ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ

  ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ

  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ (ﻳﻮﻧﺲ:58)

 [ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺳﺒﻊ ﺇﺷﺎﺭﺍﺕ]

  ﻧﺒﻴﻦ ﺃﻭلا ﺳﺒﻌﺔَ ﺃﺳﺒﺎﺏ -ﺗﺤﺪﺛﺎً ﺑﻨﻌﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ- ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ.

ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍلأﻭﻝ: ﻗﺒﻞ ﺍﻧﺪلاﻉ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ، ﻭﺇﺑﺎﻥ ﻧﺸﻮﺑﻬﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﻓﻲ ﺭﺅﻳﺎ ﺻﺎﺩﻗﺔ، ﺍلآﺗﻲ:

ﺭﺃﻳﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﺗﺤﺖ «ﺟﺒﻞ ﺁﺭﺍﺭﺍﺕ» ﻭﺇﺫﺍ ﺑﺎﻟﺠﺒﻞ ﻳﻨﻔﻠﻖ ﺍﻧﻔـلاﻗﺎً ﻫﺎﺋـلا، ﻓﻴﻘﺬﻑ ﺻﺨﻮﺭﺍً ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻛﺎﻟﺠﺒﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﺤﺎﺀ ﺍلأﺭﺽ ﻛﺎﻓﺔ. ﻭﺃﻧﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﻫﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻏﺸﻴﺘﻨﻲ ﺭﺃﻳﺖ ﻭﺍﻟﺪﺗﻲ -ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ- ﺑﻘﺮﺑﻲ. ﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ: «لا ﺗﺨﺎﻓﻲ ﻳﺎ ﺃﻣﺎﻩ! ﺇﻧﻪ ﺃﻣﺮُ ﺍﻟﻠﻪ. ﺇﻧﻪ ﺭﺣﻴﻢ، ﺇﻧﻪ ﺣﻜﻴﻢ». ﻭﺇﺫ ﺃﻧﺎ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺇﺫﺍ ﺑﺸﺨﺺ ﻋﻈﻴﻢ ﻳﺄﻣﺮﻧﻲ ﻗﺎﺋـلا:

– ﺑﻴّﻦ ﺇﻋﺠﺎﺯَ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ.

ﺃﻓﻘﺖُ ﻣﻦ ﻧﻮﻣﻲ، ﻭﺃﺩﺭﻛﺖُ ﺃﻧﻪ ﺳﻴﺤﺪﺙ ﺍﻧﻔـلاﻕٌ ﻋﻈﻴﻢ، ﻭﺳﺘﺘﻬﺪﻡ ﺍلأﺳﻮﺍﺭُ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺀ ﺫﻟﻚ ﺍلاﻧﻔـلاﻕ ﻭﺍلاﻧﻘـلاﺏ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﻭﺳﻴﺘﻮﻟﻰ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥُ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉَ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﺣﻴﺚ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻫﺪﻓﺎً ﻟﻠﻬﺠﻮﻡ، ﻭﺳﻴﻜﻮﻥ ﺇﻋﺠﺎﺯُﻩ، ﺣﺼﻨَﻪ ﺍﻟﻔﻮلاﺫﻱ، ﻭﺳﻴﻜﻮﻥ ﺷﺨﺺ ﻣﺜﻠﻲ ﻣﺮﺷﺤﺎً ﻟﻠﻘﻴﺎﻡ ﺑﺒﻴﺎﻥ ﻧﻮﻉٍ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻋﺠﺎﺯ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ -ﺑﻤﺎ ﻳﻔﻮﻕ ﺣﺪّﻱ ﻭﻃﻮﻗﻲ ﻛﺜﻴﺮﺍً- ﻭﺃﺩﺭﻛﺖُ ﺃﻧﻲ ﻣﺮﺷّﺢ ﻟﻠﻘﻴﺎﻡ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ.

ﻭﻟﻤّﺎ ﻛﺎﻥ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻗﺪ ﻭُﺿّﺢ -ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍّ ﻣﺎ- ﺑ«ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﻓﺈﻥ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺎﺕ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺘﻨﺎ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺇﻣﺪﺍﺩٌ ﻟـلإﻋﺠﺎﺯ ﺑﺎﻟﻘﻮﺓ، ﺇﺫ ﺇﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﻫﻲ لإﺑﺮﺍﺯ ﺫﻟﻚ ﺍلإﻋﺠﺎﺯ ﻭﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺑﺮﻛﺎﺗﻪ ﻭﺭﺷﺤﺎﺗﻪ. ﺃﻱ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺇﻇﻬﺎﺭُ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺎﺕ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ.

  ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﺮﺷﺪُﻧﺎ ﻭﺃﺳﺘﺎﺫﻧﺎ ﻭﺇﻣﺎﻣﻨﺎ ﻭﺩﻟﻴﻠﻨﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺃﻋﻤﺎﻟﻨﺎ، ﻭﺃﻧﻪ ﻳﺜﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ، ﻓﻨﺤﻦ ﺇﺫﻥ ﺳﻨُﺜﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ، ﺍﺗﺒﺎﻋﺎً لإﺭﺷﺎﺩﻩ ﻟﻨﺎ.

ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭ«ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ» ﻋﺎﻣﺔ ﻣُﻠﻚ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺗﺘﻀﻤﻦ ﺣﻘﺎﺋﻘﻪ، ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﻌﻠﻦ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﻫﻴﺒﺔ ﻭﻋﻈﻤﺔ، ﻭﻳﺒﻴﻦ ﻣﺰﺍﻳﺎﻩ ﻭﻳﺜﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻤﺎ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺛﻨﺎﺀ، ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺁﻳﺎﺗﻪ ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻮﺭ ﺍﻟﻤﺒﺘﺪﺋﺔ ﺑ ﴿ﺍﻟﺮ﴾ ﻭ﴿ﺣﻢ﴾، ﻓﻨﺤﻦ ﺇﺫﻥ ﻣﻜﻠﻔﻮﻥ ﺑﺈﻇﻬﺎﺭ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻋـلاﻣﺔ ﻟﻘﺒﻮﻝ ﺧﺪﻣﺘﻨﺎ ﻓﻲ ﺑﻴﺎﻥ ﻟﻤﻌﺎﺕ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺔ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ»، ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻗﺘﺪﺍﺀﺍً ﺑﺄﺳﺘﺎﺫﻧﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﺷﺪﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻤﻂ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ.

  ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺇﻧﻨﻲ لا ﺃﻗﻮﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜـلاﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﺺ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﺗﻮﺍﺿﻌﺎً، ﺑﻞ ﺑﻴﺎﻧﺎً ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﻫﻲ:

ﺇﻥَّ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻭﺍﻟﻤﺰﺍﻳﺎ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ ﺑﻨﺎﺕ ﺃﻓﻜﺎﺭﻱ ﻭلا ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻲّ ﺃﺑﺪﺍً ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﻭﺣﺪَﻩ، ﻓﻠﻘﺪ ﺗﺮﺷﺤﺖْ ﻣﻦ ﺯلاﻝ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ» ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇﻟّﺎ ﻗﻄﺮﺍﺕ ﺗﺮﺷﺤﺖْ ﻣﻦ ﻣﺌﺎﺕ ﺍلآﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ. ﻭﻛﺬﺍ ﺍلأﻣﺮ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ «ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ» ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻋﺎﻣﺔ.

ﻓﻤﺎﺩﻣﺖُ ﺃﻋﻠﻢ ﺍلأﻣﺮ ﻫﻜﺬﺍ ﻭﺃﻧﺎ ﻣﺎﺽٍ ﺭﺍﺣﻞ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﻓﺎﻥٍ ﺯﺍﺋﻞ، ﻓـلا ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳُﺮﺑَﻂَ ﺑﻲ ﻣﺎ ﻳﺪﻭﻡ ﻭﻳﺒﻘﻰ ﻣﻦ ﺃﺛﺮ. ﻭﻣﺎﺩﺍﻡ ﻋﺎﺩﺓ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻀـلاﻟﺔ ﻭﺍﻟﻄﻐﻴﺎﻥ ﻫﻲ ﺍﻟﺤﻂ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ ﻟﻠﺘﻬﻮﻳﻦ ﻣﻦ ﺷﺄﻥ ﻛﺘﺎﺏ لا ﻳﻔﻲ ﺑﻐﺮﺿﻬﻢ. ﻓـلاﺑﺪ ﺇﺫﻥ ﺃﻟّﺎ ﺗﺮﺗﺒﻂَ «ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ» ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻨﺠﻮﻡ ﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﺴﻨﺪ ﻣﺘﻬﺮﺉ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﺴﻘﻮﻁ، ﻣﺜﻠﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻮﺿﻊَ ﺍﻋﺘﺮﺍﺿﺎﺕٍ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻭﻧﻘﺪٍ ﻛﺜﻴﺮ.

ﻭﻣﺎﺩﺍﻡ ﻋُﺮﻑ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺩﺍﺋﺮﺍً ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﺰﺍﻳﺎ ﺍلأﺛﺮ ﻓﻲ ﺃﻃﻮﺍﺭ ﻣﺆﻟِّﻔﻪ ﻭﺃﺣﻮﺍﻟِﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺴﺒﻮﻧﻪ ﻣﻨﺒﻊَ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﻣﺤﻮَﺭﻩ ﺍلأﺳﺎﺱ. ﻓﺈﻧﻪ ﺇﺟﺤﺎﻑ ﺇﺫﻥ ﺑﺤﻖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻇﻠﻢ ﻟﻬﺎ -ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌُﺮﻑ- ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﺍﻟﻐﺎﻟﻴﺔ ﺑﻀﺎﻋﺔَ ﻣَﻦ ﻫﻮ ﻣﻔﻠﺲ ﻣﺜﻠﻲ ﻭﻣﻠﻜﺎً ﻟﺸﺨﺼﻴﺘﻲ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﻈﻬﺮ ﻭﺍﺣﺪﺍً ﻣﻦ ﺃﻟﻒ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺰﺍﻳﺎ.

ﻟﻬﺬﺍ ﻛﻠﻪ ﺃﻗﻮﻝ: ﺇﻥ «ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ» ﻟﻴﺴﺖ ﻣُﻠﻜﻲ ﻭلا ﻣﻨﻲ ﺑﻞ ﻫﻲ ﻣُﻠﻚ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ. ﻟﺬﺍ ﺃﺭﺍﻧﻲ ﻣﻀﻄﺮﺍً ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺎﻥ ﺃﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﻧﺎﻟﺖ ﺭﺷﺤﺎﺕ ﻣﻦ ﻣﺰﺍﻳﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ.

ﻧﻌﻢ، لا ﺗُﺒﺤﺚ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻋﻨﺎﻗﻴﺪ ﺍﻟﻌﻨﺐ ﺍﻟﻠﺬﻳﺬﺓ ﻣﻦ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﻓﻲ ﺳﻴﻘﺎﻧﻬﺎ ﺍﻟﻴﺎﺑﺴﺔ؛ ﻓﺄﻧﺎ ﻛﺘﻠﻚ ﺍﻟﺴﺎﻕ ﺍﻟﻴﺎﺑﺴﺔ ﻟﺘﻠﻚ ﺍلأﻋﻨﺎﺏ ﺍﻟﻠﺬﻳﺬﺓ.

ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ: ﻗﺪ ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺍﻟﺘﻮﺍﺿﻊُ ﻛﻔﺮﺍﻥَ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ، ﺑﻞ ﻳﻜﻮﻥ ﻛﻔﺮﺍﻧﺎً ﺑﺎﻟﻨﻌﻤﺔ ﻋﻴﻨَﻪ، ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻳﻀﺎً ﺍﻟﺘﺤﺪﺙ ﺑﺎﻟﻨﻌﻤﺔ ﺗﻔﺎﺧﺮﺍً ﻭﺗﺒﺎﻫﻴﺎً. ﻭﻛـلاﻫﻤﺎ ﻣﻀﺮﺍﻥ، ﻭﺍﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ ﻟﻠﻨﺠﺎﺓ. ﺃﻱ ﻟﻜﻲ لا ﻳﺆﺩﻱ ﺍلأﻣﺮ ﺇﻟﻰ ﻛﻔﺮﺍﻥٍ ﺑﺎﻟﻨﻌﻤﺔ ﻭلا ﺇﻟﻰ ﺗﻔﺎﺧﺮ، ﻫﻲ: ﺍلإﻗﺮﺍﺭُ ﺑﺎﻟﻤﺰﺍﻳﺎ ﻭﺍﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﺩﻭﻥ ﺍﺩّﻋﺎﺀ ﺗﻤﻠّﻜﻬﺎ، ﺃﻱ ﺇﻇﻬﺎﺭَﻫﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺁﺛﺎﺭُ ﺇﻧﻌﺎﻡ ﺍﻟﻤﻨﻌﻢ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺟﻞّ ﻭﻋـلا.

  ﻣﺜﺎﻝ ﺫﻟﻚ: ﺇﺫﺍ ﺃﻟﺒﺴﻚ ﺃﺣﺪُﻫﻢ ﺑﺪﻟﺔً ﻓﺎﺧﺮﺓ ﺟﻤﻴﻠﺔ، ﻭﺃﺻﺒﺤﺖَ ﺑﻬﺎ ﺟﻤﻴـلا ﻭﺃﻧﻴﻘﺎً، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻚ ﺍﻟﻨﺎﺱ: ﻣﺎ ﺃﺟﻤﻠَﻚ! ﻟﻘﺪ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺭﺍﺋﻌﺎً ﺑﻬﺎ، ﻭﺃﺟﺒﺘَﻬﻢ ﻣﺘﻮﺍﺿﻌﺎً: ﻛـلا! ﻣَﻦ ﺃﻧﺎ، ﺃﻧﺎ ﻟﺴﺖ ﺷﻴﺌﺎً.. ﺃﻳﻦ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒﺪﻟﺔ! ﻓﺈﻥ ﺟﻮﺍﺑﻚ ﻫﺬﺍ ﻛﻔﺮﺍﻥ ﺑﺎﻟﻨﻌﻤﺔ ﺑـلا ﺷﻚ، ﻭﺳﻮﺀُ ﺃﺩﺏ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﻤﺎﻫﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻟﺒﺴﻚ ﺍﻟﺒﺪﻟﺔ. ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺇﻥ ﻗﻠﺖ ﻟﻬﻢ ﻣﻔﺘﺨﺮﺍً: ﻧﻌﻢ! ﺇﻧﻨﻲ ﺟﻤﻴﻞ ﻓﻌـلا، ﻓﺄﻳﻦ ﻣﺜﻠﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﺍلأﻧﺎﻗﺔ! ﻓﻌﻨﺪﻫﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺟﻮﺍﺑﻚ ﻓﺨﺮﺍً ﻭﻏﺮﻭﺭﺍً.

ﻭﺍلاﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﺑﻴﻦ ﻛﻔﺮﺍﻥ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ﻭﺍلاﻓﺘﺨﺎﺭ ﻫﻮ ﺍﻟﻘﻮﻝ: ﻧﻌﻢ! ﺇﻧﻨﻲ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺟﻤﻴـلا ﺣﻘﺎً، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ لا ﻳﻌﻮﺩ ﻟﻲ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺪﻟﺔ، ﺑﻞ ﺍﻟﻔﻀﻞ ﻳﺨﺺ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻟﺒﺴَﻨﻴﻬﺎ.

ﻭﻟﻮ ﺑﻠﻎ ﺻﻮﺗﻲ ﺃﺭﺟﺎﺀَ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﺎﻓﺔ ﻟﻜﻨﺖ ﺃﻗﻮﻝ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﺃﻭﺗﻴﺖُ ﻣﻦ ﻗﻮﺓ: ﺇﻥ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺭﺍﺋﻌﺔ ﻭﺇﻧﻬﺎ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻭﺇﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻨﻲ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺷﻌﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﺘﻤﻌﺖ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ. ﻓﻠﻢ ﺃُﺟﻤّﻞ ﺃﻧﺎ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﺑﻞ ﻟﻢ ﺃﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖُ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﻤّﻠﺖ ﻋﺒﺎﺭﺍﺗﻲ ﻭﺭﻓﻌﺖ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ ﻭﺍﺳﺘﻨﺎﺩﺍً ﺇﻟﻰ ﻗﺎﻋﺪﺓ:

  ﻭﻣﺎ ﻣﺪﺣﺖ ﻣﺤﻤﺪﺍً ﺑﻤﻘﺎﻟﺘﻲ.. ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺪﺣﺖ ﻣﻘﺎﻟﺘﻲ ﺑﻤﺤﻤﺪٍ.

ﺃﻗﻮﻝ:

  ﻭﻣﺎ ﻣﺪﺣﺖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺑﻜﻠﻤﺎﺗﻲ.. ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺪﺣﺖ ﻛﻠﻤﺎﺗﻲ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ.

  ﻓﻤﺎ ﺩﺍﻡ ﺍلأﻣﺮ ﻫﻜﺬﺍ. ﺃﻗﻮﻝ ﺑﺎﺳﻢ ﺟﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ: ﺇﻥ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺟﻤﺎﻝ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻌﺎﻛﺲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ، ﻭﺑﻴﺎﻥ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺎﺕ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﺮﺗﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﺎﻝ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺗﺤﺪّﺙ ﺑﻨﻌﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ، ﻣﺮﻏﻮﺏ ﻓﻴﻪ.

  ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ: ﺳﻤﻌﺖُ ﻣﻦ ﺃﺣﺪ ﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ -ﻗﺒﻞ ﻣﺪﺓ ﻣﺪﻳﺪﺓ- ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺍﺳﺘﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺍلإﺷﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻐﻴﺒﻴﺔ لأﻭﻟﻴﺎﺀ ﺳﺎﺑﻘﻴﻦ ﻣﺎ ﺃﻭﺭﺛﻪ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﺑﺄﻥ ﻧﻮﺭﺍً ﺳﻴﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﻭﻳﺒﺪﺩ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺒﺪﻉ.

ﻭﻟﻘﺪ ﺍﻧﺘﻈﺮﺕُ ﻃﻮﻳـلا ﻇﻬﻮﺭ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﻣﺎﺯﻟﺖ ﻣﻨﺘﻈﺮﺍً ﻟﻪ، ﺑﻴﺪ ﺃﻥ ﺍلأﺯﺍﻫﻴﺮ ﺗﺘﻔﺘﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ، ﻓﻴﻨﺒﻐﻲ ﺗﻬﻴﺌﺔ ﺍﻟﺴُﺒﻞ ﻟﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺯﺍﻫﻴﺮ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ. ﻭﺃﺩﺭﻛﻨﺎ ﺃﻧﻨﺎ ﺑﺨﺪﻣﺘﻨﺎ ﻫﺬﻩ، ﺇﻧﻤﺎ ﻧﻤﻬّﺪ ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ لأﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﻴﻦ.

ﻭلاﺷﻚ ﺃﻥ ﺑﻴﺎﻥ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺎﺕ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ» لا ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺪﺍﺭ ﻓﺨﺮ ﻭﻏﺮﻭﺭ ﺃﺑﺪﺍً ﺇﺫ لا ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺃﺷﺨﺎﺻﻨﺎ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ. ﺑﻞ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﻣﺪﺍﺭ ﺣﻤﺪ ﻭﺷﻜﺮ ﻭﺗﺤﺪّﺙ ﺑﺎﻟﻨﻌﻤﺔ.

  ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ: ﺇﻥَّ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ -ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻭﺳﻴﻠﺔُ ﺗﺮﻏﻴﺐ ﻭﻣﻜﺎﻓﺄﺓٌ ﻋﺎﺟﻠﺔ ﻭﺟﺰﺍﺀٌ ﻣﻘﺪّﻡ ﻟﺨﺪﻣﺘﻨﺎ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﺄﻟﻴﻒ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ»- ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇﻟّﺎ ﺍﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺍﻟﻨﺠﺎﺡ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ، ﻭﺍﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﻳُﻈﻬَﺮ ﻭﻳُﻌﻠَﻦ ﻋﻨﻪ، ﻭﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﻣﻀﺖ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﻭﺍﻟﻨﺠﺎﺡ ﻭﺳَﻤَﺖ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺇﻛﺮﺍﻣﺎً ﺇﻟﻬﻴﺎً. ﻭﺇﻇﻬﺎﺭُ ﺍلإﻛﺮﺍﻡ ﺍلإﻟﻬﻲ ﺷﻜﺮٌ ﻣﻌﻨﻮﻱ. ﻭﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺍﺭﺗﻘﺖ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺍلإﻛﺮﺍﻡ، ﻓـلا ﻣﺤﺎﻟﺔ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻛﺮﺍﻣﺔً ﻗﺮﺁﻧﻴﺔ، ﻗﺪ ﺣﻈﻴﻨﺎ ﺑﻬﺎ، ﻭﺇﻇﻬﺎﺭُ ﻛﺮﺍﻣﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺩﻭﻥ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﻣﻨﺎ، ﻭﻣﻦ ﺣﻴﺚ لا ﻧﺤﺘﺴﺐ ﻭﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﻋﻠﻤﻨﺎ، ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﺿﺮﺭ. ﻭﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺍﺭﺗﻘﺖ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﺍلاﻋﺘﻴﺎﺩﻳﺔ، ﻓـلا ﺷﻚ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺷُﻌَﻞ ﺍلإﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ. ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍلإﻋﺠﺎﺯ لاﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻌﻠَﻦ ﻋﻨﻪ، ﻓﺈﻥ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﻣﺎ ﻳﻤﺪّﻩ ﺑﺎﻟﻘﻮﺓ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻠﻪ ﺃﻳﻀﺎً، ﻭلا ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺒﻌﺚ ﺗﻔﺎﺧﺮ ﻭﻏﺮﻭﺭ ﺃﺑﺪﺍً، ﺑﻞ ﻣﺒﻌﺚ ﺣﻤﺪ ﻭﺷﻜﺮ.

  ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ: ﺇﻥ ﺛﻤﺎﻧﻴﻦ ﺑﺎﻟﻤﺎﺋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻴﺴﻮﺍ ﻣﺤﻘﻘﻴﻦ ﻋﻠﻤﺎﺀ، ﻛﻲ ﻳﻨﻔﺬﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻳﺴﺒﺮﻭﺍ ﻏَﻮﺭﻫﺎ ﻭﻳﺼﺪﻗﻮﺍ ﺑﻬﺎ، ﻭﻳﻘﺒﻠﻮﻫﺎ، ﺑﻞ ﻳﻘﺒﻠﻮﻥ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺗﻘﻠﻴﺪﺍً ﻟﻤﺎ ﺳﻤﻌﻮﻩ ﻣﻦ ﺃﻧﺎﺱ ﻫﻢ ﻣﻮﺿﻊ ﺛﻘﺘﻬﻢ ﻭﺍﻋﺘﻤﺎﺩﻫﻢ ﺑﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﻇﺎﻫﺮ ﺣﺎﻟﻬﻢ ﻭﻋﻠﻰ ﺣُﺴﻦ ﺍﻟﻈﻦِ ﺑﻬﻢ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﺣﻘﻴﻘﺔً ﻗﻮﻳﺔ ﻳﺮﻭﻧﻬﺎ ﺿﻌﻴﻔﺔً لأﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻳﺪ ﺷﺨﺺ ﺿﻌﻴﻒ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻌﺪّﻭﻥ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺗﺎﻓﻬﺔ ﻓﻲ ﻳﺪ ﺷﺨﺺ ﻣﺮﻣﻮﻕ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻗﻴﻤﺔ. ﻟﺬﺍ ﺍﺿﻄﺮُّ ﺇﻟﻰ ﺍلإﻋـلاﻥ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻳﺪ ﺷﺨﺼﻲ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻗﻴﻤﺔ ﻟﻪ ﻭلا ﺃﻫﻤﻴﺔ، ﻟﺌـلا ﺃﺣﻂّ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﺃﻣﺎﻡ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﺃﻏﻠﺐ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻓﺄﻗﻮﻝ: ﺇﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣَﻦ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻨﺎ ﻭﻳﺴﻮﻗﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺩﻭﻥ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭٍ ﻣﻨﺎ ﻭﺩﻭﻥ ﻋﻠﻤﻨﺎ، ﻭﻳﺴﺨّﺮُﻧﺎ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﺟﺴﺎﻡ ﺩﻭﻥ ﻣﻌﺮﻓﺘﻨﺎ. ﻭﺩﻟﻴﻠُﻨﺎ ﻫﻮ ﺃﻧﻨﺎ ﻧﺤﻈﻰ ﺑﻘﺴﻢ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﻳﺎﺕ ﺇﻟﻬﻴﺔ ﻭﺗﻴﺴﻴﺮﺍﺕ ﺭﺑﺎﻧﻴﺔ ﺧﺎﺭﺝ ﺷﻌﻮﺭﻧﺎ ﻭﺑـلا ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﻣﻨﺎ. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻧﻀﻄﺮ ﺇﻟﻰ ﺍلإﻋـلاﻥ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺎﺕ ﺇﻋـلاﻧﺎً ﺻﺎﺭﺧﺎً ﻋﻠﻰ ﻣـلأ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ.

ﻫﺬﺍ ﻭﺑﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﺍلأﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺴﺒﻌﺔ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ، ﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺑﻀﻊ ﻋﻨﺎﻳﺎﺕ ﺭﺑﺎﻧﻴﺔ ﻛﻠﻴﺔ:

  ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺍلأﻭﻟﻰ:

ﻭﻫﻲ «ﺍﻟﺘﻮﺍﻓﻘﺎﺕ» ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺿّﺤﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻣﻦ «ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ». ﻭﻟﻘﺪ ﺗﻨﺎﻇﺮ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺘﻲ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺎﺕ «ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ» صلى الله عليه وسلم ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺯﻧﺔ ﺗﺎﻣﺔ، ﻓﻲ ﺳﺘﻴﻦ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﺭﺳﺎﻟﺔ «ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍلأﺣﻤﺪﻳﺔ» ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎﺀ ﺻﺤﻴﻔﺘﻴﻦ، ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً ﻣﻦ ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﺇﻟﻰ ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻋﺸﺮﺓ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﺪﻯ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻤﺴﺘﻨﺴﺨﻴﻦ، ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﺘﻮﺍﻓﻖ. ﻓﻤﻦ ﻳﻨﻈﺮ ﺑﺈﻧﺼﺎﻑ ﺇﻟﻰ ﺻﺤﻴﻔﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻓﺤﺴﺐ ﻳﺼﺪّﻕ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻣﺼﺎﺩﻓﺔ ﺃﺑﺪﺍً، ﺇﺫ ﺭﺑﻤﺎ ﺗﺘﻨﺎﻇﺮ ﻛﻠﻤﺎﺕ ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺔ ﺇﻥ ﻭﺟﺪﺕ ﻓﻲ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻭﺗﻌﺪّ ﺗﻮﺍﻓﻘﺎً ﻧﺎﻗﺼﺎً لاﺣﺘﻤﺎﻝ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍلأﻣﺮ ﻫﻨﺎ، ﺃﻥ ﻛﻠﻤﺔ «ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ» صلى الله عليه وسلم ، ﻗﺪ ﺗﻮﺍﻓﻘﺖ ﻓﻲ ﺗﻨﺎﻇﺮ ﻣﺘﻮﺍﺯﻥ ﻓﻲ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﺑﻞ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ، ﻭلا ﺗﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻔﺤﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﺇﻟّﺎ ﺍﺛﻨﺘﺎﻥ ﺃﻭ ﺛـلاﺛﺔ ﺃﻭ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺃﻭ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻨﻬﺎ. ﺃﻱ ﺃﻥ ﻋﺪﺩﻫﺎ ﻟﻴﺲ ﺑﻜﺜﺮﺓ، ﻓـلا ﺷﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻨﺎﻇﺮ ﻧﺎﺷﺊ ﻋﻦ ﺗﻮﺍﻓﻖ لا ﻋﻦ ﻣﺼﺎﺩﻓﺔ، ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻮﺍﻓﻖ ﺟﺮﻯ ﻟﺪﻯ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻣﺴﺘﻨﺴﺨﻴﻦ ﻭﻟﻢ ﻳﺘﻐﻴﺮ ﺗﻮﺍﺯﻥ ﺍﻟﺘﻮﺍﻓﻖ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﺭﻏﻢ ﺍﺧﺘـلاﻓﻬﻢ.. ﻣﻤﺎ ﻳﺪﻝ ﺃﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻮﺍﻓﻖ ﺇﺷﺎﺭﺓً ﻏﻴﺒﻴﺔ ﻗﻮﻳﺔ. ﺇﺫ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺑـلاﻏﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻗﺪ ﻋﻠَﺖ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﺍلإﻋﺠﺎﺯ ﻓﻔﺎﻗﺖ ﺑـلاﻏﺘُﻪ ﻛﺘﺐَ ﺍﻟﺒﻠﻐﺎﺀ ﻛﻠﻬﻢ، ﺣﺘﻰ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺒﻠﻎ ﺃﺣﺪٌ ﻣﻨﻬﻢ ﺷﺄﻭ ﺫﻟﻚ ﺍلإﻋﺠﺎﺯ، ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺘﻮﺍﻓﻘﺎﺕ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ «ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ» -ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﺮﺁﺓ ﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ صلى الله عليه وسلم- ﻭﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻌﻜﺲ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﻓﻲ ﺃﺟﺰﺍﺀ «ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ» ﺍلأﺧﺮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ.. ﺃﻗﻮﻝ؛ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻮﺍﻓﻘﺎﺕ ﺗﺒﻴّﻦ ﻏﺮﺍﺑﺔً ﺗﻔﻮﻕ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻜﺘﺐ، ﻣﻤﺎ ﻳُﻔﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﻛﺮﺍﻣﺎﺕ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﺗﺘﺠﻠﻴﺎﻥ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺍﻳﺎ ﻭﺗﺘﻤﺜـلاﻥ ﻓﻴﻬﺎ.

  ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ:

ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺺ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻫﻲ ﺃﻥَّ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺪ ﺃﻧﻌﻢ ﻋﻠﻲّ ﺑﺎﺧﻮﺓ ﺃﻗﻮﻳﺎﺀ ﺟﺎﺩّﻳﻦ، ﻣﺨﻠﺼﻴﻦ، ﻏﻴﻮﺭﻳﻦ، ﻣﻀﺤّﻴﻦ، ﻟﻬﻢ ﺃﻗـلاﻡ ﻛﺎﻟﺴﻴﻮﻑ ﺍلأﻟﻤﺎﺳﻴﺔ، ﻭﺩﻓَﻌَﻬﻢ ﻟﻴﻌﺎﻭﻧﻮﺍ ﺷﺨﺼﺎً ﻣﺜﻠﻲ لا ﻳﺠﻴﺪ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ، ﻧﺼﻒ ﺃﻣﻲ، ﻓﻲ ﺩﻳﺎﺭ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ، ﻣﻬﺠﻮﺭ، ﻣﻤﻨﻮﻉ ﻋﻦ ﺍلاﺧﺘـلاﻁ ﺑﺎﻟﻨﺎﺱ. ﻭﺣﻤّﻞ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻛﻮﺍﻫﻠَﻬﻢ ﺍﻟﻘﻮﻳﺔ ﻣﺎ ﺃﺛﻘﻞ ﻇﻬﺮﻱ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰ ﻣﻦ ﺛﻘﻞ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ، ﻓﺨﻔﻒ ﺑﻔﻀﻠﻪ ﻭﻛﺮﻣﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺣﻤﻠﻲ ﺍﻟﺜﻘﻴﻞ.

ﻓﺘﻠﻚ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺃﺟﻬﺰﺓ ﺍﻟﺒﺚ ﺍﻟـلاﺳﻠﻜﻲ (ﺑﺘﻌﺒﻴﺮ ﺧﻠﻮﺻﻲ) ﻭﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣﻜﺎﺋﻦ ﺗﻮﻟﻴﺪ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺀ ﻟﻤﺼﻨﻊ ﺍﻟﻨﻮﺭ (ﺣﺴﺐ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺻﺒﺮﻱ). ﻭﻣﻊ ﺃﻥ ﻛـلا ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻤﻠﻚ ﻣﺰﺍﻳﺎ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻭﺧﻮﺍﺹّ ﺭﺍﻗﻴﺔ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﺇلا ﺃﻥ ﻓﻴﻬﻢ ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ ﺗﻮﺍﻓﻘﺎﺕ ﻏﻴﺒﻴﺔ (ﺣﺴﺐ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺻﺒﺮﻱ) ﺇﺫ ﻳﺘﺸﺎﺑﻬﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻮﻕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺍﻟﺴﻌﻲ ﻓﻴﻪ، ﻭﺍﻟﻐﻴﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﻭﺍﻟﺠﺪﻳﺔ ﻓﻴﻬﺎ، ﺇﺫ ﺇﻥ ﻧﺸﺮﻫﻢ ﺍلأﺳﺮﺍﺭَ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻭﺍلأﻧﻮﺍﺭَ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔَ ﺇﻟﻰ ﺍلأﻗﻄﺎﺭ ﻭﺇﺑـلاﻏَﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ، ﻭﻗﻴﺎﻣَﻬﻢ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺩﻭﻥ ﻓﺘﻮﺭ، ﻭﺑﺸﻮﻕ ﺩﺍﺋﻢ ﻭﻫﻤﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ، ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺍﻟﻌﺼﻴﺐ (ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﻗﺪ ﺗﺒﺪﻟﺖ ﻭلا ﺗﻮﺟﺪ ﻣﻄﺒﻌﺔ، ﻭﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍلأﻧﻮﺍﺭ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ) ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﺋﻖ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮﻗﻞ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺗﻮﻟﺪ ﺍﻟﻔﺘﻮﺭ، ﻭﺗﻬﻮّﻥ ﺍﻟﺸﻮﻕ.. ﺃﻗﻮﻝ؛ ﺇﻥ ﺧﺪﻣﺘﻬﻢ ﻫﺬﻩ ﻛﺮﺍﻣﺔ ﻗﺮﺁﻧﻴﺔ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻭﻋﻨﺎﻳﺔ ﺇﻟﻬﻴﺔ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻟﻴﺲ ﺇﻟّﺎ.

ﻧﻌﻢ، ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﻟﻠﻮلاﻳﺔ ﻛﺮﺍﻣﺔ، ﻓﺈﻥ ﻟﻠﻨﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ﻛﺮﺍﻣﺔٌ ﺃﻳﻀﺎً، ﻭﻟـلإﺧـلاﺹ ﻛﺮﺍﻣﺔ ﺃﻳﻀﺎً، ﻭلا ﺳﻴﻤﺎ ﺍﻟﺘﺮﺍﺑﻂ ﺍﻟﻮﺛﻴﻖ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻧﺪ ﺍﻟﻤﺘﻴﻦ ﺑﻴﻦ ﺍلإﺧﻮﺍﻥ ﺿﻤﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺃﺧﻮﺓ ﺧﺎﻟﺼﺔ ﻟﻠﻪ، ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﻛﺮﺍﻣﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﺍﻟﺸﺨﺺَ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﻟﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﻭﻟﻲ ﻛﺎﻣﻞ ﻳﺤﻈﻰ ﺑﺎﻟﻌﻨﺎﻳﺎﺕ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ.

ﻓﻴﺎ ﺇﺧﻮﺗﻲ ﻭﻳﺎ ﺃﺻﺤﺎﺑﻲ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ!

ﻛﻤﺎ ﺃﻥَّ ﺇﻋﻄﺎﺀَ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺸﺮﻑ ﻭﺍﻟﻐﻨﺎﺋﻢ ﻛﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺁﻣﺮ ﺍﻟﻔﻮﺝ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﺘﺢ ﺣﺼﻨﺎً، ﻇﻠﻢٌ ﻭﺧﻄﺄ، ﻛﺬﻟﻚ لا ﻳﻤﻜﻨﻜﻢ ﺇﺳﻨﺎﺩُ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺎﺕ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺘﻮﺣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺖ ﺑﻘﻮﺓ ﺷﺨﺼﻜﻢ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﻭﺑﺄﻗـلاﻣﻜﻢ ﺇﻟﻰ ﺷﺨﺺ ﻋﺎﺟﺰ ﻣﺜﻠﻲ. ﺇﺫ ﻣﻤﺎ لاﺷﻚ ﺃﻥ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ ﺗﻮﺟﺪ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﻏﻴﺒﻴﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻮﺍﻓﻘﺎﺕ ﺍﻟﻐﻴﺒﻴﺔ. ﻭﺇﻧﻨﻲ ﺃﺭﺍﻫﺎ، ﻭﻟﻜﻦ لا ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺇﻇﻬﺎﺭَﻫﺎ ﻟﻜﻞ ﺃﺣﺪ ﻭلا ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻋﺎﻣﺔ.

  ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ:

ﺇﻥ ﺇﺛﺒﺎﺕَ ﺃﺟﺰﺍﺀ «ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ» ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ، ﺣﺘﻰ لأﻋﺘﻰ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﺪﻳﻦ، ﺇﺛﺒﺎﺗﺎً ﺳﺎﻃﻌﺎً، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﻏﻴﺒﻴﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﺟﺪﺍً، ﻭﻋﻨﺎﻳﺔ ﺇﻟﻬﻴﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ. لأﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ، ﺍﻋﺘﺮﻑ ﺑﻌﺠﺰﻩ ﻋﻦ ﻓﻬﻤﻬﺎ ﻣﻦ ﻳﻌﺪّ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻋﻈﻢ ﺩﻫﺎﺀ، ﻭﻫﻮ ﺍﺑﻦ ﺳﻴﻨﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺎﻝ ﻓﻲ (ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺤﺸﺮ): «ﺍﻟﺤﺸﺮ ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎﻳﻴﺲ ﻋﻘﻠﻴﺔ» ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗُﻌﻠّﻢ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ» ﻋﻮﺍﻡَ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺍﻟﺼﺒﻴﺎﻥ ﺣﻘﺎﺋﻖَ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺃﻥ ﻳﺒﻠﻐﻬﺎ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺑﺪﻫﺎﺋﻪ.

ﻭﻛﺬﺍ ﻣﺴﺎﺋﻞ (ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻭﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍلاﺧﺘﻴﺎﺭﻱ) ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﺤﻠَّﻬﺎ ﺍﻟﻌـلاﻣﺔ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ «ﺍﻟﺴﻌﺪ ﺍﻟﺘﻔﺘﺎﺯﺍﻧﻲ» ﺇﻟّﺎ ﻓﻲ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﺻﺤﻴﻔﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭ ﺑ «ﺍﻟﺘﻠﻮﻳﺢ» ﻣﻦ ﻗﺴﻢ «ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺎﺕ ﺍلإﺛﻨﺘﻲ ﻋﺸﺮﺓ»، ﻭﻟﻢ ﻳﺒﻴّﻨﻬﺎ ﺇﻟّﺎ ﻟﻠﺨﻮﺍﺹ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ، ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺗﺒﻴﻨﻬﺎ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ» «ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ» ﻓﻲ ﺻﺤﻴﻔﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻴﺎﻧﺎً ﺷﺎﻓﻴﺎً ﻭﺍﻓﻴﺎً، ﻭﺑﻤﺎ ﻳﻮﺍﻓﻖ ﺃﻓﻬﺎﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻛﻠﻬﻢ. ﻓﺈﻥْ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺃﺛﺮ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻓﻤﺎ ﻫﻮ ﺇﺫﻥ؟.

ﻭﻛﺬﺍ ﺳﺮ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﺑ(ﻃﻠﺴﻢ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ) ﺍﻟﺬﻱ ﺟﻌﻞ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺣﻴﺮﺓ ﻣﻨﻪ، ﻭﻟﻢ ﺗﺤﻞّ ﻟﻐﺰَﻩ ﺃﻳﺔُ ﻓﻠﺴﻔﺔٍ ﻛﺎﻧﺖ، ﻛﺸﻒ ﺃﺳﺮﺍﺭﻩ ﻭﺣﻞ ﺃﻟﻐﺎﺯﻩ ﺍلإﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ «ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺧﺘﺎﻡ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ»، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺤِﻜَﻢ ﺍﻟﺴﺖ ﻟﺘﺤﻮّﻝ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜـلاﺛﻴﻦ». ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻗﺪ ﺣﻠّﺖ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻄﻠﺴﻢَ ﺍﻟﻤﻐﻠﻖَ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﻛﺸﻔﺖ ﻋﻦ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻌﻤّﻰ ﺍﻟﻤﺤﻴّﺮ ﻓﻲ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﻋﺎﻗﺒﺘِﻪ، ﻭﺑﻴﻨﺖْ ﺣﻜﻤﺔ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﻭﺗﺤﻮلاﺗﻬﺎ. ﻭﻫﻲ ﻣﺘﺪﺍﻭﻟﺔ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ، ﻓﻠﻴﺮﺍﺟﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﺷﺎﺀ.

ﻭﻛﺬﺍ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍلأﺣﺪﻳﺔ، ﻭﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﺑـلا ﺷﺮﻳﻚ، ﻭﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻘﺮﺏ ﺍلإﻟﻬﻲ ﻗﺮﺑﺎً ﺃﻗﺮﺏ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ، ﻭﺑُﻌﺪﻧﺎ ﻧﺤﻦ ﻋﻨﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑُﻌﺪﺍً ﻣﻄﻠﻘﺎً.. ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻗﺪ ﻭﺿّﺤﺘﻬﺎ ﺗﻮﺿﻴﺤﺎً ﻛﺎﻣـلا ﻛﻞٌّ ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﻋﺸﺮﺓ» ﻭ«ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜـلاﺛﻴﻦ».

ﻭﻛﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓُ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﺗَﺴﺎﻭﻱ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﺇﺯﺍﺀَﻫﺎ، ﻭﺳﻬﻮﻟﺔُ ﺇﺣﻴﺎﺋﻬﺎ ﺫﻭﻱ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ ﻛﺎﻓﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺸﺮ ﺍلأﻋﻈﻢ ﻛﺴﻬﻮﻟﺔ ﺇﺣﻴﺎﺀ ﻓﺮﺩ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﻋﺪﻡُ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﻗﻄﻌﺎً ﻓﻲ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﺃﻧﻪ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻦ ﻣﻨﻄﻖ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺑﺪﺭﺟﺔ ﺍلاﻣﺘﻨﺎﻉ.. ﻛﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻗﺪ ﻛُﺸﻔﺖ ﻓﻲ «ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﻟﺪﻯ ﺷﺮﺡ ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (ﺍﻟﺮﻭﻡ:50). ﻭﻓﻲ ﺫﻳﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻀﻢ ﺛـلاﺛﺔ ﺗﻤﺜﻴـلاﺕ، ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻞّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﺳﺮ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ.

ﻫﺬﺍ ﻓﻀـلا ﻋﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍلإﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻌﺔ ﻭﺍﻟﺸﻤﻮﻝ ﻣﺎ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ ﺫﻛﺎﺀ ﺃﺫﻛﻰ ﺇﻧﺴﺎﻥ! ﺃﻟﻴﺲ ﺇﺫﻥ ﻇﻬﻮﺭ ﺍلأﻛﺜﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺑﺪﻗﺎﺋﻘﻬﺎ ﻟﺸﺨﺺ ﻣﺜﻠﻲ ﻣﺸﻮﺵ ﺍﻟﺬﻫﻦ، ﻣﺸﺘﺖ ﺍﻟﺤﺎﻝ، لا ﻣﺮﺟﻊ ﻭلا ﻣﺼﺪﺭ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺐ، ﻭﻳﺘﻢ ﺍﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ ﻭﻓﻲ ﺃﻭﻗﺎﺕ ﺍﻟﻀﻴﻖ ﻭﺍﻟﺸﺪﺓ؟ ﺃﻗﻮﻝ: ﺃﻟﻴﺲ ﺫﻟﻚ ﺃﺛﺮﺍً ﻣﻦ ﺁﺛﺎﺭ ﺍلإﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺟﻠﻮﺓ ﻣﻦ ﺟﻠﻮﺍﺕ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﻭﺇﺷﺎﺭﺓ ﻏﻴﺒﻴﺔ ﻗﻮﻳﺔ؟.

  ﺍلإﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ:

ﻟﻘﺪ ﺃﻧﻌﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻲّ ﺑﺘﺄﻟﻴﻒ ﺳﺘﻴﻦ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻨﻤﻂ ﻣﻦ ﺍلإﻧﻌﺎﻡ ﻭﺍلإﺣﺴﺎﻥ، ﺇﺫ ﻣَﻦ ﻛﺎﻥ ﻣﺜﻠﻲ ﻣﻤﻦ ﻳﻔﻜﺮ ﻗﻠﻴـلا ﻭﻳﺘﺘﺒﻊ ﺍﻟﺴﻨﻮﺡَ ﺍﻟﻘﻠﺒﻲ، ﻭلا ﻳﺠﺪ ﻣﺘﺴﻌﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻟﻠﺘﺪﻗﻴﻖ ﻭﺍﻟﺒﺤﺚ، ﻳﺘﻢ ﻓﻲ ﻳﺪﻩ ﺗﺄﻟﻴﻒ ﻣﺎ لا ﻳﻘﺪﺭ ﻋﻠﻰ ﺗﺄﻟﻴﻔﻪ ﺟﻤﺎﻋﺔٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻭ ﺍﻟﻌﺒﺎﻗﺮﺓ ﻣﻊ ﺳﻌﻴﻬﻢ ﺍﻟﺪﺍﺋﺐ. ﻓﺘﺄﻟﻴﻔﻬﺎ ﺇﺫﻥ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻳﺪّﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﺃﺛﺮُ ﻋﻨﺎﻳﺔ ﺇﻟﻬﻴﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ، لأﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻛﻠﻬﺎ ﺗُﻔﻬَّﻢ ﻭﺗﺪﺭّﺱ ﺇﻟﻰ ﻋﻮﺍﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺃﻛﺜﺮِﻫﻢ ﺃﻣﻴﺔً ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﺍﻟﺘﻤﺜﻴـلاﺕ. ﻣﻊ ﺃﻥ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺃﺟﻠّﺎﺀ ﻗﺎﻟﻮﺍ ﻋﻦ ﺃﻛﺜﺮ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺃﻧﻬﺎ لا ﺗُﻌﻠّﻢ ﻭلا ﺗُﺪﺭَّﺱ، ﻓﻠﻢ ﻳﻌﻠّﻤﻮﻫﺎ ﻟﻠﻌﻮﺍﻡ ﻭﺣﺪﻫﻢ، ﻭلا ﻟﻠﺨﻮﺍﺹ ﺃﻳﻀﺎً.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﺴﻬﻴﻞُ ﺍﻟﺨﺎﺭﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ﻭﺍﻟﺘﻴﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﺑﻴﺎﻥ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ، ﺑﺠﻌﻞ ﺃﺑﻌﺪَ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻋﻦ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﻴﺪ ﻭﺗﺪﺭﻳﺴُﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺴﺎﻃﺔً ﻭﺃُﻣﻴﺔ، لا ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻭﺳﻊ ﺷﺨﺺ ﻣﺜﻠﻲ ﻟﻪ ﺑﺎﻉ ﻗﺼﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺔ، ﻭﻛـلاﻣﻪ ﻣﻐﻠﻖ ﻭلا ﻳُﻔﻬﻢ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻨﻪ، ﺣﺘﻰ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ ﻣﻌﻀﻠﺔ، ﻭﺍﺷﺘﻬﺮ ﺑﻬﺬﺍ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﻭﺻﺪّﻗﺖ ﺁﺛﺎﺭُﻩ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺷﻬﺮﺗَﻪ ﺍﻟﺴﻴﺌﺔ ﺗﻠﻚ.. ﻓﻤﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻳﺠﺮﻱ ﻓﻲ ﻳﺪﻩ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻴﺴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺒﻴﺎﻥ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ لاﺷﻚ ﺃﻧﻪ ﺃﺛﺮ ﻣﻦ ﺁﺛﺎﺭ ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ، ﻭلا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺣﺬﺍﻗﺔ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺨﺺ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﺟﻠﻮﺓ ﻣﻦ ﺟﻠﻮﺍﺕ ﺍلإﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻭﺻﻮﺭﺓ ﻣﻨﻌﻜﺴﺔ ﻟﻠﺘﻤﺜﻴـلاﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ.