المسألة السابعة عشرة

ورد: أن الدنيا تسمع ظهورَ الدجال يوم ظهوره، ويسيح في الأرض أربعين يوما، وله حمار هو دابة خارقة.

هذه الروايات -بشرط صحتها- لها عدة تأويلات -والله أعلم-.

هي: أنَّ هذه الروايات تخبر إخبارا معجزا عن أن وسائط النقل والمخابرةِ ستتقدم في زمن ظهور الدجال بحيث إن حادثة واحدة تُسمَع في اليوم الواحد في أنحاء العالم كله، فيصيح الدجال بالراديو ويَسمعه الشرق والغرب، وتُقرأ الحادثة في جميع صحفه وجرائده. وأن الإنسان يستطيع أن يسيح في العالم كله في غضون أربعين يوما، فيرى قاراته السبع وحكوماته السبعين. فهذه الروايات تخبر إخبارا معجزا عن التلغراف والتلفون والراديو والطيارة قبل ظهورها بعشرة قرون.

ثم إن الدجال لا يُسمع في العالم بكونه دجالا، وإنما بصفة مَلِك وحاكم مستبد مطلق، وأن سياحته في الأرض ليست للاستيلاء على الأماكن كلها وإنما لإيقاظ الفتنة والإضلال والإغواء. أما دابته وحماره، فإما أنه القطار الذي إحدى أذنيه ورأسه مصدرُ النار كجهنم، وأذنه الأخرى مكانٌ مفروش ومزيّن كجنة كاذبة، فيرسل أعداءه إلى الرأس ذي النار ويجعل أصدقاءه في الرأس المعدّ للضيافة.. أو أن حماره ودابته سيارة عجيبة.. أو طائرة.. أو.. (يجب السكوت).

المسألة الثامنة عشرة

ورد أنه: إذا استقامت أمتي فلها يوم، أي يدوم ملكُها وحكمُها ألف سنة دواما تاما نافذا، بدلالة الآية الكريمة ﴿في يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُٓ اَلْفَ سَنَةٍ﴾ (السجدة:5). وإن عدلَت عن الاستقامة فلها نصف يوم، أي تحافظ على حكمها وسيطرتها بما يقارب خمسمائة سنة.

إن هذه الرواية -والله أعلم- ليست إخبارا عن القيامة، وإنما هي روايةٌ عن عزة الإسلام وسلطنة الخلافة. وقد تحققت فعلا وغدت حقيقةً ثابتة ومعجزة غيبية. إذ عاشت الدولة العباسية ما يقرب من خمسمائة سنة لحين فقدِ الحكام السياسيين طريق الاستقامة. إلّا أن الأمة الإسلامية بمجموعها حافظت على الاستقامة. لذلك فقد أمدّتهم الخلافةُ العثمانية، فأدامت السلطنةَ إلى ألف وثلاثمائة سنة تقريبا. ثم لما عجز السياسيون العثمانيون عن الحفاظ على الاستقامة، عاشت هي الأخرى خمسمائة سنة بالخلافة.. فصدّقت الخلافةُ العثمانية بوفاتها الإخبارَ المعجز لهذا الحديث الشريف. وحيث إننا بحثنا هذا الحديث في رسائل أخرى اختصرناه هنا.

المسألة التاسعة عشرة

إن هناك أخبارا متباينة عن المهدي الذي هو من آل البيت، وظهوره من علامات الساعة. حتى حكم قسم من أهل العلم وأهل الولاية على سبْق ظهوره.

إن تأويلا لهذه الروايات المتباينة -والله أعلم بالصواب- هو: أنَّ للمهدي الكبير مهماتٍ كثيرةً ووظائفَ عدة، فكما أن له إجراءات في عوالمَ ودوائر كثيرة كعالَم السياسة وعالم الدين وعالم السلطنة وعالم الجهاد، كذلك يحتاج أهلُ كل عصر عندما يُخيِّم عليهم اليأسُ إلى مَن هو كالمهدي ليشدّ من قواهم المعنوية، أو يحتاجون إلى ترقّبِ مجيء المهدي وظهوره لإمدادهم في ذلك الوقت. لذا ظهر من آل البيت من هو كالمهدي في كل دور بل في كل عصر برحمة من الله سبحانه، فحافَظ على شريعة جدّه الأمجد، وإحياءِ سنته المطهرة. فمثلا: ظهر المهدي العباسي في عالم السياسة والدولة، وظهر الشيخ الكيلاني والشاه النقشبند والأقطاب الأربعة والأئمة الاثنا عشر وأمثالُهم من الأفذاذ في عالم الدين والإيمان، فنفّذوا قسما من مهمات المهدي ووظائفه. فلظهور هؤلاء وقيامِهم بقسم من أعمال المهدي -التي تتوجه إلى إحياء الشريعة وسنة الرسول ﷺ- وكونِهم مدارَ نظر الرسول محمد ﷺ اختلفت الروايات الواردة بحق المهدي، فحدا بقسم من أهل الحقيقة إلى أن يقولوا: أنه ظهر في الماضي.

وعلى كل حال فقد وضّحت رسائلُ النور هذه المسألة، فنحيل إليها إلّا أننا نقول: إنه ليس في الدنيا قاطبة عُصبة متساندة نبيلة شريفة تَرْقى إلى شرف آل البيت ومنـزلتهم، وليس فيها قبيلة متوافقة ترقى إلى اتفاق قبيلة آل البيت، وليس فيها مجتمع أو جماعة منورة أنورَ من مجتمع آل البيت وجماعتهم.

نعم، إن آل البيت الذين غُذوا بروح الحقيقة القرآنية وارتضعوا من منبعها، وتنوروا بنور الإيمان وشرف الإسلام فعرجوا إلى الكمالات، وأنجبوا مئات الأبطال الأفذاذ وقدموا ألوف القوّاد المعنويين لقيادة الأمة.. لابد أنهم يُظهرون للدنيا العدالةَ التامة لقائدهم الأعظم المهدي الأكبر، وحقانيته بإحياء الشريعة المحمدية والحقيقة الفرقانية والسنة الأحمدية وإعلانها وتطبيقها وإجرائها.

وهذا الأمر في غاية المعقولية فضلا عن أنه في غاية اللزوم والضرورة، بل هو مقتضى دساتير الحياة الاجتماعية الإنسانية.

المسألة العشرون

طلوع الشمس من مغربها وظهور دابة الأرض.

أما طلوع الشمس من مغربها فهو علامة بدهية لقيام الساعة. ولبداهته أصبح معناه ظاهرا لا داعي لتفسيره، ولا حاجة إلى التأويل. إذ هو حادثة سماوية يُغلق بها بابُ التوبة المرتبط باختيار العقل.

إلّا أن هناك أمرا هو أن السبب الظاهري لذلك الطلوع -والله أعلم- هو: أنه حالما يُرفع القرآن من الأرض -الذي هو بمثابة عقلها- تفقد الأرضُ صوابها، فتصطدم -بإذنٍ إلهيّ- بكوكب سيار آخر، فتعود القهقرى عن حركتها، وتصبح دورتُها -بإرادة الله سبحانه- من الشرق إلى الغرب بدلا من الغرب إلى الشرق، وعندها تبدأ الشمس بالطلوع من مغربها.

نعم، إذا انقطعت قوةُ جاذبة القرآن الكريم الذي هو حبل الله المتين والذي يشد الأرضَ بالشمس، والفرشَ بالعرش، انحلت عرى الكرة الأرضية، فتظل تدور دورانا تائها سائبا، فتطلع الشمس من مغربها بعدم انتظام حركتها وبمعكوسيتها.

هذا، وللحديث تأويل آخر هو أن القيامة تقوم نتيجةَ التصادم بالكواكب السيارة بأمر إلهيّ مقدّر.

أما «دابة الأرض»، فإن هناك إشارة إليها في غاية الإجمال في القرآن الكريم مع كلام مختصر بلسان حالها.

أما تفصيلها فلا أعرفه الآن معرفةً جازمة وباقتناع قاطع، بمثل المسائل الأخرى. إلّا أنني أتمكن أن أقول -ولا يعلم الغيب إلا الله-:

إنه كما سلّط الله سبحانه آفةَ الجراد والقمل على قوم فرعون، وسلّط ﴿طَيْراً أَبَابِيلَ﴾ على قوم أبرهة الذين أتوا لهدم الكعبة، كذلك الذين ينساقون طوعا وعلى علمٍ بفِتَن «السفياني والدجاجلة» فيتمادون في العصيان والطغيان والفساد، ويتردون في الإلحاد والكفر والكفران والتوحش والغدر بدافع الإرهاب والفوضى التي يشيعها يأجوج ومأجوج، يخرج عليهم حيوان من الأرض -لحكمة ربانية لإعادة صوابهم- فيسلَّط عليهم ويدمِّرهم تدميرا.

إن تلك الدابة -والله أعلم- هي نوعٌ وليست فردا، لأنه لو كانت فردا وحيوانا واحدا ضخما جدا، لما بلغ كلَّ شخص في كل مكان. فهو إذن طائفة حيوانية مخيفة، وربما هي حيوان كالأرضة التي تقضم الخشب وتأكله كما تشير إليها الآية الكريمة
﴿اِلَّا دَٓابَّةُ الْاَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَاَتَهُ﴾ (سبأ:14). فهذا الحيوان أيضا يقضم عظام الإنسان وينخرها كنَخر تلك الدابة الخشبَ ويستقر في جميع أجزاء جسم الإنسان من أسنانه إلى أظفاره.

وقد أنطقت الآيةُ الكريمة تلك الدابةَ بخصوص الإيمان مشيرة: بأن المؤمنين ينجون منها ببركة الإيمان ويُمنه، وبتحرزهم من السفاهة، وتجنبهم الإسراف وسوء الأخلاق.

﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَٓا اِنْ نَسينَٓا اَوْ اَخْطَأْنَا﴾

﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾


«تتمة المسائل العشرين السابقة في ثلاث مسائل»

المسألة الأولى

لقد أُطلق في الروايات اسم «المسيح» على سيدنا عيسى عليه السلام، وأُطلق الاسم نفسه على الدجالين أيضا، كما ورد في الاستعاذة: «من فتنة المسيح الدجال». فما حكمة هذه التسمية وما تأويلها؟

الجواب: إن حكمتها -والله أعلم- هي أن عيسى عليه السلام قد رَفع -بأمر إلهي- قسما من التكاليف الشاقة التي كانت في شريعة سيدنا موسى عليه السلام، وأحلّ بعض ما تشتهيه النفوس كالخمر. كذلك يفعل الدجال الكبير، بإغواء من الشيطان وبنفوذه، فيرفع قسما من أحكام شريعة سيدنا عيسى عليه السلام فيخلّ بالروابط التي بها تُدار الحياة الاجتماعية للنصارى ممهّدا الأوضاع للفوضى والإرهاب ومجيء يأجوج ومأجوج.

وكذلك «السفياني» الذي هو دجال المسلمين يسعى لرفع قسم من الأحكام الخالدة للشريعة المحمدية (على صاحبها أفضل الصلاة والسلام) بدسائس النفس الأمارة وبمعاونة الشيطان، فيخل بالروابط المادية والمعنوية للبشرية ويُطلق النفوس الحائرة العصبية الذاهلة من عقالها لتتيهَ ضائعةً شاردة. فينقض العرى النورانية التي تربط أفراد المجتمع الإنساني كالاحترام والمحبة، ويُكره الناس على حرية هي عينُ الاستبداد، لتتصارع النفوسُ الضالة في مستنقع الأهواء والرذيلة، فاتحاً الطريقَ إلى إرهاب شنيع وفوضى رهيبة بحيث لا يمكن -في ذلك الوقت- أن ينضبط أولئك الناس إلّا باستبداد في منتهى الشدة والقسوة.

المسألة الثانية

لقد ذكرَت الروايات أعمالا خارقة يقوم بها كلا الدجالين، وعن اقتدارهما فوق المعتاد، وعن هيبتهما وعظمتهما الفائقة، حتى حدا الأمر ببعض الناس التعساء أن يسندوا إليهما شيئا من الألوهية! هكذا جاء في الروايات.. فما سبب هذا؟

الجواب: -والعلم عند الله- أما كون إجراءاتهم وأعمالهم عظيمةً وخارقة، فلأن معظمَها تسوق إلى التخريب، وتدفع إلى هوى النفس. لذا يمكنهم بكل سهولة ويُسرٍ القيامُ بأعمال فوق المعتادة، لأنها تخريب. حتى إن ما ورد في الحديث من: «يوم كسنة» أي إن ما ينجزونه في سنة واحدة من الأعمال لا يمكن إنجازها في ثلاثمائة سنة. أما سبب ظهور اقتدارهم بما هو فوق المعتاد، فإن هناك أربعة أسباب وجهات:

أولاها: إسنادهم إلى أنفسهم -ظلما وزورا وبالاستدراج- كلَ ما في حكوماتهم الهائلة المستبدة من أعمال حسنة وترقيات حصلت بقوة الجيش الشجاع والأمة النشطة، هو الذي يسبب التوهم من أن أشخاصهم لها اقتدارُ ألف شخص. علما إن القاعدة والحقيقة تقتضيان أن ما ينشأ من عمل الجماعة من المحاسن والأعمال الإيجابية والشرف والغنيمة يُقسم على أفراد الجماعة ويعود إلى أفرادها، في حين تُسند السيئات والسلبيات والخسائر والتخريبات إلى سوء إدارة رئيس الجماعة وتقصيراته.

فمثلا: إذا اقتحم فوجٌ من الجيش قلعة وفتحوها، فإن شرف الانتصار والغنائم التي يحصلون عليها تعود إلى قوة سلاحهم. أما إذا وجدت السلبيات والخسائر فإنها تعود إلى آمرهم. وهكذا -خلافا لهذا الدستور الأساسي المبني على الحق والحقيقة- ينال أولئك الرؤساء المرعبون بالاستدراج والخداع محبةَ عموم أهل الغفلة، رغم أنهم يستحقون أن يقابَلوا بكراهية الناس كلهم، وذلك لإسنادهم الحسنات والإيجابيات والتقدم إلى أنفسهم وإسناد السلبيات والسيئات والأخطاء إلى أمتهم المسكينة.

الجهة الثانية والسبب الثاني: إن كلا الدجالَين يُجريان حكمَهما باستبداد مطلق وإرهاب شديد وظلم شنيع وقسوة متناهية. لذا يبدو اقتدارا عظيما. نعم، إن إستبدادهم عجيب حتى إنهم يتدخلون -بستار القانون- إلى وجدان كل شخص وإلى مقدساته بل حتى إلى نوع ملابسه.

وأخال أن دعاة التحرر من المسلمين والأتراك -في العصر الأخير- قد أحسوا بهذا الاستبداد -بالحس قبل الوقوع- فصوبوا له سهامهم وهاجموه بشدة، إلّا أنهم انخدعوا انخداعا كليا، وأخطأوا الهدف، إذ هاجموا في غير موقع الجبهة!

أما ظلمُهم وقسوتهم فهما من الشناعة بحيث تدمر، بجريرة شخص واحد، مائة قرية. ويعاقب الأبرياء، ويهجّرون من أماكنهم ويُذلون.

الجهة الثالثة والسبب الثالث: إن كلا الدجالين يحصلان على معاونة المنظمات السرية اليهودية الحاقدة على الإسلام والنصارى حقدا شديدا، ومؤازرة منظمة رهيبة أخرى تعمل تحت ستار حرية النساء؛ حتى إن دجال المسلمين يتمكن من خداع لجان الماسونيين، فيكسب ودّهم وتأييدهم.. لذا يُتوهم أن لهم اقتدارا عظيما.

هذا ويفهم من استخراجات بعض الأولياء الصالحين: أن «الدجال السفياني» الذي سيرأس دولة الإسلام.. يجد له رئيس وزراء في غاية الاقتدار والدهاء والفعالية مع بُعدٍ عن حب الظهور، وعدم مبالاة بالشهرة والصيت.. ويجد له أيضا قائدا عاما للجيش في منتهى الشجاعة والقدرة والصلابة مع نشاط دائم وعدم اكتراث بالشهرة.. فيسخّرهما «الدجال السفياني» لغايات شخصه، ويسند إلى نفسه ما يقومان به من أعمال عظيمة ينجزانها بدهائهما، مستغلا بُعدهما عن الرياء.

وهكذا، بهذه الوسيلة يُسند إلى نفسه ما تقوم به الدولة والجيش العظيم من تجدد وانقلاب ورقي حصلوا عليه بدافع من الحاجة الناجمة من الحرب العالمية. ويدفع المدّاحين ليشيعوا في الأوساط أن في شخصه قوةً عجيبة خارقة واقتدارا فوق المعتاد.

الجهة الرابعة والسبب الرابع: يملك الدجال الكبير حواسَّ لها من التأثير والتسخير ما يشبه التنويم المغناطيسي والتأثير على الأرواح. ودجال المسلمين كذلك له في إحدى عينيه قوة تسخير مغناطيسية، حتى ورد: «أنه أعور» ملفتا الأنظار إلى عينه. ففي الحديث إشارة إلى أن الدجال الكبير أعور. والآخر إحدى عينيه ممسوحة، أي بحكم العوراء بالنسبة للأخرى، وبأنهما كافران كفرا مطلقا، فليست لهما إلّا عينٌ واحدة فقط تنحصر رؤيتها في الحياة الدنيا. أما الأخرى التي لها القدرة على رؤية العقبى والآخرة فعوراء ممسوحة.

ولقد رأيت في عالم معنويٍ دجالَ المسلمين، وشاهدت بعيني ما في إحدى عينَيه من قوةِ تسخيرٍ مغناطيسية، وعرفتُه منكِرا كليا لله. هذا الإنكارُ هو الذي يدفعه إلى الهجوم بجرأة على المقدسات، ولكن عامة الناس يجهلون الحقيقة فيظنون أنه يقوم بأعماله بجرأة فائقة وقدرة عظيمة.

إن أمة بطلة مجيدة -وهي تتجرع هزائمها- بدافع الإعجاب بالبطولة، تشيد ببطولة هذا القائد المكَّار المستدرج، الذي نال شهرة وحظا وانتصارات، وتصرِف نظرَها عن ماهيته الحقيقية، وتحاول ستر سيئاته.. فيا هلاكها!

ولكن كما نفهم من الروايات بأن نور الإيمان وضياءَ القرآن الموجود في روح الجيش البطل المجاهد والأمة المتمسكة بدينها يدفعهما إلى مشاهدة حقيقة الحال فيحاولون تعمير ما دمّره ذلك القائد من دمار مريع.

المسألة الثالثة الصغيرة

وهي حوادث ثلاث ذات عبر:

الحادثة الأولى: انطلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع رسول الله ﷺ يوما فأشار ﷺ إلى أحدهم بين صبيان اليهود، وقال: هذا صورتُه. فقال عمر رضي الله عنه: ذرني يا رسول الله أضرب عنقه. فقال ﷺ: «إنْ يكُنه فلن تسلَّط عليه -أي إن يكن هذا السفياني- وإن لم يكُن فلا خير لك في قتله». فهذه الرواية تشير إلى أن صورته ستظهر في كثير من الأشياء زمن حُكمه وإلى أنه سيولد بين اليهود.

ومن الغريب أن سيدنا عمر رضي الله عنه الذي حمل عداوة وغضبا شديدا على صورته المشاهَدة في صبي حتى أراد قتله، أصبح لدى ذلك «السفياني» أكثر مَن يُثني عليه، ويعجب به ويقدره..

الحادثة الثانية: نقل الكثيرون: أن دجال المسلمين كان متلهفا إلى معرفة معنى السورة الكريمة: «والتين والزيتون» ويستفسر عنه.

ومن الغريب أن سورة ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ (العلق:1) هي عقب هذه السورة: وفيها الآية الكريمة: ﴿كَلَّٓا اِنَّ الْاِنْسَانَ لَيَطْغٰى﴾ (العلق:6) التي تشير إلى مكانه وشخصه بالذات -بمعناها وبحساب علم الجفر- فضلا عن دلالتها على طغيانه على المصلين والمساجد. أي إن ذلك الشخص المستدرَج يشعر أن سورةً قصيرة ذاتُ علاقة به، ولكنه يخطئ فيطرق بابَ جارتِها.

الحادثة الثالثة: في رواية أن دجال المسلمين سيظهر في خراسان.

إن تأويلا لهذا -ولا يعلم الغيب إلّا الله- هو أنَّ الشعب التركي الذي هو أشجع قوم في الشرق وأقواهم وأزيدهم عددا وأكثرهم إقداما في جند الإسلام كان يقطن أطراف خراسان زمنَ تلك الرواية، ولمّا سكنوا بعدُ في الأناضول. فالرواية تشير -بذكرها موطن سكناهم في ذلك الوقت- إلى ظهور «الدجال السفياني» فيهم.

وإنه لغريب بل غريب جدا أن الشعب التركي الذي كان رمزا لشرف الإسلام وعزته، وسيفا ألماسيا ممتازا بيد الإسلام والقرآن طوال سبعمائة سنة، يسعى «الدجال السفياني» أن يستعمل -مؤقتا- هذا الشعبَ والقومية التركية ضد قسم من شعائر الإسلام. ولكن هيهات، فلا يفلح في عمل، بل يتقهقر حتما، كما يُفهم من الروايات: «أن الجيش البطل سينقذ زمامه من يده».

والله أعلم بالصواب.

ولا يعلم الغيب إلّا الله.

* * *