﺍﺣﺪ. ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺜﺎﻝ لإﺭﺍﺀﺓ ﺟﺰﺀٍ ﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻋﻈﻤﻰ ﻭﻃﺮﻑٍ ﻣﻦ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﻛﻠﻲ. ﻓﺘﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻗﺎﻧﻮﻧُﻬﺎ ﻳﺜﺒﺘﺎﻥ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔَ، ﻛﻬﺬﻩ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ، ﻳﺠﺮﻱ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﺎﻧﻮﻥُ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﺬﺍ، ﻓﻬﻲ ﻛﺎﻟﺸﺠﺮﺓ ﻣﻴﺪﺍﻥُ ﺟﻮلاﻥ ﺳﺮ ﺍلأﺣﺪﻳﺔ ﺫﺍﻙ.

ﻓﺎﻟﻘﻴﺎﺳﺎﺕُ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻠﻴﺔ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﻛﻠُّﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﺍﺯ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﻗﻮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ ﺍﻟﻘﺎﻃﻊ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﻲ ﻭﺃﻛﺜﺮ ﻳﻘﻴﻨﺎ ﻣﻨﻪ.

   ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ:

ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﻓﻲ ﻓﻦ ﺍﻟﺒـلاﻏﺔ، ﺃﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩُ ﻟﻠّﻔﻆ ﻭﺍﻟﻜـلاﻡ ﻳﺮﺍﺩُ ﻟﻘﺼﺪ ﺁﺧﺮ ﻳُﻌﺮﻑ ﺑ«ﺍﻟﻠﻔﻆ ﺍﻟﻜﻨﺎﺋﻲ» ﻭلا ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍلأﺻﻠﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﺍﻟﻜﻨﺎﺋﻲ ﻣﻨﺎﻁَ ﺻﺪﻕٍ ﻭﻛﺬﺏ. ﺑﻞ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻜﻨﺎﺋﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺪﺍﺭَ ﺍﻟﺼﺪﻕ ﻭﺍﻟﻜﺬﺏ. ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻜﻨﺎﺋﻲ ﺻﺪﻗﺎ، ﻓﺎﻟﻜـلاﻡُ ﺻﺪﻕ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍلأﺻﻠﻲ ﻛﺬﺑﺎ، ﻓـلا ﻳُﻔﺴﺪ ﻛﺬﺏُ ﻫﺬﺍ ﺻﺪﻕَ ﺫﺍﻙ. ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻜﻨﺎﺋﻲ ﺻﺪﻗﺎ، ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍلأﺻﻠﻲ ﺻﺪﻗﺎ، ﻓﺎﻟﻜـلاﻡ ﻛﺬﺏ.

ﻣﺜـلا: «ﻃﻮﻳﻞُ ﺍﻟﻨِّﺠﺎﺩ» ﺃﻱ ﺷﺨﺺٌ ﺣﻤﺎﻟﺔُ ﺳﻴﻔﻪ ﻃﻮﻳﻠﺔ. ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﻛﻨﺎﻳﺔ ﻋﻦ ﻃﻮﻝ ﻗﺎﻣﺔ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺨﺺ، ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻃﻮﻳـلا ﺣﻘﺎ، ﻓﺎﻟﻜـلاﻡ ﺻﺪﻕ ﻭﺻﻮﺍﺏ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﺳﻴﻒ ﻭلا ﻧﺠﺎﺩ، ﻭﻟﻜﻦ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻃﻮﻳﻞ ﺍﻟﻘﺎﻣﺔ ﻭﻟﻪ ﺳﻴﻒ ﻭﻧﺠﺎﺩ ﻃﻮﻳﻞ ﻓﺎﻟﻜـلاﻡ ﻛﺬﺏ، لأﻥ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍلأﺻﻠﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﻘﺼﻮﺩ.

ﻓﺎﻟﺤﻜﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ» ﻭ«ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﻭﺃﻣﺜﺎﻟِﻬﻤﺎ، ﻫﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻨﺎﻳﺎﺕ ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺨﺘﻢ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺤﻜﺎﻳﺎﺕ، ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺼﺪﻕ ﻭﺍﻟﺼﻮﺍﺏ ﻭﺍﻟﻤﻄﺎﺑﻘﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ، ﻫﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻜﻨﺎﺋﻴﺔ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺤﻜﺎﻳﺎﺕ، ﻓﻤﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﺍلأﺻﻠﻴﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻨﻈﺎﺭ ﺗﻤﺜﻴﻠﻲ. ﻓﻜﻴﻔﻤﺎ ﻛﺎﻥ لا ﻳﻔﺴﺪ ﺻﺪﻗُﻬﺎ ﻭﺻﻮﺍﺑُﻬﺎ. ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻜﺎﻳﺎﺕ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺗﻤﺜﻴـلاﺕ ﺃﻇﻬﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﺴﺎﻥُ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﻟﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻘﺎﻝ، ﻭﺃﺑﺮﺯ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺸﺨﺺُ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺷﺨﺺ ﻣﺎﺩﻱ ﻭﺫﻟﻚ لأﺟﻞ ﺇﻓﻬﺎﻡ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ.

   ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ

ﺇﻥ ﺩﺍﻋﻴﺔ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ، ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺃﺧﺬ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﺍﻟﻘﺎﻃﻊ ﺍﻟﻤﻘﻨﻊ ﺍﻟﻤﻠﺰﻡ، ﻋﻦ ﺳﺆﺍﻟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ (حاشية) ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ، ﻭﻟﻴﺲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﺨﺎﺗﻤﺔ. ﻳﺴﺄﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ: ﴿أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ﴾، ﴿أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟَﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺸﻌﺮ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺧﺎﻟﻘِﻴﻦ ﻭﺭﺍﺣﻤﻴﻦ ﺁﺧﺮﻳﻦ. ﺛﻢ ﺇﻧﻜﻢ ﺗﻘﻮﻟﻮﻥ: ﺇﻥ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻟﻪ ﻛﻤﺎﻝ لا ﻣﻨﺘﻬﻰ ﻟﻪ، ﻓﻬﻮ ﺟﺎﻣﻊ لأﻗﺼﻰ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻜﻤﺎلاﺕ ﻛﻠﻬﺎ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﻤﺎلاﺕُ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺗُﻌﺮﻑ ﺑﺄﺿﺪﺍﺩﻫﺎ؛ ﺇﺫ ﻟﻮلا ﺍلأﻟﻢ ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻠﺬﺓُ ﻛﻤﺎلا، ﻭﻟﻮلا ﺍﻟﻈـلاﻡ ﻟﻤﺎ ﺗﺤﻘﻖ ﺍﻟﻀﻴﺎﺀ، ﻭﻟﻮلا ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻟﻤﺎ ﺃﻭﺭﺙ ﺍﻟﻮﺻﺎﻝُ ﻟﺬﺓً، ﻭﻫﻜﺬﺍ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻧﺠﻴﺐ ﻋﻦ ﺍﻟﺸﻖ ﺍلأﻭﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺑﺨﻤﺲ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ:

   ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺍلأﻭﻟﻰ

ﺇﻥّ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﺒﻴﻦ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻣﻦ ﺃﻭﻟﻪ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮﻩ، ﻭﻳﺜﺒﺘﻪ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ، ﻭﻫﺬﺍ ﺑﺤﺪّ ﺫﺍﺗﻪ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻛﻤﺎ ﺗﻔﻬﻤﻮﻧﻬﺎ. ﺑﻞ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ﴾ ﻳﻌﻨﻲ: ﻫﻮ ﻓﻲ ﺃﺣﺴﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺨﺎﻟﻘﻴﺔ، ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻪ ﺃﻳﺔ ﺩلاﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺧﺎﻟﻖ ﺁﺧﺮ، ﺇﺫ ﺍﻟﺨﺎﻟﻘﻴﺔ ﻟﻬﺎ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻛﺴﺎﺋﺮ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﻓﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ﴾ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺃﺣﺴﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﺨﺎﻟﻘﻴﺔ ﻭﺃﻗﺼﻰ ﻣﻨﺘﻬﺎﻫﺎ.

   ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ

ﺇﻥّ ﴿أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ﴾ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟَﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻌﺎﺑﻴﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ لا ﺗﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺗﻌﺪﺩ ﺍﻟﺨﺎﻟﻘﻴﻦ، ﺑﻞ ﺗﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﻴﺔ. ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﻠﻖ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻳﺨﻠﻘﻪ ﺑﺄﻓﻀﻞ ﻃﺮﺍﺯ ﻭﺃﺟﻤﻞ ﻣﺮﺗﺒﺔ. ﻭﻗﺪ ﺑﻴّﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ (ﺍﻟﺴﺠﺪﺓ:٧) ﻭﺃﻣﺜﺎﻟُﻪ ﻣﻦ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ.

    ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ

ﺇﻥّ ﺍﻟﻤﻮﺍﺯﻧﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺗﻌﺎﺑﻴﺮ: ﴿أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ﴾ «ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛْﺒَﺮُ» ﴿خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾ (ﺧَﻴﺮُ ﺍﻟﻤﺤﺴِﻨﻴﻦ) ﻭﺃﻣﺜﺎﻟِﻬﺎ، ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻮﺍﺯﻧﺔ ﻭﺗﻔﻀﻴـلا ﺑﻴﻦ ﺻﻔﺎﺕ ﻭﺍﻗﻌﻴﺔ ﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﺍﻟﻤﺎﻟﻜﻴﻦ ﻟﻨﻤﺎﺫﺝَ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﻭﺍلأﻓﻌﺎﻝ، لأﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻜﻤﺎلاﺕ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻗﺎﻃﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻦ ﻭﺍلإﻧﺲ ﻭﺍﻟﻤﻠَﻚ، ﻇﻞ ﺿﻌﻴﻒ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻜﻤﺎﻟﻪ ﺟﻞ ﻭﻋـلا، ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﻋﻘﺪُ ﻣﻮﺍﺯﻧﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ؟ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﻤﻮﺍﺯﻧﺔ ﻫﻲ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻨﻈﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭلاﺳﻴﻤﺎ لأﻫﻞ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ.

ﻧﻮﺭﺩ ﻣﺜﺎلا ﻟﻠﺘﻮﺿﻴﺢ: ﺟﻨﺪﻱ ﻳﻘﺪّﻡ ﺃﺗﻢ ﺍﻟﻮلاﺀ ﻭﺍﻟﻄﺎﻋﺔ ﻟﻌﺮﻳﻔﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻴﺶ، ﻭﻳﺮﻯ ﺍﻟﺤﺴﻨﺎﺕ ﻭﺍﻟﺨﻴﺮﺍﺕ ﻣﻨﻪ، ﻭﻗﺪ لا ﻳﺨﻄﺮ ﺑﺒﺎﻟﻪ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥُ ﺇلا ﻧﺎﺩﺭﺍ، ﺑﻞ ﻟﻮ ﺧﻄﺮ ﺑﺒﺎﻟﻪ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻘﺪﻡ ﺍﻣﺘﻨﺎﻧَﻪ ﻭﺷﻜﺮَﻩ ﺃﻳﻀﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺮﻳﻒ، ﻓﻴﻘﺎﻝ ﻟﻤﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻨﺪﻱ: ﺇﻥّ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥَ ﺃﻛﺒﺮُ ﻣﻦ ﻋﺮﻳﻔﻚ، ﻓﻘﺪّﻡ ﺷﻜﺮﻙ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺣﺪﻩ. ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﻟﻴﺲ ﻣﻮﺍﺯﻧﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﻬﻴﺒﺔ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ، ﻭﻗﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌﺮﻳﻒ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﺍﻟﺼﻮﺭﻳﺔ، لأﻥّ ﻣﻮﺍﺯﻧﺔً ﻛﻬﺬﻩ، ﻭﺗﻔﻀﻴـلا ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ، لا ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻬﻤﺎ ﺃﺻـلا. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﻤﻮﺍﺯﻧﺔ ﻣﻌﻘﻮﺩﺓ ﺣﺴﺐ ﻣﺎ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺠﻨﺪﻱ ﻣﻦ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻭﺍﺭﺗﺒﺎﻁ ﺑﻌﺮﻳﻔﻪ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻔﻀّﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻩ، ﻓﻴﻘﺪﻡ ﺷﻜﺮَﻩ ﻭﺛﻨﺎﺀﻩ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻳﺤﺒﻪ ﻭﺣﺪﻩ.

ﻭﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ، ﻓﺎلأﺳﺒﺎﺏُ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻭَﻫْﻢِ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﺧﺎﻟﻖٍ، ﻭﻣُﻨﻌﻢٍ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮﻥ ﺣﺠﺎﺑﺎ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻤﻨﻌﻢ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ، ﺇﺫ ﻳﺘﺸﺒﺜﻮﻥ ﺑﻬﺎ ﻭﻳﺮﻭﻥ ﻭﺭﻭﺩ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ﻭﺍلإﺣﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤُﺠﺐ ﻭﺍلأﺳﺒﺎﺏ، ﻓﻴﻘﺪﻣﻮﻥ ﺛﻨﺎﺀﻫﻢ ﻭﻣﺪﺣﻬﻢ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻟﻬﻢ: «ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛْﺒَﺮُ». ﴿أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ﴾ ﴿أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ ﺃﻱ ﺗﻮﺟَّﻬﻮﺍ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺍﺷﻜﺮﻭﻩ.

   ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ

ﺗُﻌﻘﺪ ﺍﻟﻤﻮﺍﺯﻧﺔُ ﻭﺍﻟﺘﻔﻀﻴﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗُﻌﻘﺪ ﺑﻴﻦ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻔﺮﺿﻴﺔ ﻭﺍلإﻣﻜﺎﻧﻴﺔ. ﺛﻢ ﺇﻥّ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﺎﻫﻴﺎﺕ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ، ﻭﻛﺬﺍ ﻓﻲ ﻣﺎﻫﻴﺎﺕ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻮﺟﺪ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﻛﺜﻴﺮﺓ. ﻓﺎﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﺃﻛﻤﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﻟﻠﺼﻔﺎﺕ ﻭﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻤﺘﺼﻮَّﺭﺓ ﻭﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺔ، ﻭﻓﻲ ﺃﺣﺴﻨﻬﺎ. ﻭﺍﻟﻜﻮﻥ ﻛﻠُّﻪ ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻛﻤﺎلاﺕ ﺷﺎﻫﺪ ﺻﺪﻕ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ (ﺍﻟﺤﺸﺮ:24) ﻭﺻﻒ لأﺳﻤﺎﺋﻪ ﻛﻠِّﻬﺎ ﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ.