ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ

ﺛﺎﻟﺜﺎً: ﻟﻘﺪ ﺟﺎﺀﺕ ﺗﻌﺎﺑﻴﺮ ﻣﻤﺠﻮﺟﺔ ﺗﺨﺺ ﻣﺴﻠﻚ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ، ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﺭﺓ ﺍﻟﺠﺎﺭﻳﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻓﻲ «ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﺍلأﻭﻝ». ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﻌﺪﻳﻠﻬﺎ ﻭﺗﺨﻔﻴﻔﻬﺎ ﺑﻜﻠﻤﺔ «ﺣﺎﺵ ﻟﻠﻪ، ﻭﻛـلا…» ﻭﺇﺑﺮﺍﺯﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﻓﺮﺽ ﻣﺤﺎﻝ ﻓﺈﻥ ﻓﺮﺍﺋﺼﻲ ﺍﺭﺗﻌﺪﺕ ﻣﻦ ﻫﻮﻟﻬﺎ.

ﺛﻢ ﺇﻥَّ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﻌﺪﻳـلاﺕ ﻃﻔﻴﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺃُﺭﺳﻞ ﺇﻟﻴﻜﻢ، ﻓﻬﻞ ﺻﺤﺤﺘﻢ ﻧﺴﺨﺘﻜﻢ ﻓﻲ ﺿﻮﺋﻪ؟ ﻓﺈﻧﻲ ﺃﻧﻴﺒﻜﻢ ﻭﺃُﻭﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﺇﻟﻴﻜﻢ، ﻓﺘﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ ﺣﺬﻑ ﺗﻌﺎﺑﻴﺮ ﺗﺮﻭﻧﻬﺎ ﺯﺍﺋﺪﺓ.

ﺃﺧﻲ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ!

ﺇﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﻣﻬﻢ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ، لأﻥ ﺃﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﺰﻧﺎﺩﻗﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ، ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﻳُﻠﺰَﻡ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺍﻟﺤﺠﺔ ﻭﻟﻢ ﻳُﻔﺤﻢ ﺑﺎﻟﺒﻴﻨﺔ، لا ﻳﻘﻨﻊ ﻣﻘﻠّﺪﻭﻩ ﻭلا ﻳﺮﺿﺨﻮﻥ.. ﻭﻟﻘﺪ ﺍﺳﺘﻌﻤﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺑﻌﺾ ﺗﻌﺎﺑﻴﺮ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﺍﻟﻘﺒﻴﺤﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﺽ ﺍﻟﺮﺩّ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻣﻤﺎ ﺃﻋﻄﺎﻧﻲ ﺍﻟﺠﺮﺃﺓ لإﻇﻬﺎﺭ ﺗﻔﺎﻫﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﻠﻚ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻧﻲ ﻭﻓﺴﺎﺩﻩ ﻛﻠﻴﺎً. ﻭﻗﺪ ﺍﺳﺘﻌﻤﻠﺖ -ﻭﺃﻧﺎ ﺍﺭﺗﻌﺪ- ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻌﺎﺑﻴﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻢّ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻤﺎﻗﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺿﻄﺮ ﺣﺰﺏُ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻗﺒﻮﻟﻬﺎ ﻭﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ ﺑﻤﻘﺘﻀﻰ ﻣﺴﻠﻜﻬﻢ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻔﻮﻫﻮﻥ ﺑﻬﺎ لا ﻣﺤﺎﻟﺔ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﻣﺴﻠﻜﻬﻢ، ﻓﺬﻛﺮﺗُﻬﺎ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﻓﺮﺽ ﺍﻟﻤﺤﺎﻝ ﻟﺒﻴﺎﻥ ﻓﺴﺎﺩ ﻣﺴﻠﻚ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻓﺴﺎﺩﺍً ﻛﻠﻴﺎً. ﻭﻗﺪ ﺣﺼﺮﺗُﻬﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﺍلاﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﻓﻲ ﻗﻌﺮ ﺍﻟﺒﺌﺮ ﻭﺍﺳﺘﻮﻟﻴﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ ﻛﻠﻪ ﻭﺟﻌﻠﻨﺎﻩ ﻣﻠﻜﺎً ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﻭﻓﻲ ﺳﺒﻴﻠﻪ. ﻭﻛﺸﻔﻨﺎ ﻋﻦ ﺧﺒﺎﻳﺎﻫﻢ ﻭﺃﺑﺎﻃﻴﻠِﻬﻢ ﻓﺎﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻮﺯ ﻣﻦ ﺧـلاﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ:

ﻧﻔﺮﺽ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻨﺎﺭﺓ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﺗﻨﺎﻃﺢ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ، ﻭﺗﺤﺘﻬﺎ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺑﺌﺮٌ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﻗﻌﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰ ﺍلأﺭﺽ، ﻭﺛﻤﺔ ﻓﺮﻳﻘﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺘﻨﺎﻗﺸﺎﻥ ﺣﻮﻝ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﻣﻮﻗﻊ ﺍﻟﻤﺆﺫﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﻠﻎ ﺻﻮﺗُﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻛﺎﻓﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺒـلاﺩ ﻛﻠﻬﺎ. ﺃﻱ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻣﻦ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺳﻠّﻢ ﺍﻟﻤﻨﺎﺭﺓ ﻳﻘﻒ ﺍﻟﻤﺆﺫﻥ، ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﻛﺰ ﺍلأﺭﺽ؟.

ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻔﺮﻳﻖ ﺍلأﻭﻝ: ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺆﺫﻥ ﻓﻲ ﻗﻤﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﺭﺓ، ﻳﺮﻓﻊ ﺍلأﺫﺍﻥ ﻣﻦ ﻫﻨﺎﻙ. ﻭﻳُﺴﻤﻊ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢَ ﺃﺟﻤﻊ. لأﻧﻨﺎ ﻧﺴﻤﻊ ﺫﻟﻚ ﺍلأﺫﺍﻥ ﺍﻟﻌﻠﻮﻱ ﺍﻟﻨﺪﻱ، ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻨﺎ لا ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺭﺅﻳﺘﻪ ﻫﻨﺎﻙ ﻓﺈﻥ ﻛـلا ﻣﻨﺎ ﻳﺮﺍﻩ ﺣﺴﺐ ﺩﺭﺟﺘﻪ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺻﻌﻮﺩﻩ ﻭﻧﺰﻭﻟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﺭﺓ.

ﻭﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻳُﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺆﺫﻥ ﻳﺼﻌﺪ ﺍﻟﻤﻨﺎﺭﺓ، ﻭﺃﻳﻨﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻮﻗﻌُﻪ ﻓﻬﻮ ﺻﺎﺣﺐ ﻣﻘﺎﻡ ﻋﺎﻝٍ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻔﺮﻳﻖ ﺍلآﺧﺮ، ﻭﻫﻮ ﻓﺮﻳﻖ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺍلأﺣﻤﻖ، ﻓﻴﻘﻮﻝ:

– ﻛـلا، ﺇﻥ ﻣﻮﻗﻊ ﺍﻟﻤﺆﺫﻥ ﻓﻲ ﻗﻌﺮ ﺍﻟﺒﺌﺮ ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻗﻤﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﺭﺓ، ﺃﻳﻨﻤﺎ ﺷﻮﻫﺪ. ﻋﻠﻤﺎً ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺸﺎﻫﺪﻩ ﺃﺣﺪٌ ﺃﺻـلا ﻓﻲ ﻗﻌﺮ ﺍﻟﺒﺌﺮ ﻭلا ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺭﺅﻳﺘﻪ ﻫﻨﺎﻙ ﺇﻟّﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺣﺠﺮﺍً ﺛﻘﻴـلا لا ﺇﺭﺍﺩﺓ ﻟﻪ، ﻋﻨﺪﺋﺬ ﻓﻘﻂ ﻳﻤﻜﻦ ﺭﺅﻳﺘﻪ ﻫﻨﺎﻙ.

ﻭﺑﻌﺪ، ﻓﺈﻥ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﻧﻘﺎﺵ ﻭﺻﺮﺍﻉ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﻔﺌﺘﻴﻦ ﺍﻟﻤﺘﻌﺎﺭﺿﺘﻴﻦ، ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﻤﺘﺪﺓ ﻣﻦ ﻗﻤﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻗﻌﺮ ﺍﻟﺒﺌﺮ.

ﻓﺠﻤﺎﻋﺔُ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﻫﻢ ﺣﺰﺏ ﺍﻟﻠﻪ؛ ﻳﺒﻴّﻨﻮﻥ ﻣﻮﻗﻊ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺆﺫﻥ ﻓﻲ ﻗﻤﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﺭﺓ ﻟﻤﻦ ﻛﺎﻥ ﻧﻈﺮﻩ ﻳﺮﻗﻰ ﺇﻟﻰ ﻫﻨﺎﻙ، ﻭﻳﺒﻴﻨﻮﻥ ﺃﻥ ﻟﻪ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺭﻓﻴﻌﺔ ﻓﻲ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺳﻠﻢ ﺍﻟﻤﻨﺎﺭﺓ ﻟﻘﺎﺻﺮﻱ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺍﻟﺬﻳﻦ لا ﻳﺮﻗﻰ ﻧﻈﺮُﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ. ﺃﻱ ﻳﺒﻴﻨﻮﻥ ﻣﺮﺗﺒﺘﻪ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﻟِﻜﻞٍ ﺣﺴﺐ ﺃُﻓﻖ ﻧﻈﺮﻩ ﻭﻣﺪﺍﻩ. ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥّ ﺃﻣﺎﺭﺓً ﺻﻐﻴﺮﺓ ﺗﻜﻔﻴﻬﻢ ﻭﺗﺜﺒﺖ ﻟﻬﻢ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺆﺫﻥ ﺍﻟﻔﺎﺿﻞ ﻟﻴﺲ ﺟﺴﻤﺎً ﻛﺎﻟﺤﺠﺮ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﻛﺎلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺼﻌﺪ ﺇﻟﻰ ﺃﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﻭﺃﻥ ﻳﺸﺎﻫﺪ ﻭﻫﻮ ﻳﺮﻓﻊ ﺍلأﺫﺍﻥ ﻣﻦ ﻫﻨﺎﻙ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻔﺌﺔ ﺍلأﺧﺮﻯ؛ ﻭﻫﻢ ﺣﺰﺏ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ، ﻓﻴﻘﻮﻟﻮﻥ: ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﺗُﻈﻬﺮﻭﻩ ﻟﻨﺎ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﻗﻤﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﺭﺓ، ﺃﻭ ﺃﻥ ﻣﻘﺎﻣﻪ ﻓﻲ ﻗﻌﺮ ﺍﻟﺒﺌﺮ. ﻓﻴﺤﻜﻤﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺑﺤﻤﺎﻗﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ.

ﻓﻬﻢ لا ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ -ﻟﺤﻤﺎﻗﺘﻬﻢ- ﺃﻥ ﻋﺪﻡ ﻇﻬﻮﺭﻩ ﻟﻜﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﻗﻤﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﺭﺓ ﻧﺎﺷﺊ ﻣﻦ ﻋﺠﺰ ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻦ ﺍلاﺭﺗﻔﺎﻉ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ، ﺛﻢ ﺇﻧﻬﻢ ﻳﺮﻳﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻐﺎﻟﻄﻮﺍ ﻟﻴﺴﻴﻄﺮﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎﺀ ﻗﻤﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﺭﺓ.

ﻭلأﺟﻞ ﻓﺾ ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﺌﺘﻴﻦ، ﺍﻧﺪﻓﻊ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ ﻭﺧﺎﻃﺐ ﺣﺰﺏ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻗﺎﺋـلا:

ﺃﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﺸﺆﻭﻣﺔ، ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻘﺎﻡُ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺆﺫﻥ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻓﻲ ﻗﻌﺮ ﺍﻟﺒﺌﺮ ﻟﻠﺰﻡ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺟﺎﻣﺪﺍً ﻛﺎﻟﺤﺠﺮ لا ﺣﻴﺎﺓ ﻓﻴﻪ ﻭلا ﻗﻮﺓ، ﻭﻟﻤَﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺸﺎﻫَﺪ ﻓﻲ ﺃﻳﺔ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻤﻨﺎﺭﺓ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺌﺮ. ﻭﻟﻜﻦ ﻭﻣﺎ ﺩﻣﺘﻢ ﺗﺸﺎﻫﺪﻭﻧﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ، ﻓـلاﺷﻚ ﺃﻟّﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺟﺎﻣﺪﺍً لا ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻟﻪ ﻭلا ﺣﻴﺎﺓ، ﺑﻞ لاﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻘﺎﻣﻪ ﻗﻤﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﺭﺓ. ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻣﺎ ﺃﻥ ﺗﻈﻬﺮﻭﻩ ﻓﻲ ﻗﻌﺮ ﺍﻟﺒﺌﺮ -ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ لا ﺗﻘﺪﺭﻭﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﻄﻌﺎً ﻭلا ﺗﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ ﺃﻥ ﺗﻘﻨﻌﻮﺍ ﺑﻪ ﺃﺣﺪﺍً ﺃﺑﺪﺍً- ﺃﻭ ﺃﻟﺰﻣﻮﺍ ﺍﻟﺼﻤﺖ، ﻓﺈﻥ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺩﻓﺎﻋﻜﻢ ﻣﺤﺼﻮﺭ ﻓﻲ ﻗﻌﺮ ﺍﻟﺒﺌﺮ. ﺃﻣﺎ ﺑﻘﻴﺔُ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺍﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺨﺺ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ، ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﺃﻳﻨﻤﺎ ﺃﻇﻬﺮﻭﻩ، ﺳﻮﻯ ﻗﻌﺮ ﺍﻟﺒﺌﺮ، ﻓﻬﻢ ﻳﻜﺴﺒﻮﻥ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻣﺒﺤﺚ ﺍﻟﻤﻨﺎﻇﺮﺓ ﻣﻊ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺷﺒﻴﻪ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺄﺧﺬ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﻤﻤﺘﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺮﺵ، ﻣﻦ ﻳﺪ ﺣﺰﺏ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻭﻳﺤﺼﺮﻫﻢ ﻓﻲ ﺃﺿﻴﻖ ﻣﻜﺎﻥ ﻭﻫﻮ ﻗﻌﺮ ﺍﻟﺒﺌﺮ، ﻭﻳﻘﺤﻤﻬﻢ ﻓﻲ ﺃﺿﻴﻖ ﺛﻘﺐ لا ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﻓﻴﻪ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﻣﺤﺎﻝ ﻭﻏﻴﺮ ﻣﻌﻘﻮﻝ ﻗﻄﻌﺎً، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ.

ﻓﺈﻥ ﻗﻴﻞ ﻟﻬﻢ: ﻛﻴﻒ ﺗﺮﻭﻥ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ؟

ﻓﺴﻴﻘﻮﻟﻮﻥ: ﻛﺘﺎﺏ ﺇﻧﺴﺎﻧﻲ ﻳﺮﺷﺪ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺧـلاﻕ ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ، ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻬﻢ:

ﺇﺫﻥ ﻫﻮ ﻛـلاﻡ ﺍﻟﻠﻪ، ﺇﺫ ﺃﻧﺘﻢ ﻣﻀﻄﺮﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﻗﺒﻮﻝ ﻫﺬﺍ، لأﻧﻜﻢ لا ﺗﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑ«ﺣﺴﻦ» ﺣﺴﺐ ﻣﺴﻠﻜﻜﻢ.

ﻭﻛﺬﺍ ﺇﻥ ﻗﻴﻞ ﻟﻬﻢ: ﻛﻴﻒ ﺗﻌﺮﻓﻮﻥ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم؟

ﻓﺴﻴﻘﻮﻟﻮﻥ: ﺇﻧﻪ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺫﻭ ﺃﺧـلاﻕ ﺣﺴﻨﺔ ﻭﻋﻘﻞ ﺭﺍﺟﺢ، ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻬﻢ:

ﺇﺫﻥ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺑﻪ، لأﻧﻪ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺫﺍ ﺃﺧـلاﻕ ﺣﺴﻨﺔ، ﻭﻋﻘﻞ ﺭﺍﺟﺢ ﻓﺈﻧﻪ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ، لأﻥ ﻗﻮﻟﻜﻢ ﺣﺴﻦ لا ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﻣﺴﻠﻜﻜﻢ..

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﺳﺎﺋﺮ ﺟﻬﺎﺕ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻘﻴﺔ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ.

ﻓﺒﻨﺎﺀﺍً ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ: ﻓﺈﻥ ﺫﻟﻚ «ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﺍلأﻭﻝ» ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﻇﺮﺓ ﻣﻊ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻳﻨﺠﻲ ﺇﻳﻤﺎﻥَ ﺃﻫﻞ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺑﺄﺩﻧﻰ ﺃﻣﺎﺭﺓ ﻭﺃﺻﻐﺮ ﺩﻟﻴﻞ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍلأﺣﻤﺪﻳﺔ ﺑﺒﺮﺍﻫﻴﻨﻬﺎ ﺍﻟﻘﺎﻃﻌﺔ. ﺇﺫ ﺇﻥ ﻛﻞّ ﺣﺎﻝ ﻣﻦ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ ﺍلأﺣﻤﺪﻳﺔ، ﻭﻛﻞّ ﺧﺼﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺼﺎﻝ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ، ﻭﻛﻞّ ﻃﻮﺭ ﻣﻦ ﺍلأﻃﻮﺍﺭ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣﻌﺠﺰﺓ ﻣﻦ ﻣﻌﺠﺰﺍﺗﻪ صلى الله عليه وسلم ﺗﺒﻴﻦ ﻭﺗﺜﺒﺖ ﺃﻥ ﻣﻘﺎﻣﻪ ﻓﻲ ﺃﻋﻠﻰ ﻋﻠﻴﻴﻦ ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻗﻌﺮ ﺍﻟﺒﺌﺮ ﺍﻟﺒﺘﺔ.

  ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ

  ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺫﺍﺕ ﻋﺒﺮﺓ:

ﻟﻘﺪ ﺍﺿﻄﺮﺭﺕ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺎﻥ ﺇﻛﺮﺍﻡ ﺭﺑﺎﻧﻲ ﻭﺣﻤﺎﻳﺔ ﺇﻟﻬﻴﺔ ﻳﺨﺼﺎﻥ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺣﺪَﻫﺎ. ﺑﺪلاﻟﺔ ﺳﺒﻊ ﺃﻣﺎﺭﺍﺕ ﺗﺸﺪّ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻟﻘﺴﻢٍ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺑﻲ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﻌﺮّﺿﻮﺍ ﻟﻠﺸﺒﻬﺎﺕ ﻭﺃﺻﺎﺑﻬﻢ ﺍﻟﻔﺘﻮﺭُ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ. ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻜﻲ ﺃﻧﻘﺬ ﺑﻌﺾَ ﺃﺻﺤﺎﺑﻲ ﻣﻦ ﻣﺮﻫﻔﻲ ﺍلأﻋﺼﺎﺏ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺄﺛﺮﻭﻥ ﺑﺴﺮﻋﺔ.

ﻓﺎلأﻣﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﺒﻌﺔ، ﺃﺭﺑﻌﺔٌ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻌﻮﺩ لأﺷﺨﺎﺹ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺃﺻﺪﻗﺎﺀ ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﺗﺨﺬﻭﺍ ﻃﻮﺭَ ﺍﻟﻌﺪﺍﺀ ﻟﻜﻮﻧﻲ ﺧﺎﺩﻣﺎً ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﻭﻟﻴﺲ ﻟﺸﺨﺼﻲ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ. ﻭﺗﻠﺒّﺴﻮﺍ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻄﻮﺭ ﻟﻤﻘﺎﺻﺪ ﺩﻧﻴﻮﻳﺔ، ﻓﺘﻠﻘَﻮﺍ ﺍﻟﺼﻔﻌﺎﺕ ﺧـلاﻑَ ﻣﻘﺼﻮﺩﻫﻢ.

ﺃﻣﺎ ﺍلأﻣﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺜـلاﺙ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻓﺘﻌﻮﺩ لأﻓﺮﺍﺩ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺃﺻﺪﻗﺎﺀ ﻭﻣﺨﻠﺼﻴﻦ ﺣﻘﻴﻘﻴﻴﻦ، ﻭﻫﻢ لا ﻳﺰﺍﻟﻮﻥ ﻛﺬﻟﻚ. ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳُﻈﻬﺮﻭﺍ ﻃﻮﺭَ ﺍﻟﺮﺟﻮﻟﺔ ﻭﺍﻟﺸﻬﺎﻣﺔ -ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﺘﻀﻴﻪ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ ﻭﺍلأﺧﻮﺓ- ﻛﺴﺒﺎً ﻟﻮﺩّ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺇﻋﺠﺎﺑﻬﻢ ﺑﻬﻢ، ﻭﻟﻴﻐﻨَﻤﻮﺍ ﻣﻐﻨﻤﺎً ﺩﻧﻴﻮﻳﺎً ﻭﻳﺴﻠَﻤﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻭﺍﻟﺒـلاﻳﺎ. ﻭﻟﻜﻦ ﺃﺻﺤﺎﺑﻲ ﺍﻟﺜـلاﺛﺔ ﻫﺆلاﺀ ﺗﻠﻘَّﻮﺍ ﻋﺘﺎﺑﺎً -ﻣﻊ ﺍلأﺳﻒ- ﺧـلاﻑ ﻣﻘﺼﻮﺩﻫﻢ.

ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍلأﻭﻝ: ﻣﻤﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺃﺻﺪﻗﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﺛﻢ ﺑﺪﺭ ﻣﻨﻬﻢ ﻃﻮﺭُ ﺍﻟﻌﺪﺍﺀ، ﻫﻮ ﻣﺪﻳﺮ ﻣﺴﺆﻭﻝ، ﻃﻠﺐ ﻣﻨﻲ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ» ﺑﺘﻮﺳﻞ ﻭﺇﻟﺤﺎﺡ ﻭﺑﻌﺪﺓ ﻭﺳﺎﺋﻂ، ﻓﺄﻋﻄﻴﺘُﻪ ﺇﻳﺎﻫﺎ، ﺇلا ﺃﻧﻪ ﺗﻘﻠّﺪ ﻃﻮﺭ ﺍﻟﻌﺪﺍﺀ ﻭﺗﺮﻙ ﺻﺪﺍﻗﺘﻲ ﻋﻠّﻪ ﻳﺘﺮﻗﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ، ﻭﺳﻠّﻢ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺍﻟﻲ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺷﻜﻮﻯ ﻭﺇﺧﺒﺎﺭ ﻋﻨﻲ. ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻋُﺰﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﺑﺪلا ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺮﻗﻲ ﻓﻴﻬﺎ، ﻛﺄﺛﺮٍﻣﻦ ﺁﺛﺎﺭ ﺍلإﻛﺮﺍﻡ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ.

ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻣﺪﻳﺮ ﻣﺴﺆﻭﻝ ﺁﺧﺮ، ﻛﺎﻥ ﺻﺪﻳﻘﺎً، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﺍﺗﺨﺬ ﻃﻮﺭ ﺍﻟﻌﺪﺍﺀ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻓﺲ لا ﻟﺸﺨﺼﻲ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻟﻜﻮﻧﻲ ﺧﺎﺩﻣﺎً ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻴُﺮﺿﻲ ﺭﺅﺳﺎﺀﻩ، ﻭﻟﻴﻜﺴﺐ ﺇﻗﺒﺎﻝ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺗﻮﺟﻬﻬﻢ ﻧﺤﻮﻩ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﻗﻮﺑﻞ ﺑﻠﻄﻤﺔٍ ﺧـلاﻑَ ﻣﻘﺼﻮﺩﻩ، ﻓﺤﻮﻛﻢ ﻓﻲ ﻗﻀﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﺨﻄﺮ ﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻝ، ﺛﻢ ﺭﺟﺎ ﺩﻋﺎﺀً ﻣﻦ ﺧﺎﺩﻡ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ، ﻓﻠﻌﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﻨﺠﻴﻪ، ﻓﻠﻘﺪ ﺩُﻋﻲ ﻟﻪ.

ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﻣﻌﻠﻢ ﻣﺪﺭﺳﺔ، ﻛﺎﻥ ﺻﺪﻳﻘﺎً ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ، ﻓﺄﻇﻬﺮﺕُ ﻟﻪ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺼﺪﺍﻗﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ. ﺇلا ﺃﻧﻪ ﺍﺗﺨﺬ ﻃﻮﺭَ ﺍﻟﻌﺪﺍﺀ ﻟﻴُﻨﻘَﻞ ﺇﻟﻰ «ﺑﺎﺭلا» ﻓﺘﻠﻘﻰ ﻟﻄﻤﺔ، ﺧـلاﻑ ﻣﻘﺼﻮﺩﻩ، ﺇﺫ ﺳﻴﻖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻨﺪﻳﺔ ﻓﺄُﺑﻌﺪ ﻋﻦ «ﺑﺎﺭلا».

  ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ: ﻣﻌﻠﻢ ﻣﺪﺭﺳﺔ، ﻛﻨﺖ ﺃﺭﺍﻩ ﻣﺘﺪﻳﻨﺎً ﻭﺣﺎﻓﻈﺎً ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻓﺄﻇﻬﺮﺕُ ﻟﻪ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺼﺪﺍﻗﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ، ﻟﻌﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺮﺯﻗﻪ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ -ﺑﻤﺠﺮﺩ ﻛـلاﻡ ﻣﻦ ﻣﻮﻇﻒ ﻣﺴﺆﻭﻝ- ﺍﺗﺨﺬ ﻣﻮﻗﻔﺎً ﻣﺘﺨﺎﺫلا ﻭﻣﺠﺎﻓﻴﺎً ﻟﻨﺎ ﻟﻴﻨﺎﻝ ﺗﻮﺟّﻪ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻪ، ﻓﺠﺎﺀﺗﻪ ﻟﻄﻤﺔ ﺗﺄﺩﻳﺐ ﺧـلاﻑ ﻣﻘﺼﻮﺩﻩ، ﺇﺫ ﻭﺑّﺨﻪ ﻣﻔﺘﺸُﻪ ﺗﻮﺑﻴﺨﺎً ﺷﺪﻳﺪﺍً، ﺛﻢ ﻋُﺰﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ.

ﺇﻥ ﻫﺆلاﺀ ﺍلأﺭﺑﻌﺔ ﺫﺍﻗﻮﺍ ﻟﻄﻤﺔَ ﺗﺄﺩﻳﺐ لاﺗﺨﺎﺫﻫﻢ ﻃﻮﺭ ﺍﻟﻌﺪﺍﺀ ﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺜـلاﺛﺔ ﺍلآﺧﺮﻭﻥ ﻣﻦ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﻴﻦ ﻓﻘﺪ ﺗﻠﻘَﻮﺍ ﺗﻨﺒﻴﻬﺎً -لا ﻟﻄﻤﺔ- ﻟﻌﺪﻡ ﺍﺗﺨﺎﺫﻫﻢ ﻃﻮﺭ ﺍﻟﺮﺟﻮﻟﺔ ﻭﺍﻟﺸﻬﺎﻣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺘﻀﻴﻬﺎ ﺍﻟﺼﺪﺍﻗﺔ ﻭﺍﻟﻮﻓﺎﺀ.

ﺍلأﻭﻝ: ﻫﻮ ﺃﺣﺪ ﻃـلاﺑﻲ ﺍﻟﺠﺎﺩﻳﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﺼﻴﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺣﺎﺯﻭﺍ ﺃﻫﻤﻴﺔ (ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ) ﻭﻫﻮ ﺷﺨﺺ ﻣﻮﻗﺮ ﻓﺎﺿﻞ ﻛﺎﻥ ﻳﻜﺘﺐ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻭﻳﻨﺸﺮﻫﺎ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﺧﺒﺄ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﻬﺎ ﻭﺗﺮﻙ ﺍلاﺳﺘﻨﺴﺎﺥ ﻣﻮﻗﺘﺎً ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺠﻲﺀ ﻣﺴﺆﻭﻝ ﻛﺒﻴﺮ ﻏﺮﻳﺐ ﺍلأﻃﻮﺍﺭ ﻭﻟﻮﻗﻮﻉ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﺌـلا ﻳُﺠﺎﺑِﻪَ ﻋﻨﺘﺎً ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭلا ﻳﺠﺪ ﺍﻟﻀﻴﻖ ﻣﻨﻬﻢ، ﻭﻟﻴﺄﻣﻦ ﺷﺮَّﻫﻢ. ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻘﺼﻴﺮ ﺍﻟﻨﺎﺟﻢ ﻋﻦ ﺗﻌﻄﻴﻞ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺃﻭﺭﺛﻪ ﺃﻥ ﻳﻮﺿَﻊ ﻧﺼﺐ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﺩﻓﻊ ﻏﺮﺍﻣﺔ ﺃﻟﻒ ﻟﻴﺮﺓ ﻟﺴﻨﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﺣﺎﻟﻤﺎ ﻧﻮﻯ ﺍلاﺳﺘﻨﺴﺎﺥ ﻭﻋﺎﺩ ﺇﻟﻰ ﻭﺿﻌﻪ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ، ﺗﺒﺮﺃ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﻋﻮﻯ ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﺔ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﺑُﺮﺋﺖ ﺳﺎﺣﺘُﻪ ﻭﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﻤﺪ، ﻭﻧﺠﺎ ﻋﻦ ﺩﻓﻊ ﺃﻟﻒ ﻟﻴﺮﺓ، ﻭﻫﻮ ﻓﻘﻴﺮ ﺍﻟﺤﺎﻝ.

 ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺻﺪﻳﻖ ﻭﻓﻲّ ﺷﺠﺎﻉ ﺷﻬﻢ ﻛﺎﻥ ﺟﺎﺭﻱ ﻣﻨﺬ ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮﺍﺕ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻠﻘﻨﻲ ﻟﺒﻀﻌﺔ ﺃﺷﻬﺮ، ﻭﻟﻢ ﻳﺰﺭﻧﻲ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻴﺪ ﺗﻬﺎﻭﻧﺎً ﻣﻨﻪ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻜﺴﺐ ﺗﻮﺟﻪ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻪ ﻭﻧﻴﻞ ﺭﺿﺎﻫﻢ ﻋﻨﻪ، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺗﻰ ﺣﺪﻳﺜﺎً، ﻟﻜﻦ ﺧﺎﺏ ﺃﻣﻠُﻪ، ﻭﻟﻘﻲ ﺧـلاﻑ ﻣﻘﺼﻮﺩﻩ، ﺇﺫ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻝ ﻧﻔﻮﺫ ﻛﺎﻟﺴﺎﺑﻖ، ﺣﻴﺚ ﺍﻧﺘﻬﺖ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ.

  ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺣﺎﻓﻆ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ، ﻛﺎﻥ ﻳﺰﻭﺭﻧﻲ ﻣﺮﺓ ﺃﻭ ﻣﺮﺗﻴﻦ ﻓﻲ ﺍلأﺳﺒﻮﻉ، ﻋﻴّﻦ ﺇﻣﺎﻣﺎً ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻊ، ﻭﺗﺮﻛﻨﻲ ﻟﻴﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻟﺒﺲ ﺍﻟﻌﻤﺎﻣﺔ، ﻭﻟﻢ ﻳﺄﺗﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻴﺪ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺴﻬﺎ -ﺧـلاﻓﺎً ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ- ﻭﺑﻌﻜﺲ ﻣﻘﺼﻮﺩﻩ، ﺭﻏﻢ ﺃﻧﻪ ﺃﺩّﻯ ﺍلإﻣﺎﻣﺔ ﺯﻫﺎﺀ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﺷﻬﻮﺭ.

ﻭﺃﻣﺜﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً، لا ﺃﺫﻛﺮﻫﺎ ﻟﺌـلا ﺃﺟﺮﺡ ﺷﻌﻮﺭ ﺍﻟﺒﻌﺾ، ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﻣﻨﻔﺮﺩﺓ ﻗﺪ ﺗُﻌﺪ ﺃﻣﺎﺭﺍﺕ ﺿﻌﻴﻔﺔ ﺇﻟّﺎ ﺃﻥ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻬﺎ ﻳُﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻘﻮﺓ ﻭﻳﻮﺭﺙ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﻭﺍلاﻃﻤﺌﻨﺎﻥ؛ ﺑﺄﻧﻨﺎ ﻧﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺇﻛﺮﺍﻡ ﺇﻟﻬﻲ ﻭﺗﺤﺖ ﺭﻋﺎﻳﺔ ﺭﺑﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺷﺨﺼﻲ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﺇﺫ لا ﺃﺟﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﺎ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﺄﻱ ﺇﻛﺮﺍﻡ ﺇﻟﻬﻲ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ.

ﻓﻌﻠﻰ ﺃﺻﺤﺎﺑﻲ ﺍلأﺣﺒﺎﺏ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﻛﻮﺍ ﻫﺬﺍ ﺟﻴﺪﺍً، ﻭﺃﻟّﺎ ﻳﺒﺎﻟﻮﺍ ﺑﺎﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﻭﺍلأﻭﻫﺎﻡ. ﻭﺇﻧﻲ ﺃﺑﻴﻨﻬﺎ ﻟﻬﻢ ﺧﺎﺻﺔ لأﻥ ﺍلإﻛﺮﺍﻡ ﺇﻛﺮﺍﻡ ﺇﻟﻬﻲ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ، ﻭﺇﻥ ﺍلأﻣﺮ ﻟﻴﺲ ﻟﻠﻔﺨﺮ ﺑﻞ ﻫﻮ ﺷﻜﺮ ﻟﻠﻪ. ﻓﺎلأﻣﺮ ﺍلإﻟﻬﻲ ﺻﺮﻳﺢ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿ﻭﺃﻣﺎ ﺑﻨﻌﻤﺔ ﺭﺑﻚ ﻓﺤﺪّﺙ﴾ (ﺍﻟﻀﺤﻰ:١١).

  ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻣﻨﺔ

ﺳﺆﺍﻝ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻟﻠﺴﺒﺐ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﻣﻦ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﺎﻧﻌﺔ ﻟـلاﺟﺘﻬﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ».

  ﺳﺆﺍﻝ ﻣﻬﻢ: ﻳﻘﻮﻝ ﺑﻌﺾ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ:

ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍلأﻟﻔﺎﻅ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ، ﻭﺍلأﺫﻛﺎﺭ ﺍﻟﻤﺄﺛﻮﺭﺓ، ﻭﺍﻟﺘﺴﺒﻴﺤﺎﺕ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩﺓ، ﺗﻨﻮّﺭ ﺷﺘﻰ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻟـلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺗﻐﺬﻳﻪ ﺭﻭﺣﻴﺎً، ﺃلا ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺍلأﻓﻀﻞ ﺃﻥ ﻳﺼﻮﻍ ﻛﻞُّ ﻗﻮﻡ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻟﻔﺎﻅ ﻭﻓﻖ ﻟﺴﺎﻧﻬﻢ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺣﺘﻰ ﺗُﻔﻬﻢ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ؟ ﺇﺫ ﺍلأﻟﻔﺎﻅ ﻭﺣﺪﻫﺎ لا ﺗﻔﻲ ﺑﺎﻟﻐﺮﺽ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ ﺇﺫ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ ﺃﻟﺒﺴﺔ ﻭﻗﻮﺍﻟﺐ ﻟﻠﻤﻌﺎﻧﻲ؟

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﺇﻥَّ ﺃﻟﻔﺎﻅ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺘﺴﺒﻴﺤﺎﺕ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ، ﻟﻴﺲ ﻟﺒﺎﺳﺎً ﺟﺎﻣﺪﺍً ﻳﻘﺒﻞ ﺍﻟﺘﺒﺪﻳﻞ ﻭﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻣﺜَﻠﻪ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺠﻠﺪ ﺍﻟﺤﻲ ﻟﻠﺠﺴﺪ، ﺑﻞ ﺇﻧﻬﺎ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻓﻌـلا ﺟﻠﺪﺍً ﺣﻴﺎً ﺑﻤﺮﻭﺭ ﺍﻟﺰﻣﻦ، ﻭلا ﺟﺪﺍﻝ ﻓﻲ ﺃﻥَّ ﺗﺒﺪﻳﻞ ﺍﻟﺠﻠﺪ ﻭﺗﻐﻴﻴﺮَﻩ ﻳﻀﺮ ﺍﻟﺠﺴﻢ.

ﺛﻢ ﺇﻥَّ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺼـلاﺓ، ﻭﺍﻟﺬﻛﺮ، ﻭﺍلأﺫﺍﻥ، ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺍﺳﻤﺎً ﻭ ﻋَﻠَﻤﺎ ﻟﻤﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﺍﻟﻌُﺮﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺒﺪﻳﻞ ﺍلاﺳﻢ ﻭﺍﻟﻌﻠَﻢ.

ﻭﻟﻘﺪ ﺗﻮﺻﻠﺖُ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﻭﺍلإﻣﻌﺎﻥ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺮﺕ ﻋﻠﻲَّ، ﻭﻫﻲ:

ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﻗﺮﺃ ﻳﻮﻡ ﻋﺮﻓﺔ «ﺳﻮﺭﺓ ﺍلإﺧـلاﺹ» ﻣﺌﺔ ﻣﺮﺓ ﻣﻜﺮﺭﺍً ﺇﻳﺎﻫﺎ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ لاﺣﻈﺖ: ﺃﻥَّ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ ﺣﻮﺍﺳﻲ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ، ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺃﺧﺬﺕ ﻏﺬﺍﺀﻫﺎ ﺑﺎﻟﺘﻜﺮﺍﺭ ﻗﺪ ﻣﻠّﺖ ﻭﺗﻮﻗﻔﺖ؛ ﻭﺃﻥ ﻗﻮﺓ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲّ ﻗﺪ ﺗﻮﺟﻬﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ، ﻓﺄﺧﺬﺕْ ﺣﻈَّﻬﺎ، ﺛﻢ ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻭﻣﻠّﺖ. ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺬﻭﻕ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﺮﻭﺣﻴﺔ ﻭﻳﺪﺭﻛﻬﺎ، ﻫﻮ ﺃﻳﻀﺎً ﻗﺪ ﺳﻜﺖ، ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺃﺧﺬ ﻧﺼﻴﺒﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻜﺮﺍﺭ.

ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺑﺎﻟﻤﻮﺍﻇﺒﺔ ﻭﺍﻟﺘﻜﺮﺍﺭ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﺭﺃﻳﺖ ﺃﻥَّ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻲ لا ﻳﻤﻞّ ﺑﺴﺮﻋﺔ، ﻓـلا ﺗﻀﺮﻩ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔُ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻀﺮ ﻗﻮﺓَ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ، ﺑﻞ ﺇﻧﻪ ﻳﺴﺘﻤﺮ ﻭﻳﺪﺍﻭﻡ ﻓﻲ ﺃﺧﺬ ﺣﻈﻪ ﺑﺤﻴﺚ لا ﻳﺪﻉ ﺣﺎﺟﺔً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺪﻗﻴﻖ ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ، ﺇﺫ ﻳﻜﻔﻴﻪ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻌﺮﻓﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﺳﻢٌ ﻭﻋﻠَﻢ، ﻭﻳﻜﻔﻴﻪ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﻭﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍلإﺟﻤﺎﻟﻲ ﻟﺘﻠﻚ ﺍلأﻟﻔﺎﻅ ﺍﻟﻐﻨﻴﺔ ﺍﻟﻤﺸﺒﻌﺔ. ﺑﻞ ﺭﺑﻤﺎ ﻳﻮﺭﺙ ﺳﺂﻣﺔً ﻭﻣﻠـلا ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺒﺪﺃ ﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ، ﺫﻟﻚ لأﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ لا ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺗﻌﻠّﻢ ﻭﺗﻔﻬﻴﻢ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺬﻛﺮ ﻭﺍﻟﺘﻮﺟﻴﻪ ﻭﺍﻟﺤﺚ.

ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﺠﻠﺪ ﻳﻜﻔﻲ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﻭﻓﻲ ﺃﺩﺍﺀ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ، ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺃﻥَّ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻟﻔﺎﻅ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻫﻲ ﻣﺒﻌﺚ ﻓﻴﺾ ﺩﺍﺋﻢ، ﺇﺫ ﺗﺬﻛِّﺮ ﺑﺎﻟﻜـلاﻡ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻭﺍﻟﺘﻜﻠﻢ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﺮﺑﺘُﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﺗﺒﻴﻦ ﻟﻨﺎ:

ﺃﻥَّ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﺑﺄﻱ ﻟﻐﺔٍ ﻛﺎﻧﺖ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻋﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍلأﺫﺍﻥ ﻭﺗﺴﺒﻴﺤﺎﺕ ﺍﻟﺼـلاﺓ، ﻭﺳﻮﺭﺓ ﺍلإﺧـلاﺹ ﻭﺍﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻜﺮﺭ ﺩﺍﺋﻤﺎ، ﺿﺎﺭٌ ﺟﺪﺍً. ﺫﻟﻚ لأﻥ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﺍﻟﺪﺍﺋﻤﺔ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﺤﺮﻭﻣﺔً ﻣﻦ ﻧﺼﻴﺒﻬﺎ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺗﻔﻘﺪ ﺍﻟﻤﻨﺎﺑﻊ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺍﻟﺪﺍﺋﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍلأﻟﻔﺎﻅ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ. ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻧﻪ ﻳﻀﻴﻊ ﻓﻲ ﺍلأﻗﻞ ﻋﺸﺮ ﺣﺴﻨﺎﺕ ﻟﻜﻞ ﺣﺮﻑ. ﻭﻟﻌﺪﻡ ﺩﻭﺍﻡ ﺍﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ ﻭﺍﻟﺤﻀﻮﺭ ﺍﻟﻘﻠﺒﻲ ﻟﻜﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺼـلاﺓ، ﺗﺒﻌﺚ ﺍﻟﺘﻌﺎﺑﻴﺮُ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺘﺮﺟَﻤﺔ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻇﻠﻤﺘَﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻭﺡ.. ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍلأﺿﺮﺍﺭ ﺍلأﺧﺮﻯ.

ﻧﻌﻢ، ﻓﻜﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍلإﻣﺎﻡ ﺃﺑﻮ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺇﻥَّ: (لا ﺇﻟﻪ ﺇﻟّﺎ ﺍﻟﻠﻪ) ﻋَﻠَﻢٌ ﻟﻠﺘﻮﺣﻴﺪ. ﻛﺬﻟﻚ ﻧﻘﻮﻝ: ﺃﻥَّ ﺍلأﻛﺜﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺘﺴﺒﻴﺤﺎﺕ ﻭﺍلأﺫﻛﺎﺭ ﻭﺧﺎﺻﺔ ﻛﻠﻤﺎﺕ ﺍلأﺫﺍﻥ ﻭﺍﻟﺼـلاﺓ ﻭﺍﻟﺬﻛﺮ، ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺍلاﺳﻢ ﻭﺍﻟﻌَﻠَﻢ، ﻓﻴُﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﺍﻟﻌﺮﻓﻴﺔ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﺍﻟﻠﻐﻮﻳﺔ، ﻟﺬﺍ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺷﺮﻋﺎً ﺗﺒﺪﻳﻠﻬﺎ ﻣﻄﻠﻘﺎً.

ﺃﻣﺎ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ لاﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻔﻬﻤﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﺆﻣﻦ، ﻓﺈﻥ ﺃﻱ ﺷﺨﺺ ﻋﺎﻣﻲ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﻔﻬﻢ ﻭﻳﺘﻌﻠﻢ ﻣﺠﻤﻞ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﻗﺼﺮ ﻭﻗﺖ. ﻓﻜﻴﻒ ﻳُﻌﺬﺭ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻀﻲ ﻋﻤﺮﻩ ﻣﺎﻟﺌﺎً ﻓﻜﺮَﻩ ﻭﻋﻘﻠﻪ ﺑﻤﺎ لا ﻳﻌﻨﻴﻪ ﻣﻦ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻭلا ﻳﺼﺮﻑ ﺟﺰﺀﺍً ﺿﺌﻴـلا ﻣﻦ ﻭﻗﺘﻪ ﻟﻔﻬﻢ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢُ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍلأﺑﺪﻳﺔ ﻭﺳﻌﺎﺩﺗﻪ ﺍﻟﺪﺍﺋﻤﺔ. ﺑﻞ ﻛﻴﻒ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﻛﻴﻒ ﻳﻘﺎﻝ ﻋﻨﻪ ﺃﻧﻪ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻋﺎﻗﻞ!!

ﻓﻬﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻓﻲ ﺷﻲﺀ ﺃﻥ ﺗﻔﺴﺪ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻟﻔﺎﻅ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﺴﺘﻮﺩﻉ ﻣﻨﺎﺑﻊ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻧﻮﺍﺭ لأﺟﻞ ﺗﻘﺎﻋﺲ ﻫﺆلاﺀ ﺍﻟﻜﺴﺎﻟﻰ؟!

ﺛﻢ ﺇﻧﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻘﻮﻝ ﺃﻱ ﻣﺆﻣﻦ، ﺑﺄﻱ ﻟﻐﺔٍ ﻳﺘﻜﻠﻢ: ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻳﻘﺪﺱ ﺭﺑَّﻪ ﺟﻞ ﻭﻋـلا.. ﺃلا ﻳﻜﻔﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﺭ؟! ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﺣﺼﺮ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣَﻪ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩ، ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ ﺍﻟﺨﺎﺹ، ﻓﺈﻧﻪ لا ﻳﺘﻌﻠﻢ ﺇﻟَّﺎ ﺣﺴﺐ ﺗﻔﻜﻴﺮﻩ ﻭﻋﻘﻠﻪ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺄﺧﺬ ﺣﻈَّﻪ ﻭﻳﻔﻬﻢ ﻣﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻧﻪ ﻳﻜﺮﺭ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﻣﺮﺓ ﻳﻮﻣﻴﺎً ﻓﻔﻀـلا ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍلإﺟﻤﺎﻟﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺳَﺮﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﻭﺍﻣﺘﺰﺝ ﻣﻌﻪ ﻫﻮ ﻣﺒﻌﺚ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﻭﻓﻴﻮﺿﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻟﻔﺎﻅ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻬﺎ ﺃﻫﻤﻴﺘُﻬﺎ ﻭﻗﺪﺍﺳﺘُﻬﺎ ﻭﺃﻧﻮﺍﺭﻫﺎ ﻭﻓﻴﻮﺿﺎﺗﻬﺎ، ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻬﺎ ﻛـلاﻡ ﺇﻟﻬﻲ.

  ﻭﻣﺠﻤﻞ ﺍﻟﻘﻮﻝ: ﺇﻧﻪ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻡَ ﻣﻘﺎﻡ ﺍلأﻟﻔﺎﻅ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﺤﺎﻓﻆ ﻭﻣﻨﺎﺑﻊ ﻟﻠﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺃﻱُّ ﻟﻔﻆ ﺁﺧﺮ، ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ لأﻱ ﻟﻔﻆ ﺁﺧﺮ ﺃﻥ ﻳﺤﻞّ ﻣﺤﻠﻬﺎ ﻗﻄﻌﺎً، ﻭلا ﺃﻥ ﻳﺆﺩﻱ ﺍﻟﻐﺮﺽ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻘﺪﺳﻴﺘﻬﺎ، ﻭﺳﻤﻮﻫﺎ، ﻭﺩﻭﺍﻣﻬﺎ، ﻭﺇﻥ ﺃﺩﻯ ﻣﺆﻗﺘﺎً ﺟﺰﺀﺍً ﺿﺌﻴـلا ﻣﻨﻬﺎ. ﺃﻣﺎ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ﻓﻠﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﺒﺪﻳﻞ ﺃﻟﻔﺎﻇﻬﺎ ﺃﻳﻀﺎً لأﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺗﻨﺪﻓﻊ ﺑﺎﻟﻤﻮﺍﻇﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺼﻴﺤﺔ ﻭﺍلإﺭﺷﺎﺩ ﻭﺍﻟﻮﻋﻆ.

 ﻭﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ: ﺇﻥ ﺷﻤﻮﻟﻴﺔَ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻔﺼﺤﻰ ﻭﺳﻌﺘَﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺒﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰ ﻓﻲ ﺍلأﻟﻔﺎﻅ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ، ﺗﺤﻮلاﻥ ﺩﻭﻥ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻟﻔﺎﻅ، ﻭﻟﺬﻟﻚ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺮﺟﻤﺘﻬﺎ ﻗﻄﻌﺎً، ﺑﻞ ﺇﻧﻪ ﻣﺤﺎﻝ. ﻭﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﺎﻭﺭﻩ ﺍﻟﺸﻚ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﻓﻠﻴﺮﺍﺟﻊ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻟﻴﺮﻯ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﺍلآﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺑﺈﻋﺠﺎﺯﻫﺎ ﻭﺗﺸﻌﺒﻬﺎ ﻭﺷﻤﻮﻟﻬﺎ ﻭﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ﻭﻣﻌﻨﺎﻫﺎ ﺍﻟﺮﻓﻴﻊ ﻭﺃﻳﻦ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﺘﺮﺟﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻌﻨﻰ ﻣﺒﺘﻮﺭ ﺑﻞ ﻧﺎﻗﺺ ﻭﻗﺎﺻﺮ.

ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ

  ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺗﻜﺸﻒ ﺳﺮﺍً ﻣﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ.

  ﺇﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍلاﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳُﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ «ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ»، ﻭﻫﻢ ﻳﻤﺜﻠﻮﻥ ﺍﻟﻐﺎﻟﺒﻴﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلإﺳـلاﻣﻲ، ﻗﺪ ﻗﺎﻣﻮﺍ ﺑﺤﻔﻆ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺠّﺘﻬﺎ ﺍﻟﺒﻴﻀﺎﺀ ﺍﻟﻨﺎﺻﻌﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺎﺗﺒﺎﻋﻬﻢ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﺑﺤﺬﺍﻓﻴﺮﻫﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ، ﺩﻭﻥ ﻧﻘﺺ ﺃﻭ ﺯﻳﺎﺩﺓ، ﻓﻨﺸﺄﺕ ﺍلأﻛﺜﺮﻳﺔُ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻣﻦ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ. ﻭﻟﻜﻦ ﺷﻮﻫﺪ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀٌ ﺁﺧﺮﻭﻥ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﺨﺎﻟﻒ ﺃﺻﻮﻝَ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ، ﻭﺧﺎﺭﺟﺔ ﻋﻦ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺩﺳﺎﺗﻴﺮﻫﻢ، ﻓﺎﻧﻘﺴﻢ ﺍﻟﻨﺎﻇﺮﻭﻥ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﻫﺆلاﺀ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﻗﺴﻤﻴﻦ:

  ﺍلأﻭﻝ: ﻫﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﻧﻜﺮﻭﺍ ﻭلاﻳﺘَﻬﻢ ﻭﺻـلاﺣَﻬﻢ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺘﻬﻢ ﺃﺻﻮﻝ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺑﻞ ﻗﺪ ﺫﻫﺒﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻌﺪ ﻣﻦ ﺍلإﻧﻜﺎﺭ، ﺣﻴﺚ ﻛﻔّﺮﻭﺍ ﻋﺪﺩﺍً ﻣﻨﻬﻢ.

  ﺃﻣﺎ ﺍلآﺧﺮ: ﻓﻬﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﺗﺒﻌﻮﻫﻢ ﻭﺃﻗﺮﻭﺍ ﻭلاﻳﺘَﻬﻢ، ﻭﺭﺿﻮﺍ ﻋﻨﻬﻢ، ﻟﺬﺍ ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﺇﻥَّ ﺍﻟﺤﻖ ﻟﻴﺲ ﻣﺤﺼﻮﺭﺍً ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ. ﻓﺸﻜّﻠﻮﺍ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻓﺮﻗﺔ ﻣﺒﺘﺪﻋﺔ ﻭﺍﻧﺴﺎﻗﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻀـلاﻝ. ﻧﺎﺳﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻬﺘﺪﻱ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻱ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﺎﺩﻳﺎً ﻟﻐﻴﺮﻩ، ﻭﻟﺌﻦ ﻛﺎﻥ ﺷﻴﻮﺧُﻬﻢ ﻳُﻌﺬﺭﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺍﺭﺗﻜﺒﻮﺍ ﻣﻦ ﺃَﺧﻄﺎﺀ لأﻧﻬﻢ ﻣﺠﺬﻭﺑﻮﻥ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﻢ لا ﻳُﻌﺬَﺭﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﺗﺒﺎﻋﻬﻢ ﻟﻬﻢ.

  ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻗﺴﻢ ﺛﺎﻟﺚ: ﺳﻠﻜﻮﺍ ﻃﺮﻳﻘﺎً ﻭﺳﻄﺎً، ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﻨﻜﺮﻭﺍ ﻭلاﻳﺔ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﻭﺻـلاﺣﻬﻢ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺮﺿﻮﺍ ﺑﻄﺮﻳﻘﺘﻬﻢ ﻭﻣﻨﻬﺠﻬﻢ، ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ: ﺇﻥ ﻣﺎ ﺗﻔﻮّﻫﻮﺍ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺍلأﻗﻮﺍﻝ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟـلأﺻﻮﻝ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ، ﺇﻣﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻧﺎﺷﺌﺔ ﻋﻦ ﻏﻠﺒﺔ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻠﻬﻢ ﻳﺨﻄﺌﻮﻥ، ﺃﻭ ﺃﻧﻬﺎ ﺷﻄﺤﺎﺕ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻬﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻌﺮﻑ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﻭلا ﺗﻔﻬﻢ ﻣﺮﺍﻣﻴﻬﺎ.

ﻓﺎﻟﻘﺴﻢ ﺍلأﻭﻝ ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻗﺪ ﺃﻧﻜﺮﻭﺍ ﻭلاﻳﺔَ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﻋﻈﺎﻡ -ﻣﻊ ﺍلأﺳﻒ- ﻭﺫﻟﻚ ﺑﻨﻴّﺔ ﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻖ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ، ﺑﻞ ﺫﻫﺒﻮﺍ ﻣﻀﻄﺮﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺑﻀـلاﻟﻬﻢ ﺗﺤﺪﻭﻫﻢ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻴﺔ.

ﺃﻣﺎ ﺍلآﺧﺮﻭﻥ ﺍﻟﻤﺆﻳﺪﻭﻥ ﻟﻬﻢ، ﻓﻘﺪ ﺗﺮﻛﻮﺍ ﻃﺮﻳﻖَ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺃﺩﺍﺭﻭﺍ ﻇﻬﻮﺭَﻫﻢ ﻟﻬﺎ، ﻟﻤﺎ ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﻣﻦ ﺣُﺴﻦ ﺍﻟﻈﻦ ﺍﻟﻤﻔﺮﻁ ﺑﺸﻴﻮﺧﻬﻢ، ﺑﻞ ﺣﺼﻞ ﺍﻧﺠﺮﺍﻑ ﻗﺴﻢ ﻣﻨﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻀـلاﻝ ﻓﻌـلا.

ﻭﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺮ، ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﺎﻟﺔٌ ﺗﺸﻐﻞ ﻓﻜﺮﻱ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻭﻫﻲ:

ﺇﻧﻨﻲ ﺩﻋﻮﺕ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻬـلاﻙ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀـلاﻝ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻣﻬﻢ، ﻭﻟﻜﻦ ﻗﻮﺓً ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﺭﻫﻴﺒﺔ ﺻﺪّﺕ ﺩﻋﺎﺋﻲ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻭﺭﺩّﺕ ﻋﻠﻲّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ، ﻭﻣﻨﻌﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻤﺜﻠﻪ. ﺛﻢ ﺭﺃﻳﺖ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﻣﻦ ﺃﺭﺑﺎﺏ ﺍﻟﻀـلاﻝ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻮﻏﻠﻮﻥ ﻓﻲ ﺇﺟﺮﺍﺀﺍﺗﻬﻢ ﺍﻟﺒﺎﻃﻠﺔ ﻭﻳﺘﻤﺎﺩﻭﻥ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻧﺒﺔ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﻳﺠﺮّﻭﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺧﻠﻔﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬﺎﻭﻳﺔ ﺑﺘﻴﺴﻴﺮ ﻭﺗﺴﻬﻴﻞ ﻣﻦ ﻗﻮﺓ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ، ﻓﻴﻮﻓَّﻘﻮﻥ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻟﻬﻢ لا ﺑﺎلإﻛﺮﺍﻩ ﻭﺣﺪﻩ، ﺑﻞ ﻳﻨﺴﺎﻕ ﺃﻳﻀﺎً ﻗﺴﻢٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻭﻳﻨﺨﺪﻋﻮﻥ ﺑﻬﻢ لاﻣﺘﺰﺍﺟﻬﻢ ﺑﻤﻴﻞ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﻗﻮﺓ ﺍﻟﻮلاﻳﺔ، ﻓﻴﺴﺎﻣﺤﻬﻢ ﻫﺆلاﺀ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻮﻥ ﻭلا ﻳﺮﻭﻧﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻓﺴﺎﺩ ﻛﺒﻴﺮ!

ﻭﺣﻴﻨﻤﺎ ﺷﻌﺮﺕ ﺑﻬﺬﻳﻦ ﺍﻟﺴﺮﻳﻦ ﺗﻤﻠﻜﺘﻨﻲ ﺩﻫﺸﺔٌ ﻭﺭﻫﺒﺔ، ﻓﻘﻠﺖ ﻣﺘﻌﺠﺒﺎً:

ﻳﺎ ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ! ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻭلاﻳﺔٌ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺤﻖ؟ ﻭﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻮﺍﻟﻲ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﻮلاﻳﺔ ﺗﻴﺎﺭَ ﺿـلاﻟﺔ ﺭﻫﻴﺒﺔ؟

ﺛﻢ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﻣﺒﺎﺭﻙ ﻣﻦ ﺃﻳﺎﻡ ﻋﺮَﻓﺔ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺩﺓ، ﺇﺫ ﻗﺮﺃﺕ «ﺳﻮﺭﺓ ﺍلإﺧـلاﺹ» ﻣﺎﺋﺔ ﻣﺮﺓ ﻭﻛﺮﺭﺗﻬﺎ ﻣﺮﺍﺕ ﻭﻣﺮﺍﺕ ﺍﺗﺒﺎﻋﺎً ﻟﻌﺎﺩﺓ ﺇﺳـلاﻣﻴﺔ ﻣﺴﺘﺤﺴﻨﺔ، ﻓﻮﺭﺩﺕ ﺇﻟﻰ ﻗﻠﺒﻲ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰ ﻣﻦ ﻟﺪﻥ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺑﺒﺮﻛﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ، ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔُ ﺍلآﺗﻴﺔ ﻓﻀـلا ﻋﻤﺎ ﻭﺭﺩ ﻣﻦ «ﺟﻮﺍﺏ ﻋﻦ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻣﻬﻤﺔ»:

ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻲ ﺃﻥَّ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻳﺒﺪﻭ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺣﺼﺎﻓﺔ ﻭﺭﺷﺪ، ﻭﻟﻬﻢ ﻣﺤﺎﻛﻤﺎﺕ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﻣﻨﻄﻘﻴﺔ ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﻢ ﻣﺠﺬﻭﺑﻮﻥ. ﻓﻬﻢ ﺃﺷﺒﻪ ﺑ «ﺟﺒﺎﻟﻰ ﺑﺎﺑﺎ» ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺮﻭﻯ ﻗﺼﺘُﻪ ﻓﻲ ﺯﻣﻦ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﻔﺎﺗﺢ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺼﺔ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭﺓ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻌﺒﺮﺓ.

 (حاشية) ﻳﺤﻜﻰ ﺃﻥ ﻭﻟﻴﺎً ﺻﺎﻟﺤﺎً ﻳﺪﻋﻰ ﺟﺒﺎﻟﻰ ﺑﺎﺑﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﻜﻦ ﺍﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺤﺐ ﺃﻫﻠﻬﺎ ﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻭﻳﺤﺒﻮﻧﻪ ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﺃﻃﻔﺎﻟﻬﻢ ﻓﻜﺎﻥ ﻳﻌﻄﻒ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻛﺜﻴﺮﺍً، ﻭﻟﻤﺎ ﺣﺎﺻﺮ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﻔﺎﺗﺢ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻟﻲ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﻳﺪﻋﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻟّﺎ ﺗﺼﻴﺐ ﻗﺬﺍﺋﻒ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻤﺮﻣﻰ، ﻭﺃﻥ ﻳﻨﺠﻲ ﻫﺆلاﺀ ﺍﻟﺼﻐﺎﺭ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺑﻴﻦ. ﻭﻓﻌـلا ﺗﺄﺧﺮ ﺍﻟﻔﺘﺢ، ﻓﺎﺳﺘﺸﺎﺭ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺷﻴﺨﻪ ﺁﻕ ﺷﻤﺲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﻭﺍﻟﻮﻟﻲ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ. ﻓﻜﺎﻥ ﺁﻕ ﺷﻤﺲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳﺪﻋﻮ ﻟﻠﻨﺼﺮ، ﻭﺟﺒﺎﻟﻲ ﺑﺎﺑﺎ ﻳﺪﻋﻮ ﺑﺨـلاﻓﻪ، ﺣﺘﻰ ﺩﻋﺎ ﺁﻕ ﺷﻤﺲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﻬـلاﻙ ﺟﺒﺎﻟﻰ ﺑﺎﺑﺎ، ﻟﻴﺘﻢ ﺍﻟﻨﺼﺮ. ﻓﺘﻮﻓﻲ ﺟﺒﺎﻟﻰ ﺑﺎﺑﺎ، ﻭﻓﺘﺤﺖ ﺍﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ.

ﻭﺃﻥ ﻗﺴﻤﺎً ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﻣﻊ ﺃﻧﻬﻢ ﺿﻤﻦ ﻧﻄﺎﻕ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﺼﺤﻮ ﻭﺍﻟﺮﺷﺎﺩ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﺘﻠﺒﺴﻮﻥ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺣﺎلاﺕ ﺧﺎﺭﺟﺔ ﻋﻦ ﻃﻮﺭ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﻛﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﻴﺔ. ﻭﺇﻥ ﺻﻨﻔﺎً ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﻫﻢ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﺒﺎﺱ، ﺃﻱ ﻳﻠﺘﺒﺲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍلأﻣﺮُ ﻓـلا ﻳﻤﻴﺰﻭﻥ، ﺇﺫ ﻣﺎ ﻳﺮﻭﻧﻪ ﻣﻦ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﺴُﻜﺮ ﻳﻄﺒﻘﻮﻧﻪ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﺼﺤﻮ. ﻓﻴﺨﻄﺌﻮﻥ ﻭلا ﻳﺪﺭﻛﻮﻥ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﺨﻄﺌﻮﻥ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺠﺬﻭﺑﻮﻥ، ﻓﻘﺴﻢ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺤﻔﻮﻇﻮﻥ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ، لا ﻳَﻀِﻠّﻮﻥ ﻭلا ﻳﻨﺴﺎﻗﻮﻥ ﻣﻊ ﺃﻫﻠﻪ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻗﺴﻢٌ ﺁﺧﺮ ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻴﺴﻮﺍ ﻣﺤﻔﻮﻇﻴﻦ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮﻧﻮﻥ ﺿﻤﻦ ﻓﺮﻕ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﺪﻋﺔ ﻭﺍﻟﻀـلاﻟﺔ، ﺑﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ. ﻓـلأﻧﻬﻢ ﻣﺠﺬﻭﺑﻮﻥ -ﺳﻮﺍﺀ ﺃﻛﺎﻧﻮﺍ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻣﺆﻗﺘﺔ ﺃﻡ ﺩﺍﺋﻤﺔ- ﻓﻬﻢ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﻣﺠﺎﻧﻴﻦ ﻃﻴﺒﻴﻦ ﻣﺒﺎﺭﻛﻴﻦ، ﺃﻱ ﻳﻨﺴﺤﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺣﻜﻤﻬﻢ، ﻭلأﻧﻬﻢ ﻣﺠﺎﻧﻴﻦ ﻣﺒﺎﺭﻛﻮﻥ ﻃﻠﻴﻘﻮﻥ ﻓﻲ ﺗﺼﺮﻓﺎﺗﻬﻢ ﻓﻠﻴﺴﻮﺍ ﺑﻤﻜﻠّﻔﻴﻦ، ﻭلأﻧﻬﻢ ﻏﻴﺮ ﻣﻜﻠﻔﻴﻦ ﻓـلا ﻳﺆﺍﺧﺬﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺗﺼﺮﻓﺎﺗﻬﻢ. ﻓﻤﻊ ﺃﻥ ﻭلاﻳﺘﻬﻢ ﺍﻟﻤﺠﺬﻭﺑﺔ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ﻳﻮﺍﻟﻮﻥ ﺃﻫﻞَ ﺍﻟﺒﺪﻉ ﻓﻴﺮﻭّﺟﻮﻥ ﻣﺴﺎﻟﻜﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻣﺎ ﻭﻳﻜﻮﻧﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎً ﺳﻴﺌﺎً ﻣﺸﺆﻭﻣﺎً ﻓﻲ ﺩﺧﻮﻝ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻭﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺴﻠﻚ.

  ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ

  ﻛﺘﺒﺖْ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺗﺬﻛﻴﺮ ﺑﻌﺾ ﺍلأﺻﺪﻗﺎﺀ ﻓﻲ ﺑﻨﺎﺀ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺗﺨﺺ ﺍﻟﺰﺍﺋﺮﻳﻦ.

  ﻟﻴﻜﻦ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎً ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ، ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺰﻭﺭﻧﺎ ﺇﻣﺎ ﺃﻧﻪ ﻳﺄﺗﻲ ﺇﻟﻴﻨﺎ لأﺟﻞ ﺃﻣﻮﺭ ﺗﺨﺺ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ. ﻓﺬﻟﻚ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻣﺴﺪﻭﺩ.

ﺃﻭ ﺃﻧﻪ ﻳﺄﺗﻲ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلآﺧﺮﺓ. ﻓﻔﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﺑﺎﺑﺎﻥ: ﻓﺈﻣﺎ ﺃﻧﻪ ﻳﺘﺼﻮﺭ ﺃﻧﻨﻲ ﺭﺟﻞ ﻣﺒﺎﺭﻙ ﺻﺎﺣﺐ ﻣﻘﺎﻡ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻭلأﺟﻞ ﻫﺬﺍ ﻳﺄﺗﻲ ﺇﻟﻴﻨﺎ، ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺃﻳﻀﺎً ﻣﺴﺪﻭﺩ. ﺇﺫ لا ﺗﻌﺠﺒﻨﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻭلا ﻳﻌﺠﺒﻨﻲ ﻣﻦ ﻳﻌﺠﺐ ﺑﻲ. ﻓﺤﻤﺪﺍً ﻟﻠﻪ ﺃﺟﺰﻝ ﺣﻤﺪ ﺇﺫ ﻟﻢ ﻳﺠﻌﻠﻨﻲ ﺭﺍﺿﻴﺎً ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻲ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﺍلأﺧﺮﻯ ﻓﻬﻮ ﻳﺄﺗﻲ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻟﻜﻮﻧﻲ ﺧﺎﺩﻣﺎً ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﻭﺩلالا ﻟﻪ ﻭﺩﺍﻋﻴﺎً ﺇﻟﻴﻪ ﻟﻴﺲ ﺇﻟّﺎ. ﻓﻤﺮﺣﺒﺎً ﻭﺃﻫـلا ﻭﺳﻬـلا ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻴﻦ ﻭﺍﻟﺮﺃﺱ ﻟﻤﻦ ﻳﺄﺗﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺎﺏ.

ﻭﻫﺆلاﺀ ﺃﻳﻀﺎً ﻋﻠﻰ ﺛـلاﺛﺔ ﺃﻧﻤﺎﻁ. ﻓﺈﻣﺎ ﺃﻧﻪ ﺻﺪﻳﻖ، ﺃﻭ ﺃﻧﻪ ﺃﺥ، ﺃﻭ ﺃﻧﻪ ﻃﺎﻟﺐ.

ﻓﺨﺎﺻﻴّﺔ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﻭﺷﺮﻃُﻪ: ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺆﻳﺪﺍً ﺗﺄﻳﻴﺪﺍً ﺟﺎﺩﺍً ﻟﻌﻤﻠﻨﺎ ﻓﻲ ﻧﺸﺮ ﺍلأﻧﻮﺍﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ ، ﻭﺃﻥ لا ﻳﻤﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﻭﺍﻟﺒﺪﻉ ﻭﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﻗﻠﺒﺎً، ﻭﺃﻥ ﻳﺴﻌﻰ ﺃﻳﻀﺎً ﻟﻴﻔﻴﺪ ﻧﻔﺴﻪ.

ﻭﺧﺎﺻﻴﺔ ﺍلأﺥ ﻭﺷﺮﻃﻪ: ﺃﻥْ ﻳﻜﻮﻥ ﺳﺎﻋﻴﺎً ﺳﻌﻴﺎً ﺣﻘﻴﻘﻴﺎً ﻭﺟﺎﺩﺍً ﻟﻨﺸﺮ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﺩﺍﺋﻪ ﺍﻟﺼﻠﻮﺍﺕ ﺍﻟﺨﻤﺲ، ﻭﺍﺟﺘﻨﺎﺑﻪ ﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ ﺍﻟﺴﺒﻊ.

ﻭﺧﺎﺻﻴﺔ ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ ﻭﺷﺮﻃﻪ: ﺃﻥ «ﻳﻌﺪ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ» ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺄﻟﻴﻔﻪ ﻫﻮ، ﻭﺃﻧﻬﺎ ﺗﺨﺼﻪ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﻓﻴﺪﺍﻓﻊ ﻋﻨﻬﺎ ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣُﻠْﻜﻪ، ﻭﻳﻌﺘﺒﺮ ﻧﺸﺮ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻧﻮﺍﺭ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻬﺎ ﺃﺟﻞّ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﻟﺤﻴﺎﺗﻪ.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺜـلاﺙ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺠﻮﺍﻧﺐ ﺍﻟﺜـلاﺙ ﻟﺸﺨﺼﻴﺘﻲ.

ﻓﺎﻟﺼﺪﻳﻖ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﺸﺨﺼﻴﺘﻲ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ. ﻭﺍلأﺥ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﺸﺨﺼﻴﺘﻲ ﺍﻟﻌﺒﺪﻳﺔ ﺃﻱ ﻛﻮﻧﻲ ﺃﺅﺩﻱ ﻣﻬﻤﺔ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ ﻓﻬﻮ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻲ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻛﻮﻧﻲ ﺩﺍﻋﻴﺎً ﻭﺩلالا ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻭﻣﺮﺷﺪﺍً ﺇﻟﻴﻪ.

ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻘﺎﺀ ﻟﻪ ﺛـلاﺙ ﺛﻤﺮﺍﺕ:

  ﺍلأﻭﻟﻰ: ﺃﺧﺬﻩ ﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺩﺭﺳﺎً ﻣﻨﻲ ﺃﻭ ﻣﻦ «ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ» ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺩﺭﺳﺎً ﻭﺍﺣﺪﺍً، ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ.

  ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺸﺎﺭﻛﺎً ﻟﻲ ﻓﻲ ﺛﻮﺍﺑﻲ ﺍلأﺧﺮﻭﻱ. ﻭﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻟﻠﻪ.

  ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ: ﻧﺘﻮﺟﻪ ﻣﻌﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻣﺮﺗﺒﻄﻴﻦ ﻗﻠﺒﺎً ﻣﺘﺴﺎﻧﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻧﺴﺄﻟﻪ ﺍﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﻭﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔ.

ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻃﺎﻟﺒﺎً ﻓﻬﻮ ﺣﺎﺿﺮ ﻣﻌﻲ ﺻﺒﺎﺡ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﺑﺎﺳﻤﻪ ﻭﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺑﺨﻴﺎﻟﻪ.

ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺃﺧﺎً ﻓﻬﻮ ﺣﺎﺿﺮ ﻣﻌﻲ ﻓﻲ ﺩﻋﺎﺋﻲ ﻋﻠﻰ ﺩﻓﻌﺎﺕ ﺑﺎﺳﻤﻪ ﻭﺑﺼﻮﺭﺗﻪ ﻓﻴﺸﺎﺭﻛﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﻭﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﺛﻢ ﻳﻜﻮﻥ ﺿﻤﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلإﺧﻮﺍﻥ ﻭﺃﺳﻠّﻤﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ، ﺇﺫ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﻗﻮﻝ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ: «ﺇﺧﻮﺗﻲ ﻭﺇﺧﻮﺍﻧﻲ»، ﻓﻬﻮ ﻣﻨﻬﻢ، ﺇﻥ ﻟﻢ ﺃﻛﻦ ﺃﻋﺮﻓﻪ ﺃﻧﺎ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻓﺎﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ ﺑﻪ ﻭﺃﺑﺼﺮ.

ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺻﺪﻳﻘﺎً ﻓﻬﻮ ﺩﺍﺧﻞ ﺿﻤﻦ ﺩﻋﺎﺋﻲ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻩ ﻣﻦ ﺍلأﺧﻮﺓ ﻋﺎﻣﺔ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺃﺩّﻯ ﺍﻟﻔﺮﺍﺋﺾ ﻭﺍﺟﺘﻨﺐ ﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ.

  ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺆلاﺀ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺜـلاﺙ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻠﻮﻧﻲ ﺿﻤﻦ ﻛﺴﺒﻬﻢ ﺍلأﺧﺮﻭﻱ ﺃﻳﻀﺎً.

ﺍَﻟﻠّﻬﻢَّ ﺻَﻞِّ ﻋَﻠَﻰ ﻣَﻦْ ﻗَﺎﻝَ: ﺍَﻟْﻤُﺆْﻣِﻦُ ﻟِﻠْﻤُﺆْﻣِﻦِ ﻛَﺎﻟْﺒُﻨْﻴَﺎﻥِ ﻳَﺸُﺪُّ ﺑَﻌْﻀُﻪُ ﺑَﻌْﻀًﺎ ﻭَﻋَﻠَﻰ ﺃَﻟِﻪ ﻭَﺻَﺤْﺒِﻪ ﻭَﺳَﻠِّﻢ

 ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾

﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾

 ﺍَﻟﻠّﻬﻢَّ ﻳَﺎ ﻣَﻦْ ﺃَﺟَﺎﺏَ ﻧُﻮﺣﺎً ﻓﻲ ﻗَﻮْﻣِﻪ، ﻭَ ﻳَﺎ ﻣَﻦْ ﻧَﺼَﺮَ ﺇِﺑْﺮَﺍﻫﻴﻢَ ﻋَﻠَﻰ ﺃَﻋْﺪَﺍﺋِﻪ، ﻭَﻳَﺎ ﻣَﻦْ ﺃَﺭْﺟَﻊَ ﻳُﻮﺳُﻒَ ﺇِﻟَﻰ ﻳَﻌْﻘُﻮﺏَ، ﻭَﻳَﺎ ﻣَﻦْ ﻛَﺸَﻒَ ﺍﻟﻀُّﺮَّ ﻋَﻦْ ﺃَﻳُّﻮﺏَ، ﻭَﻳَﺎ ﻣَﻦْ ﺃَﺟَﺎﺏَ ﺩَﻋْﻮَﺓَ ﺯَﻛَﺮِﻳَّﺎ، ﻭَﻳَﺎ ﻣَﻦْ ﺗَﻘَﺒَّﻞَ ﻳُﻮﻧُﺲَ ﺍﺑْﻦَ ﻣَﺘَّﻰ، ﻧَﺴْﺄَﻟُﻚَ ﺑِﺄَﺳْﺮَﺍﺭِ ﺃَﺻْﺤَﺎﺏِ ﻫَﺬِﻩِ ﺍﻟﺪَّﻋَﻮَﺍﺕِ ﺍﻟْﻤُﺴْﺘَﺠَﺎﺑَﺎﺕِ ﺃَﻥْ ﺗَﺤْﻔَﻈَﻨﻲ ﻭَﺗَﺤْﻔَﻆَ ﻧَﺎﺷِﺮَ ﻫَﺬِﻩِ ﺍﻟﺮَّﺳَﺎﺋِﻞِ ﻭَﺭُﻓَﻘَﺎﺀَﻫُﻢْ ﻣِﻦْ ﺷَﺮِّ ﺷَﻴَﺎﻃﻴﻦِ ﺍﻟْﺈِﻧْﺲِ ﻭَﺍﻟْﺠِﻦِّ ﻭَﺍﻧْﺼُﺮْﻧَﺎ ﻋَﻠَﻰ ﺃَﻋْﺪَﺍﺋِﻨَﺎ ﻭَﻟَﺎ ﺗَﻜِﻠْﻨَﺎ ﺇِﻟَﻰ ﺃَﻧْﻔُﺴِﻨَﺎ ﻭَﺍﻛْﺸِﻒْ ﻛُﺮْﺑَﺘَﻨَﺎ ﻭَﻛُﺮْﺑَﺘَﻬُﻢْ ﻭَﺍﺷْﻒِ ﺃَﻣْﺮَﺍﺽَ ﻗُﻠُﻮﺑِﻨَﺎ ﻭَﻗُﻠُﻮﺑِﻬِﻢْ

ﺃَﻣﻴﻦَ ﺃَﻣﻴﻦَ ﺃَﻣﻴﻦَ