ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ:

ﺃﻳﻦ ﻳﻘﻊ ﺳﺪُّ ﺫﻱ ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ؟ ﻭﻣَﻦ ﻳﺄﺟﻮﺝ ﻭ ﻣﺄﺟﻮﺝ؟

  ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻟﻘﺪ ﻛﺘﺒﺖُ ﺳﺎﺑﻘﺎً ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺣﻮﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ، ﻓﺄﻟﺰﻣﺖ ﺍﻟﺤُﺠﺔ ﻣﻼﺣﺪﺓ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ. ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻨﻲ ﺍﻵﻥ ﻻ ﺃَﻣﻠﻚ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺃﻥ ﺣﺎﻓﻈﺘﻲ ﻻ ﺗﻤﺪﻧﻲ ﺑﺸﻲﺀ ﻓﻘﺪ ﺃﺻﺎﺑﻬﺎ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻄﻞ. ﻋﻼﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻗﺪ ﺗﻄﺮﻕ ﺇﻟﻴﻬﺎ «ﺍﻟﻐﺼﻦ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﻟﻬﺬﺍ ﻧﺸﻴﺮ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻻﺧﺘﺼﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﻧﻜﺘﺘﻴﻦ ﺃﻭ ﺛﻼﺙ ﻓﺤﺴﺐ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻭﻫﻲ:

ﺃﻧﻪ ﺑﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺑﻴّﻨﻪ ﺃﻫﻞُ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻮﻥ، ﻭﺍﺑﺘﺪﺍﺀِ ﺃﺳﻤﺎﺀِ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﻣﻠﻮﻙ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﺑﻜﻠﻤﺔ «ﺫﻱ» -ﻛ«ﺫﻱ ﻳﺰﻥ»- ﻭﻣﺎ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﻋﻨﻮﺍﻥ «ﺫﻱ ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ» ﻓﺈﻥ ﺫﺍ ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ ﻫﺬﺍ ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﺍﻹﺳﻜﻨﺪﺭ ﺍﻟﺮﻭﻣﻲ (ﺍﻟﻤﻘﺪﻭﻧﻲ) ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺃﺣﺪ ﻣﻠﻮﻙ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺎﺻﺮَ ﺳﻴﺪَﻧﺎ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻭﺗﻠﻘﻰ ﺍﻟﺪﺭﺱَ ﻣﻦ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺍﻟﺨﻀﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺟﺎﺀ «ﺍﻹﺳﻜﻨﺪﺭ ﺍﻟﺮﻭﻣﻲ» ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩ ﺑﺤﻮﺍﻟﻲ ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ﻭﺩﺭﺱ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ «ﺃﺭﺳﻄﻮ».

ﺇﻥ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺬﻱ ﺩﻭّﻧﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥُ ﻳﻀﺒﻂ ﺍﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﺛﻼﺛﺔ ﺁﻻﻑ ﻋﺎﻡ. ﻟﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻧﻈﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻨﺎﻗﺺ ﺍﻟﻘﺎﺻﺮ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺤﻜﻢَ ﺑﺼﻮﺍﺏ ﻋﻠﻰ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﺯﻣﻦ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ، ﻓﺈﻣﺎ ﻳﺬﻛﺮﻫﺎ ﻣﺸﻮﺑﺔً ﺑﺎﻟﺨﺮﺍﻓﺎﺕ، ﺃﻭ ﻳﻨﻜﺮﻫﺎ ﺃﻭ ﻳﻮﺭﺩﻫﺎ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ ﺷﺪﻳﺪ.

ﺃﻣﺎ ﺳﺒﺐ ﺍﺷﺘﻬﺎﺭ ﺫﻱ ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ ﺍﻟﻴﻤﺎﻧﻲ ﻫﺬﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔﺎﺳﻴﺮ ﺑﺎﻹﺳﻜﻨﺪﺭ، ﻓﻴﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ: ﺃﻥ ﺃﺣﺪَ ﺃﺳﻤﺎﺀ «ﺫﻱ ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ» ﻫﻮ ﺍﻻﺳﻜﻨﺪﺭ، ﻓﻬﻮ ﺍﻹﺳﻜﻨﺪﺭ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ، ﻭﺍﻹﺳﻜﻨﺪﺭ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ. ﺃﻭ ﻧﻈﺮﺍً ﻷﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻟﺪﻯ ﺫﻛﺮﻩ ﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻳﺬﻛﺮﻫﺎ ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﻃﺮﻓﺎً ﻟﺤﻮﺍﺩﺙ ﻛﻠﻴﺔ، ﻓﺈﻥ ﺍﻻﺳﻜﻨﺪﺭ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺫﻭ ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ؛ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺃﺳﺲ ﺳﺪّ ﺍﻟﺼﻴﻦ ﺍﻟﺸﻬﻴﺮ ﺑﺈﺭﺷﺎﺩﺍﺗﻪ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻗﻮﺍﻡ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﺔ ﻭﺍﻟﻤﻈﻠﻮﻣﺔ ﻭﻟﻴﺼﺪّ ﻋﻨﻬﻢ ﻏﺎﺭﺍﺗﻬﻢ ﻓﺈﻥ ﻗﻮﺍﺩﺍً ﻋﻈﺎﻣﺎً ﻋﺪﻳﺪﻳﻦ ﻛﺎﻻﺳﻜﻨﺪﺭ ﺍﻟﺮﻭﻣﻲ ﻭﻣﻠﻮﻛﺎً ﺃﻗﻮﻳﺎﺀ ﺍﻗﺘﺪﻭﺍ ﺑﺬﻱ ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ -ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ- ﻭﺃﻥ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻷﻗﻄﺎﺏ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ -ﻭﻫﻢ ﻣﻠﻮﻙ ﻣﻌﻨﻮﻳﻮﻥ ﻟﻺﻧﺴﺎﻧﻴﺔ- ﺳﺎﺭﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﺃﺛﺮﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻭﺍﻹﺭﺷﺎﺩ.. ﻓﻬﺆﻻﺀ ﺃﺳﺴﻮﺍ ﺍﻟﺴﺪﻭﺩ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ (حاشية) ﻫﻨﺎﻙ ﺳﺪﻭﺩ ﺍﺻﻄﻨﺎﻋﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻷﺭﺽ ﺗﺤﻮﻟﺖ ﺑﻤﺮﻭﺭ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺇﻟﻰ ﻫﻴﺌﺔ ﺟﺒﺎﻝ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻌﺮﻑ ﺃﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺪﻭﺩﺍً. ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﻹﻧﻘﺎﺫ ﺍﻟﻤﻈﻠﻮﻣﻴﻦ ﻣﻦ ﺷﺮ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ. ﺛﻢ ﺑَﻨﻮﺍ ﺍﻟﻘﻼﻉ ﻓﻲ ﻗﻤﻢ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ، ﻓﺸﻴّﺪﻭﺍ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﺍﻧﻊ ﺇﻣﺎ ﺑﻘﻮﺗﻬﻢ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ ﺃﻭ ﺑﺈﺭﺷﺎﺩﺍﺗﻬﻢ ﻭﺗﻮﺟﻴﻬﺎﺗﻬﻢ ﻭﺗﺪﺍﺑﻴﺮﻫﻢ. ﺣﺘﻰ ﺑَﻨﻮﺍ ﺍﻷﺳﻮﺍﺭ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﻭﺍﻟﺤﺼﻮﻥ ﻓﻲ ﺃﻭﺍﺳﻄﻬﺎ، ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺑﻠﻎ ﺍﻷﻣﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺃﺧﻴﺮﺓ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﺪﺍﻓﻊ ﺍﻟﺜﻘﻴﻠﺔ ﻭﺍﻟﻤﺪﺭﻋﺎﺕ ﺍﻟﺸﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎﻟﻘﻼﻉ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ.

ﻓﺬﻟﻚ ﺍﻟﺴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻨﺎﻩ ﺫﻭ ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ ﻭﻫﻮ ﺃﺷﻬﺮ ﺳﺪٍّ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﻳﺒﻠﻎ ﻃﻮﻟﻪ ﻣﺴﻴﺮﺓ ﺃﻳﺎﻡ ﺇﻧﻤﺎ ﺑﻨﺎﻩ ﻟﻴﺼﺪ ﺑﻪ ﻫﺠﻤﺎﺕ ﺃﻗﻮﺍﻡٍ ﺷﺮﻳﺮﺓ ﺃﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﺳﻢَ ﻳﺄﺟﻮﺝ ﻭﻣﺄﺟﻮﺝ ﻭﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻨﻬﻢ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺑﻘﺒﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﺎﻧﺠﻮﺭ ﻭﺍﻟﻤﻐﻮﻝ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺩﻣّﺮﻭﺍ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻣﺮﺍﺕٍ ﻭﻣﺮﺍﺕ. ﻭﻇﻬﺮﻭﺍ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀ ﺟﺒﺎﻝ ﻫﻤﺎﻻﻳﺎ ﻓﺄﻫﻠﻜﻮﺍ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ ﻭﺧﺮّﺑﻮﺍ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﺷﺮﻗﺎً ﻭﻏﺮﺑﺎً. ﻓﺼﺎﺭ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﺪ ﺍﻟﻤﺒﻨﻲ ﺑﻴﻦ ﺟﺒﻠﻴﻦ ﻗﺮﻳﺒَﻴﻦ ﻣﻦ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻫﻤﺎﻻﻳﺎ ﻣﺎﻧﻌﺎً ﺃﻣﺎﻡ ﻫﺠﻤﺎﺕ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻷﻗﻮﺍﻡ ﺍﻟﻬﻤﺠﻴﺔ، ﻭﺣﺎﺋﻼ ﺩﻭﻥ ﻏﺎﺭﺍﺗﻬﻢ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻈﻠﻮﻣﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻴﻦ ﻭﺍﻟﻬﻨﺪ.. ﻭﻣﺜﻠﻤﺎ ﺃﺳﺲ ﺫﻭ ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺪ ﻓﻘﺪ ﺑُﻨﻴﺖ ﺳﺪﻭﺩٌ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺑﻬﻤﺔ ﻣﻠﻮﻙ ﺇﻳﺮﺍﻥ ﺍﻟﻘﺪﻣﺎﺀ ﻓﻲ ﺟﺒﺎﻝ ﺍﻟﻘﻔﻘﺎﺱ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻤﻀﻴﻖ ﺻﺪﺍً ﻟﻠﻨﻬﺐ ﻭﺍﻟﺴﻠﺐ ﻭﺍﻟﻐﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻣﺘﻬﻨﺘﻬﺎ ﺃﻗﻮﺍﻡُ ﺍﻟﺘﺘﺎﺭ. ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺳﺪﻭﺩ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ.

ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻷﻧﻪ ﻳﺨﺎﻃﺐ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻛﺎﻓﺔً، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺬﻛﺮ ﻇﺎﻫﺮﺍً ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻭﻳﺬﻛّﺮ ﺑﻬﺎ ﺃﺣﺪﺍﺛﺎً ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ ﻟﻬﺎ.

ﻓﻤﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻫﺬﻩ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ ﻭﺃﻗﻮﺍﻝ ﺍﻟﻤﻔﺴﺮﻳﻦ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺴﺪ ﻭﻳﺄﺟﻮﺝ ﻭﻣﺄﺟﻮﺝ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻗﺪ ﻳﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﺮﻯ ﺑﻌﻴﺪﺓٍ ﻋﻨﻬﺎ ﻭﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎﺕ ﺍﻟﻜﻼﻣﻴﺔ ﻭﻋﻼﻗﺎﺗﻬﺎ. ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﻳﻈﻦ ﺃﻥ ﺯﻣﺎﻧَﻲ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺘﻴﻦ ﻗﺮﻳﺒﺎﻥ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﺧﺒﺎﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻦ ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﻋﻘﺐ ﺧﺮﺍﺏِ ﺍﻟﺴﺪ، ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﻟﻘُﺮﺏ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻷﺟﻞ ﻧﻜﺘﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎﺕ ﺍﻟﻜﻼﻣﻴﺔ، ﺃﻱ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺪ ﺳﻴُﺪﻣّﺮ ﻓﺴﺘﺪﻣّﺮ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﺬﻟﻚ.

ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺳﺪﻭﺩ ﻓﻄﺮﻳﺔ ﺇﻟﻬﻴﺔ ﺭﺍﺳﺨﺔ ﻭﻗﻮﻳﺔ ﻻ ﺗُﻨﺴﻒ ﺇﻟّﺎ ﺑﻘﻴﺎﻡ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ، ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﺴﺪ ﺃﻳﻀﺎً ﻗﻮﻱ ﻛﺎﻟﺠﺒﺎﻝ ﻻ ﻳﺪﻙّ ﺇﻟّﺎ ﺑﻘﻴﺎﻡ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ، ﻭﺳﻴﺒﻘﻰ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮُ ﻣﻨﻪ ﻭﻳﺪﻭﻡ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻋﻤﻠﺖ ﻓﻴﻪ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﻯ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻣﻦ ﺧﺮﺍﺏ ﻭﻫﺪﻡ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥ ﺳﺪ ﺍﻟﺼﻴﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻓﺮﺩ ﻣﻦ ﻛﻠﻴﺔ ﺳﺪ ﺫﻱ ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ ﻣﺎ ﺯﺍﻝ ﺑﺎﻗﻴﺎً ﻣﺸﺎﻫَﺪﺍً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻣﺮﻭﺭ ﺃﻟﻮﻑ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ، ﻭﺇﻧﻪ ﻳُﻘﺮﺃ ﻛﺴﻄﺮٍ ﻃﻮﻳﻞ ﻛُﺘﺐ ﺑﻴﺪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺍﻷﺭﺽ، ﻳُﻘﺮﺃ ﺳﻄﺮﺍً ﻣﺠﺴﻤﺎً ﻣﺘﺤﺠﺮﺍً ﺫﺍ ﻣﻐﺰﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ.

  ﺳﺆﺍﻟﻜﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ:

ﻭﻫﻮ ﺣﻮﻝ ﻗﺘﻞ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻟﻠﺪﺟﺎﻝ. ﻓﻔﻲ «ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻷﻭﻝ ﻭﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ» ﺟﻮﺍﺏٌ ﺷﺎﻑٍ ﻟﻜﻢ ﻭﻫﻤﺎ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻻﺧﺘﺼﺎﺭ.

 * * *

 ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒْﺤَﺎﻧَﻪُ

 ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾

  ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻭﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺑﺮﻛﺎﺗﻪ

ﺃﺧَﻮﻱّ ﺍﻟﻮﻓﻴﻴﻦ ﺍﻟﺼﺪّﻳﻘﻴﻦ ﺍﻟﻤﻀﺤﻴﻴﻦ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰﻳﻦ: ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺻﺒﺮﻱ، ﻭﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻲ.

ﺇﻥ ﺳﺆﺍﻟَﻜﻤﺎ ﺍﻟﻤﻬﻢ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻤﻐﻴﺒﺎﺕ ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺧﺘﺎﻡ ﺳﻮﺭﺓ ﻟﻘﻤﺎﻥ، ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺟﻮﺍﺏ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻷﻫﻤﻴﺔ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧﻨﻲ -ﻣﻊ ﺍﻷﺳﻒ- ﺃُﻋﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ ﺭﻭﺣﻴﺔ ﻭﺃَﺣﻮﺍﻝ ﻣﺎﺩﻳﺔ.. ﺗﺤﻮﻝ ﺑﻴﻨﻲ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﺍﻟﺸﺎﻓﻲ. ﻭﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﺳﺄُﺷﻴﺮ ﺇﺷﺎﺭﺓً ﻓﺤﺴﺐ، ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻹﺟﻤﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺑِﻀﻊِ ﻧﻘﺎﻁ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻬﺎ ﺳﺆﺍﻟﻜﻤﺎ:

ﺇﻥَّ ﻓﺤﻮﻯ ﺳﺆﺍﻟﻜﻤﺎ ﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻠﺤﺪﻳﻦ ﻳﻌﺘﺮﺿﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻛﻮﻥ ﻭﻗﺖ ﻧﺰﻭﻝ ﺍﻟﻐﻴﺚ ﻭﻧﻮﻋﻴﺔ ﺍﻟﺠﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺣﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻐﻴّﺒﺎﺕ ﺍﻟﺨﻤﺲ ﻓﻴﻨﺘﻘﺪﻭﻥ ﻗﺎﺋﻠﻴﻦ: ﺇﻥ ﻭﻗﺖَ ﻧﺰﻭﻟﻪ ﻳُﻜﺸَﻒ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺍﺻﺪ ﺍﻟﺠﻮﻳﺔ، ﻓﺈﺫﻥ ﻳﻌﻠﻤﻪ ﻛﺬﻟﻚ ﻏﻴﺮُ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﺇﻥ ﺟﻨﺲ ﺍﻟﺠﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺭﺣﻢ ﺍﻷﻡ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ، ﺫﻛﺮﺍً ﻛﺎﻥ ﺃﻡ ﺃﻧﺜﻰ ﺑﺄﺷﻌﺔ ﺭﻭﻧﺘﻜﻦ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻹﻃﻼﻉ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻐﻴّﺒﺎﺕ ﺍﻟﺨﻤﺲ!

ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻭﻗﺖُ ﻧﺰﻭﻝ ﺍﻟﻐﻴﺚ ﻏﻴﺮَ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﻘﺎﻋﺪﺓ ﻣﻄّﺮﺩﺓ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺑﺎﻟﻤﺸﻴﺌﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ، ﻭﻳﺘﺒﻊ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ، ﻓﻴﻨﺰﻝ ﻣﻦ ﺧﺰﻳﻨﺔ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺩﻭﻥ ﻭﺳﺎﻃﺔ. ﻭﺇﻥَّ ﺳﺮَّ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﻫﻮ ﺍﻵﺗﻲ:

ﺇﻥَّ ﺃَﻫﻢَّ ﺣﻘﻴﻘﺔٍ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﺃﺛﻤﻦَ ﻣﺎﻫﻴﺔٍ ﻓﻴﻪ ﻫﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﺍﻟﻨﻮﺭ، ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ. ﻭﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺭﺑﻌﺔ ﻣﺘﻮﺟﻬﺔٌ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﻭﺩﻭﻥ ﻭﺳﺎﺋﻂ ﻭﺣﺠُﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻭﻣﺸﻴﺌﺘﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺤﺠﺐ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏُ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎﺕ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺗﺼﺮّﻑَ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ، ﻭﺗﺴﺘﺮ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦُ ﺍﻟﻤﻄﺮﺩﺓ ﻭﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ -ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍ ﻣﺎ- ﺍﻹﺭﺍﺩﺓَ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻭﻣﺸﻴﺌﺘَﻬﺎ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤُﺠﺐ ﻭﺍﻷﺳﺘﺎﺭ ﻟﻢ ﺗﻮﺿَﻊ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ؛ ﻟﻌﺪﻡ ﺟﺮﻳﺎﻥ ﺣﻜﻤﺔِ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻣﻮﺭ.

ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺃﻫﻢ ﺣﻘﻴﻘﺘﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﺇﻥ ﺍﻟﻐﻴﺚ ﻣﻨﺸﺄ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻣﺪﺍﺭ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺑﻞ ﻫﻮ ﻋﻴﻦُ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ، ﻓﻼﺑﺪ ﺃﻟَّﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻂ ﺣُﺠﺒﺎً ﺃﻣﺎﻣﻬﺎ، ﻭﻻﺑﺪ ﺃﻟَّﺎ ﺗﺴﺘﺮ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓُ ﺍﻟﻤﻄّﺮﺩﺓ ﺍﻟﻤﺸﻴﺌﺔَ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻴﻀﻄﺮ ﻛﻞُّ ﻓﺮﺩ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻭﻗﺖ، ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﺃﻣﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﻭﺇﻇﻬﺎﺭ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻭﺍﻟﺘﻀﺮﻉ ﻭﺍﻟﺪﻋﺎﺀ؛ ﺇﺫ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﻭﻓﻖ ﻗﺎﻋﺪﺓٍ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻻﻧﺴﺪَّ ﺑﺎﺏُ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﻭﺍﻟﺮﺟﺎﺀُ ﻣﻨﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺍﺳﺘﻨﺎﺩﺍً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻤﻄﺮﺩﺓ. ﻓﻄﻠﻮﻉُ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ، ﻷﻧﻪ ﻣﺮﺗﺒﻂٌ ﺑﻘﺎﻋﺪﺓ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﻓﻼ ﻳُﺴﺄﻝُ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻃﻠﻮﻋَﻬﺎ ﻭﻻ ﻳُﺸﻜﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻜﺮﺍً ﺧﺎﺻﺎً ﻭﻻ ﻳُﻌﺪّ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺭ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﻷﻥ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻮﺻﻠﻮﺍ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﻣﻮﻋﺪَ ﺷﺮﻭﻕ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻏﺪﺍً.

ﻭﻟﻜﻦ ﺟﺰﺋﻴﺎﺕ ﺍﻟﻐﻴﺚ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻘﺎﻋﺪﺓ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﻟﺬﺍ ﻳﻀﻄﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱُ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻭﻗﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻀﺮﻉ ﻭﺍﻟﺘﻮﺳﻞ ﺇﻟﻰ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ. ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻢُ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺤﺪﺩ ﻭﻗﺖ ﻧﺰﻭﻝ ﺍﻟﻐﻴﺚ، ﻓﻘﺪ ﺗﻠﻘﺎﻩ ﺍﻟﻨﺎﺱُ ﻧﻌﻤﺔً ﺧﺎﺻﺔ ﻻ ﺗﺼﺪﺭ ﺇﻟّﺎ ﻣﻦ ﺧﺰﻳﻨﺔ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ، ﻓﻴﺸﻜﺮﻭﻥ ﺭﺑﻬﻢ ﺷﻜﺮﺍً ﺣﻘﻴﻘﻴﺎً ﻋﻠﻴﻬﺎ. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺗُﺪﺧﻞ ﻭﻗﺖَ ﻧﺰﻭﻝ ﺍﻟﻐﻴﺚ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻐﻴﺒﺎﺕ ﺍﻟﺨﻤﺲ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺰﺍﻭﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺫﻛﺮﻧﺎﻫﺎ. ﺃﻣﺎ ﺍﻹﺣﺴﺎﺱ ﺑﺎﻷﺟﻬﺰﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺍﺻﺪ ﻋﻦ ﻣﻘﺪﻣﺎﺕ ﻭﻗﺖ ﻧﺰﻭﻟﻪ، ﻭﻣﻦ ﺛُﻢ ﺗﻌﻴﻴﻦ ﻭﻗﺘﻪ ﻓﻬﺬﺍ ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻤﺎً ﺑﺎﻟﻐﻴﺐ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﻋﻠﻢ ﺑﺎﻻﻃﻼﻉ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﻣﻘﺪﻣﺎﺕ ﻧﺰﻭﻟﻪ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻘﺘﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺑﻌﺪ ﺻﺪﻭﺭﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳُﻌﻠﻢ ﺑﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺇﺣﺴﺎﺱ ﻣﺴﺒَﻖ ﺃﺧﻔﻰ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻐﻴﺒﻴﺔ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺤﺼﻞ، ﺃﻭ ﺑﻌﺪ ﻗﺮﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺼﻮﻝ ﻭﻻ ﻳﻌﺪّ ﺫﻟﻚ ﻣﻌﺮﻓﺔً ﺑﺎﻟﻐﻴﺐ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﺮﻓﺔٌ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ، ﺃﻭ ﺑﺎﻟﻤﻘﺮّﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ.

ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻨﻲ ﺃﺷﻌﺮ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺑﺸﻌﻮﺭٍ ﻣﺮﻫﻒ ﻓﻲ ﺃﻋﺼﺎﺑﻲ، ﺑﻤﺎ ﺳﻴﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻴﺚ ﻗﺒﻞ ﻣﺠﻴﺌﻪ ﺑﺄﺭﺑﻊ ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ ﺳﺎﻋﺔ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻟﻠﻐﻴﺚ ﻣﻘﺪﻣﺎﺕٍ ﻭﻣﺒﺎﺩﺉ، ﻓﺘﻠﻚ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﺗﺒﺪﻱ ﻧﻔﺴَﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﺭﻃﻮﺑﺔ ﺗُﺸﻌِﺮ ﺑﻤﺎ ﻭﺭﺍﺀﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻴﺚ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻭﺳﻴﻠﺔً ﻟﻮﺻﻮﻝ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻛﺎﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻤﻄﺮﺩﺓ، ﺇﻟﻰ ﺃﻣﻮﺭ ﻗﺪ ﺻﺪﺭﺕ ﻋﻦ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻭﺧﺮﺟﺖ ﻣﻨﻪ ﻭﻟﻤّﺎ ﺩﺧﻠﺖ ﺑﻌﺪُ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ.

ﺃﻣﺎ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻧﺰﻭﻝ ﺍﻟﻐﻴﺚ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳﻄﺄ ﻗﺪﻣُﻪ ﻋﺎﻟﻢَ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ، ﻭﻟﻢ ﻳﺨﺮﺝ ﺑﻌﺪُ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻤﺸﻴﺌﺘﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ، ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺧﺎﺹ ﺑﻌﻠﻢ ﻋﻼﻡ ﺍﻟﻐﻴﻮﺏ.

ﺑﻘﻴﺖ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ: ﻣﻌﺮﻓﺔُ ﺟﻨﺲ ﺍﻟﺠﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺭﺣﻢ ﺍﻷﻡ ﺑﺄﺷﻌﺔ ﺭﻭﻧﺘﻜﻦ، ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻻ ﺗﻨﺎﻓﻲ ﻗﻄﻌﺎً ﻣﺎ ﺗﻔﻴﺪﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ: ﴿ﻭﻳَﻌْﻠَﻢُ ﻣَﺎ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺣَﺎﻡ﴾ (ﻟﻘﻤﺎﻥ:34) ﻣﻦ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﻐﻴﺐ. ﻷﻥ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﻻ ﻳﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﺫﻛﻮﺭﺓ ﺍﻟﺠﻨﻴﻦ ﻭﺃﻧﻮﺛﺘﻪ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩُ ﻣﻨﻪ ﻣﻌﺮﻓﺔُ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺭﺍﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ، ﻭﻫﻲ ﻣﺪﺍﺭ ﻣﺎ ﺳﻴﻜﺴﺒُﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﻦ ﺃﻭﺿﺎﻉ. ﻭﺣﺘﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔِ ﺧﺘﻢ ﺍﻟﺼﻤﺪﻳﺔ ﻭﺳﻜﺘِﻬﺎ ﺍﻟﺮﺍﺋﻌﺔ ﺍﻟﺒﺎﺩﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﻤﺎﻩ.. ﻛﻠُّﻬﺎ ﻣﺮﺍﺩﺓٌ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺑﺤﻴﺚ ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﻄﻔﻞ ﻭﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺧﺎﺹٌّ ﺑﻌﻠﻢ ﻋﻼﻡ ﺍﻟﻐﻴﻮﺏ ﻭﺣﺪﻩ، ﻓﻠﻮ ﺍﺗﺤﺪﺕ ﻣﺌﺎﺕُ ﺍﻷﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﻛﺄﺷﻌﺔ ﺭﻭﻧﺘﻜﻦ ﻟﻤﺎ ﻛﺸﻔﺖ ﺃﻳﻀﺎً ﻋﻦ ﻣﻼﻣﺢ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻓﻲ ﻭﺟﻬﻪ ﻭﺣﺪَﻩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻼﻣﺢ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻼﻣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮّﻗﻬﺎ ﻭﺗﻤﻴّﺰﻫﺎ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ ﻣﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻗﺎﻃﺒﺔ، ﻓﻜﻴﻒ ﺇﺫﻥ ﻳﻤﻜﻦ ﻛﺸﻒَ ﺍﻟﺴﻴﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺗﻪ ﻭﻗﺎﺑﻠﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺧﺎﺭﻗﺔ ﺑﻤﺌﺎﺕ ﺍﻷﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﺕ ﻋﻦ ﻣﻼﻣﺢ ﺍﻟﻮﺟﻪ!

ﻭﻟﻘﺪ ﻗﻠﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ: ﺇﻥ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻣﻦ ﺃﻫﻢ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﻟﻬﺎ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎﻡ ﻭﻣﺮﺗﺒﺔ ﻓﻴﻪ. ﻟﺬﺍ ﺗﺘﻮﺟﻪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔُ ﺍﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺩﻗﺎﺋﻘﻬﺎ ﻭﻟﻄﺎﺋﻔﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﻣﺸﻴﺌﺘﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ.

ﻭﺃَﺣﺪُ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﺫﻟﻚ ﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺃﺟﻬﺰﺗﻬﺎ ﻣﻨﺸﺄ ﻟﻠﺸﻜﺮ، ﻭﻣﺪﺍﺭٌ ﻟﻠﻌﺒﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺘﺴﺒﻴﺢ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﺗﻮﺿَﻊ ﺩﻭﻧﻬﺎ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻤﻄﺮﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺠﺐ ﺭﺅﻳﺔَ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﻻ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻂ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺮ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ.

ﺇﻥ ﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺗﺠﻠﻴﻴﻦ ﺍﺛﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺳﻴﻤﺎﺀ ﺍﻟﺠﻨﻴﻦ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ.

  ﺍﻷﻭﻝ: ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺗﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺃﺣﺪﻳﺘﻪ ﻭﺻﻤﺪﻳﺘﻪ، ﺇﺫ ﺍﻟﺠﻨﻴﻦُ ﻳﺸﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﺧﺎﻟﻘﻪ ﻭﺻﺎﻧﻌﻪ ﺑﺘﻄﺎﺑﻖ ﺃﻋﻀﺎﺋﻪ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﻭﺗﻮﺍﻓﻖ ﺃﺟﻬﺰﺗﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﻊ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﺒﺸﺮ. ﻓﺬﻟﻚ ﺍﻟﺠﻨﻴﻦ ﻳﻨﺎﺩﻱ ﺑﺼﺮﺍﺣﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ﻗﺎﺋﻼ: ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﻫﺐ ﻟﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻴﻤﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻷﻋﻀﺎﺀ ﻫﻮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊُ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﻫﺐ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸﺒﻬﻮﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﺃﺳﺎﺳﺎﺕ ﺍﻷﻋﻀﺎﺀ. ﻭﻫﻮ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺻﺎﻧﻊُ ﺟﻤﻴﻊ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.

ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻝ ﺑﻪ ﺍﻟﺠﻨﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻟﻴﺲ ﻟﺴﺎﻧﺎً ﻏﻴﺒﻴﺎً، ﺑﻞ ﻫﻮ ﻣﻌﻠﻮﻡ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﻭﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻴﻪ، ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻪ ﻳﺘﺒﻊ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﻣﻄﺮﺩﺓ ﻭﻳﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻭﻓﻖ ﻧﻈﺎﻡ ﻣﻌﻴﻦ ﻭﻳﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﻧﻮﻋﻴﺔ ﺍﻟﺠﻨﻴﻦ، ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻟﺴﺎﻥٌ ﻧﺎﻃﻖ ﻭﻏﺼﻦٌ ﻗﺪ ﺗﺪﻟﻰ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ.

  ﺍﻟﺠﻬﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﻭﻫﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻨﻴﻦ ﻳﻨﺎﺩﻱ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺳﻴﻤﺎﺀ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺗﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﺳﻴﻤﺎﺀ ﻭﺟﻬﻪ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻓﻴﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺻﺎﻧﻌﻪ ﻭﻣﺸﻴﺌﺘﻪ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻭﺇﺭﺍﺩﺗﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ. ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ﻟﺴﺎﻥ ﻏﻴﺒﻲ ﺁﺕٍ ﻣﻦ ﻫﻨﺎﻙ، ﻓﻼ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺮﺍﻩ ﺃﺣﺪ ﻗﺒﻞ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﻏﻴﺮُ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻷﺯﻟﻲ، ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻪ ﺳﻮﺍﻩ. ﻭﻻ ﻳُﻌﻠﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﻣﺸﺎﻫﺪﺓ ﺟﻬﺎﺯ ﻣﻦ ﺃﻟﻒ ﺟﻬﺎﺯ ﻣﻦ ﺳﻴﻤﺎﺀ ﺟﻨﻴﻨﻪ .

  ﺍﻟﺤﺎﺻﻞ: ﺃﻥَّ ﺳﻴﻤﺎﺀ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﻴﻦ، ﻭﺳﻴﻤﺎﺀ ﻭﺟﻬﻪ ﺩﻟﻴﻞُ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﻭﺣﺠﺔُ ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭ ﻭﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ.

ﻭﺳﺘُﻜﺘﺐ ﺇﻥ ﻭﻓﻖ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻀﻊ ﻧﻜﺎﺕ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻤﻐﻴﺒﺎﺕ ﺍﻟﺨﻤﺲ. ﺇﺫ ﻻ ﻳﺴﻤﺢ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻭﻻ ﺣﺎﻟﺘﻲ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ. ﻭﺃﺧﺘﻢ ﻛﻼﻣﻲ.

 الباقي هو الباقي

 سعيد النُّورْسي

ﺑِﺎﺳْﻤِﻪِ ﺳُﺒْﺤَﺎﻧَﻪُ

 ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾

  ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻭﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺑﺮﻛﺎﺗﻪ ﺃﺑﺪﺍً ﺩﺍﺋﻤﺎً

ﺃﺧﻲ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺼﺪّﻳﻖ ﺍﻟﻤﺘﻠﻬﻒ ﺭﺃﻓﺖ ﺑﻚ!

ﺇﻧﻚ ﺗﺴﺄﻝ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺘﻚ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﺍﻟﻌﺸﺮ، ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻧﻨﻲ ﻟﺴﺖُ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺪﺭﻳﺲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﺔ. ﻭﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻨﻘﺸﺒﻨﺪﻳﺔ ﻣﺆﻟﻔﺎﺕٌ ﺗﺨﺺّ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﺍﻟﻌﺸﺮ ﻭﺇﻥ ﻭﻇﻴﻔﺘﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻫﻲ ﺍﺳﺘﺨﺮﺍﺝُ ﺍﻷﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻭﺍﺳﺘﻨﺒﺎﻃُﻬﺎ، ﻻ ﻧﻘﻞُ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺑﻄﻮﻥ ﺍﻟﻜﺘﺐ! ﻓﻼ ﺗﻤﺘﻌﺾ ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻲ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ. ﺇِﻟَّﺎ ﺃﻧﻨﻲ ﺃﻗﻮﻝ:

ﺇﻥ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﻗﺪ ﻋﺒَّﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﺍﻟﻌﺸﺮ ﺑﺎﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺍﻟﺴﺮّ ﻭﺍﻟﺨﻔﻲ ﻭﺍﻷﺧﻔﻰ. ﻭﺫﻛﺮ ﺃﻥ ﻟﻜﻞ ﻋﻨﺼﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻷﺭﺑﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻄﻴﻔﺔً ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺔً ﻣﻼﺋﻤﺔ ﻭﻣﻨﺴﺠﻤﺔ ﻣﻌﻪ. ﻭﺫﻛﺮ ﺇﺟﻤﺎﻻ ﻋﻦ ﺭﻗﻲ ﻛﻞِّ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ، ﻭﺃﺣﻮﺍﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺴﻠﻮﻙ. ﻭﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ ﺃﺭﻯ ﺃﻥ ﻟﻄﺎﺋﻒَ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﻨﺪﺭﺟﺔٌ ﻓﻲ ﻣﺎﻫﻴﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻭﻓﻲ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻩ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﺇﻟّﺎ ﺃﻥ ﻋﺸﺮﺍً ﻣﻨﻬﺎ ﻗﺪ ﺍﺷﺘﻬﺮﺕ ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻜﻤﺎﺀَ ﻭﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻳﻴﻦ ﺃﻳﻀﺎً ﻗﺪ ﺟﻌﻠﻮﺍ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﺍﻟﻌﺸﺮ ﺃﺳﺎﺳﺎً ﻟﺤِﻜﻤﺘﻬﻢ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺃﺧﺮﻯ، ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻮﺍﺱَّ ﺍﻟﺨﻤﺲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻧﻮﺍﻓﺬُ ﺃﻭ ﻧﻤﺎﺫﺝُ ﻟﺤﻮﺍﺱَّ ﺧﻤﺲٍ ﺑﺎﻃﻨﺔ. ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﻣﺎ ﺍﺷﺘﻬﺮ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ ﻭﺍﻟﺨﻮﺍﺹ ﻣﻦ ﻟﻄﺎﺋﻒ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮ ﻣﻨﺴﺠﻤﺔٌ ﻣﻊ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﺍﻟﻌﺸﺮ ﻟﺪﻯ ﺃﺭﺑﺎﺏ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﺔ. ﻓﻤﺜﻼ: ﺍﻟﻮﺟﺪﺍﻥُ ﻭﺍﻷﻋﺼﺎﺏُ ﻭﺍﻟﺤﺲّ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻬﻮﻯ ﻭﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺸﻬﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻐﻀﺒﻴﺔ، ﺇﺫﺍ ﺃُﻟﺤﻘﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ ﺑﺎﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﺮﻭﺡ ﻭﺍﻟﺴﺮ، ﺗُﻈﻬﺮ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒَ ﺍﻟﻌﺸﺮ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﺃﺧﺮﻯ. ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻟﻄﺎﺋﻒ ﺃﺧﺮﻯ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻏﻴﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻄﺎﺋﻒ، ﺃﻣﺜﺎﻝ: ﺍﻟﺴﺎﺋﻘﺔ، ﺍﻟﺸﺎﺋﻘﺔ، ﺍﻟﺤﺲ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻮﻗﻮﻉ.

ﻓﻠﻮ ﻛﺘﺒﺖُ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻟﻄﺎﻟﺖ ﻛﺜﻴﺮﺍً، ﻟﺬﺍ ﺃﺿﻄﺮ ﺇﻟﻰ ﻗﻄﻊ ﺍﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ﻧﻈﺮﺍً ﻟﻀﻴﻖ ﻭﻗﺘﻲ.

ﺃﻣﺎ ﺳﺆﺍﻟﻚ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺒﺤﺚ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻻﺳﻤﻲ ﻭﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﺮﻓﻲ، ﻓﻤﺜﻠﻤﺎ ﺃﺷﺎﺭﺕ ﻛﺘﺐُ ﺍﻟﻨﺤﻮ ﻋﺎﻣﺔ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺎﺗﻬﺎ، ﻓﻘﺪ ﻭﺿﺤﺘﻪ ﺗﻮﺿﻴﺤﺎً ﻛﺎﻓﻴﺎً ﺑﺎﻷﻣﺜﻠﺔ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻛﺎﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺎﺕ ﻭﻳﻌﺪّ ﻣﻦ ﺍﻹﺳﺮﺍﻑ ﺍﻹﺳﻬﺎﺏ ﻓﻲ ﺍﻹﻳﻀﺎﺡ ﻟﻤﻦ ﻳﻤﻠﻚ ﺫﻛﺎﺀً ﻭﺩﻗﺔ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﻣﺜﻠﻚ.

ﻓﺈﻧﻚ ﺇﺫﺍ ﻧﻈﺮﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻧﻬﺎ ﺯﺟﺎﺟﺔٌ، ﺗﺮﻯ ﻣﺎﺩﺗَﻬﺎ ﺍﻟﺰﺟﺎﺟﻴﺔ، ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓُ ﺍﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎً ﺛﺎﻧﻮﻳﺎً، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﺼﺪُ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻴﻬﺎ، ﻓﺎﻟﺼﻮﺭﺓ ﺗﺘﻮﺿّﺢ ﺃﻣﺎﻣﻚ ﺣﺘﻰ ﺗﺪﻓﻌﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻮﻝ: ﴿ﻓﺘﺒﺎﺭﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﺣﺴﻦ ﺍﻟﺨﺎﻟﻘﻴﻦ﴾ (ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻮﻥ:14) ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﺯﺟﺎﺟﺔُ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﺃﻣﺮﺍً ﺛﺎﻧﻮﻳﺎً.

ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺗﻤﺜﻞ (ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻻﺳﻤﻲ) ﺃﻱ ﺯﺟﺎﺟﺔ ﺍﻟﻤﺮﺁﺓ ﻣﻌﻨﻰً ﻣﻘﺼﻮﺩ، ﻭﺻﻮﺭﺓُ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻴﻬﺎ (ﻣﻌﻨﻰ ﺣﺮﻓﻲ) ﻏﻴﺮ ﻣﻘﺼﻮﺩ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﺼﻮﺭﺓُ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩﺓ، ﻓﻬﻲ ﺇﺫﻥ ﻣﻌﻨﻰ (ﺍﺳﻤﻲ) ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺰﺟﺎﺝ ﻓﻤﻌﻨﻰ (ﺣﺮﻓﻲ).

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﻨﺤﻮ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﻻﺳﻢ ﺃﻧﻪ: ﻣﺎ ﺩﻝّ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻨﻰ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺤﺮﻑ ﻓﻬﻮ: ﻣﺎ ﺩﻝّ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻨﻰ ﻓﻲ ﻏﻴﺮﻩ.

ﻓﺎﻟﻨﻈﺮﺓ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺗﺠﻌﻞ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺟﻤﻴﻌَﻬﺎ ﺣﺮﻭﻓﺎً، ﺃﻱ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﻣﻌﻨﻰ ﻓﻲ ﻏﻴﺮﻫﺎ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﻟﻠﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﺍﻟﻤﺘﺠﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ.

ﺃﻣﺎ ﻧﻈﺮﺓ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﻴﺘﺔ ﻓﻬﻲ ﺗﻨﻈﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻏﻠﺐ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﺍﻻﺳﻤﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ، ﻓﺘﺰﻝّ ﻗﺪﻣﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻨﻘﻊ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ.

ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ ﻓﻼ ﻣﺘّﺴﻊ ﻟﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻛﻲ ﺃﺗﻜﻠﻢ ﻛﺜﻴﺮﺍً، ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻨﻲ ﻻ ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺃﻛﺘﺐ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﺍﻟﻤﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻬﺮﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺳﻬﻞ ﻳﺴﻴﺮ.

ﺑﻠّﻎ ﺳﻼﻣﻲ ﺇﻟﻰ ﺭﻓﻘﺎﺋﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺭﺱ ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﺧﺴﺮﻭ، ﺑﻜﺮ، ﺭﺷﺪﻱ، ﻟﻄﻔﻲ، ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻣﺼﻄﻔﻰ، ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺍﺣﻤﺪ، ﺳﺰﺍﺋﻲ، ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻭﻥ ﻭﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ، ﻭﺇﻧﻲ ﻷﺩﻋﻮ ﻟﻸﻃﻔﺎﻝ ﺍﻷﺑﺮﻳﺎﺀ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﻴﻦ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻜﻢ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ.

 الباقي هو الباقي

 ﺃﺧﻮﻛﻢ

 سعيد النُّورْسي