باسمه سبحانه

إخوتي الأعزاء الأوفياء!

إن إحدى النسختين، لي، والأخرى للمدير. صحِّحوا أخطاء النسخة الأخرى على نسختي المكتوبة بخطي.

وعندما كنت أطالع رسالة «الآية الكبرى» هذه المرة، وجدت أنها ذات قيمة عالية ولاسيما المقام الثاني والمحاورة المعنوية في الختام. وقد استفدت منها أيّما استفادة.

فلأجل أن تستفيدوا، ليقرأْها أحدُكم وليستمع إليها الآخر، وليتولى اثنان من إخواننا المطالعةَ أثناء التصحيح ولا يظلوا عاطلين عن العمل.

ثانيا: «الكلمة العاشرة» الخاصة بي والمكاتيبُ الموجودة هنا وغيرها يجب أن لا تضيع، ولا تبقى معطَّلةً عن القراءة. فلقد عهدت نظارتها ومراقبتها إلى «جيلان».

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

باسمه سبحانه

إخوتي الأعزاء الصديقين الثابتين!

أولا: إن تأجيل قضيتنا فيه خير، والخير فيما اختاره الله. فقد كان قلبي يرغب في هذا التأخير. وإطلاقُ حرية رسائل النور يستدعيه كذلك. وستوفَّقون -بهذا التأخير- إن شاء الله إلى بث السلوان فيما بينكم، وإلى تقوية الروح المعنوية، وإلى مذاكرةٍ علمية وإقامة جلسات طيبة، وإلى كتابة رسائل النور ومطالعتها وإلى إزالة نقطة الزحمة( وتحويلها إلى رحمة. وإلى تبديل هذه الساعات الفانية إلى ساعات خالدة باقية.

ثانيا: إن تهانينا بالعيد قد جرت في المنـزل المؤقت للمحكمة، لذا فأنا أُرسل إليكم حلاوة العيد وهي ماء زمزم، أتى به رائد مدينة قونية «الأخ زبير» وعسل قرية «نورس» الذي له مغزى عظيم عندي. ضعوا الماء في وعاء العسل ورجّوه جيدا ثم صبوا فيه ماء زمزم، واشربوه هنيئا مريئا.

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

باسمه سبحانه

إخواني الأعزاء الصديقين!

لقد طُرح عليّ سؤال ذو مغزى هام، من مصدر هام جدا. فقد سألوني ما يلي:

على الرغم من أنكم لستم جمعية؛ وذلك بشهادة ثلاث محاكم أصدرت حكمَها بالبراءة بهذا الصدد؛ وبعد أن أخذتْ ستُّ ولايات على عاتقها مهمةَ الرصد والتجسس طوال عشرين عاما، وتَبيّن لها في النهاية أَنْ لا علاقة لكم بتلك التهمة، وأنها مختلَقَة من أساسها.. على الرغم من ذلك كله، فإن العلاقة التي تربط «طلاب النور» بعضهم ببعض لا يوجد لها نظير في أي جمعية أو هيئة.. فهلا تفضلتم بإيضاح هذه المسألة وحل تلك المعضلة؟ فأجبتهم قائلا:

نعم، إن طلاب النور ليسوا جمعية أو شبه جمعية، ولن يكونوا.. خاصة وأنهم يربأون بأنفسهم عن أن ينتموا إلى ذلك النوع من الجمعيات التي تتشكَّل لأغراض شخصية أو جماعية، مستهدِفةً كسب المنافع السياسية أو الدنيوية -إيجابيةً كانت تلك المنافع أم سلبية- بيد أن أبناءَ وبنات وأحفاد أبطال هذا الوطن القدامى من فدائيي الإسلام، الذين قدّموا ملايين الأرواح -بكمال المسرّة والرضى- في سبيل نيل مرتبة الشهادة، لا بد أنهم قد ورِثوا حظا من روح تلك التضحية والفداء حتى أظهروا تلك العلاقة الخارقة التي دفعت أخاهم هذا العاجز الضعيف إلى القول أمام محكمة «دنيزلي»:

إن الحقيقة التي افتدتها ملايين الأبطال برؤوسهم، فداء لها رؤوسنا أيضا.

قال هذه الجملة باسمهم، وأسكت المحكمة، تاركا إياها في حيرة وتقدير وذهول.

بمعنى أن في طلاب النور فدائيين حقيقيين خالصين مخلصين لله لا يريدون إلّا وجهه ونيل رضاه والحياة الآخرة. فلم يجد الماسونيون والشيوعيون وأهل الضلالة والإفساد والزندقة والإلحاد والطاشناق وأمثالهم من المنظمات الخطرة، وسيلةً لدحر أولئك النوريين فغرروا بالحكومة ودوائر العدلية بوساطة قوانين مطاطة بغيةَ تشتيتهم وكسر شوكتهم.. ألا حبطت أعمالهم! فلا ينالون شيئا منهم بإذن الله بل سيكونون وسيلة لزيادة عدد الأبطال المضحين للنور والإيمان.

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

إخواني الأعزاء الصديقين!

سأذكر لكم ما جرى من محاورة قبل أربعين سنة، شبيهة بالتي جرت أمس:

كانت علاقة طلاب «سعيد القديم» وطيدة جدا مع أستاذهم حتى بلغت مرتبة التضحية والفداء. لذا كان «سعيد القديم» يتمكن من التصدي للفعاليات الكثيرة التي كانت تقوم بها عصابات الأرمن وفدائيو الطاشناق في حوالي مدينة «وان» و«بتليس» بل كان يُوقِفهم عند حدّهم إلى درجة ما.

وحينما وجد لطلابه بنادق الماوزر وتحولت مدرسته إلى ما يشبه المعسكر -إذ الكتب كانت جنبا إلى جنب مع البنادق- حضر قائد عسكري برتبة فريق وشاهَدَ هذا المنظر.. وقال: «هذه ليست مدرسة دينية بل ثكنة عسكرية» وأمر قائلا: «اجمعوا بنادقه» لما ساورته الشكوك من جراء حادثة «بتليس». فحصلوا منا خمس عشرة بندقية، وبعد حوالي شهرين اندلعت الحرب العالمية الأولى، فاسترجعتُ بنادقي منهم.. وعلى كل حال.. ولمناسبة هذه المواقف والأحوال سألوني:

إن عصابات الأرمن التي تملك فدائيين رهيبين تخشاكم، حتى إنها تجنبت الاحتكاك معكم وتفرقوا بعيدا عنكم لَمَّا صعدتم جبل «أرك» في «وان». تُرى ما القوة التي فيكم حتى يكون الأمر هكذا؟.

فكنت أجيبهم: إن فدائيي الأرمن الذين يقومون بهذه البطولات الخارقة، إنما يقومون بـها في سبيل الحصول على حياة دنيوية فانية، ولأجل كسب مصلحة قومية مؤقتة صغيـرة، وللحفاظ على سلامتها.. ونحن نجابه هؤلاء بالطلاب الذين يسعون في سبيل الحصول على حياة باقية خالدة، ولأجل كسب مصالح إيجابية لأمة الإسلام السامية العظيمة وقد أيقنوا بأن الأجل واحد لا يتغير. فلا شك أن هؤلاء الطلاب لا يتخلفون قطعا عن أولئك الفدائيين. (حاشية) أقول باسم إخوتي -مع عجزي- سنظهر أننا وارثي أجدادنا في البطولة والشجاعة أيضا كما أننا وارثيهم في الدين -إن لزم الأمر- بل سنتفوق كثيرا إن شاء الله. بل إذا لزم الأمر يَفْدون بحياتـهم وبأجلهم المحتوم وبعمر لا يعدو بضع سنوات ظاهرية، في سبيل الفوز بملايين السنوات من العمر الخالد، وفي سبيل الحفاظ على سلامة مليارات من الناس المؤمنين الأتقياء.. يفدونها دون تردد، وبكل فخر واعتزاز.

* * *

إخواني الأعزاء ذوي الشفقة والوفاء!

لقد اشتد عليّ منذ يومين أثر الرشحة (الزكام) سواء في رأسي وفي أعصابي. ففي مثل هذه الحالات أشعر بحاجة إلى الأُنس بالأصدقاء والتسلي بلقائهم، ولكن ضايقتني وحشةُ الانفراد والتجريد العجيب مضايقة شديدة، فورد إلى القلب شكوى على هذه الصورة.

لِمَ هذا التعذيب؟ وما فائدته لخدمتنا في سبيل القرآن والإيمان؟

وفجأةً أُخطر للقلب صباحَ هذا اليوم، الآتي:

إن دخولكم هذا الامتحان القاسي، وتمييزَكم الدقيق في المحك مرات عدة لِيخلص الذهب عن النحاس، واختبارَكم من كل جانب وناحية بتجارب ظالمة لمعرفة مدى بقاء حظوظ نفوسكم الأمارة ودسائسها ومن ثم تمحيصكم بثلاث ممحصات، كان ضروريا جدا لخدمتكم التي هي خالصة لوجه الحق والحقيقة، لذا سمح القدر الإلهي والعناية الربانية به، لأن الإعلان عن هذه الخدمة السامية، في ميدانِ امتحان كهذا، تجاهَ معارضين عنيدين ظَلَمة يتشبثون بأتفه حجة.. جَعَل الناسَ يفهمون أن هذه الخدمة القرآنية نابعة من الحق والحقيقة مباشرة، ولا تُداخلها حيلة ولا خداع ولا أنانية ولا غرور، ولا غرض شخصي ولا منافع دنيوية وأخروية، إذ ما كان عوام المؤمنين يثقون بها لولا هذا الامتحان، حيث كان لسان حالهم يقول: ربما يقولون ليغرروا بنا ويخدعونا. ويرتابُ خواص المؤمنين ويقولون: ربما يعملون هكذا وصولا إلى مقامات معينة، وكسبا لثقة الناس بهم ونيلا للإعجاب، كما يفعله بعض أهل المقامات المعنوية. وعندئذ لا يثقون بالخدمة. ولكن بعد الابتلاء، اضطر حتى أعتى عنيد مرتاب إلى التسليم بالأمر. لذا إن كانت مشقتكم واحدة فإن ربحكم ألف إن شاء الله.

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

باسمه سبحانه

إخوتي الأعزاء الصديقين!

إن إعلان الحادثة التي وقعت أثناء أسري في روسيا في الجريدة، قد زيّد من توجه الناس وإقبالهم رغم شدة المنع والسعي لتجنيب الناس عنّا. وقد قال رئيس الحراس: إن ثلاثة أشخاص رسميين قد قالوا أمس في فناء السجن وهم من المؤيِّدين لإنـزال الإهانات بنا ولاسيما بي: عندما يظهر «سعيد» من النافذة يتجمع الناس وينظرون إليه. فعليه أن لا يقف أمام النافذة، وإلّا فبدِّلوا ردهته إلى أخرى.

إخوتي!

لا تهتموا! فلقد قررتُ أن أتحمل المضايقات مهما كانت. وستتبدل -إن شاء الله- إلى أفراح ومسرات ببركة دعواتكم.

إنّ أصل تلك الحادثة صحيح. ولكن لم أفصّل في بيانها لعدم وجود شاهد لي في الحادثة. إلّا أنني لم أكن أعلم أن مفرزة من الجنود قد أتوا لإعدامي، وعلمت ذلك بعدئذٍ. ولم أعرف أيضا ما قاله القائد الروسي من كلام لإرضائي. فالنقيب المسلم الذي كان حاضرا في أثناء الحادثة والذي أَخبر «الجريدة» بها، قد فهم إذن ما قاله القائد الروسي مكررا: «معذرة».

إخوتي!

إنني كلما انشغلت برسائل النور تضاءلتْ المضايقاتُ وخفّت، بمعنى أن وظيفتنا هي الانشغال برسائل النور وعدم الاهتمام بالأمور العابرة، مع التحلّي بالصبر والتجمل بالشكر.

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

سجية تحير العقول لبديع الزمان

هذا المقال نشر في مجلة «أهل السنة» الصادرة بإسطنبول في 15 تشرين الأول 1948 بقلم صاحبها المحامي.

عندما جُرحتُ وأُسـرتُ في موضع «بتليس» في الحرب العالمية الأولى، وقع بديع الزمان أيضا في اليوم نفسه أسيرا. فأُرسل إلى أكبر معسكر للأسرى في سيبريا، وأُرسلتُ إلى جزيرة «نانكون» التابعة لـ«باكو».

ففي يوم من الأيام عندما يزور نيقولاي نيقولافيج المعسكرَ المذكور للتفتيش -يقوم له الأسرى احتراما- وعندما يمر من أمام بديع الزمان لا يحرك ساكنا ولا يهتم به، مما يلفت نظر القائد العام، فيرجع ويمر من أمامه بحجة أخرى، فلا يكترث به أيضا. وفي المرة الثالثة يقف أمامه، وتجري بينهما المحاورة الآتية بوساطة مترجم:

– أَمَا عرفني؟

– نعم، أعرفه إنه نيقولاي نيقولافيج، خال القيصر والقائد العام لجبهة القفقاس.

– فَلِمَ إذَن قَصَد الإهانة؟

– كلا! معذرة. إنني لم أستهن به، وإنما فعلت ما تأمرني به عقيدتي.

– وماذا تأمر العقيدة؟

– إنني عالم مسلم أحمل في قلبي الإيمان، فالذي يحمل الإيمان في قلبه أفضل ممن لا يحمله. فلو أنني قد قمت له احتراما لكنت إذن قليل الاحترام لعقيدتي. ولهذا لم أقم له.

– إذن فهو بإطلاقه صفةَ عدم الإيمان عليّ يكون قد أهانني وأهان جيشي وأهان أمتي والقيصَر، فلتشكَّل حالاً محكمةٌ عسكرية للنظر في استجوابه.

وتتشكل محكمة عسكرية بناء على هذا الأمر، ويأتي الضباط الأتراك والألمان والنمساويون للإلحاح على بديع الزمان بالاعتذار من القائد الروسي وطلبِ العفو منه، إلّا أنه أجابـهم بالآتي: «إنني راغب في الرحيل إلى دار الآخرة والمثول بين يدي الرسـول الكريم ﷺ، فأنا بحاجة إلى جواز سفر فحسبُ للآخرة، ولا أستطيع أن أعمل بما يخالف إيماني»

وتجاهَ هذا الكلام يُؤْثِر الجميع الصمتَ منتظرين النتيجة.

وتُنهي المحكمة أعمالَها بإصدارِ قرارِ الإعدام بموجب مادةِ إهانة القيصر والجيش الروسي. وتحضر مفرزة يقودها ضابط روسي لأخذه إلى ساحة الإعدام. ويقوم بديع الزمان إلى الضابط الروسي قائلا له بابتهاج: اسمحوا لي خمس عشرة دقيقة فقط لأؤدي واجبي.

فيقوم إلى الوضوء.. وأثناء أدائه الصلاة، يحضر نيقولاي نيقولافيج ويخاطبه: «أرجو منك المعذرة؛ كنت أظن أنكم قمتم بعملكم هذا قصد إهانتي، فاتخذتُ الإجراءات القانونية بحقكم، ولكن الآن أدركت أنكم تستلهمون هذا العمل من إيمانكم، وتنفذون ما تأمركم به عقيدتكم. لذا أبطلتُ قرار الحكم بحقكم. إنكم تستحقون كل تقدير وإعجاب لصلاحكم وتقواكم. أرجو المعذرة فقد أزعجتكم. وأكرر رجائي مرارا: أرجو المعذرة».

إن هذه العزة الدينية، وهذه السجية الرفيعة التي هي قدوة حسنة للمسلمين جميعا أخبرني عنها أحد أصحابه في معسكر الأسر، وهو برتبة نقيب، وكان شاهد عيان للحادثة.

وأنا ما إن عرفت هذا حتى اغرورقت عيناي بالدموع دون اختيار مني… (حاشية) على الرغم من أن أستاذنا لم يأمرنا بإدخال هذه الفقرة التي كتبتها الجريدة فإنها أدرجت هنا لأنها تتضمن عبرا غالية وتستجيش المشاعر وتثير الاهتمام. (خسرو)

عبد الرحيم زابسو

* * *

إخوتي!

لانقطاع شهيتي عن الطعام، ولتضرري من الهدية، أرسلتُ إليكم ما وقع لي من حصة الطعام وهي: ثلاثُ قِطَع من الدهن، وسلة من العنب، وكيس من التفاح، وعلبتان من الشاي والسكر. فقد كنت عازما على إرسال شيء ما هديةً لكم، ولكن علمت أنه لديكم منه أيضا. وقد قبلته لئلا تسخط عليّ «مدرسة الزهراء» قائلةً: لم يأكل من هديتي! بيعوا هذه المواد إلى المحتاجين بأثمان رخيصة وإلى المستحقين لأنني سأشتري بأثمانها البيض واللبن والخبز، كي تكون هدية مباركة حقا وشفاءً لي وللشارين ولمدرسة الزهراء وشُعبها وليكن «خسرو» المشرف على البيع، ويتولى «جيلان» و«حفظي» أمر البيع.

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

إخوتي الأعزاء الصديقين!

أولا: لمناسبة ما نشر في الجريدة حول حادثةِ أسرِي، أُخطر إلى قلبي الآن:

إن قائدا جبّارا للروس قد تخلّى عن حدّته وهدّأ غضبُه إزاء ما أبديتُه من عزة الإيمان، فاعتذَر. ولكن الموظفين الرسميين الذين يرون صلابة الإيمان لدروس رسائل النور القوية الخالصة والتي تفوق مائة درجة على الصلابة التي أبداها شخصي، أقول: إنْ لم تلن قلوبُهم، وأصروا على عنادهم، فلا يطهّرهم إذن إلّا نار جهنم. لأن هذا العمر القصير المحدود لا يسعه جزاء هذا الجرم العظيم. حيث إن الدهن لا يمكن أكله إذا فسد، بخلاف اللبن والحليب، نسأله تعالى أن تكون رسائل النور قد أنقذت الكثيرين منهم قبل أن يفسدوا.

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

باسمه سبحانه

إخوتي الأعزاء الصديقين!

أولا: لقد أُخطر إلى قلبي بيان معاملة محيرة وذات عبرة وقعت خلال أسري لمرتين
(في روسيا وهنا):

كنا في «قوصتورما»، في روسيا، مع تسعين من ضباطنا الأسرى في ردهة واحدة، وكنتُ أُلقي عليهم أحيانا الدرسَ. وذات يوم حضر القائد الروسي وشاهَد الموقفَ وقال: إن هذا الكردي قائدَ المتطوعين قد ذبح كثيرا من جنودنا، ويأتي الآن ويلقى دروسا سياسية هنا، لا يمكن هذا، أمنعه قطعا.

ولكن بعد يومين قال: «يبدو أن دروسكم غير سياسية، بل دينية وأخلاقية. استمر عليها» فسمح بإلقاء الدرس.

وفي أسري الثاني: منعتْ «العدليةُ» أن يَحضر عندي أحد إخوتي الخواص الذي استمعَ إلى دروسي طوال عشرين سنة، ويُحسن إلقاءَ الدرس أفضل مني. ومَنعتْ كذلك أن يأتيني من يعاونني في أموري الضرورية الخاصة كيلا يأخذ درسا مني.

والحال، أن رسائل النور لا تدع حاجة إلى تلقّي الدروس من غيرها، فضلا عن أنه لم يبق لنا درس غيرها، وليس لنا سر يُخفى.. وعلى كل حال فقد حال شيء عن ذكر هذه المسألة الطويلة.

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

باسمه سبحانه

إخوتي الأعزاء الصديقين!

تَعرض لي حالةٌ روحية مهمة لمرتين أو ثلاث، وهي حالة شبيهة بالتي دفعَتني لأنـزوي في جبَل يوشع بإسطنبول قبل ثلاثين سنة وجعلتْني أنسلّ من الحياة الاجتماعية البراقة لـ«دار الحكمة الإسلامية»، بل لم أسمح حتى ببقاء المرحوم «عبدالرحمن» معي، وهو الطالب الأول لرسائل النور وبطلُها الرائد، كي ينجزَ بعضَ أعمالي الضرورية.

تلك الحالة التي هي انقلاب روحي أظهر ماهية «سعيد الجديد».

والآن بدأتْ عندي تباشيرُ شبيهةٌ بتلك الحالة، وأعتقد أنها إشارة إلى ظهور «سعيد الثالث» الذي يكون تاركا للدنيا كليا.

بمعنى أن رسائل النور وطلابَها الغيارى سيؤدون مهماتي بدلا عني، فلم يعُد هناك حاجة إليّ. ومن المعلوم أن كل جزء من الأجزاء الجامعة لرسائل النور، وكل طالب من طلابها الثابتين يدرّس ويرشد أفضل مني وأتم.

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

باسمه سبحانه

أولا: إنني أخال -بناءً على بعض الأمارات- أن رسالة «مرشد الشباب» تعطى لها أهمية أكثر من المجموعات الأخرى لرسائل النور. فأعتقد أن ما فيها من «نكتة توحيدية في لفظ «هو» قد قصمت ظهرَ أعدائنا الزنادقة وشتتت طاغوتَ الطبيعة التي يستندون إليها. فلم يعُد لشيء ما أن يخفيه بعد أن كان التراب الكثيف يخفيه إلى حدٍ ما. إلّا أنه بعد ظهور تلك النكتة التوحيدية لا يمكن إخفاؤه في الهواء الرقيق الشفاف. بمعنى أنه لا يستطيع أن يخفى نفسه في أية جهة كانت. ليغرروا العدلية بالكفر العنادي والتمرد الارتدادي. وستصرِف رسائلُ النور بإذن الله أنظارَ العدلية إلى صالحها، وستُفشل هذا الهجومَ وتجعله بائرا.

ثانيا: إن ما نُشر في هذه الفترة، سواء في مجلة «أهل السنة» أو الجريدة المحلية هنا وكذا المقابلة الصحفية التي أجراها «زبير» بحرارة، أصبح بمثابةِ إعلان جيد للاشتغال برسائل النور. اقرأوا -بدلا مني- الأبحاث التي تخصنا وتروق لي، وأعلموني بها.

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

باسمه سبحانه

إخوتي الأعزاء الصديقين محمد ومصطفى وإبراهيم وجيلان!

أولا: لقد شاهدتُكم أمس وأنتم الأربعة في جلسة أخوية لطيفة. فسررتُ بها كثيرا وشكرتُ الله عليها. واستمعت إليها بفرح وسرور وكأنني معكم في الجلسة. ولكن شاهدت فجأة أن هناك في جهتيكم مَن يَسترِق السمع إليكم، ودام الاستماع نصف ساعة من الزمان. فقلقت وقلت في قلبي: ربما بينهم جاسوس يغيّر معاني الكلام فيجعل من الحبة قبة حيث كانوا يُلقون السمع باهتمام. ولا يتلفت إليهم الإخوة المتكلمون لعدم اهتماهم بالحذر ولمتعة الجلسة والمؤانسة التي فيها. فكتبت إليكم جوابا بهذا الشأن.

والحمد لله فقد علمتُ أن الكلام ما كان فيه ضرر، ومع هذا فالأخذ بالحذر ضروري في هذه الفترة الحرجة.

ثانيا: لقد علمت من رسالة «المَلاحق» الحاملة لحُسن ظنٍ مفرط بحقي بما يفوق حدّي مائة درجة، أنه سيكون نظير المرحوم «حسن فيضي» الذي هو رائد طلاب النور في «دنيزلي»، وسيظهر في «أفيون» بإذن الله من أمثال «حسن فيضي» الكثيرون. فلا تكون «أفيون» قاصرة عن «دنيزلي» وعندها تتبدل مشقاتُنا مسراتٍ ورحمات.

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

إخوتي!

ما كنت أهتم بالجرائد، إلّا أن نَشر مجلةُ «أهل السنة» و«سبيل الرشاد» مقالاتٍ لصالحنا، حيّرت -بلا شك- الأعداءَ الزنادقةَ والحاسدين. وقد أثار اهتمامي احتمالُ محاولة هؤلاء لإسكات أولئك الأصدقاء!

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

باسمه سبحانه

سلوان ذو حقيقة يزيل مصائبي المضجرة.

الأول: تحوُّل المشقات إلى رحمات ومسرات.

الثاني: الانشراح النابع من الرضى والتسليم لعدالة القدر الإلهي.

الثالث: السرور الناشئ من رعاية العناية الإلهية الخاصة بطلاب النور.

الرابع: اللذة الناشئة من زوال المصيبة التي هي عابرة.

الخامس: الأثوبة العظيمة.

السادس: عدم التدخل في مشيئة الله.

السابع: حصول أخف الجراحات وأقل المشقات عند أشد الهجوم شراسة.

الثامن: تضاؤل المصيبة بدرجات كثيرة بالنسبة للمبتلِيْنَ الآخرين.

التاسع: الفرح المنبعث من تأثير الإعلانات الرفيعة عن الانتهاء من الامتحان العسير في خدمة النور والإيمان.

فهذه المسرات المعنوية التسع، علاج لذيذ ومرهم لطيف إلى حدّ لا يمكن تعريفه لتهدئة آلامنا الشديدة.

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

باسمه سبحانه

أولا: إنه لَعناية إلهية أنني لم أتمكن من سماع ما قاله المدعي العام من افتراءات. وإلّا كنت أجيبه بكلام قاس.

وما قلته في المحكمة: «سأحيلك إلى المحكمة». أعني به: أحيلك إلى المحكمة الكبرى لظلمك إيانا، وإلى محكمة دنيوية لتصرفك غير القانوني.

وقصدي مِن: «ليس لي محام». أن لنا جميعا محاميا لمسألتنا الكلية التي تخصنا معا. أما الهجوم عليّ شخصيا فأنا المتكفل بالإجابة عنه.. أبلغوا هذا «أحمد حكمت».

ثانيا: إن دفاعاتنا السابقة كافية لدحض افتراءات المدعي العام.

ثالثا: لقد كَتب إليّ كل من «مصطفى عثمان» و«جيلان»، أن ما قيل في المحكمة لا يؤدي إلى تأثير سيء في وسط دائرة النور، ولا يعكر صفو القلوب قطعا. ووجدت البطل الرائد «طاهري» قد تلقى الأمر هكذا أيضا.

رابعا: أظن أن الكفر والضلالة لأنهما يهجمان علينا بشكل منظم مستندَين إلى منظمات ومؤسسات، فإن القدر الإلهي يعذبنا بظلمهم الشنيع المستند إلى المنظمات، بمعنى أن اتحاد أهل الإيمان فيما بينهم في الوقت الحاضر أمر ضروري. ونحن لجهلنا بتلك الحقيقة نتلقى صفعة تأديب عادلة من القدر الإلهي.

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

إخوتي الأعزاء الصديقين!

أولا: إن أفضل مكان لنا هو السجن في زمن حكمِ وزارة مستبدة تمنع الحج وتهدر ماء زمزم وتحظره، وتسمح بإنزال أشد الظلم بنا، ولا تكترث بمصادرة «ذو الفقار» و«سراج النور» وترفع درجة الموظفين الذين يتولون تعذيبنا قصدا، وبلا سند قانوني، ولا تُلقي السمع إلى أصواتنا المرتفعة ولا إلى بكائنا بكاءَ المظلومين المنطلقِ من مساكننا بلسان الحال. إن أفضل مكان لنا في فترة حكم هذه الوزارة هو السجن. إلّا أنه إذا نُقلنا إلى سجن آخر فستحل السلامة كليا.

ثانيا: كما أنهم حملوا أبعد الناس عنا بالإكراه على قراءة أخص الرسائل سرية. كذلك يدفعوننا دفعا وبإصرار لنشكل جمعية. لأن الأخوّة الإسلامية الموجودة في اتحاد جماعة أهل الإيمان قد نمت لدى طلاب النور نموا خالصا طاهرا مكللا بالتضحية الجادة والفداء التام الذي ورثوها عن أجدادنا الأوائل الملايين الأبطال الذين ضحوا بكمال الشوق بأرواحهم في سبيل حقيقة، فارتبط النوريون بتلك الحقيقة ارتباطا وثيقا بحيث لا يدع حاجة لحد الآن إلى تشكيل منظمات، سياسية كانت أم رسمية علنية كانت أم سرية.

إذن فهناك حاجة في الوقت الحاضر بحيث يسلط القدر الإلهي أولئك علينا، فهم يقترفون الظلم بإسناد جمعية موهومة إلينا. والقدرُ الإلهي يقول لنا: لِمَ لم تكوّنوا بإخلاص تام وبتساند تام حزبَ الله الحقيقي؟ فصفَعَنَا صفعةَ تأديبٍ بأيديهم، وقد عدل.

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

باسمه سبحانه

إخوتي الأعزاء الصديقين!

أولا: لا أجدكم بحاجة إلى السلوان، يكفي أنكم تشدون الروح المعنوية بعضكم لبعض. وتكفيني كذلك اللوحة التي تقابلني!

وقد عُلم أن هذا الهجوم الأخير ما كان إلّا ظلما وعملا غيرَ قانوني وترهيبا لم ينجم إلّا من أوهام وضعف.

فقد كانت أوضاع الناس وموقف أفراد الأمن بمثابة اعتراض على ذلك الهجوم العابث.

ثانيا: هل تكفي دفاعاتي لما تُسنَد إلينا من اتهامات؟ وهل المحامون و«زبير» يسعون في الأمر؟ ألديهم شيء من القلق؟ عليهم أن لا يقلقوا قطعا!

إن المواد التي يتهموننا بها توجِب اتهام جميع من يحمل الأخوّة الإيمانية، حتى جماعات المصلين لجميع الأئمة، وطلاب جميع المعلمين والأساتذة. بمعنى أنهم وجدوا أنفسهم أمام معارضين أقوياء فهجموا علينا هذا الهجوم بوضع الإمكانات بدل الوقوعات.

ثالثا: إن قناعتي الشخصية هي أننا يجب أن نبقى في السجن حتى الربيع. إذ من المعلوم أن الأمور تتوقف في الشتاء. وستُمدنا العناية الإلهية إن شاء الله.

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

إخوتي الأعزاء الصديقين!

أولا: الأخذ بالحذر والحيطة مع الاستشارة والثبات أمور ضرورية.

ثانيا: لقد سلمت أعمالي هنا إلى «زبير» و«جيلان»، حيث أُخطر لي إخطارا معنويا أن «زبير» بديل ابن أخي المرحوم «عبد الرحمن»، و«جيلان» بديل ابن أخي الآخر المرحوم «فؤاد».

* * *

إن الاعتداء والهجوم في هذه المرة قد شن في دائرة واسعة جدا.

فقد هاجمَنَا كل من رئيس الحكومة والوزراء؛ هاجموا وفق خطة مرسومة بنيت على أوهام رهيبة. فحسبَ ما تلقيته من خبر وبأمارات كثيرة، إن الإخباريات الكاذبة للمنافقين المتخفين، وبدسائسهم الماكرة لفّقوا لنا علاقة قوية وارتباطا وثيقا بالمنظمة الداعية إلى إحياء الخلافة الإسلامية، وبالجمعية السرية للطريقة النقشبندية. بل أظهرونا كأننا في مقدمتهم ورائدوهم. حتى ساقوا الحكومة إلى اضطراب وقلق كبير، مبينين المجموعات الكبيرة لرسائل النور المجلدة في إسطنبول والمرسَلة إلى العالم الإسلامي التي كسبت الرضى والقبول هناك دليلا على نشاط النوريين. فقذفوا في روع الحكومة الخوف والهلع وأثاروا عِرق الغيرة والحسد لدى بعض العلماء الرسميين، وهيجوا الأوهام والشكوك لدى الموظفين حتى جعلوهم ضدنا. وقد حسبوا أن هناك وثائق كثيرة وأمارات عديدة تُديننا، واعتقدوا كأن سعيدا الجديد لا يتحمل الأوضاع كما كان سعيد القديم، فيخل بالنظام. ولكن الحمد لله بما لا يتناهى من الحمد والشكر، فلقد خفف وطء تلك المصيبة من الألف إلى الواحد، فهم لم يستطيعوا أن يعثروا على أية علاقة كانت مع المنظمات والجميعات فهي غير موجودة أصلا، فكيف يجدونها؟ ولهذا اضطر المدعي العام إلى اختلاق الأكاذيب والافتراءات وإسناد أمور جزئية تافهة غير ذات مسؤولية إلينا.

فما دامت الحقيقة هي هذه، فقد نجونا إذا نحن ورسائل النور من تسع وتسعين بالمائة من المصيبة، لذا ينبغي لنا انتظار رعاية العناية الإلهية وترقبها بالشكر والصبر والتضرع لتتجلى علينا تجليا كاملا. فعلينا إذن الشكرُ بل ألف شكر وليس الشكوى وأن نمدّ يد العون إلى القادمين والمغادرين لهذه المدرسة اليوسفية وتسليتهم بدروس النور.

سعيد النُّورْسِيّ

* * *

باسمه سبحانه

أخي العزيز الصدّيق!

لقد علمت بإخطار شديد، أنك و«أحمد فيضي» قد سلكتما سلوكا خارج مسلك النور الذي هو عدم المجابهة والمبارزة وعدم الانهماك مع أهل الدنيا (السلطة الحاكمة) وعدم الدخول في أمور السياسة، والدفاع فقط عند الاضطرار القاطع؛ فما أدليتما به وقرأتماه من فقرات في المحكمة من أمور كثيرة، ومُضرّة كانت تنم عن المجابهة والمبارزة وبأسلوب سياسي، وقد ألحق أضرارا كثيرة لرسائل النور حتى ولّدت إنـزالَ العقاب بنا جميعا وإلى تشديد الخناق عليّ. فأنا لا أسخط عليك ولا على «أحمد فيضي»، ولكن كان يجب إراءته لي أولا، لقد أعطي لكما ذلك الوضع (الدفاع) كقضاء إلهي مادي، وعليكم العمل مثلي لأجل ترميمه. والألزم لـ«فيضي» ترك الدفاع السياسي بكل ما يملك من قوة، والتوجه الكلي إلى رسائل النور كـ«طاهري» ولينشغل مع الطلاب الجدد.

* * *