عريضة مرسلة إلى مجلس الوزراء

لي رجاء مهم جدا:

في خاتمة المجموعة المسماة «سراج النور» والتي تزيد عن ثلاثمائة صفحة توجد خمسَ عشرة صحيفة -وهي «الشعاع الخامس»- كُتبت منذ زمن طويل كانت سببا لصدور قرار من مجلس الوزراء بمصادرة تلك المجموعة وجمعها.

إن من الممكن إخراجَ هذا القسم الذي تُوُهِّمَ ضررُه، من مجموعة «سراج النور» التي ثبتت وتحققت فائدتُها للجميع ولاسيما لأصحاب المصائب والبلايا وللشيوخ وللذين لديهم شكوك في نواحي الإيمان، ثم السماح بما تبقى من الثلاثمائة صفحة للنشر. فباسم جميع من استفادوا من هذه المجموعة وسُرّي عنهم من أصحاب المصائب والرزايا والشيوخ وباسم جميع المحتاجين إلى الحقائق الإيمانية نرجو من مجلس الوزراء السماحَ بنشرها.

وفي مجموعة «ذو الفقار» البالغة أربعمائة صفحة والتي كُتبت قبل ثلاثين سنة للرد على فلاسفة أوروبا، وردت صفحتان فقط من تفسير آيتين حول الإرث وحول تحجب النساء.

وورد سطر واحد حول المصارف في رسالةِ «إشارات الإعجاز» التي كتبت قبل ثلاثين سنة عند تناول آيةِ:  ﴿وَاَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبٰوا﴾ (البقرة:275).

وقبل ثلاثين سنة عندما كنت عضوا في «دار الحكمة» كتبتُ جوابا لستة أسئلة تقدّم بها رئيسُ أساقفة الأنكليكان لإنكلترا إلى المشيخة الإسلامية وهناك سطر واحد فقط في هذه الإجابة لا يسمح به القانون المدني الحالي.

إننا نرجو منكم إعادةَ مجموعةِ «ذو الفقار» إلينا والمصادَرةِ بحجةِ وجود صفحتين وسطر واحد فقط فيها قيل إن القانون المدني الحالي لا يسمح به. مع أن هذه الرسالة قوبلت في العالم الإسلامي باستحسان كبير وأَثبتت عمليا فوائدها الكبيرة لأنها برهنت بشكل رائع على ثلاثة أركان إيمانية، فطلَبُ إعادتها إلينا من حقنا، ذلك لأنه إنْ وجدت خمسُ كلمات ممنوعة في رسالة ما تُحذف تلك الكلمات ويُسمح بنشر باقي الرسالة، لذا فنحن نطلب ضمان هذا الحق القانوني المهم لنا. وباسم جميع من يخدم القرآن والإيمان ويسعى إلى تحقيق الأمن والنظام ويخدم هذا الوطن وهذه الأمة عن طريق رسائل النور نطالبكم بإنقاذنا من الظلم الواقع علينا من الذين يجعلون من الحبة قبة.

ثم إن رسالة «الهجمات الست» التي كتبتُها قبل ثمانية عشر عاما في ساعةِ غضب وحدّة لِتعرضي إلى ظلم شديد.. هذه الرسالة لم أرها منذ ذلك الوقت أبقيتُها سِرّية خاصة ولم أسمح بنشرها، ومع أنها وقعت في أيدي ثلاث وأربع محاكم، إلّا أن هذه المحاكم إعادتها إلى أصحابها.

سعيد النُّورْسِيّ


«رسالة شكر»

باسمه سبحانه

رسالة شكر أقدّمها إلى هيئة الخبراء في ديوان رئاسة الشؤون الدينية، أبين فيها «ثلاث نقط» لأُعِينَهم بها على تصحيح انتقادات جزئية وردت في تدقيقاتهم وأُجيب عنها بوضوح.

النقطة الأولى

إنني أُقدم شكري إلى أولئك العلماء الأفاضل بثلاث جهات. فأنا ممتنّ لهم بصفتي الشخصية:

أولاها: قيامهم بتلخيص ثلاث عشرة رسالة من مجموعة «سراج النور» -مما سوى رسالة «الشعاع الخامس»- تلخيصا يبعث على التقدير والإعجاب.

ثانيتها: ردّهم لما دار عليه اتهامنا وهو: إنشاء طريقة صوفية، تشكيل جمعية، والإخلال بأمن البلاد.

ثالثتها: تصديقهم لدعواي في المحكمة، وهو ما قلته أمام المحكمة: إذا وجد شيء من الذنب فإنه يعود لي، فطلاب النور بريئون منه، ولقد سعوا في سبيل النور إنقاذا لإيمانهم. فأولئك الخبراء ينقذون أيضا طلاب النور ويبرّئون ساحتهم ويسندون الذنوب إليّ. وأنا بدوري أقول لهم: ليرضَ الله عنهم. إلّا أنهم جعلوا كلا من المرحوم «حسن فيضي» والمرحوم «الحافظ علي» وأشخاص من أمثال هذين الشهيدين ووارثيهم شركاء بذنوبي. لذا فقد أخطأوا في هذه الجهة. لأن أولئك الميامين سابقون في خدمة الإيمان وليسوا شركاء في الذنوب، وهم بريئون من أخطائي وذنوبي وقد أرسلَتْهم العنايةُ الإلهية مُعينين لي رأفةً بضعفي.

النقطة الثانية

لقد اعترض أولئك الخبراء على رواياتٍ في «الشعاع الخامس» فقالوا عن بعضها ضعيفة وعن أخرى موضوعة، وخطّأوا تأويل قسم منها. وقد كتب الادعاءُ العام لمحكمة «أفيون» تقريره في ضوء ذلك، بينما أثبتنا واحدا وثمانين خطأً من أخطائه في قائمةٍ تبلغ خمس عشرة صفحة. فليطلع الخبراء الأفاضل على تلك القائمة.

نقدم أدناه نموذجا منها:

لقد قال المدعي: جميعُ تأويلاته مغلوطة، والروايات إما أنها موضوعة أو ضعيفة.

ونحن نقول:

إن التأويل يعني أن هذا المعنى ممكنٌ مرادُه من هذا الحديث، أي يحتمل هذا المعنى. أما ردّ إمكان واحتمالِ ذلك المعنى -حسب علم المنطق- فيكون بإثبات محاليته. بينما شُوهِد ذلك المعنى عيانا، وتحقق فعلا فردٌ من كلية الطبقة الإشارية لمعنى الحديث، لذا لا يُعترض على ذلك المعنى قطعا، لأن الحديث قد أَظهر بلمعةِ إعجازٍ غيبي ذلك المعنى وأَشهدَ له هذا العصرَ. علاوة على ذلك فقد أثبتنا في تلك القائمة أخطاءَ المدعي من ثلاثة وجوه:

أحدها: أنَّ الإمام أحمد بن حنبل الحافظ لمليون من الأحاديث الشريفة، وكذا الإمام البخاري الحافظ لخمسمائة ألف حديث، لم يجرؤا على نفي تلك الروايات على إطلاقها. علما أن إثبات نفيها غير ممكن منطقيا، وأن المدعي نفسه لم يطلع على جميع كتب الأحاديث النبوية، وأن الأكثرية العظمى لأمة الإسلام في كل عصر قد انتظروا رؤية معاني تلك الروايات، أو فردا من كليةِ معانيها، بل إن تلك المعاني قريبة من تلقي الأمة بالقبول، وقد برز في الواقع أفراد منها بذاتهم وشُوهِدوا عيانا..

لذا فإن إنكار تلك الروايات إنكارا كليا خطأٌ من عشر جهات.

الوجه الثاني: أن الرواية الموضوعة تعنى أنها ليست حديثا مسندا عن فلان وعن فلان. ولا يعنى أن معناها خطأ. ولما كانت الأمة قد تلقتها بالقبول، ولاسيما أهل الحقيقة والكشف، وقسم من أهل الحديث وأهل الاجتهاد، بل انتظَروا تحقيق معانيها، فلابد أن لتلك الروايات حقائق متوجهة إلى العموم كما هي في الأمثال المضروبة.

الوجه الثالث: أني أسأل: هل هناك مسألة أو رواية لم يُعترض عليها في كتاب لعلماء مختلفين في المشارب والمذاهب. فمثلا: إن إحدى الروايات التي تذكر مجيء دجالين في الأمة هي هذا الحديث الشريف: «لن تزال الخلافة في ولد عميصِنْوِ أبيالعباس حتى يسلمّها إلى الدجال».

هذا الحديث الشريف يخبر عن فتنة «جنكيز خان» و«هولاكو»، وأن دجالا سيظهر بعد خمسمائة سنة وسيهدم الخلافة.. وأمثالها من الروايات الكثيرة التي تخبر عن أشخاصِ آخر الزمان، وعلى الرغم من ذلك فقد رفض بعض أهل المذهب الميامين أو ذوو الأفكار المفرطة هذه الرواياتِ. وقالوا: إنها رواية ضعيفة أو موضوعة..

وعلى كل حال. إن سبب اقتصاري على ما ذكرت مما ينبغي أن يطول هو حدوث زلزلتين هنا في الساعة التي كنت أكتب هذا الجواب، مثلما حدث أربع زلازل وقت شن الهجوم على رسائل النور وطلابها. والأمر على النحو الآتي:

هو توافق حدوث زلزلتين أثناء ما كنت أعاني من ألَم جراء عمليات جراحية أجراها تقرير الخبراء الذي سُلِّم لي مساءً فضلا عن الحزن الذي غشاني من الانفراد وعدم اللقاء مع الآخرين.

نعم، لقد تسلمتُ تقرير الخبراء لرئاسة الشؤون الدينية بعد بقائي ثمانية شهور في السجن الانفرادي ومقاساتي المضايقات الشديدة، وإذ أنا منتظر أن يكونوا لي معينين، إذا -في الصباح- أجد أنهم يعززون ادعاء المدعي، حيث ورد: «إن سعيدا قال: إن الزلازل الأربع الماضية هي من كرامات رسائل النور.

فمثلما كتبتُ في القائمة، أقول: إن رسائل النور من نوع الصدقة المقبولة التي تكون وسيلة لدفع المصائب، فمتى ما هوجمت تجد المصائبُ الفرصةَ سانحة أمامها فتنـزل، وأحيانا تغضب الأرض بالزلزال.فما إن عزمتُ على كتابة هذا، وقع زلزالان هنا (حاشية) حدث هذا الزلزال في 18/9/1948 ضحوة يوم الجمعة. باسم طلاب النور في سجن أفيون  

(خليل، مصطفى، محمد فيضى، خسرو).  مما حملني على ترك كتابة ذلك البحث، لذا ننتقل إلى النقطة الثالثة.

النقطة الثالثة

يا علماءنا المدققين المنصفين ذوى الحقيقة!

لقد دأب أهلُ العلم -منذ القديم- على عادة فيما بينهم، وهي وضعهم تقريظا وثناءً -وأحيانا مبالَغ فيه- نهايةَ مؤلَّفٍ جيد جديد. وفي الوقت الذي يبدي المؤلِّف امتنانه لأولئك المقرّظين لا يُتهم حتى من قبل منافسيه أنه يدّعي الإعجاب وحبَّ الظهور. لذا فإن كتابة عدد من طلاب النور الخواص الخالصين -كالمرحوم حسن فيضى والشهيد الحافظ علي- تقاريظَ بناءً على عجزي وضعفي وغربتي وعدمِ وجود الأهل والأقارب وإزاءَ هجوم أعداء كثيرين ظَلَمة وحثاً للمحتاجين إلى النور، وعدَّ تلك التقاريظ نوعا من الغرور والإعجاب بالنفس، رغم إحالتي ما يخصني من المدح والثناء إلى رسائل النور، ورغم عدم ردّي له ردا كليا.. أقول إنني لم أستطع أن أوفق بين تلقيكم ذلك المدح أنه إعجاب بالنفس وبين ما تحملونه من دقة علمية وتعاون رؤوف وإنصاف.. لذا فأنا متألم من هذا. علما أن أصدقائي الخالصين أصحاب التقاريظ لم تخطر ببالهم السياسةُ وشؤونها.

ولا يقال لقولهم: إن رسائل النور في هذا الزمان يصدق عليها معنى فرد وجزئي من المعنى الإشاري الكلى، لأن الزمان يصدّق ذلك. ولنفرض أن هذا الكلام مبالَغ فيه كثيرا أو خطأ، فهو خطأ علمي ليس إلّا. فكل شخص يستطيع أن يكتب قناعته الشخصية. وأنتم أدرى بالأفكار المتباينة والقناعات المختلفة في كتب الشريعة التي دوّنها أصحابُ المذاهب الاثني عشر ولاسيما أصحابُ الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية وما يقرب من السبعين من فرق دائرة علماء الكلام وأصول الدين. والحال أنه لم يأت زمان نحن في أمس الحاجة فيه إلى اتفاق علماء الدين وعدم خوضهم في مجادلات فيما بينهم مثل هذا الزمان. فنحن مضطرون إلى نبذ الاختلاف في الأمور الفرعية وعدم جعلها مدار المناقشات.


ثلاثة أسئلة أوجهها للعلماء المنصفين من الخبراء

الأول

شخص يُثني على آخرَ بنية خالصة، أيكون الشخص المثنى عليه مسؤولا، وبخاصة إن كان المثنى عليه لا يرضى بالثناء بكل قوته ويحيله إلى غيره؟ إلّا أنه لم يوبخ ذلك الصديق الحميم لئلا ينفر منه بل اكتفى بالقول: إن هذا الثناء فوق حدّي بمائة درجة. فهل يُعدّ سكوته هذا إعجابا بالنفس وتحرّيا للمصلحة الذاتية؟..

السؤال الثاني

في غمرة الهجوم العنيف الذي يُشَن على الدين حاليا، إذا ما أبدى أحد طلاب النور العاشقين للحقيقة قناعته الشخصية الخاطئة، بخطأ علمي جزئي لا ضرر فيه، هل يستحق هذه الإهانة والاستخفاف؟ علما أن هناك مسائل دينية تقدّر بضخامة الشُّم الرواسي.

وبينما يَنتظر ذلك المثنىّ عليه تذكيرا شفيقا من علماءَ وأساتذة من أمثالكم على ذلك الخطأ، أَوَ يجوز عقابه من قبل العدلية؟

السؤال الثالث

إن رسائل النور التي تصدت منذ عشرين سنة لأعتى المعارضين الذين لا يحصيهم العد وأنقذت إيمانَ مئات الألوف من الناس وآزرت إيمانَهم. أيليق انتقادكم لها في مسألة أو مسألتين فيها؟

إني أذكّر أولئك العلماء الأفاضل: أنهم انتقدوا المقدمة التي يستهل بها بحث الثناء لأحمد فيضي، وكأنني قد أثنيتُ بها على نفسي، علما أن تلك المقدمة هي ردّي لذلك الثناء ورفعه. وقد رفعتُ فعلا قسما منه وصححت القسم الآخر، ولكن لضرورة الاستعجال لم أتمكن من إكماله، فأرسلت المقدمة كاملة إلى أحد إخوتي، وهم بدورهم وضعوها في موضعها من ذلك البحث الذي اتخذناه بحثا خاصا جدا. ولكن أثناء إرسالهم لها إلى أخ آخر قَبضتْ عليها الحكومة.

فيا ترى إن تقريظا علميا وخاصا جدا، وهو بحث نابع عن قناعة وجدانية ولا يتداول إلّا بين أصدقاء ليقوموا بتصحيحه تصحيحا كاملا هل يستحق هذا الاعتراض الشديد؟

ثم إن جمعَ رسائل خاصة للتهنئة والحث على العمل، والقيام بتجليدها حفاظا عليها، في مجلد أو مجلدين، حصلت عليها الشرطة أثناء التحري، هل يمكن استخراج الأحكام من مثل هذه الرسائل، ثم تكون محورَ سؤال وجواب ومن ثم محاولة إلصاقها بالسياسة. أَوَ يحتاج الأمر إلى هذا.. وما أشبه هذا الأمر بمن لا يرى ثعابين مَرَدة تهاجم القرآن لكنه في الوقت نفسه ينشغل بلسع البعوض! أليس الأمر هكذا؟

إنّ ترك «سراج أوغلو» الذي يعدّ الدين والتربية المحمدية سما زعافا، والانشغال بمجموعة «سراج النور» التي تبين الحقيقة واضحة كالشمس وهى البلسم الشافي لجراحات الإنسانية جمعاء، ولاسيما الاحتجاج بوجود تأويلات لأحاديث ضعيفة في رسالة في ختامها، ألا يكون عونا على مصادرتها؟

إننا مع عدم امتعاضنا من انتقاداتكم الجزئية ننتظر منكم أيها العلماء الأفاضل ضمادا لجراحاتنا وتكونوا أعوانا لنا بقوة فراستكم.

الموقوف

سعيد النُّورْسِيّ


باسمه سبحانه

مقدمة

«الفقرات المذكورة أدناه»

لغرض تقديم شيء من المساعدة إلى محكمة التمييز الموقرة التي فسختْ لصالحنا قرارَ إدانتنا من قِبَل محكمة «أفيون» وأوردت دلائل صائبة ذات حقيقة، نشير -باختصار- إلى قسم من أخطاء وردت في القرار المذكور، فندرج أدناه تلك الفقرات المستلة من الرسائل الخاصة السرية، التي عدّتها المحكمةُ ذنبا لإدانتنا. فنبين أخطاءهم ونضع الذين أدانونا في موضع المسؤولية.

فمثلا: لقد كتبوا في ختام القرار ما يشبه قائمة تضم جميع ذنوبي لأجل إنزالِ أشد العقوبات بي:

«نذكر مما رفضه سعيد النُّورْسِيّ من مواد: إلغاء السلطنة والخلافة».

فهذا خطأ وسهو في الوقت نفسه، لأن ما كتبتُه في لمعة «الشيوخ» هو الآتي: «لقد أحزنتني وفاة سلطنة الخلافة» وقد أجبتُ عن استفسار محكمة «أسكي شهر» قبل خمس عشر سنة عن هذا جوابا ألزمَهم الصمت. فالذي يَعدّ خاطرة لا أهمية لها ذنبا، ومرت عليها هذه المدة المديدة، ونالت من قرار العفو والبراءة ما نالت.. أقول إن الذي يعدّها ذنبا هو الذي يكون مذنبا.

ولأجل إسناد هذا الذنب الموهوم، ذكر القرار ما أوردتُه في إحدى اللمعات وفي رسالة «المعجزات الأحمدية» على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، الحديث الشريف الآتي: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون مُلكا عَضوضا وفسادا وجبروتا».

وقد كتبتُ في رسالة قديمة أن هذا الحديث الشريف يبين ثلاث معجزات غيبية مستقبلية ولكن جاء في القرار كأنه ذنب اقترفته: «إن سعيدا قد قال في رسالة: سيكون فسادا وجبروتا بعد الخلافة».

يا أعضاء هيئة الخبراء السطحيين!

إن الذي يعدّ بيان إعجاز حديث شريف يخبر بإشارة غيبية عن حادثة ستقع في زماننا هذا يسري دمارها في الأرض كلها، وعن فساد عظيم مادي ومعنوي يدب في البشرية كافة.. أقول إن من يعدّ هذا ذنبا هو المذنب مادة ومعنى.

وكتبوا أيضا «ومن ذنوبه: أنه يعدّ المنجزات الثورية (حركات الانقلاب) بدعةً وضلالةً وإلحادا، فيَعدّ إغلاق التكايا والزوايا والمدارس الدينية، وإقرار العلمانية، ووضع أسس القومية بديلا عن مبادئ الإسلام، وفَرْضَ لبس القبعة، ورفع الحجاب، وفرض كتابة الحروف اللاتينية بديلا عن الحروف القرآنية، وأداء الأذان والإقامة باللغة التركية، وإلغاء دروس الدين في المدارس، ومنح المرأة حقوقا في الميراث كالرجل، وإلغاء تعدد الزوجات، وأمثالها من الأعمال.. يعدّ كل ذلك بدعة وضلالة وإلحادا.. فلا شك أنه متهم بالرجعية».

يا أعضاء هيئة الخبراء العديمي الإنصاف!

إنْ كان بمقدوركم إنكار ما يأمر به القرآنُ الكريم الذي هو إمام سماوي مقدس لثلاثمائة مليون في كل عصر، ويضم مناهج سعاداتهم جميعا، وهو الخزينة المقدسة الحاوية على أسرار الحياتين الدنيوية والأخروية، يأمر في كثير من آياته الكريمة بصراحة تامة بما لا يحتمل التأويل، بالحجاب وقواعد الميراث ويسمح بتعدد الزوجات، ويدعو إلى ذكر الله، ويحث على تدريس علوم الدين ونشرها والحفاظ على الشعائر الدينية.. وإن كان بمقدوركم إدانة جميعِ مجتهدي الإسلام والقضاة وشيوخ الإسلام.. وإن كان بمقدوركم إنكار تقادم الزمان على تلك الرسائل وقرار عدة محاكم لها بالبراءة وقوانين العفو الصادرة بحقها وإنكار وجه سريتها وخصوصيتها.. وإن كان بمقدوركم رفع حرية الضمير والمعتقد وحرية الفكر من البلاد ومن الحكومات.. وإنكار كون مخالفة تلك الرسائل مخالفة فكرية وعلمية فحسب.. أقول إنْ كان بمقدوركم هذا فاعتبروني مذنبا بتلك الأمور. وإلّا تكونوا أنتم المذنبون الرهيبون في محكمة العدالة والحق والحقيقة.

سعيد النُّورْسِيّ


(فقرة أدلينا بها وكتبتها المحكمة بإعجاب وحيرة ضدنا مع أنها ضدهم)

«وأنا أقول لمحكمة وزارة العدل الموقرة!

إن إدانة مَن يفسّر أقدسَ دستور إلهي وهو الحق بعينه، ويحتكم إليه ثلاثمائة وخمسون مليونا من المسلمين في كل عصر في حياتهم الاجتماعية، خلال ألف وثلاثمائة وخمسين عاما. هذا المفسر استند في تفسيره إلى ما اتفق عليه وصدَّق به ثلاثمائة وخمسون ألف تفسير، واقتدى بالعقائد التي دان بها أجدادُنا السابقون في ألف وثلاثمائة وخمسين سنة.. أقول: إن إدانة هذا المفسر قرارٌ ظالم لابد أن ترفضه العدالةُ، إن كانت هناك عدالة على وجه الأرض، ولابد أن تردّ هذا الحكم الصادر بحقه وتنقضه».


(فقرة كتبتها المحكمة في قرارها بإعجاب وتقدير وكأنها تكون مادة ضدنا، والحال أنها تدينهم.)

يبحث سعيد النُّورْسِيّ في «المكتوب السادس والعشرين» عن نفسه ويقول:

«إن في أخيكم هذا الفقير ثلاث شخصيات كل منها بعيدة عن الأخرى كل البعد، بل بعدا شاسعا جدا.

أولاها:  شخصية مؤقتة خاصة خالصة لخدمة القرآن وحده، بكوني دلّالاً لخزينة القرآن الحكيم السامية. فما تقتضيه وظيفةُ الدعوة إلى القرآن والدلالةِ عليه من أخلاق رفيعة سامية ليست لي، ولا أنا أملكها. وإنما هي سجايا رفيعة يقتضيها ذلك المقام الرفيع وتلك الوظيفة الجليلة. فكل ما ترونه من أخلاق وفضائل من هذا النوع فهي ليست لي، وإنما هي خاصة بذلك المقام، فلا تنظروا إليّ من خلالها.

الشخصية الثانية:  حينما أتوجه إلى بابه تعالى وأتضرع إليه، يُنعم عليّ سبحانه بشخصية خاصة في أوقات العبادة بحيث إن لتلك الشخصية آثارا ناشئة من أساس معنى العبودية، وذلك الأساس هو معرفة الإنسان تقصيرَه أمام الله وأدراكُ فقره نحوه وعجزِه أمامه والالتجاءُ إليه بذل وخشوع، فأرى نفسي بتلك الشخصية أشقى وأعجز وأفقر وأكثر تقصيرا أمام الله من أي أحد كان من الناس، فلو اجتمعتْ في ذلك الوقت الدنيا برمّتها في مدحي والثناء عليّ لا تستطيع أن تقنعني بأنني صالحٌ وفاضل.

ثالثتها: هي شخصيتي الحقيقية، أي شخصيتي الممسوخة من «سعيد القديم» وهي عروق ظلت من ميراث «سعيد القديم». فتُبدي أحيانا رغبةً في الرياء وحب الجاه وتبدو فيّ أخلاق وضيعة مع المبالغة في الاقتصاد إلى حدّ الخسة حيث إنني لست سليل عائلة ذات جاه وحسب.

فيا أيها الأخوة!

لن أبوح بكثير من المساوئ الخفية لهذه الشخصية ومن أحوالها السيئة، لئلا أنفّركم عني كليا.

وقد أظهر سبحانه وتعالى عنايته الرحيمة فيّ بحيث يسخّر شخصيتي هذه التي هي كأدنى جندي، في خدمة أسرار القرآن التي هي بحكم أعلى منصب للمشيرية وأرفعها. فله الحمد والمنة ألف ألف مرة.

فالنفس أدنى من الكل، والوظيفة أسمى من الكل.

الحمد لله.. هذا من فضل ربي.


(هذه جملة سجّلتها المحكمة في القرار بتخوف شديد ضدنا والحال أن تلك الجملة الشديدة التي كُتبتْ قبل خمس عشرة سنة قد عدّلت إلى هذه الصيغة.)

«إخوتي! مراعاةً لمشاعر الأبرياء والشيوخ، لا تثأروا لي ممن يقتلني ظلما، فحسبهم عذاب القبر والسَقر».

ينبغي أن تحملهم هذه الفقرة السابقة على الإنصاف:

«إنكم ترون أن لنا خلافا ومعارضة كلية معكم، ومعاملاتُكم القاسية شاهدةٌ على ذلك. فأنتم تضحون بدينكم وآخرتكم في سبيل دنياكم. ونحن بدورنا مستعدون على الدوام للتضحية بدنيانا في سبيل ديننا، وفي سبيل آخرتنا، وهذا هو سر المعارضة التي بيننا حسب ظنكم.

ولا جرم أن التضحية ببضع سنين من حياتنا التي تمضي في ذل وهوان في ظل حُكمكم القاسي قساوةَ الوحوش لنكسِبَ بها شهادة خالصة في سبيل الله، تُعدّ ماءَ كوثر لنا. ولكن استنادا إلى فيض القرآن الحكيم وإشاراته، أُخبركم يقينا بالآتي لترتعدَ فرائصُكم:

إنكم لن تعيشوا بعد قتلي، فإن يدا قاهرة ستأخذكم من دنياكم هذه التي هي جنتكم وأنتم مغرمون بها، وتطردكم عنها، وتقذف بكم فورا إلى ظلمات أبدية، وسيُقتل بعدي رؤساءكم الذين تَنمرَدوا وطغَوا قِتلة الدواب، ويُرسَلون إليّ، وسأمسك بخناقهم أمام الحضرة الإلهية، وسآخذ حقي منهم بإلقاء العدالة الإلهية إياهم في أسفل سافلين.

أيها الشقاة الذين باعوا دينهم وآخرتهم بحطام الدنيا!

إن كنتم تريدون أن تعيشوا حقا فلا تتعرضوا لي ولا تمسّوني بسوء، وإن تعرضتم فاعلموا أن ثأري سيؤخذ منكم أضعافا مضاعفة.. اعلموا هذا جيدا ولترتعدْ فرائصكم!

وإني آمل من رحمة الله سبحانه أن موتي سيخدم الدين أكثر من حياتي، وأن وفاتي ستنفلق على رؤوسكم انفلاقَ القنبلة، وستشتت رؤوسَكم وتبعثرها.

فإن كانت لكم جرأة، فتعرّضوا لي، فلئن كان لكم ما تفعلونه بي، فلتَعلمُنّ أن لكم ما تنتظرونه وتلاقونه من عقاب.