ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ

ﻟﻨﺄﺧﺬ ﻣﺜـلا، ﺟﻤﻠﺔً ﻗﺮﺁﻧﻴﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻭﻫﻲ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ ﻓﺈﻥ ﺃﻗﺼﺮ ﻣﻌﻨﻰ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﺗﻘﺘﻀﻴﻪ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻨﺤﻮ ﻭﺍﻟﺒﻴﺎﻥ، ﻫﻮ: [ﻛﻞ ﻓﺮﺩ ﻣﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻣﻦ ﺃﻱ ﺣﺎﻣﺪٍ ﺻَﺪﺭَ ﻭﻋﻠﻰ ﺃﻱ ﻣﺤﻤﻮﺩٍ ﻭﻗﻊ ﻣﻦ ﺍلأﺯﻝ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺑﺪ ﺧﺎﺹٌ ﻭﻣﺴﺘﺤﻖ ﻟﻠﺬﺍﺕ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻠﻪ].

ﻓﻘﻮﻟﻨﺎ: «ﻛﻞ ﻓﺮﺩ ﻣﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﺤﻤﺪ» ﻧﺎﺷﺊ ﻣﻦ «ﺍﻝ» ﺍلاﺳﺘﻐﺮﺍﻕ.

ﻭﻣﻦ «ﺃﻱ ﺣﺎﻣﺪٍ ﻛﺎﻥ» ﻓﻘﺪ ﺻﺪﺭ ﻣﻦ ﻛﻮﻥ «ﺍﻟﺤﻤﺪ» ﻣﺼﺪﺭﺍً، ﻓﻴﻔﻴﺪ ﺍﻟﻌﻤﻮﻡ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ، لأﻥ ﻓﺎﻋﻠﻪ ﻣﺘﺮﻭﻙ.

«ﻭﻋﻠﻰ ﺃﻱ ﻣﺤﻤﻮﺩ ﻭﻗﻊ» ﻳﻔﻴﺪ ﺍﻟﻌﻤﻮﻡَ ﻭﺍﻟﻜﻠﻴﺔ، ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ، ﻟﺘﺮﻙ ﺍﻟﻤﻔﻌﻮﻝ.

ﺃﻣﺎ «ﻣﻦ ﺍلأﺯﻝ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺑﺪ»، ﻓﻴﻔﻴﺪﻩ ﺍﻟﺪﻭﺍﻡ ﻭﺍﻟﺜﺒﺎﺕ، ﺣﺴﺐ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺍﻧﺘﻘﺎﻝ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺟﻤﻠﺔ ﺍﺳﻤﻴﺔ.

ﻭﺃﻥ لاﻡ ﺍﻟﺠﺮ ﻓﻲ «ﻟﻠﻪ» ﺗﻔﻴﺪ ﻣﻌﻨﻰ «ﺧﺎﺻﺎً ﻭﻣﺴﺘﺤﻘﺎً» لأﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟـلاﻡ ﻟـلاﺧﺘﺼﺎﺹ ﻭﺍلاﺳﺘﺤﻘﺎﻕ.

ﺃﻣﺎ «ﻟﻠﺬﺍﺕ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻠﻪ» ﻓﺈﻥ ﻟﻔﻆ «ﺍﻟﻠﻪ» ﻳﺪﻝ ﺩلاﻟﺔ ﺍﻟﺘﺰﺍﻣﻴﺔ ﻋﻠﻰ «ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ» لأﻧﻪ ﻟﻔﻆٌ ﺟﺎﻣﻊٌ ﻟﺴﺎﺋﺮ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺕ، ﻭﺇﻧﻪ ﺍلاﺳﻢ ﺍلأﻋﻈﻢ، ﻭلأﻥ «ﻭﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ» لاﺯﻡ ﺿﺮﻭﺭﻱ ﻟـلأﻟﻮﻫﻴﺔ ﻭﻫﻮ ﻋﻨﻮﺍﻥ ﻟﻤـلاﺣﻈﺔ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ.

ﻓﻠﺌﻦ ﻛﺎﻥ ﺃﻗﺼﺮ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ ﻟﺠﻤﻠﺔ «ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ» ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ، ﻛﻤﺎ ﺍﺗﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻓﻜﻴﻒ ﺑﺘﺮﺟﻤﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺇﻟﻰ ﻟﻐﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﺑﻨﻔﺲ ﺍلإﻋﺠﺎﺯ ﻭﺍﻟﻘﻮﺓ ﻧﻔﺴﻬﺎ؟

ﺛﻢ ﺇﻥَّ ﻫﻨﺎﻙ ﻟﻐﺔ ﻓﺼﻴﺤﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺃﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﻟﻐﺎﺗﻪ ﻣﻤﺎ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻔﺼﺤﻰ، ﻭﻫﻲ لا ﺗﺒﻠﻎ ﻗﻄﻌﺎً ﺟﺎﻣﻌﻴﺔَ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻭﺷﻤﻮﻟﻴﺘﻬﺎ.

ﺇﻥَّ ﻛﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﺎﺀﺕ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻔﺼﺤﻰ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﺨﺎﺭﻗﺔ، ﻭﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﻌﺠﺰﺓ، ﻭﺻﺎﺩﺭﺓ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﻣﺤﻴﻂ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻳﺪﻳﺮ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ ﻛﻠَّﻬﺎ ﻛﻴﻒ ﺗُﻮﻓﻲ ﺣﻘَّﻬﺎ ﻛﻠﻤﺎﺕُ ﺃﻟﺴﻨﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﺗﺮﻛﻴﺒﻴﺔ ﻭﺗﺼﺮﻳﻔﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻣَﻦ ﻫﻮ ﺟﺰﺋﻲ ﺍﻟﺬﻫﻦ ﻗﺎﺻﺮ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﻣﺸﻮﺵ ﺍﻟﻔﻜﺮ، ﻣﻈﻠﻢ ﺍﻟﻘﻠﺐ؟ ﺃﻡ ﻛﻴﻒ ﺗﻤـلأ ﻛﻠﻤﺎﺕُ ﺗﺮﺟﻤﺔٍ ﻣﺤﻞَّ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ؟ ﺣﺘﻰ ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻘﻮﻝ، ﻭﺃﺛﺒﺖ ﺃﻳﻀﺎً: ﺃﻥ ﻛﻞ ﺣﺮﻑ ﻣﻦ ﺣﺮﻭﻑ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺧﺰﻳﻨﺔ ﻣﻦ ﺧﺰﺍﺋﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ، ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﺤﻮﻱ ﺣﺮﻑٌ ﻭﺍﺣﺪ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻣﺎ ﻳﻤـلأ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ.

  ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ

لأﺟﻞ ﺗﻨﻮﻳﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺳﺄﺫﻛﺮ ﻟﻜﻢ ﻣﺎ ﺟﺮﻯ ﻋﻠﻲَّ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻭﻣﻦ ﺧﻴﺎﻝ ﺫﻱ ﺣﻘﻴﻘﺔ، ﺗﻮﺿﻴﺤﺎً ﻟﻤﻌﻨﻰ ﻛﻠﻤﺔ ﴿نَعْبُدُ﴾ ﻭﺗﺒﻴﺎﻧﺎً ﻟﺠﺎﻧﺐ ﺧﻔﻲ ﻣﻦ ﺳﺮِّﻫﺎ:

ﺗﺄﻣﻠﺖ ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ﻓﻲ «ﻥ» ﺍﻟﻤﺘﻜﻠﻢ ﻣﻊ ﺍﻟﻐﻴﺮ ﻓﻲ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ﻭﺗﺤﺮّﻯ ﻗﻠﺒﻲ ﻭﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﺍﻧﺘﻘﺎﻝ ﺻﻴﻐﺔ ﺍﻟﻤﺘﻜﻠﻢ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺇﻟﻰ ﺻﻴﻐﺔ ﺍﻟﺠﻤﻊ (ﻧَﻌْﺒُﺪُ).. ﻓﺒﺮﺯﺕْ ﻓﺠﺄﺓً ﻓﻀﻴﻠﺔُ ﺻـلاﺓ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻭﺣﻜﻤﺘُﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ «ﺍﻟﻨﻮﻥ»، ﺇﺫ ﺭﺃﻳﺖ ﺃﻧﻪ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺸﺎﺭﻛﺘﻲ ﻟﻠﺠﻤﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺼـلاﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺩَّﻳﺘُﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻊ «ﺑﺎﻳﺰﻳﺪ» ﻳﻜﻮﻥ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺷﻔﻴﻊٍ ﻟﻲ.

ﻭﺭﺃﻳﺖ ﺃﻥ ﻛﻞَّ ﻓﺮﺩ ﻣﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺷﺎﻫﺪٌ ﻭﻣﺆﻳﺪٌ ﻟﻤﺎ ﺃﻇﻬﺮﺗُﻪ ﻣﻦ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﻭﻗﻀﺎﻳﺎ ﻓﻲ ﻗﺮﺍﺀﺗﻲ. ﻓﻮﻟّﺪ ﺫﻟﻚ ﻋﻨﺪﻱ ﺍﻟﺸﺠﺎﻋﺔَ ﺍﻟﻜﺎﻓﻴﺔ ﻟﻜﻲ ﺃُﻗﺪّﻡَ ﻋﺒﺎﺩﺗﻲ ﺍﻟﻨﺎﻗﺼﺔ، ﻭﺃﺭﻓﻌَﻬﺎ ﻣﻀﻤﻮﻣﺔً ﻣﻊ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻀﺮﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ.

ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﺗﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ؛ ﺇﺫﺍ ﺑﺴﺘﺎﺭ ﺁﺧﺮ ﻳُﺮﻓَﻊ، ﻭﺭﺃﻳﺖ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊَ ﻣﺴﺎﺟﺪ ﺍﺳﺘﺎﻧﺒﻮﻝ ﻗﺪ ﺍﺗﺼﻠﺖ ﻭﺗﺮﺍﺑﻂ ﺑﻌﻀُﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ؛ ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻛﻬﺬﺍ ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ، ﻭﺍﺳﺘﺸﻌﺮﺕُ ﺑﺸﺮﻑ ﺃﺩﻋﻴﺘﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﺑﻞ ﺗﺼﺪﻳﻘﻬﻢ ﻛﺬﻟﻚ.

ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺭﺃﻳﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﺤﺸﻮﺭﺍً ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﻔﻮﻑ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺠﺪ ﺳﻄﺢ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﻤﺘﺤﻠﻘﺔ ﺣﻠﻘﺎﺕٍ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ ﺍﻟﻤﺸﺮﻓﺔ ﻓﺤﻤﺪﺕُ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻭﻗﻠﺖ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.. ﺃﻥ ﻟﻲ ﻛﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﺍﻟﻜﺎﺛﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻔﻌﺎﺀ، ﻭﻣﻤﻦ ﻳﺮﺩﺩﻭﻥ ﻣﻌﻲ، ﻭﻳﺼﺪﻗﻮﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺃﻗﻮﻟﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺼـلاﺓ.

ﻭﻗﻠﺖ: ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﺴﺘﺎﺭ ﻗﺪ ﺭُﻓِﻊ ﻫﻜﺬﺍ ﺧﻴﺎلا.. ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔُ ﺍﻟﻤﺸﺮﻓﺔ ﺑﺤﻜﻢ ﻣﺤﺮﺍﺏٍ لأﻫﻞ ﺍلأﺭﺽ، ﻓـلأﻏﺘﻨﻢ ﺇﺫﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺮﺻﺔ، ﻭلأﺩَﻉ ﻓﻴﻬﺎ ﺧـلاﺻﺔَ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺫﻛﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺸﻬﺪ ﻭﻫﻲ، ﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ لا ﺇﻟﻪ ﺇﻟّﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪﺍً ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺃﺳﻠّﻤﻬﺎ ﺃﻣﺎﻧﺔً ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﺍلأﺳﻮﺩ. ﻣﺘﺨﺬﺍً ﺍﻟﺼﻔﻮﻑَ ﺷﻬﺪﺍﺀَ ﻋﻠﻴﻬﺎ.

ﻭﻫﻨﺎ ﺍﻧﻜﺸﻔﺖ ﺣﺎﻟﺔ ﺃﺧﺮﻯ، ﺇﺫ ﺭﺃﻳﺖ ﺃﻥَّ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔَ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻧﻀﻤﻤﺖُ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻗﺪ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺛـلاﺙ ﺟﻤﺎﻋﺎﺕ ﻭﺩﻭﺍﺋﺮ:

  ﺍلأﻭﻟﻰ: ﻫﻲ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺍﻟﻤﺆﻟﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺍﻟﻤﻮﺣﺪﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍلأﺭﺽ ﻗﺎﻃﺒﺔ.

ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﻫﻲ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﺎﻓﺔ ﺣﻴﺚ ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾ (ﺍﻟﻨﻮﺭ:41)  ﻓﺮﺃﻳﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻊ ﺻـلاﺗﻬﺎ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻭﻓﻲ ﺗﺴﺒﻴﺤﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ.. ﻭﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﺴﻤَّﻰ ﻭﻇﺎﺋﻒَ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﺃﻋﻤﺎﻟَﻬﺎ، ﺇﻥ ﻫﻮ ﺇﻟّﺎ ﻋﻨﺎﻭﻳﻦ ﻋﺒﺎﺩﺍﺗﻬﺎ ﻭﻋﺒﻮﺩﻳﺘﻬﺎ.. ﻓﻄﺄﻃﺄﺕ ﺭﺃﺳﻲ ﺣﺎﺋﺮﺍً ﺃﻣﺎﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻈﻤﺔ ﻗﺎﺋـلا: ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ ﻭﺗﺄﻣﻠﺖ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ:

  ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ: ﻭﺭﺃﻳﺖ ﻋَﺎﻟﻤﺎً ﻳﺒﺪﺃ ﻣﻦ ﺫﺭﺍﺕ ﻭﺟﻮﺩﻱ، ﻭﻳﻨﺘﻬﻲ ﺇﻟﻰ ﺣﻮﺍﺳﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ؛ ﻓﻬﻮ ﻋَﺎﻟﻢ ﺻﻐﻴﺮ ﻭﺻﻐﻴﺮ.. ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻪ ﻋﻈﻴﻢ ﺟﺪﺍً ﻳﺪﻋﻮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺮﺓ ﻭﺍلإﻋﺠﺎﺏ. ﻭﻫﻮ ﻋَﺎﻟﻢ ﻇﺎﻫﺮﻩ ﻣﺘﻨﺎﻩٍ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻐﺮ ﺇﻟّﺎ ﺃﻥ ﺣﻘﻴﻘﺘَﻪ ﻋﻈﻴﻤﺔٌ، ﻭﻭﻇﺎﺋﻔَﻪ ﺟﻠﻴﻠﺔ.

ﻧﻌﻢ، ﺭﺃﻳﺖ ﺃﻥَّ ﻛﻞ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻋﺎﺕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻨﻬﻤﻜﺔٌ ﺑﻮﻇﺎﺋﻒ ﻋﺒﻮﺩﻳﺘﻬﺎ ﻭﻭﺍﺟﺒﺎﺕ ﺷﻜﺮﻫﺎ. ﻭﺭﺃﻳﺖ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔَ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ﺗﺮﺩﺩ:

﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ﺑﺎﺳﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ، ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺭﺩّﺩﻫﺎ ﻟﺴﺎﻧﻲ ﺑﻨﻴﺔ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺘﻴﻦ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺘﻴﻦ ﺍلأﻭﻟﻴﻴﻦ.

  ﻭﺍﻟﺨـلاﺻﺔ: ﺃﻥ «ﻧﻮﻥ» (ﻧﻌﺒﺪ) ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﺜـلاﺙ ﻭﺗﺪﻝ ﻋﻠﻴﻬﺎ.

ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﺃﻧﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ؛ ﺇﺫﺍ ﺑﺎﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ ﻟﻤﺒﻠِّﻎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻗﺪ ﺗﻤﺜﻠﺖ ﺃﻣﺎﻣﻲ ﺑﻌﻈﻤﺘﻪ ﻭﻭَﻗﺎﺭﻩ.. ﻭﻫﻮ صلى الله عليه وسلم ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺒﺮﻩ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ (ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﻤﻨﻮﺭﺓ). ﻭﺃﺳﻤﻊ ﻣﻨﻪ -ﻛﻤﺎ ﺳﻤﻊ ﻏﻴﺮﻱ- ﺧﻄﺎﺑﺎً ﺇﻟﻬﻴﺎً ﻣﻮﺟﻬﺎً ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ..﴾ (ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:21) ﻓﺮﺃﻳﺖ ﺧﻴﺎلا ﺃﻥ ﻛﻞَّ ﻣَﻦ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﺜـلاﺙ ﻳﺘﺠﺎﻭﺏُ ﻣﺜﻠﻲ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻗﺎﺋـلا:

 ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾

  ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺗﻤﺜﻠﺖْ ﺣﻘﻴﻘﺔٌ ﺃﺧﺮﻯ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻔﻜﺮ، ﺣﺴﺐ ﻗﺎﻋﺪﺓ: «ﺇﺫﺍ ﺛﺒﺖ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺛﺒﺖَ ﺑﻠﻮﺍﺯﻣﻪ» ﻭﻫﻲ:

ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺭﺏُّ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻗﺪ ﺍﺗﺨﺬ ﺍلإﻧﺴﺎﻥَ ﻣﺨﺎﻃﺒﺎً ﻟﻪ، ﻓﻴﺘﻜﻠﻢ ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﻭﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝَ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ صلى الله عليه وسلم ﻗﺪ ﻗﺎﻡ ﺑﺘﺒﻠﻴﻎ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺑﻞ ﺇﻟﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ، ﻭﺇﻟﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺫﻭﻱ ﺍلأﺭﻭﺍﺡ، ﻓـلاﺑﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﻌﺎً ﻗﺪ ﺃﺻﺒﺤﺎ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ، ﻭﻏﺪﺕ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻛﺎﻓﺔ ﻣﺠﻠﺴﺎً ﻭﺍﺣﺪﺍً ﻭﺟﻤﺎﻋﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﺻﻔﻮﻑ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ، ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﻣﻮﺟﻪ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎً.

ﻫﻨﺎﻙ ﺑﺪﺍ ﻟﻲ ﺃﻥّ ﻛﻞَّ ﺁﻳﺔ ﻣﻦ ﺁﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻓﻲ ﻗﻤﺔ ﺍﻟﺒـلاﻏﺔ ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺠﺰﺍﻟﺔ، ﻭﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلإﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﻊّ ﻧﻮﺭﻩ ﺍﻟﺴﺎﻃﻊ، ﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍلآﻳﺔ ﺗَﻜﺴِﺐ ﻋﻠﻮَّﻫﺎ ﻭﺳﻤﻮّﻫﺎ ﻭﻗﻮﺗﻬﺎ ﻟﺼﺪﻭﺭﻫﺎ:

ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﺴﺎﻣﻲ ﺍﻟﺮﻓﻴﻊ ﺍﻟﺬﻱ لا ﻧﻬﺎﻳﺔَ ﻟﻌﻈﻤﺘﻪ، ﻭلا ﻏﺎﻳﺔ ﻟﺴِﻌَﺘﻪ ﻭلا ﻣﻨﺘﻬﻰ ﻟﺴﻤﻮِّﻩ، ﻣﻦ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﻭﺍﻟﻌﻈﻤﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ، ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺘﻜﻠﻢ ﺍلأﺯﻟﻲ ﺟﻞ ﺟـلاﻟﻪ..

ﻭﻣﻦ ﻣﺒﻠِّﻐﻬﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﻤﻨﺰﻟﺔ ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﻭﺍﻟﺪﺭﺟﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ. ﻭﻣﻦ ﺗﻮﺟّﻬﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺨﺎﻃﺒﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﻭﺍلأﻫﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺒﺎﻳﻦ.

ﻟﺬﺍ، ﺗﺤﻘﻖ ﻋﻨﺪﻱ؛ ﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻛﻠّﻪ ﻣﻌﺠﺰﺓ، ﺑﻞ ﻛﻞ ﺳﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﺳﻮﺭﻩ ﻣﻌﺠﺰﺓ، ﻭﻛﻞ ﺁﻳﺔ ﻣﻦ ﺁﻳﺎﺗﻪ ﻣﻌﺠﺰﺓ ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻛﻞ ﻛﻠﻤﺔ ﻓﻴﻪ ﺑﺤﻜﻢ ﻣﻌﺠﺰﺓ.

ﻟﺬﺍ ﻗﻠﺖ: «ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﻌﻤﺔ ﺍلإﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ».

ﻭﺑﻬﺬﺍ ﺧﺮﺟﺖُ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻋﻴﻦُ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻛﻤﺎ ﺩﺧﻠﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ (ﻥ) ﻧﻌﺒﺪ، ﻭﻓﻬﻤﺖ ﺃﻧﻪ: ﻟﻴﺴﺖ ﺁﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭلا ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ﻣﻌﺠﺰﺓً ﻭﺣﺪَﻫﺎ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﺣﺮﻭﻑ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ -ﻛﻤﺎ ﻓﻲ (ﻥ) ﻧﻌﺒﺪ- ﻫﻲ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﻧﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻋﻈﻤﻰ.

ﻭﺑﻌﺪﻣﺎ ﺧﺮﺝ ﺍﻟﻘﻠﺐُ ﻭﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﻣﻦ (ﻥ) ﻧﻌﺒﺪ ﻗﺎﺑﻠﻬﻤﺎ ﺍﻟﻌﻘﻞُ ﻗﺎﺋـلا:

– ﺇﻧﻨﻲ ﺃﻃﺎﻟﺐ ﺑﺤﻈﻲ ﻭﻧﺼﻴﺒﻲ ﻣﻤﺎ ﺃﻧﺘﻢ ﻓﻴﻪ، ﻓـلا ﺃﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻖ ﻣﺜﻠﻜﻢ، ﻭلا ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﺴﻴﺮَ ﺇﻟّﺎ ﺑﺄﻗﺪﺍﻡ ﺍلأﺩﻟﺔ ﻭﺍﻟﺤﺠﺞ.. ﺃﺭﻭﻧﻲ ﻣﺎ ﻓﻲ ﴿نَعْبُدُ﴾ ﻭ﴿نَسْتَعِينُ﴾ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﻮﺻِﻞ ﺇﻟﻰ (ﺍﻟﻤﻌﺒﻮﺩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ) ﻭ(ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﺎﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ) ﺣﺘﻰ ﺃﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﻓﻘﺘﻜﻢ.

ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﺧﻄﺮ ﻟﻠﻘﻠﺐ ﺃﻥ:

– ﻗﻞ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺤﺎﺋﺮ ﺃﻥ ﻳﺘﺄﻣﻞَ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻢ ﺳﻮﺍﺀً ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﺤﻲ ﻭﻏﻴﺮ ﺍﻟﺤﻲ. ﻓﻠﻜﻞٍ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﺒﻮﺩﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﻋﻠﻰ ﻭﻓﻖ ﻧﻈﺎﻡ ﺩﻗﻴﻖ، ﻭﺿﻤﻦ ﺇﻃﺎﻋﺔ ﺗﺎﻣﺔ.

ﻭﻣﻊ ﺃﻥ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺩﻭﻥ ﺷﻌﻮﺭ ﻭﺇﺣﺴﺎﺱ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻨﺠﺰ ﺃﻋﻤﺎﻟَﻪ ﻭﻭﻇﺎﺋﻔﻪ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺭ.

ﺇﺫﻥ لاﺑﺪّ ﺃﻥ ﻣﻌﺒﻮﺩﺍً ﺣﻘﻴﻘﻴﺎً ﻭﺁﻣﺮﺍً ﻣﻄﻠﻘﺎً، ﻳﺴﺨّﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭﻳﺴﻮﻗﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ.

ﻭﻗﻞ ﻟﻪ ﻟﻴﺘﺄﻣﻞْ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﻠﻜﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺎﺟﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ، ﻭﻟﻜﻞٍ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻄﺎﻟﺐ ﻋﺪﺓ ﻭﻣﺨﺘﻠﻔﺔ لإﺩﺍﻣﺔ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻭﺑﻘﺎﺀ ﻧﻮﻋﻬﺎ. ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ لا ﺗﺼﻞ ﺃﻳﺪﻳﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﺴﻂ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﺟﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺐ، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻃﻮﻗﻬﺎ.. ﺇﺫﺍ ﺑﻨﺎ ﻧﺸﺎﻫﺪ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺐ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﺤﺪ، ﺗﺄﺗﻴﻬﺎ ﺭﻏﺪﺍً ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ، ﺑﻞ ﺗﺄﺗﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﻓﻀﻞ ﻭﻗﺖ ﻭﺃﻧﺴﺒﻪ. ﻓﻬﺬﺍ ﺍلاﻓﺘﻘﺎﺭ ﻭﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻴﺘﻴﻦ ﻟﻠﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﻭﻫﺬﻩ ﺍلإﻋﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﻐﻴﺒﻴﺔ ﻭﺍلإﻣﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍﻟﺮﺣﻤﺎﻧﻴﺔ ﺗﺪﻝ ﺑﺪﺍﻫﺔً ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻟﻬﺎ ﺭﺯﺍﻗﺎً ﻳﺤﻤﻴﻬﺎ.

ﻭﻫﻮ ﻏﻨﻲ ﻣﻄﻠﻖ.. ﻛﺮﻳﻢ ﻣﻄﻠﻖ.. ﻗﺪﻳﺮ ﻣﻄﻠﻖ.. ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺴﺘﻌﻴﻦ ﺑﻪ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﻛﻞ ﺣﻲّ، ﻃﺎﻟﺒﺎً ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻌﻮﻥَ ﻭﺍﻟﻤﺪﺩ. ﺃﻱ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻳﻘﻮﻝ ﺿﻤﻨﺎً ﻭﻣﻌﻨﻰً:

﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺍﺳﺘﺴﻠﻢ ﺍﻟﻌﻘﻞُ ﻭﻗﺎﻝ: ﺁﻣﻨﺎ ﻭﺻﺪّﻗﻨﺎ.

ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ

ﻭﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺗﻠﻮ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ (ﺍﻟﻔﺎﺗﺤﺔ:٦-٧)، ﻧﻈﺮﺕ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﺍﻓﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﺮﺍﺣﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ، ﻓﺮﺃﻳﺖ ﺃﻥّ ﺭﻛﺐَ ﺍلأﻧﺒﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﻜﺮﻣﻴﻦ ﻭﺍﻟﺼﺪﻳﻘﻴﻦ ﻭﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ ﻭﺍلأﻭﻟﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﺃﻧﻮﺭُ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﻮﺍﻓﻞ ﻭﺃﺳﻄﻌُﻬﺎ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﻧﻮﺭﻩ ﻳﺒﺪﺩ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ؛ ﺇﺫ ﺇﻧﻬﻢ ﻣﺎﺿﻮﻥ ﻓﻲ ﺟﺎﺩﺓ ﻣﺴﺘﻘﻴﻤﺔ ﻛﺒﺮﻯ ﺗﻤﺘﺪ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺑﺪ.. ﻭﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﺗﺒﺼّﺮﻧﻲ ﻃﺮﻳﻖَ ﺍﻟﻠﺤﺎﻕ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﺮﻛﺐ ﺍﻟﻤﻴﻤﻮﻥ، ﺑﻞ ﺗﻠﺤﻘﻨﻲ ﺑﻪ..

ﻓﻘﻠﺖ: ﻳﺎ ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ، ﻣﺎ ﺃﻓﺪﺡَ ﺧﺴﺎﺭﺓ، ﻭﻣﺎ ﺃﻋﻈﻢَ ﻫـلاﻙَ ﻣَﻦ ﺗﺮﻙ ﺍلاﻟﺘﺤﺎﻕ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻣﻀﺖ ﺑﺴـلاﻡ ﻭﺃﻣﺎﻥ ﻭﺃﺯﺍﻟﺖ ﺣُﺠﺐَ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﺕ، ﻭﻧﻮّﺭﺕ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ.. ﺇﻥ ﻣﻦ ﻳﻤﻠﻚ ﺫﺭﺓً ﻣﻦ ﺷﻌﻮﺭ لاﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﻙ ﻫﺬﺍ.

ﻭﺇﻥ ﻣﻦ ﻳﻨﺤﺮﻑ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﺑﺈﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺒﺪﻉ، ﺃﻳﻦ ﺳﻴﻠﺘﻤﺲ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻟﻴﺴﺘﻀﺊ، ﻭﺇﻟﻰ ﺃﻳﻦ ﺳﻴﺴﻠﻚ؟.

ﻓﻠﻘﺪ ﻗﺎﻝ ﻗﺪﻭﺗﻨﺎ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍلأﻛﺮﻡ صلى الله عليه وسلم (ﻛﻞ ﺑﺪﻋﺔ ﺿـلاﻟﺔ ﻭﻛﻞ ﺿـلاﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺭ).

ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ ﺍﺳﺘﺤﻘﻮﺍ ﺃﻥ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﺳﻢ «ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﺴﻮﺀ» ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺸﻘﺎﺓ، ﺃﻳﺔُ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻳﺠﺪﻭﻧﻬﺎ ﺇﺯﺍﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻲ ﻓﺘﻮﻯ ﻳﻔﺘﻮﻧﻬﺎ، ﻳﻌﺎﺭﺿﻮﻥ ﺑﻬﺎ ﺑﺪﻳﻬﻴﺎﺕ ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ، ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﺿﺮﺭ ﻭﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺿﺮﻭﺭﺓ، ﻭﻳﺮﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﻗﺎﺑﻠﺔٌ ﻟﻠﺘﺒﺪﻳﻞ! ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﺛﻤﺔ ﺷﻲﺀ، ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﺍﻧﺘﺒﺎﻩٌ ﻣﻮﻗﺖٌ ﻧﺎﺷﺊٌ ﻣﻦ ﺳﻄﻮﻉ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻤﺆﻗﺖ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﺪﻋﻬﻢ.

ﻣﺜـلا: ﻟﻮ ﺳُﻠﺦ ﺟﻠﺪُ ﺣﻴﻮﺍﻥ، ﺃﻭ ﻧُﺰﻉ ﻏـلاﻑُ ﺛﻤﺮﺓ، ﻓﺈﻥ ﻇﺮﺍﻓﺔً ﻣﺆﻗﺘﺔ ﺗﺒﺪﻭ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﺤﻢ ﻭﺍﻟﺜﻤﺮﺓ، ﻭﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ ﻣﺪﺓ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻳﺴﻮﺩّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻠﺤﻢُ ﺍﻟﻈﺮﻳﻒ، ﻭﺍﻟﺜﻤﺮﺓُ ﺍﻟﻠﻄﻴﻔﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺘﺄﺛﻴﺮ ﻣﺎ ﻳﻐﻠﻔﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻏـلاﻑ ﻋﺮﺿﻲ ﻏﺮﻳﺐ ﻛﺜﻴﻒ ﻣﻠﻮﺙ، ﻓﻴﺘﻌﻔﻨﺎﻥ..

ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﺘﻌﺎﺑﻴﺮ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ، ﻓﻬﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺟﻠﺪ ﺣﻲ ﻣُﺜﺎﺏ ﻋﻠﻴﻪ. ﻭﻟﺪﻯ ﺍﻧﺘﺰﺍﻋﻪ ﻳﻈﻬﺮ ﺷﻲﺀٌ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻣﻮﻗﺘﺎً، ﻭﺗﻄﻴﺮ ﺃﺭﻭﺍﺡُ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ ﺑﻤﺜﻞ ﺫﻫﺎﺏ ﻟﻄﺎﻓﺔ ﺍﻟﺜﻤﺮﺓ ﺍﻟﻤﻨﺰﻭﻉ ﻋﻨﻬﺎ ﺍﻟﻐـلاﻑ، ﺗﺎﺭﻛﺔ ﺃﻟﻔﺎﻇَﻬﺎ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻭﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﻈﻠﻤﺔ. ﺛﻢ ﺗﻐﺎﺩﺭ، ﻭﻳﺬﻫﺐ ﺍﻟﻨﻮﺭُ ﻭلا ﻳﺒﻘﻰ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺪﺧﺎﻥ.. ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ ..

  ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻣﻨﺔ

ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺑﻴﺎﻥ ﺩﺳﺘﻮﺭ ﻣﻦ ﺩﺳﺎﺗﻴﺮ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﺺّ ﻫﺬﺍ ﺍلأﻣﺮ. ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ ﻧﻮﻋﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ: «ﺣﻘﻮﻕ ﺷﺨﺼﻴﺔ» ﻭ«ﺣﻘﻮﻕ ﻋﺎﻣﺔ» ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ «ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻠﻪ». ﻭﺃﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎلأﺷﺨﺎﺹ ﻭﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻨﺎﺱ ﻋﺎﻣﺔ، ﺃﻱ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻌﻤﻮﻡ، ﻓﻴُﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﺍلإﺳـلاﻣﻴﺔ». ﻓﺎﻟﻨﺎﺱ ﻛﻠﻬﻢ ﻟﻬﻢ ﺣﺼﺔٌ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ، ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻌﻤﻮﻡ، ﻭﺃﻥ ﺃﻱ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﻭﺃﻱ ﻣﺲّ ﺑﻬﺎ، ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺗﻌﺪﻳﺎً ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻮﻕ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﺎﻣﺔ، ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﺭﺍﺿﻴﻦ ﻋﻨﻪ. ﻭﺇﻥ ﺃﺻﻐﺮ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ (ﻭﻟﺘﻜﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ) ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻋﻈﻴﻢ ﻣﻦ ﺍلأﻫﻤﻴﺔ، ﻛﺄﻳﺔ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺟﻠﻴﻠﺔ، لأﻧﻬﺎ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلإﺳـلاﻣﻲ ﻛﺎﻓﺔ.

ﺃلا ﻓﻠﻴﺪﺭﻙ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﻌَﻮﻥ ﻟﻘﻄﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴـلاﺳﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺭﺗﺒﻂ ﺑﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊُ ﺃﻋﺎﻇﻢ ﺍلإﺳـلاﻡ ﻣﻨﺬ ﺧﻴﺮ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬﺍ، ﻭﻳﻌﺎﻭﻧﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺮﻳﻔﻬﺎ ﻭﻫﺪﻣﻬﺎ. ﻓﻠﻴﻨﻈﺮ ﺃﻱ ﺧﻄﺄ ﻋﻈﻴﻢ ﻳﺮﺗﻜﺒﻮﻥ. ﻭﻟﻴﺮﺗﻌﺪﻭﺍ ﺇﻥْ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﻢ ﺫﺭﺓ ﻣﻦ ﺷﻌﻮﺭ!.

  ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ

ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﻌﺒﺪﻳﺔ» ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ لا ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻤﺤﺎﻛﻤﺎﺕ ﻋﻘﻠﻴﺔ، ﻭﻳُﻔﻌﻞ ﻛﻤﺎ ﺃُﻣﺮ، ﺇﺫ ﺇﻥ ﻋﻠّﺘَﻪ ﻫﻮ ﺍلأﻣﺮُ ﺍلإﻟﻬﻲ.

ﻭﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍلآﺧﺮ ﺑ«ﻣﻌﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ» ﺃﻱ ﺃﻥ ﻟﻪ ﺣﻜﻤﺔ ﻭﻣﺼﻠﺤﺔ، ﺻﺎﺭﺕ ﻣﺮﺟّﺤﺔ ﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﻜﻢ. ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻴﺴﺖ ﺳﺒﺒﺎً ﻭلا ﻋﻠﺔ. لأﻥ ﺍﻟﻌﻠّﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻫﻲ ﺍلأﻣﺮ ﻭﺍﻟﻨﻬﻲ ﺍلإﻟﻬﻲ.

ﻓﺎﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺘﻌﺒﺪﻱ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ لا ﺗﻐﻴّﺮﻩ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔُ ﻭﺍﻟﻤﺼﻠﺤﺔُ ﻗﻄﻌﺎً، لأﻥ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﺘﻌﺒّﺪ ﻓﻴﻪ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺮﺟﺢ، ﻟﺬﺍ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳُﺘَﺪﺧﻞ ﻓﻴﻪ ﺃﻭ ﻳُﻤﺲَّ ﺑﺸﻲﺀ، ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻭﺟﺪﺕ ﻣﺎﺋﺔ ﺃﻟﻒ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻭﺣﻜﻤﺔ، ﻓـلا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻐﻴّﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎً. ﻭﻛﺬﻟﻚ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥْ ﻳﻘﺎﻝ: ﺇﻥَّ ﻓﻮﺍﺋﺪ ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ؛ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺔ ﻭﺣﺪَﻫﺎ. ﻓﻬﺬﺍ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺧﻄﺄ، ﺑﻞ ﺇﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺔ، ﺭﺑﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﺎﺋﺪﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺣﻜﻤﻬﺎ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ.

ﻓﻤﺜـلا: ﻟﻮ ﻗﺎﻝ ﺃﺣﺪﻫﻢ: ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻣﻦ ﺍلأﺫﺍﻥ ﻫﻲ ﺩﻋﻮﺓ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼـلاﺓ، ﻓﺈﺫﻥ ﻳﻜﻔﻲ -ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ- ﺇﻃـلاﻕ ﻃﻠﻘﺔ ﻣﻦ ﺑﻨﺪﻗﻴﺔ! ﻭلا ﻳﻌﺮﻑ ﺫﻟﻚ ﺍلأﺑﻠﻪ ﺃﻥ ﺩﻋﻮﺓ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻫﻲ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺃﻟﻮﻑ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﻓﻲ ﺍلأﺫﺍﻥ. ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺃُﻋﻄﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﻮﺕُ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﻓﺈﻧﻪ لا ﻳﺴﺪّ ﻣﺴﺪّ ﺍلأﺫﺍﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻭﺳﻴﻠﺔٌ لإﻋـلاﻥ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﻟﺨﻠﻖ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﺧﻠﻖ ﻧﻮﻉ ﺍﻟﺒﺸﺮ. ﻭﻭﺍﺳﻄﺔ لإﻇﻬﺎﺭ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺇﺯﺍﺀ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺑﺈﺳﻢ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﻠﺪﺓ ﺃﻭ ﺑﺈﺳﻢ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻗﺎﻃﺒﺔ.

  ﺣﺎﺻﻞ ﺍﻟﻜـلاﻡ: ﺇﻥ ﺟﻬﻨﻢ ﻟﻴﺴﺖ ﺯﺍﺋﺪﺓً ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ، ﻓﺈﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺍلأﻣﻮﺭ ﺗﺪﻋﻮ ﺑﻜﻞ ﻗﻮﺓ: ﻟﺘﻌﺶ ﺟﻬﻨﻢ. ﻭﻛﺬﺍ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺭﺧﻴﺼﺔ ﺑﻞ ﺗﻄﻠﺐ ﺛﻤﻨﺎً ﻏﺎﻟﻴﺎً.

﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ (ﺍﻟﺤﺸﺮ:20).