ﺍﻟﻤﻨﺒﻊ ﺍلأﻭﻝ: ﻭﻫﻮ ﺇﻣﺪﺍﺩ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﻳﺔ

ﺃﻱ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻛﻞُّ ﺷﻲﺀ ﻭﻛﻞُّ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻣُﻠﻜﺎً ﻟﻤﺎﻟﻚ ﻭﺍﺣﺪ ﻓﻌﻨﺪﺋﺬ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﻳﺔ ﺃﻥ ﻳﺤﺸّﺪ ﻗﻮﺓ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺭﺍﺀ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﻳﺪﺑّﺮ ﺃﻣﻮﺭ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ. ﻭلأﺟﻞ ﺗﻘﺮﻳﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍلأﻓﻬﺎﻡ ﻧﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺗﻤﺜﻴﻞ:

ﺑﻠﺪ ﻳﺤﻜﻤﻬﺎ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﻭﺍﺣﺪ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺤﺸّﺪ ﻗﻮﺓً ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻟﺠﻴﺶ ﻛﺎﻣﻞ ﻭﺭﺍﺀ ﻛﻞِّ ﺟﻨﺪﻱ ﻣﻦ ﺟﻨﻮﺩﻩ، ﻭﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ. ﻟﺬﺍ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﻨﺪﻱ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺃﻥ ﻳﺄﺳﺮ ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ ﺍلأﻋﻈﻢ ﻟﻠﻌﺪﻭ ﺑﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥْ ﻳﺴﻴﻄﺮ ﺑﺈﺳﻢ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﻣَﻦ ﻫﻮ ﻓﻮﻕ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ، ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﺴﺘﺨﺪﻡ ﻣﻮﻇﻔﺎً ﺃﻭ ﺟﻨﺪﻳﺎً، ﻭﻳﺪﺑّﺮ ﺃﻣﻮﺭ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻮﻇﻔﻴﻦ ﻭﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﺴﺮ ﺍﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ، ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻳُﺮﺳﻞ ﻛﻞَّ ﺷﺨﺺ ﻭﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺑﺴﺮ ﺳﻠﻄﻨﺘﻪ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ لإﻣﺪﺍﺩ ﺃﻱ ﻓﺮﺩٍ ﻛﺎﻥ. ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻨﺪ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ ﻣﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺭﻋﻴﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﺓ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﻓﺮﺍﺩ، ﺃﻱ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻤﺪ ﻣﻨﻬﺎ.

ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻮ ﺣُﻠّﺖ ﺣﺒﺎﻝُ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﻳﺔ ﻟﻠﺴﻠﻄﻨﺔ، ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﺍﻟﺴﻠﻄﻨﺔُ ﺳﺎﺋﺒﺔً ﻭﻓﻮﺿﻰ؛ ﻓﺈﻥ ﻛﻞ ﺟﻨﺪﻱ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﻳﻔﻘﺪ -ﺑﺎﻟﻤﺮﺓ- ﻗﻮﺓً لا ﺗُﺤﺪ، ﻭﻳﻬﻮﻱ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻡ ﻧﻔﻮﺫٍ ﺭﻓﻴﻊ، ﻭﻳﺼﺒﺢ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺍﻋﺘﻴﺎﺩﻱ. ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﺗﻨﺠﻢ ﻣﺸﺎﻛﻞٌ ﻟـلإﺩﺍﺭﺓ ﻭﺍلاﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺑﻌﺪﺩ ﺍلأﻓﺮﺍﺩ.

ﻛﺬﻟﻚ ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ ﻓﺼﺎﻧﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻟﻜﻮﻧِﻪ ﻭﺍﺣﺪﺍً، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺤﺸّﺪ ﺃﺳﻤﺎﺀﻩ ﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ، ﺗﺠﺎﻩ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ. ﻓﻴﻮﺟِﺪ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻉ ﺑﺈﺗﻘﺎﻥ ﺗﺎﻡ ﻭﺑﺼﻮﺭﺓ ﺭﺍﺋﻌﺔ. ﻭﺇﻥ ﻟﺰﻡ ﺍلأﻣﺮ ﻳﺘﻮﺟّﻪ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ، ﻭﻳﻮﺟﻬﻬﺎ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻳﻤﺪّﻩ ﺑﻬﺎ ﻭﻳﻘﻮﻳﻪ ﺑﻬﺎ.

ﻭﺇﻧﻪ ﻳﺨﻠﻖ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﺴﺮ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﻳﺔ، ﻭﻳﺘﺼﺮﻑ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻳﺪﺑّﺮ ﺃﻣﻮﺭَﻫﺎ ﻛﺈﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ.

ﻭﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ -ﺳﺮ ﺇﻣﺪﺍﺩ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﻳﺔ- ﺗُﺸﺎﻫَﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻧﻮﻋﻴﺎﺕ ﺭﻓﻴﻌﺔ ﻗﻴﻤﺔ ﻣﺘﻘﻨﺔ ﺟﺪﺍً ﺿﻤﻦ ﻭﻓﺮﺓٍ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻭﺭُﺧﺺ ﻣﻄﻠﻖ.

ﺍﻟﻤﻨﺒﻊ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻳُﺴﺮ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ

ﺃﻱ ﺃﻥَّ ﺍلأﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻢ ﺑﺄﺻﻮﻝ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻭﻣﻦ ﻣﺮﻛﺰ ﻭﺍﺣﺪ ﺑﺘﺼﺮﻑٍ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﺑﻘﺎﻧﻮﻥ ﻭﺍﺣﺪ، ﺗﻮﺭﺙ ﺳﻬﻮﻟﺔً ﻣﻄﻠﻘﺔ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪﺍﺭُ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﻛﺰ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ، ﻭﺑﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ، ﻭﺑﺄﻳﺪٍ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﺗﻨﺠﻢ ﻣﺸﻜـلاﺕٌ ﻋﻮﻳﺼﺔ.

  ﻣﺜـلا: ﺇﺫﺍ ﺟُﻬّﺰ ﺟﻤﻴﻊُ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺑﺎلأﻋﺘﺪﺓ ﻭﺍﻟﺘﺠﻬﻴﺰﺍﺕ ﻣﻦ ﻣﺮﻛﺰ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﺑﻘﺎﻧﻮﻥ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﺑﺄﻣﺮ ﻗﺎﺋﺪ ﻋﻈﻴﻢ ﻭﺍﺣﺪ، ﻳﻜﻮﻥ ﺍلأﻣﺮ ﺳﻬـلا ﺳﻬﻮﻟﺔَ ﺗﺠﻬﻴﺰ ﺟﻨﺪﻱ ﻭﺍﺣﺪ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﺃُﺣﻴﻞ ﺍﻟﺘﺠﻬﻴﺰ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺎﻣﻞ ﻣﺘﻔﺮﻗﺔ، ﻭﻣﺮﺍﻛﺰ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﻳﻠﺰﻡ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﻟﺘﺠﻬﻴﺰ ﺟﻨﺪﻱ ﻭﺍﺣﺪ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﻤﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺰﻭﺩ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺑﺎﻟﺘﺠﻬﻴﺰﺍﺕ ﺍﻟـلاﺯﻣﺔ.

ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﺃُﺳﻨﺪ ﺍلأﻣﺮُ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻓﺈﻥ ﺗﺠﻬﻴﺰ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﻛﺎﻣـلا ﻳﻜﻮﻥ ﺳﻬـلا ﻛﺘﺠﻬﻴﺰ ﺟﻨﺪﻱ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﻟﻜﻦ ﺇﻥْ ﻟﻢ ﻳُﺴﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻓﺈﻥ ﺗﺰﻭﻳﺪ ﺟﻨﺪﻱ ﻭﺍﺣﺪ ﺑﺎﻟﺘﺠﻬﻴﺰﺍﺕ ﺍلأﺳﺎﺳﻴﺔ ﻳﻮﻟﺪ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﺑﻌﺪﺩ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﺠﻴﺶ.

ﻭﻛﺬﺍ ﺇﺫﺍ ﺯُﻭّﺩﺕ ﺛﻤﺮﺍﺕُ ﺷﺠﺮﺓ ﻣﺎ -ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ- ﺑﺎﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﺮﻛﺰ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﺑﻘﺎﻧﻮﻥ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﺍﺳﺘﻨﺎﺩﺍً ﺇﻟﻰ ﺟﺬﺭ ﻭﺍﺣﺪ. ﻓﺈﻥ ﺃﻟﻮﻑَ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﺗﺘﺰﻭﺩ ﺑﻬﺎ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻛﺴﻬﻮﻟﺔ ﺛﻤﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﺭُﺑﻄﺖ ﻛﻞُّ ﺛﻤﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺍﻛﺰ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ، ﻭﺃُﺭﺳﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻮﺍﺩﻫﺎ ﺍﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ، ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺗﻨﺠﻢ ﻣﺸﻜـلاﺕٌ ﺑﻘﺪﺭ ﻋﺪﺩ ﺛﻤﺮﺍﺕ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ، لأﻥ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﺰﻡ ﺷﺠﺮﺓ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺗﻠﺰﻡ ﻛﻞ ﺛﻤﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻤﺮﺍﺕ ﺃﻳﻀﺎً.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺒﻤﺜﻞ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻠﻴﻦ ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ ﻓﺈﻥ ﺻﺎﻧﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻭﺍﺣﺪﺍً ﺃﺣﺪﺍً، ﻳﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﺑﺎﻟﻮﺣﺪﺓ. ﻭلأﻧﻪ ﻳﻔﻌﻞ ﺑﺎﻟﻮﺣﺪﺓ، ﺗﺴﻬﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻛﺎﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ. ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻧﻪ ﻳﻌﻤﻞ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺑﺈﺗﻘﺎﻥ ﺗﺎﻡ ﻛﺎلأﺷﻴﺎﺀ ﺟﻤﻴﻌﺎً. ﻭﻳﺨﻠﻖ ﺃﻓﺮﺍﺩﺍً لا ﺣﺪّ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﻴﻤﺔ ﺭﻓﻴﻌﺔ. ﻓﻴُﻈﻬﺮ ﺟُﻮﺩﻩ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺬﻝ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﻭﺍﻟﺮﺧﺺ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻲ، ﻭﻳﻈﻬﺮ ﺑﻬﺎ ﺳﺨﺎﺀﻩ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻭﺧـلاﻗﻴﺘﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ.

  ﺍﻟﻤﻨﺒﻊ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﻭﻫﻮ ﺗﺠﻠﻲ ﺍلأﺣﺪﻳﺔ

ﺃﻱ ﺇﻥ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻣﻨﺰّﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻭﺍﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ، ﻟﺬﺍ لا ﻳﺤﺼﺮﻩ ﺯﻣﺎﻥٌ ﻭلا ﻳﻘﻴّﺪﻩ ﻣﻜﺎﻥ، ﻭلا ﻳﺘﺪﺍﺧﻞ ﻓﻲ ﺣﻀﻮﺭﻩ ﻭﺷﻬﻮﺩﻩ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﺍﻟﻤﻜﺎﻥ، ﻭلا ﺗﺤﺠﺐ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻂُ ﻭﺍلأﺟﺮﺍﻡ ﻓﻌﻠَﻪ ﺑﺎﻟﺤُﺠﺐ. ﻓـلا ﺍﻧﻘﺴﺎﻡ ﻭلا ﺗﺠﺰﺅ ﻓﻲ ﺗﻮﺟﻬﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭلا ﻳﻤﻨﻊ ﺷﻲﺀٌ ﺷﻴﺌﺎً، ﻳﻔﻌﻞ ﻣﺎ لا ﻳﺤﺪ ﻣﻦ ﺍلأﻓﻌﺎﻝ ﻛﺎﻟﻔﻌﻞ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻓﺈﻧﻪ ﻳُﺪﺭﺝ ﻣﻌﻨﻰً ﺷﺠﺮﺓً ﺿﺨﻤﺔ ﺟﺪﺍً ﻓﻲ ﺑﺬﺭﺓ ﺻﻐﻴﺮﺓ، ﻭﻳﺪﺭﺝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢَ ﻓﻲ ﻓﺮﺩ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﻳﺪﻳﺮ ﺃﻣﻮﺭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ ﺑﻴﺪ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻛﺈﺩﺍﺭﺓ ﻓﺮﺩ ﻭﺍﺣﺪ.

ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻭﺿﺤﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺎﺕ ﺃﺧﺮﻯ ﻧﻘﻮﻝ ﺃﻳﻀﺎً:

ﺇﻥَّ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻗﻴﺪ ﻟﻪ ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍ ﻣﺎ، ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻟﻤّﺎﻉ، ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﻧﻮﺭﺍﻧﻲ، ﻓﻠﻮ ﻭﺍﺟﻬَﺘﻬﺎ ﺃﻟﻮﻑُ ﺑﻞ ﻣـلاﻳﻴﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ، ﻓﺈﻥ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮﺁﺓ ﺩﻭﻥ ﺍﻧﻘﺴﺎﻡ، ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻣﺮﺁﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ. ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓُ ﺫﺍﺕ ﻗﺎﺑﻠﻴﺔ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺑﻌﻈﻤﺘﻬﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗُﻈﻬﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺁﺛﺎﺭَﻫﺎ، ﻓـلا ﻳﻤﻨﻊ ﺷﻲﺀ ﺷﻴﺌﺎً. ﺇﺫ ﻳﺪﺧﻞ -ﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﺸﻤﺲ- ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍلأﻟﻮﻑ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﺗﺎﻣﺔ، ﻭﻫﻲ ﺗﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﻭﺍﺣﺪ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﻓﻲ ﺃﻟﻮﻑ ﺍلأﻣﺎﻛﻦ. ﻭﺗﻜﻮﻥ ﻛﻞ ﻣﺮﺁﺓ ﻭﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ ﻣﻈﻬﺮﺍً ﻟﺠﻠﻮﺓ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ لأﻟﻮﻑ ﺍلأﻣﺎﻛﻦ.

﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ ﺇﻥَّ ﻟﺼﺎﻧﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﺗﺠﻠﻴﺎً، ﺑﺴﺮّ ﺗﻮﺟّﻪ ﺍلأﺣﺪﻳﺔ، ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﻧﻮﺍﺭ، ﻭﺑﺠﻤﻴﻊ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺣﺎﺿﺮﺍً ﻧﺎﻇﺮﺍً ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ، ﻭلا ﻳﺤﺪّﻩ ﻣﻜﺎﻥ، ﻭلا ﺍﻧﻘﺴﺎﻡ ﻓﻲ ﺗﻮﺟﻬﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﻳﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺸﺎﺀ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ، ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺗﻜﻠﻒ ﻭلا ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﻭلا ﻣﺰﺍﺣﻤﺔ.

ﻓﺒﺴﺮّ ﺇﻣﺪﺍﺩ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﻳﺔ ﻭﻳُﺴﺮ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻭﺗﺠﻠﻲ ﺍلأﺣﺪﻳﺔ ﻫﺬﻩ ﺇﺫﺍ ﺃُﺳﻨﺪﺕ ﺟﻤﻴﻊُ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ، ﻓﺎﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﻠُّﻬﺎ ﺗﺴﻬﻞ ﻛﺎﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺫﺍ ﻗﻴﻤﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻛﺎﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﻭﺍلإﺑﺪﺍﻉ. ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺩﻗﺎﺋﻖ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﻤﺘﻘﻨﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺭﻏﻢ ﺍﻟﻮﻓﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺗﺒﻴﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﻥْ ﻟﻢ ﺗُﺴﻨﺪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻓﺈﻥ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﺍ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﻠﻬﺎ. ﻭﺇﻥ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﺴﻘﻂ ﺇﻟﻰ ﻗﻴﻤﺔ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻭﺍﺣﺪ. ﻭﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ لا ﻳﺄﺗﻲ ﺷﻲﺀٌ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﺃﻭ ﺇﺫﺍ ﻭُﺟﺪ ﻓـلا ﻗﻴﻤﺔ ﻟﻪ ﻭلا ﻳﺴﺎﻭﻱ ﺷﻴﺌﺎً.

ﻭﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮّ، ﺗﺠﺪ ﺍﻟﺴﻮﻓﺴﻄﺎﺋﻴﻴﻦ ﺍﻟﻤﻮﻏﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ، ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﻴﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺪ ﻧﻈﺮﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﻭﺍﻟﻜﻔﺮ ﻣﻌﺮﺿﻴﻦ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺭﺃﻭﺍ ﺃﻥَّ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﻋﻮﻳﺼﺔ ﻭﻋﺴﻴﺮﺓ ﻭﻏﻴﺮ ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ ﻗﻄﻌﺎً ﺑﺄﻟﻮﻑ ﺍﻟﻤﺮﺍﺕ ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ، ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺤﻖ؛ ﻟﺬﺍ ﺍﺿﻄﺮﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺇﻧﻜﺎﺭ ﻭﺟﻮﺩ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﺗﺨﻠّﻮﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ.

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ:

ﺇﻥَّ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺳﻬﻞ ﻛﺈﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ، ﻭﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﻳﺴﻴﺮ ﻛﺈﻳﺠﺎﺩ ﺯﻫﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﻗﺪﺭﺓ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﺮّﻑ ﺃﻣﻮﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺑﺄﻓﻌﺎﻟﻪ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺩﺓ، ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥْ ﺗﻜﻮﻥ ﺇﺯﺍﺀ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻗﻴﻤﺔُ ﻣﺤﺎﺳﻦ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﻟﺰﻫﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭﻟﻄﻒُ ﺧﻠﻘﺘﻬﺎ ﺑﻘﻴﻤﺔ ﻟﻄﺎﻓﺔ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﺰﺍﻫﺮ.

ﺇﻥَّ ﺳﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺛـلاﺛﺔ ﺃﺷﻴﺎﺀ:

ﺍلأﻭﻝ: ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ ﻭﺍﻟﺘﺠﺮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ.

  ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﻘﻴﺪ ﻣﻊ ﻣﺒﺎﻳﻨﺔ ﻣﺎﻫﻴﺘﻪ.

  ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﺤﻴّﺰ ﻣﻊ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﺠﺰﺀ.

  ﺍﻟﺴﺮ ﺍلأﻭﻝ: ﺇﻥَّ ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ ﻭﺍﻟﺘﺠﺮﺩ ﻳﺴﺒﺒﺎﻥ ﺍﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﺍﻟﻴﺴﺮ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ.

ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ ﻋﻤﻴﻖ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ﻭﺩﻗﻴﻖ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ. ﻭﺳﻨﻘﺮّﺑﻪ ﺑﺘﻤﺜﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻬﻢ، ﻭﺫﻟﻚ:

ﺇﻥَّ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻭﻋﻮﺍﻟﻢ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ، ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺫﺭﺓ ﻣﻦ ﻃﺒﻘﺔ ﻭﺟﻮﺩ ﺫﺍﺕ ﺭﺳﻮﺥ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺗﻌﺪﻝ ﺟﺒـلا ﻣﻦ ﻃﺒﻘﺔ ﻭﺟﻮﺩ ﺃﻗﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺭﺳﻮﺧﺎً، ﻭﺗﺴﺘﻮﻋﺐ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺒﻞ، ﻓﻤﺜـلا:

ﺇﻥَّ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺤﺎﻓﻈﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ -ﻭﻫﻲ لا ﺗﻌﺪﻝ ﺣﺒﺔ ﺧﺮﺩﻝ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ- ﺗﺴﺘﻮﻋﺐ ﻭﺟﻮﺩﺍً ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﺿﺨﻤﺔ.

ﻭﺇﻥ ﻣﺮﺁﺓ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﺻﻐﺮ ﺍلأﻇﻔﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ، ﺗﻀﻢ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺟﺪﺍً ﻣﻦ ﻃﺒﻘﺔ ﻭﺟﻮﺩ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ.

ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻭﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺤﺎﻓﻈﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﺷﻌﻮﺭ ﻭﻗﻮﺓ ﻟـلإﻳﺠﺎﺩ، لأﺣﺪﺛﺘﺎ ﺗﺤﻮلاﺕ ﻭﺗﺼﺮﻓﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﻭﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻲ، ﺭﻏﻢ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻗﻮﺓ ﻭﺟﻮﺩ ﺧﺎﺭﺟﻲ ﺻﻐﻴﺮ ﺿﺌﻴﻞ. ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻧﻪ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﺮﺳّﺦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﺯﺩﺍﺩ ﻗﻮﺓ، ﻓﺎﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﻘﻠﻴﻞ ﻳﺄﺧﺬ ﺣُﻜﻢَ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻣﺠﺮﺩﺍً ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻭﻟﻢ ﻳﺪﺧﻞ ﺗﺤﺖ ﺿﻮﺍﺑﻂ ﺍﻟﻘﻴﺪ ﻭﻛَﺴﺐَ ﺍﻟﺮﺳﻮﺥ ﺍﻟﺘﺎﻡ، ﻓﺈﻥ ﺟﻠﻮﺓ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻣﻨﻪ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﺪﻳﺮ ﻋﻮﺍﻟﻢ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺨﻔﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ.

﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ ﺇﻥَّ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻫﻮ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ. ﺃﻱ ﺃﻥَّ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﺫﺍﺗﻲ ﺃﺯﻟﻲ، ﺃﺑﺪﻱ، ﻋﺪﻣُﻪ ﻣﻤﺘﻨﻊ، ﺯﻭﺍﻟُﻪ ﻣﺤﺎﻝ، ﻭﺃﻥ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﺃﺭﺳﺦ ﻃﺒﻘﺔ ﻣﻦ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺃﺭﺳﺎﻫﺎ ﻭﺃﻗﻮﺍﻫﺎ ﻭﺃﻛﻤﻠﻬﺎ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺳﺎﺋﺮ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻮﺟﻮﺩﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻇﻞٍ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻀﻌﻒ.

ﻭﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﺍﺟﺐ، ﺭﺍﺳﺦ، ﺫﻭ ﺣﻘﻴﻘﺔ، ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍ ﻋﻈﻴﻢ. ﻭﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ ﺧﻔﻴﻒ ﻭﺿﻌﻴﻒ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺨﻔﺔ ﻭﺍﻟﻀﻌﻒ، ﺑﺤﻴﺚ ﺩﻓﻊ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻪ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺃﻥ ﻳُﻨﺰﻟﻮﺍ ﺳﺎﺋﺮ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﺍلأﻭﻫﺎﻡ ﻭﺍﻟﺨﻴﺎلاﺕ، ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: «لا ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺇﻟّﺎ ﻫﻮ»، ﻭﻗﺮﺭﻭﺍ ﺃﻧﻪ لا ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻤﺎ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﻭﺟﻮﺩﺍً، ﺇﺫ لا ﺗﺴﺘﺤﻖ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻧﻮﺍﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻋﻨﻮﺍﻥ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻋَﺮَﺿﻴﺔ ﻭﺣﺎﺩﺛﺔ، ﻭ ﺛﺒﻮﺕ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ لا ﻗﺮﺍﺭ ﻭلا ﻗﻮﺓ ﻟﻬﺎ، ﻳﺴﻴﺮٌ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻴﺴﺮ ﺇﺯﺍﺀ ﻗﺪﺭﺓ ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ ﺍﻟﻮﺍﺟﺒﺔ. ﻓﺈﺣﻴﺎﺀ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﺍلأﻋﻈﻢ ﻭﻣﺤﺎﻛﻤﺘِﻬﺎ ﺳﻬﻞٌ ﻭﻳﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻛﺴﻬﻮﻟﺔ ﺣﺸﺮ ﻭﺇﺣﻴﺎﺀ ﺍلأﻭﺭﺍﻕ ﻭﺍلأﺯﻫﺎﺭ ﻭﺍﻟﺜﻤﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺑﻞ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﻘﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﺑﻞ ﻓﻲ ﺷﺠﺮﺓ.

  ﺍﻟﺴﺮ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺇﻥ ﻣﺒﺎﻳﻨﺔ ﺍﻟﻤﺎﻫﻴﺔ ﻣﻊ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﻘﻴّﺪ ﻳﺴﺒﺒﺎﻥ ﺍﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ، ﻭﺫﻟﻚ: ﺇﻥَّ ﺻﺎﻧﻊ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺟﻞَّ ﺟـلاﻟُﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺟﻨﺲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺑـلا ﺷﻚ، ﻓـلا ﺗﺸﺒﻪ ﻣﺎﻫﻴﺘُﻪ ﺃﻳﺔ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ، ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﻮﺍﻧﻊ ﻭﺍﻟﻘﻴﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺿﻤﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ لا ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻗﻄﻌﺎً ﺃﻥ ﺗﻌﺘﺮﺽ ﺇﺟﺮﺍﺀﺍﺗﻪ ﻭﺗﻘﻴّﺪﻫﺎ، ﻓﻬﻮ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻛﻠﻪ ﻓﻲ ﺁﻥ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﻳﺘﺼﺮﻑ ﻓﻴﻪ ﺗﺼﺮﻓﺎً ﻣﺒﺎﺷﺮﺍً.

ﻓﻠﻮ ﺃُﺣﻴﻞ ﺗﺼﺮﻳﻒ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻭﺃﻓﻌﺎﻟﻪ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺃﻧﻔﺴﻬﺎ، ﻟﻨﺠﻤﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﻜـلاﺕ ﻭﺍلاﺧﺘـلاﻃﺎﺕ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺑﺤﻴﺚ لا ﻳﺒﻘﻰ ﺃﻱ ﺍﻧﺘﻈﺎﻡ ﺃﺻـلا ﻭلا ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺑﻞ لا ﻳﺄﺗﻲ ﺃﺻـلا ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ.

ﻓﻤﺜـلا: ﻟﻮ ﺃُﺣﻴﻠﺖ ﺍﻟﻤﻬﺎﺭﺓُ ﻓﻲ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻘﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﺠﺎﺭﻫﺎ، ﻭﻓُﻮّﺽ ﻣﺎ ﻳﺨﺺ ﺍﻟﻀﺎﺑﻂ ﻓﻲ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﻔﻮﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ، ﻓﺈﻣﺎ لا ﺗﺤﺼﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻭلا ﺗﺄﺗﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺃﺻـلا، ﺃﻭ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻮﺿﻰ ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﻭﻣﺸﻜـلاﺕ ﻭﺍﺧﺘـلاﻁ ﺍلأﻣﻮﺭ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﺃُﺳﻨﺪﺕ ﺍﻟﻤﻬﺎﺭﺓ ﻓﻲ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻘﺒﺐ ﺇﻟﻰ ﺻﻨﺎﻉ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﺍﻟﺤﺠﺮ، ﻭﻓُﻮﺿﺖ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻮﺝ ﺇﻟﻰ ﺿﺎﺑﻂ ﺣﺎﺯ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﻀﺎﺑﻂ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺮﺗﺒﺔ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺗُﺴﻬّﻞ ﻭﺍلإﺩﺍﺭﺓ ﺗﺘﻴﺴﺮ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍلأﺣﺠﺎﺭ ﻭﻛﺬﺍ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ ﻳﻤﻨﻊ ﺃﺣﺪُﻫﺎ ﺍلآﺧﺮ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺒﻨّﺎﺀ ﻭﺍﻟﻀﺎﺑﻂ ﻳﻨﻈﺮﺍﻥ ﻭﻳﺘﻮﺟﻬﺎﻥ ﻭﻳﺪﻳﺮﺍﻥ ﻛﻞ ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻦ ﻧﻘﺎﻁ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ﺃﻭ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ ﺩﻭﻥ ﻣﺎﻧﻊ ﺃﻭ ﻋﺎﺋﻖ. ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ ﺟﻨﺲ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ. ﺑﻞ ﺟﻤﻴﻊُ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻟﻴﺴﺖ ﺇﻟّﺎ ﺃﺷﻌﺔ لإﺳﻢ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﺳﻢ ﻣﻦ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻤﺎﻫﻴﺔ.

ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺎﻫﻴﺘُﻪ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، ﻭﺍﺟﺒﺔَ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﻣﺠﺮّﺩﺓً ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ، ﻭﻣﺨﺎﻟﻔﺔً ﻟﻠﻤﺎﻫﻴﺎﺕ ﻛﺎﻓﺔ، ﺇﺫ لا ﻣﺜﻞ ﻭلا ﻣﺜﺎﻝ ﻭلا ﻣﺜﻴﻞ ﻟﻬﺎ، ﻓﺈﻥ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﺇﺫﻥ ﻭﺗﺮﺑﻴﺘَﻪ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﻗﺪﺭﺓ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺏ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺍلأﺯﻟﻴﺔ، ﺳﻬﻞٌ ﻛﺈﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺑﻞ ﻛﺈﺩﺍﺭﺓ ﺷﺠﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻭﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﺍلأﻋﻈﻢ ﻭﺍﻟﺪﺍﺭ ﺍلآﺧﺮﺓ ﻭﺍﻟﺠﻨﺔ ﻭﺟﻬﻨﻢ ﺳﻬﻞ ﻛﺈﺣﻴﺎﺀ ﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﻣﺠﺪﺩﺍً ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺮﻳﻒ.

  ﺍﻟﺴﺮ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺇﻥَّ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﺤﻴّﺰ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﺠﺰﺅ ﺳﺒﺐٌ ﻟﻠﺴﻬﻮﻟﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﺫﻟﻚ:

ﺇﻥ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻨﺰّﻫﺎً ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻓﻬﻮ ﺣﺎﺿﺮ ﺇﺫﻥ ﺑﻘﺪﺭﺗﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ ﻗﻄﻌﺎً. ﻭﺣﻴﺚ لا ﺗﺠﺰﺅ ﻭلا ﺍﻧﻘﺴﺎﻡ، ﻓﻴﻤﻜﻦ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ.

ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﺣﺎﺿﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ ﻭﻣﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻂ ﻭﺍلأﺟﺮﺍﻡ لا ﺗﻌﻴﻖ ﺃﻓﻌﺎﻟﻪ ﻭلا ﺗﻤﺎﻧﻌﻬﺎ. ﺑﻞ ﻟﻮ ﺍﻓﺘﺮﺿﺖ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ -ﻭلا ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺃﺻـلا- ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺼﺒﺢ ﻭﺳﺎﺋﻞَ ﺗﺴﻬﻴﻞ ﻭﻭﺳﺎﺋﻂ ﻭﺻﻮﻝ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺃﺳﺒﺎﺑﺎً ﻟﻠﺴﺮﻋﺔ ﻓﻲ ﺇﻧﺠﺎﺯ ﺍلأﻓﻌﺎﻝ ﻛﺄﺳـلاﻙ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺀ ﻭﺃﻏﺼﺎﻥ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﻭﺃﻋﺼﺎﺏ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ. ﻓـلا ﺗﻌﻮﻳﻖ ﺇﺫﻥ ﻭلا ﺗﻘﻴﻴﺪ ﻭلا ﺗﻤﺎﻧﻊ ﻭلا ﻣﺪﺍﺧﻠﺔ ﻗﻄﻌﺎً، ﺇﺫ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺗﺴﻬﻴﻞ ﻭﻭﺳﺎﻃﺔ ﺳﺮﻋﺔ ﻭﺃﺩﺍﺓ ﺇﻳﺼﺎﻝ، ﺃﻱ لا ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻄﺎﻋﺔ ﻭﺍلاﻧﻘﻴﺎﺩ ﺗﺠﺎﻩ ﺗﺼﺎﺭﻳﻒ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ، ﻭﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺍﻓﺘﺮﺿﺖ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ -ﻭلا ﺣﺎﺟﺔ ﺃﺻـلا- ﻓﺈﻥ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺗﻜﻮﻥ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺗﺴﻬﻴﻞ ﻭﻭﺳﺎﺋﻂ ﺗﻴﺴﻴﺮ.

ﺣﺎﺻﻞ ﺍﻟﻜـلاﻡ: ﺇﻥَّ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﻳﺨﻠﻖ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﺑﻤﺎ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻪ ﺑـلا ﻛﻠﻔﺔ ﻭلا ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﻭلا ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ، ﻭﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﻭﺍﻟﺴﺮﻋﺔ، ﻓﻬﻮ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﻮﺟِﺪ ﺍﻟﻜﻠﻴﺎﺕ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺎﺕ ﻭﻳﺨﻠﻖ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺎﺕ ﺑﺈﺗﻘﺎﻥ ﺍﻟﻜﻠّﻴﺎﺕ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﺧﺎﻟﻖ ﺍﻟﻜﻠّﻴﺎﺕ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﻫﻮ ﺧﺎﻟﻖ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺎﺕ ﻭﺃﻓﺮﺍﺩ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻀﻤﻬﺎ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ، ﻭﻟﻴﺲ ﻏﻴﺮُﻩ. لأﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺎﺕ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﺜﺎﻝٌ ﻣﺼﻐﺮ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻜﻠﻴﺎﺕ ﻭﺛﻤﺮﺍﺗﻬﺎ ﻭﻧﻮﺍﻫﺎ.

ﻭﺇﻥ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﺧﺎﻟﻘﺎً ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺎﺕ لاﺷﻚ ﺃﻧﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﻟﻤﺎ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ، لأﻧﻨﺎ ﻧﺸﺎﻫﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺎﺕ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﻧﻮﻯ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻜﻠﻴﺎﺕ ﻭﻧﺴﺨﺔ ﻣﺼﻐﺮﺓ ﻣﻨﻬﺎ، ﻟﺬﺍ لاﺑﺪ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮُ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﻓﻲ ﻳﺪ ﺧﺎﻟﻖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺎﺕ ﻛﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳُﺪﺭﺝ ﺧـلاﺻﺔَ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﻭﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﻭﻧﻤﺎﺫﺟﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻧﻤﺎﺫﺟﻬﺎ ﺍﻟﻤﺼﻐﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﻭﻓﻖ ﺩﺳﺎﺗﻴﺮ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﻭﻣﻮﺍﺯﻳﻦ ﻋﻠﻤﻪ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺎﺕ ﻟﻴﺴﺖ ﻗﺎﺻﺮﺓً ﻋﻦ ﺍﻟﻜﻠﻴﺎﺕ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻋﺠﺎﺋﺐ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﻭﻏﺮﺍﺋﺐ ﺍﻟﺨﻠﻖ. ﻓﺎلأﺯﻫﺎﺭ ﻟﻴﺴﺖ ﺃﺩﻧﻰ ﺟﻤﺎلا ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﺍﻟﺰﺍﻫﺮﺓ ﻭلا ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﺃﺣﻂّ ﻗﻴﻤﺔ ﻣﻦ ﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﺍﻟﻴﺎﻓﻌﺔ. ﺑﻞ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤُﺪﺭَﺟﺔ ﺑﻨﻘﺶ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺬﺭﺓ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺃﻋﺠﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﻤﺠﺴﻤﺔ ﺑﻨﺴﺞ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺴﺘﺎﻥ. ﻭﺇﻥ ﺧﻠﻖ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺃﻋﺠﺐ ﻣﻦ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ.

ﻓﻜﻤﺎ ﻟﻮ ﻛُﺘﺐ ﻗﺮﺁﻥُ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺑﺬﺭﺍﺕ ﺍلأﺛﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺟﻮﻫﺮٍ ﻓﺮﺩٍ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻋﻈﻢَ ﻗﻴﻤﺔً ﻣﻦ ﻗﺮﺁﻥ ﺍﻟﻌﻈﻤﺔ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﺑﺎﻟﻨﺠﻮﻡ، ﻛﺬﻟﻚ ﻫﻨﺎﻙ ﻛﺜﻴﺮٌ ﺟﺪﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺰﺋﻴﺎﺕ ﻫﻲ ﺃﺭﻗﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻴﺎﺕ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ.

  ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ:

ﻟﻘﺪ ﺑﻴّﻨﺎ ﺁﻧﻔﺎً ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﻭﺣﻜﻢ ﻣﺎ ﻳُﺸﺎﻫﺪ ﻓﻲ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻣﻦ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻴﺴﺮ ﻭﺍﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺴﺮﻋﺔ ﻓﻲ ﺇﻧﺠﺎﺯ ﺍلأﻓﻌﺎﻝ.

ﻓﻮﺟﻮﺩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ ﻭﺍﻟﺴﺮﻋﺔ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻴﺔ، ﻳﻮﺭﺙ ﻗﻨﺎﻋﺔً ﻗﺎﻃﻌﺔ ﻟﺪﻯ ﺃﻫﻞ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ؛ ﺃﻥ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺇﺯﺍﺀ ﻗﺪﺭﺓ ﺧﺎﻟﻖ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﺳﻬﻞٌ ﻛﺈﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ، ﻭﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﻛﺎﻟﺒﺴﺘﺎﻥ ﻭﺍﻟﺒﺴﺘﺎﻥ ﻛﺎﻟﺰﻫﺮﺓ. ﻭﺇﻥ ﺣﺸﺮ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻗﺎﻃﺒﺔ ﻭﺑﻌﺜَﻬﻢ ﺳﻬﻞ ﻛﺴﻬﻮﻟﺔ ﺇﻣﺎﺗﺔ ﻓﺮﺩ ﻭﺑﻌﺜﻪ ﻭﺫﻟﻚ ﻣﻀﻤﻮﻥ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ (ﻟﻘﻤﺎﻥ:28).

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥَّ ﺇﺣﻴﺎﺀ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﺍلأﻋﻈﻢ ﻳﺴﻴﺮٌ ﻛﻴُﺴﺮ ﺟﻤﻊ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ ﺍﻟﻤﺘﻔﺮﻗﻴﻦ ﻓﻲ ﺍلاﺳﺘﺮﺍﺣﺔ ﺑﺼﻮﺕ ﻣﻦ ﺑﻮﻕ، ﻭﻫﻮ ﻣﻀﻤﻮﻥ ﺻﺮﺍﺣﺔ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ (ﻳﺲ:53).

ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﺴﺮﻋﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩﺓ، ﻣﻊ ﺃﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻫﺔ ﺩﻟﻴﻞ ﻗﺎﻃﻊ ﻭﺑﺮﻫﺎﻥ ﻳﻘﻴﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﻤﺎﻝ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺟﻞ ﺟـلاﻟﻪ، ﻭﺳﻬﻮﻟﺔ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻪ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺳﺒﺒﺎً ﻟـلاﻟﺘﺒﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ. ﻓﺎﻟﺘﺒﺲ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻫﻢ ﺗﺸﻜﻴﻞُ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺇﻳﺠﺎﺩُﻫﺎ ﺑﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺳﻬﻞٌ ﺑﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ ، ﻭﺗﺸﻜّﻞُ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﺤﺎﻝ ﺑﺄﻟﻒ ﻣﺤﺎﻝ. ﺇﺫ لأﻧﻬﻢ ﻳﺮﻭﻥ ﻣﺠﻲﺀ ﺑﻌﺾ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﻌﺘﺎﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﻓﻴﺘﻮﻫﻤﻮﻥ ﺃﻧﻬﺎ لا ﺗُﺨﻠﻖ ﺑﻞ ﺗﺘﺸﻜﻞ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ.

ﻓﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﺩَﺭَﻙ ﺍﻟﺤﻤﺎﻗﺔ ﺍﻟﺴﺤﻴﻖ ﺣﻴﺚ ﻳﺠﻌﻠﻮﻥ ﺩﻟﻴﻞَ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﺩﻟﻴـلا ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻣﻬﺎ، ﻭﻳﻔﺘﺤﻮﻥ ﺃﺑﻮﺍﺑﺎً لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺎلاﺕ. ﺇﺫ ﻳﻠﺰﻡ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﺃﻥ ﺗُﻌﻄﻰ ﻛﻞُّ ﺫﺭﺓ ﻣﻦ ﺫﺭﺍﺕ ﻛﻞ ﻣﺨﻠﻮﻕ ﺃﻭﺻﺎﻑَ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ لاﺯﻣﺔ ﺫﺍﺗﻴﺔ ﻟﻠﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻛﺎﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟِﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ.