القسم الثاني

خلاصة مختصرة لسورة «الفاتحة»

من درس واحد فقط أُلقي في المدرسة اليوسفية الثالثة في فترة قصيرة جدا أثناء نقلي من التجريد والسجن الانفرادي إلى الردهة العامة ومعاشرة الآخرين.

نموذج لدرس قصير جدا أُلقي على طلاب النور في السجن

لقد أَمرت «الفاتحة» التي في الصلاة، القلبَ لبيان قطرة من بحرها ولمعة من فيوضات الألوان السبعة لشمسها. ولقد كتبنا نكات لطيفة في غاية الطِيب والجمال لهذه الخزينة القرآنية السامية في كل من المكتوب التاسع والعشرين -في قسم منه- وبخاصة في السياحة الخيالية في «ن» نعبد وفي رسالة «الرموز الثمانية»، وفي تفسير «إشارات الإعجاز» وفي سائر أجزاء رسائل النور. إلّا أنني اضطررت -من جهة- إلى كتابة تفكري في الصلاة لإشارات تلك الخلاصة القرآنية الطيبة إلى أركان الإيمان وحججه فقط ولخلاصتها التي هي في منتهى الاختصار كالقسم الأول.

أبدأ بـ«الحمد لله» محيلا ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ إلى عدد من رسائل النور.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعَالَمينَ * اَلرَّحْمٰنِ الرَّحيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدّينِ * اِيَّاكَ نَعْبُدُ وَاِيَّاكَ نَسْتَعينُ * اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاطَ الَّذينَ اَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّٓالّينَ﴾ آمين.

الكلمة الأولى: وهي ﴿اَلْحَمْدُ لله

إن إشارة في منتهى الاختصار إلى حجتها الإيمانية هي:

أن مبعث الحمد والشكر في الكون؛ هو الآلاء والنِعَم التي تُغدَق قصدا ولاسيما إرسال اللبن الخالص السائغ للشاربين من بين فرث ودم للصغار والأطفال العاجزين، والإحسانات والهدايا الاختيارية، والإكرامات والضيافات الرحيمة التي غطت سطح الأرض برمّته، بل غمرت الكونَ كله، وأن ما يقدّم لها من أثمان وقدْر لقيمتها هي قول: «بسم الله» بدءاً ثم «الحمد لله» ختاما؛ وبينهما الإحساس بالإنعام من خلال النعمة نفسها، ثم البلوغ منه إلى معرفة الرب الجليل. فانظر إلى نفسك بالذات وإلى معدتك وإلى حواسك؛ كم هي محتاجة إلى أمور كثيرة ونِعم وفيرة! وكم تطلب الأرزاق واللذائذ والأذواق بأثمان الحمد والشكر! أَبْصِر هذا وقِس على نفسك كل ذي حياة.

وهكذا فإن الحمد غير المتناهي المنطلق بألسنة الأحوال والأقوال؛ إزاء هذه الآلاء الشاملة؛ يبين كالشمس الساطعة ربوبيةً عامة وموجوديةَ معبودٍ محمودٍ ومُنعمٍ رحيم.

الكلمة الثانية: وهي ﴿رَبِّ الْعَالَمينَ﴾

إن إشارة مختصرة جدا إلى ما فيها من حجة هي: أننا نشاهد بأبصارنا أن في هذا الكون ألوفَ العوالم والأكوان الصغيرة، بل ملايين منها، وأغلبها متداخل بعضها في البعض؛ وبرغم أن إدارة كل منها وشرائطَ تدبير شؤونها متباينة، فإنها تُدار في منتهى التربية والتدبير والإدارة. فالكون كله صحيفة مبسوطة أمام نظره جل وعلا في كل آن، وجميع العوالم تُكتب كسطر بقلم قدرته وقَدَره، وتُجدَّد وتُغيَّر.فتنبعث شهاداتٌ كلية وجزئية وبعدد الذرات والموجودات الحاصلة من تركّبها، وفي كل لحظة وآن، على وجوب وجود ربّ العالمين ووحدانيته، الذي يدير هذه الملايين من العوالم والكائنات السيالة بربوبية مطلقة ذات علم وحكمة لانهاية لهما وذات عناية ورحمة وسعتا كلَ شيء.

إن من لا يصدّق بربوبية جليلة تربّي وتدبّر الأمور؛ ابتداءً من مزرعة الذرات إلى المنظومة الشمسية وإلى دائرة درب التبانة؛ ومن حجيرة في الجسم إلى مخزن الأرض وإلى الكون كله، تربّيها وتدبّر شؤونها بالقانون نفسه وبالربوبية نفسها وبالحكمة عينها، ولا يستشعر بها ولا يدركها ولا يشاهدها، يجعل نفسه بلا شك أهلا لعذاب خالد ويسلب عنه الإشفاق والرحمة عليه.

الكلمة الثالثة: وهي ﴿اَلرَّحْمٰنِ الرَّحيمِ﴾

إن إشارة مختصرة جدا إلى ما فيها من حجة هي: أنه يُشاهَد بوضوح ضوء الشمس وجودُ الرحمة غير المتناهية في الكون وحقيقتُها. فهذه الرحمة الواسعة تشهد شهادة قاطعة -كشهادة الضياء على الشمس- على رحمن رحيم محتجب بستار الغيب.

نعم، إن قسما مهما من الرحمة هو الرزق، حيث يُعطى معنى الرزاق لاسم الله «الرحمن». والرزقُ نفسه يدل على الرزاق الرحيم دلالة واضحة إلى درجة تجعل مَن له ذرة من شعور مضطرا إلى التصديق والإيمان.

فمثلا: إنه سبحانه يهيئ أرزاق جميع ذوي الحياة، ولاسيما للعاجزين وبخاصة للصغار، وهم منتشرون على الأرض كافة والفضاء كله، يهيئها لهم بصورة خارقة وهى خارج نطاق اختيارهم واقتدارهم، من غير شيء؛ من نوىً متماثلة، من قطرات ماء، من حبّات تراب. حتى إنه يسخّر للفراخ الضعاف العاجزة عن الطيران والجاثمة في أوكارها على قمم الأشجار، أمهاتِها وكأنها جندية متأهبة لتلقي الأوامر، فتجول الخضار وتجوب السواقي لجلب الأرزاق إليها. بل يسخّر اللبؤةَ الجائعة لشبلها، فتُطعمه مما حصلت عليه من لحم دون أن تأكل. ويُرسل من بين فرث ملوّث ودم أحمر لبنا سائغا للشاربين، إلى صغار الحيوانات والإنسان، يرسله من ينابيع الأثداء، بلا اختلاط ولا امتزاج ولا تلوث، جاعلا شفقة والداتهم مُعينةً لهم.

وكما أنه يُهرِع الأرزاقَ الملائمة إلى جميع الأشجار المحتاجة إلى نوع من الرزق بصورة خارقة، يُنعم على مشاعر الإنسان التي تطلب نوعا من أرزاق مادية ومعنوية؛ ويُحسن لعقله وقلبه وروحه مائدةً واسعة جدا من الأرزاق. حتى كأن الكائنات مئات الألوف من موائد النعم المتداخلة ومئات الألوف من سفرات الأطعمة المتباينة، مكتنفٌ بعضها ببعض كأوراق الزهرة وكأغلفة العرانيس، غلافا داخل غلاف. فتدل لمن لم يطمس على عينه، على الرحمن الرزاق والرحيم الكريم بألسنة بعدد تلك السُفرات المبسوطة وبمقدار ما عليها من أطعمة، ألسنة متباينة متغايرة كلية وجزئية.

وإذا قيل: إن ما في هذه الدنيا من المصائب والقبائح والشرور تنافي تلك الرحمة التي وسعت كل شيء؛ وتعكّر صفوها!

الجواب: لقد أوفت جوابَ هذا السؤال الرهيب أجزاءُ رسائل النور؛ ولاسيما «رسالة القدر». نحيل إليها مشيرين إشارة قصيرة إليه:

إن لكل عنصر ولكل نوع ولكل موجود؛ وظائفَ متعددة كلية وجزئية؛ ولكلٍ مِن تلك الوظائف نتائج كثيرة وثمرات وفيرة. والأكثرية المطلقة منها هي نتائج جميلة ومصالح نافعة وخيرات ورحمات. وقسم قليل منها يصبح شرا وقبحا جزئيا وظاهريا وظلما إزاء فاقدي القابلية والمباشرين به خطأً، أو المستحِقين للجزاء والتأديب، أو لما يكون وسيلة لإثمار خيرات كثيرة. فلو مَنعت الرحمةُ ذلك العنصرَ وذلك الموجودَ الكلي عن القيام بتلك الوظيفة للحيلولة دون مجيء ذلك الشر الجزئي، لَمَا حصلت إذن جميعُ نتائجها الخيّرة الجميلة الأخرى. فتحصل من الشرور والقبائح بعدد تلك النتائج، حيث إن عدم الخيرِ شرٌ، وإفسادَ الجمال قبحٌ. بمعنى أن مئاتٍ من الشرور والمظالم تُقترف للحيلولة دون مجيئ شرٍّ واحد، وهذا مناف كليا للحكمة والمصلحة والرحمة التي تتسم بها الربوبية.

مثال ذلك: أن الثلج والبَرد والنار والمطر وماشابهها من الأنواع ينطوي كلٌ منها على مئاتٍ من الحكم والمصالح، فإذا ما قام أحدُ المهمِلين بسوء اختياره بارتكاب شر بحق نفسه كأن أدخل يده في النار ثم قال: ليس في خَلقِ النار رحمة، فإن فوائد النار الخيّرةَ الرحيمة -النافعة وهي لا تعد ولا تحصى- تكذّبه في قوله وتصفعه على فمه.

ثم إن أهواء الإنسان ومشاعره السفلية التي لا تَرى العقبى؛ لا تكون -قطعا- مقياسا ومحكّا وميزانا لقوانين الرحمانية والحاكمية والربوبية الجارية في الكون؛ إذ يَرى الوجودَ من خلال تلك المشاعر حسب ألوان مرآته. فالقلب المظلم الخالي من الرحمة يَرى الكائناتِ باكية قبيحة تتمزق بين مخالب الظلم وتتقلب في خضم الظلمات. بينما لو أبصرها ببصر الإيمان يجدها على صورة إنسان كبير متسربل بسبعين ألف حُلّة قشيبة مَخِيطة بالرحمات والخيرات والحِكَم، بعضُها فوق بعض كأنها حورية من الجنة لَبِست سبعين حلّة من حللها. ويجدها باسمةً دوما بالرحمة ضاحكةً مستبشرة. ويُشاهِد نوعَ الإنسان الذي فيه كونا مصغرا، وكلَّ إنسان عالما أصغر، فيقول من أعماق قلبه وروحه:

﴿اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعَالَمينَ * اَلرَّحْمٰنِ الرَّحيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدّينِ﴾

الكلمة الرابعة: وهي ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدّينِ﴾

إن إشارة مختصرة جدا إلى ما فيها من حجة هي:

أولا: إن جميع الدلائل المشيرة على الحشر والآخرة والشاهدةِ على حجةِ «وإليه المصير» في ختام القسم الأول من هذا الدرس، تشهد كذلك على الحقيقة الإيمانية الواسعة التي تشير إليها ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدّينِ﴾.

ثانيا: كما أن ربوبية صانع هذا الكون ورحمتَه الواسعة وحكمتَه السرمدية، وكذا جمالُه وجلالُه وكمالُه الأزلي الأبدي، وكذا صفاتُه الجليلة المطلقة ومئات من أسمائه الحسنى، تستدعي كلها الآخرة قطعا -كما قيل في ختام الكلمة العاشرة- كذلك القرآن الكريم بألوف من آياته وبراهينه.. وكذا الرسول الكريم محمد ﷺ بمئات من معجزاته وحججه.. وكذا جميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام.. وكذا الكتب السماوية والصحف المقدسة بدلائلها غير المحدودة، تشهد جميعا على الآخرة.

وبعد، فمَن لا يؤمن بالحياة الباقية في الدار الآخرة إنما يقذف نفسه في جهنمَ معنويةٍ يُنشِئُهَا الكفر، فيقاسي العذاب دوما، ولمّا يزل في الدنيا، حيث تُنْـزِل الأزمنةُ الماضيةُ جميعُها والمستقبلة والمخلوقات والكائنات بزوالها وفراقها مطرَ السَّوء على روحه وقلبه فتذيقه آلاما لا حدّ لها وأعذِبةً كعذاب جهنم قبل أن يَدخلها في الآخرة. كما وُضِّح ذلك في رسالة «مرشد الشباب».

ثالثا: نشير برمز ﴿يَوْمِ الدّينِ﴾ إلى حجة عظيمة وقوية للحشر. ولكن حالة فجائية معينة سبّبت في تأخير تلك الحجة إلى وقت آخر. وربما لم تبق حاجة إليها بعد؛ لأن رسائل النور قد أَثبتت بمئات الحجج القوية القاطعة أن مجيء صبحِ الحشر وحلولَ ربيعِ النشور يقينٌ كمجيء النهار عقب الليل ومجيء الربيع عقب الشتاء.

الكلمة الخامسة: وهي ﴿اِيَّاكَ نَعْبُدُ وَاِيَّاكَ نَسْتَعينُ﴾

قبل الإشارة إلى ما فيها من حجة، ورَدَ إلى القلب بيانُ سياحةٍ خيالية ذات حقيقة بيانا موجزا بناءً على إيضاح «المكتوب التاسع والعشرين» لها، وهي كالآتي:

بينما كنت أبحث عن معجزات القرآن، كما هو مبين في رسائل النور، ولاسيما في تفسير «إشارات الإعجاز» وفي رسالة «الرموز الثمانية». وحينما وجدتُ بضع معجزات حول الإخبار الغيبي في آية الختام لسورة الفتح؛ والمعجزة التاريخية في الآية الكريمة ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ﴾ (يونس:92) بل وجدتُ لمعاتِ إعجازٍ متعددةً في كثير من كلمات القرآن ونكاتٍ إعجازيةً دقيقة في بعض حروفه.. في هذه الأثناء وأنا أقرأ سورة الفاتحة في الصلاة ورد إلى قلبي سؤال؛ ليعلّمني معجزةً من معجزات «ن» التي في «نعبد. ونستعين».

والسؤال هو: لِمَ قال: ﴿نعبد.. نستعين بنون المتكلم مع الغير، ولم يقل «أعبد.. أستعين»؟

وعلى حين غرة فُتح أمام خيالي ميدانُ سياحة واسعة من باب تلك الـ«ن». فعلمتُ بدرجة الشهود السرَّ العظيم في صلاة الجماعة، وشاهدت منافعها الجليلة وعلمت يقينا أن هذا الحرف الواحد معجزة بذاتها، وذلك:

عندما كنت أصلى في ذلك الوقت في جامع «بايزيد» وأثناء قولي: ﴿اِيَّاكَ نَعْبُدُ وَاِيَّاكَ نَسْتَعينُ﴾ رأيت أن جماعةَ ذلك الجامعِ يؤيدون دعواي هذه بقولهم مثل ما أقول؛ ويشاركونني مشاركة تامة في دعواي هذه وفي دعائي الذي في ﴿إهدنا﴾ مصدِّقين إياي.. في هذا الوقت بالذات رُفع ستارٌ من أمام خيالي فرأيت كأن مساجد إستانبول كلها قد تحولت إلى «مسجد بايزيد» كبير وجميع المصلين فيها يقولون مثلي: ﴿اِيَّاكَ نَعْبُدُ وَاِيَّاكَ نَسْتَعينُ﴾ مصدّقين دعواي ومؤَمّنين على دعائي. ومن خلال اتخاذهم صورة شفعاء لي، رُفع ستار آخر أمام خيالي، فرأيت أن العالم الإسلامي قد اتخذ صورة مسجد عظيم جدا وأخذت مكةُ المكرمة والكعبة المشرّفة بمثابة محراب ذلك المسجد العظيم وقد يمّم جميعُ المصلين الصافين المتراصين وجوهَهم بشكل حلقات شطرَ ذلك المحراب المقدس وهم يقولون مثلي: ﴿اِيَّاكَ نَعْبُدُ وَاِيَّاكَ نَسْتَعينُ * اِهْدِنَا.. وكلٌ منهم يصدّق الكلَ ويدعو باسمهم، جاعلا جميعَ المصلين شفعاء له.

وحينما كنت أفكر أن طريقا يسلكها جماعة عظيمة إلى هذا الحد لا تكون طريقا عوجا قطعا ولا تكون دعواها إلّا صوابا، ولا يُردُّ دعاؤها بل تطرد شبهات الشيطان.. وإذ أنا أصدّق منافع الصلاة العظيمة في جماعة تصديقا شهوديا، رُفع ستارٌ آخر، ورأيت:

كأن الكون مسجد كبير وجميع طوائف المخلوقات منهمكة في صلاة جماعية كبرى، ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبيحَهُ﴾ (النور:41)، يؤدي نوعا من صلاة خاصة به بلسان الحال، إيفاءً لعبودية واسعة عظيمة جدا إزاء ربوبية المعبود الجليل المحيطة، فيصدّق كلٌ منهم شهادةَ الجميع على التوحيد بحيث يحصل كل منهم على إثبات النتيجة نفسها. وإذ كنت أشاهد هذه الأمور، رُفع ستار آخر، ورأيت:

كما أن الكون الذي هو إنسان كبير يقول بلسان الحال وبلسان الاستعداد والحاجة الفطرية لكثير من أجزائه، وبلسان المقال لذوي الشعور من موجوداته: ﴿اِيَّاكَ نَعْبُدُ وَاِيَّاكَ نَسْتَعينُ﴾ مُظهِرين عبوديّتهم لخالقهم إزاء ربوبيته الرحيمة، كذلك جسدي، هذا الكون الصغير، كجسد كل مصلٍّ معي في تلك الجماعة العظمى يقول بذراته وبقواه وبمشاعره أيضا:  ﴿اِيَّاكَ نَعْبُدُ وَاِيَّاكَ نَسْتَعينُ﴾ بلسان الطاعة والحاجة، إزاء ربوبيةِ خالقه، منقادا للأمر الإلهي مستسلما لإرادته سبحانه، ورأيت أن تلك الجماعة من الذرات والقوى والمشاعر تَعرِض في كل آن حاجَتها إلى عناية خالقها الجليل وتبسطها أمام رحمته وإعانته. وشاهدتُ بإعجابٍ السرَّ الرفيع للجماعة في الصلاة، وأبصرت المعجزةَ الجميلة لـ«ن» نعبد. واستودعت تلك السياحة الخيالية لدى باب «ن» الذي دخلتها منه. وحمدتُ الله قائلا: الحمد لله. وسعيت لأقول ﴿اِيَّاكَ نَعْبُدُ وَاِيَّاكَ نَسْتَعينُ﴾ بلسان تلك الجماعات الثلاث، أولئك الأصدقاء الكبار والصغار.

والآن انتهت المقدمة، ونرجع إلى ما نحن بصدده. وهو إشارة مختصرة إلى الحجة التي تشير إليها  ﴿اِيَّاكَ نَعْبُدُ وَاِيَّاكَ نَسْتَعينُ﴾.

أولا: إننا نشاهد بأبصارنا فعاليةً وخلاقية مَهِيبتين دائمتين وفي أتم انتظام وانسجام تَجريان في الكون بأسره ولاسيما على سطح الأرض. ونشاهد ربوبية مطلقة رحيمة مدبِّرة ضمن هذه الفعالية والخلاقية تستجيب لاستعاناتٍ واستغاثات تنطلق مما لا يُحد من ذوي الحياة غير المحدودة واستمداداتِها ودعواتِها الفعلية والحالية والقولية استجابةً تتسم بكمال الحكمة ومنتهى العناية. ونرى تجلياتِ ألوهيةٍ مطلقة ومعبودية عامة ضمن هذه الربوبية وضمن مظاهر استجابةِ كلِّ كائن حي على حدة استجابةً فعلية لمقابلة ألوف الأنماط من العبادات الفطرية والاختيارية التي تؤديها جميع المخلوقات ولاسيما ذوي الحياة وبخاصة طوائف الإنسان، يراها العقل السليم ويبصرها الإيمان. كما تخبر عنها جميع الكتب السماوية والأنبياء الكرام عليهم السلام.

ثانيا: إن انشغال كل جماعة من الجماعات الثلاث المذكورة في المقدمة، بما ترمز إليه «ن» نعبد؛ انشغالَها جميعا ومعا بعبادات فطرية واختيارية وبأشكال مختلفة تدل بالبداهة على أنها مقابَلةٌ شاكرة إزاء ألوهيةٍ معبودة وشهاداتٌ قاطعة لا حد لها على وجود
المعبود المقدس.

وإن لكل جماعة من الجماعات الثلاث المذكورة ولكل طائفة من طوائفها، ولكل فرد من أفرادها ابتداءً من مجموع الكون كله إلى جماعةِ ذراتِ جسد واحد، استعانةً فعلية وحالية، ولكل منها دعاء خاص بها كما يرمز إلى ذلك «ن» نستعين. فالسعي لإعانة كل منها وأغاثتِها واستجابةِ دعائها، شهادةٌ صادقة لا تقبل الشبهة قطعا على مدبِّرٍ رؤوفٍ رحيمٍ.

فمثلا: مثلما ذَكرتْ «الكلمة الثالثة والعشرون»: أن استجابة الأنواع الثلاثة للأدعية التي تدعو بها جميع المخلوقات على الأرض كافةً، استجابةً خارقة جدا ومن حيث لا يحتسب، تشهد شهادة قاطعة على ربّ رحيم مجيب…

نعم، كما أننا نشاهد بأبصارنا استجابةَ دعاءِ كلِّ نواة وكل بذرة تسأل خالقها بلسان الاستعداد لتصبح شجرة وسنبلة. كذلك نشاهد إرسالَ الأرزاق إلى جميع الحيوانات التي تقصر أيديها عنها، وإعطاءَها ما يلزم حياتها، واستجابةَ مطاليبها التي هي خارجة عن طوقها؛ والتي تسألها من واحدٍ أحدٍ بلسان الحاجة الفطرية.

فهذه الاستجابات والإمدادات تشهد شهادة صادقة على خالق كريم يستجيب لجميع تلك الأدعية المنطلِقة بلسان الحاجة الفطرية، كما نشاهدها بأم أعيننا؛ ويَدفع مخلوقاتٍ عجيبة لا شعور لها لإمداد تلك الحيوانات في أنسب وقت و في أتم حكمة.

وهكذا فقياسا على هذين القسمين؛ فإن استجابةَ جميع أنواع الأدعية التي تُسأل بلسان المقال؛ ولاسيما أدعية الأنبياء عليهم السلام والخواص، استجابةً خارقة، تشهد على حجة الوحدانية التي في ﴿وَاِيَّاكَ نَسْتَعينُ﴾.

الكلمة السادسة: وهي ﴿اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ﴾.

إن إشارة في منتهى الاختصار إلى حجتها هي:

كما أن أقصر الطرق المؤدية من مكان إلى آخر هي الطريق المستقيم، وأن أقصر الخطوط الممتدة بين نقطة وأخرى بعيدةٍ عنها هو الخط المستقيم؛ كذلك إن أصوبَ طريق في المعنويات وفي الطرق المعنوية وفي المسالك القلبية وأكثرَها استقامة هي أقصرُها وأيسرها. فمثلا: إن جميع الموازنات والمقايسات المعقودة في رسائل النور بين طريق الإيمان والكفر تبيّن بيانا قاطعا أن طريق الإيمان والتوحيد أقصرُ الطرق وأصوبُها وأيسرها وأكثرها استقامة، بينما طرق الكفر والإنكار طويلة جدا وذات مشكلات ومخاطر. فلاشك أن هذا الكون الذي يُساق في طريق ذات استقامة وحكمة -وهي أقصر الطرق وأسهلها في كل شيء- لا يمكن أن تكون فيه حقيقة الشرك والكفر. بينما حقائق الإيمان والتوحيد واجبة وضرورية في هذا الكون ضرورةَ الشمس فيه.

وكذا فإن أيسر الطرق في الأخلاق الإنسانية وأنفعَها وأقصرها وأسلمها هي في الصراط المستقيم وفي الاستقامة.

فمثلا: إذا فَقدتْ القوة العقلية الحدَّ الوسط، وهو الحكمة والاستقامة، التي هي سهلة نافعة، تهوي بالإفراط والتفريط في خبٍ مضر وبلاهةٍ ذات بلية، فتعاني المهالك في طرقها الطويلة. وإن لم تسلك القوةُ الغضبية طريقَ الشجاعة التي هي حد الاستقامة، هوت بالإفراط في تهور وتجبّر ذي أضرار بالغة وظلم شنيع، وبالتفريط إلى كثير من التخوف والتجبن المذلّ المؤلم، فتعاني عذابا وجدانيا دائما جزاءً لما ارتكبت من خطأ أَفْقَدها حدَّ الاستقامة. وما في الإنسان من قوة شهوية إذا ضَيَّعت طريق الاستقامة السليمة والعفة تهوي بالإفراط في الفجور والفحش ذات المصائب، وبالتفريط في الخمود، أي الحرمان من أذواق النعم ولذائذها؛ فتعاني آلام ذلك المرض المعنوي.

وهكذا قياسا على ما ذُكر؛ فإن الاستقامة هي أنفع طريق وأسهلها وأقصرها من بين جميع الطرق المسلوكة في حياة الإنسان الشخصية والاجتماعية. وإذا ما فقد الإنسان الصراط المستقيم فإن تلك الطرق تكون طويلة جدا وذات بلايا كثيرة ومصائب وأضرار.

بمعنى أن ﴿اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ﴾  دعاءٌ جامعٌ وعبودية واسعة؛ كما أنها إشارة إلى حجة في التوحيد وإلى درس في الحكمة وتعليم الأخلاق.

الكلمة السابعة: وهي ﴿صِرَاطَ الَّذينَ اَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾.

إن إشارةً قصيرة إلى ما فيها من حجة هي:

أولا:  مَن المقصود في ﴿عليهم؟

تفسّره الآية الكريمة: ﴿فَاُو۬لٰٓئِكَ مَعَ الَّذينَ اَنْعَمَ اللّٰهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِينَ وَالصِّدّيقينَ وَالشُّهَدَٓاءِ وَالصَّالِحينَ﴾ (النساء:69) إذ تُبيِّنُ الطوائف الأربع الذين نالوا في النوع البشري نعمةَ سلوك طريق الاستقامة؛ مشيرة بـ﴿النَّبِينَ﴾ إلى سيدهم محمد عليه السلام، وبـ﴿وَالصِّدّيقينَ﴾ إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وبـ﴿وَالشُّهَدَٓاءِ﴾ إلى عمر وعثمان وعلي. فالآية الكريمة تخبر عن الغيب وتبين لمعةَ إعجازٍ بأن الذين يأتون بعد الرسول ﷺ، الصديقُ رضي الله عنه ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم أجمعين، سيُستَشهدون ويتولّون الخلافة.

ثانيا: إن هذه الطوائف الأربع الذين هم أصدقُ نوعِ البشر وأقومهم سلوكا وأرفعهم شأنا، قد دَعوا بكل ما أوتوا من قوة وبما لا يعد ولا يحصى من الحجج والمعجزات والكرامات والأدلة والكشفيات إلى حقيقة التوحيد، وصدَّقَ دعواهم أغلبُ البشر منذ سيدنا آدم عليه السلام. فلاشك أن تلك الحقيقة حقيقة قاطعة كقطعيةِ ثبوتِ الشمس، لذا فإن اتفاق هذا الجمّ الغفير من خِيرة البشرية ممن أَظهروا صدقهم وعدلهم بمئات الألوف من المعجزات والحجج التي لاتحد؛ وإجماعَهم في المسائل الإيجابية كالتوحيد ووجوب وجود الخالق؛ لَهُوَ حجة قاطعة تزيل كل شبهة.

نعم، إن الحقيقة الجليلة التي آمَنَ بها أولئك الطوائف الأربع المذكورون الذين يمثلون أقومَ نوع البشر الذي هو النتيجة المهمة لخلق الكون وخليفةُ الأرض؛ وأجمعُ الأحياءِ استعدادا وأرفعها شأنا؛ بل هم أصدق مرشديهم المصدقين، وأئمتهم في الكمالات. هؤلاء أخبروا بالإجماع والاتفاق عن تلك الحقيقة التي آمنوا بها واعتقدوا بها اعتقادا جازماً بحق اليقين وبعلم اليقين وبعين اليقين. واطمأنوا إليها اطمئنانا لا يتزعزع مُظهِرين الكون بموجوداته جميعا دليلا. تُرَى أَلَا يرتكبُ جنايةً لا تحد مَن ينكر و لا يَعرف هذه الحقيقةَ الجليلة.. ألا يستحق عذابا خالدا؟!

الكلمة الثامنة: وهي ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّٓالّينَ﴾.

فهذه إشارة قصيرة إلى ما فيها من حجة:

إن تاريخ البشرية والكتبَ المقدسة، يخبر بالاتفاق إخبارا قاطعا وبصراحة تامة، استنادا إلى التواتر وإلى الحوادث الكلية الثابتة والمعارف البشرية والمُشاهَدات الإنسانية، أن استجابة استمدادات الأنبياء عليهم السلام وهم أصحاب الصراط المستقيم استمدادا غيبيا فوق المعتاد في ألوف من الحوادث، وإنجازَ مطاليبهم بذاتها، ونـزولَ الغضب والمصائب السماوية بأعدائهم الكفار في مئات من الحوادث، تدل دلالة قاطعة لا ريب فيها على أن لهذا الكون ولنوع الإنسان الذي فيه؛ ربا حاكما عادلا محسنا كريما عزيزا قهارا؛ قد مَنح من لدنه النصرَ المؤزّر والنجاة الخارقة لأنبياء كرام كثيرين أمثال نوح وإبراهيم وموسى وهود وصالح عليهم السلام في حوادث تاريخية واسعة، وأَنـزل في الوقت نفسه مصائبَ سماوية مرعبة في الدنيا على أقوام ظَلَمةٍ كَفَرة أمثال ثمود وعاد وفرعون إزاء عصيانهم الرسلَ.

نعم، إن تيارَين عظيمين قد جريا متصارعَين في البشرية منذ زمن آدم عليه السلام.

الأول: هم أهل النبوة والصلاح والإيمان الذين نالوا النعمة وسعادة الدارين بسلوكهم الصراط المستقيم؛ فانسجمت بسلوكهم القويم أعمالُهم وحركاتهم مع جمال الكون الحقيقي ونظامه وتناسقه وكماله؛ لذا نالوا ألطاف رب العالمين؛ وسعادة الدارين؛ وأصبحوا السبب في رفع الإنسان إلى مراتب الملائكة بل أرفع منها؛ وكسبوا وأكسبوا أهل الإيمان جنة معنوية حتى في الدنيا؛ مع سعادة خالدة في الآخرة.. كل ذلك بسر حقائق الإيمان.

والتيار الثاني: هم الذين ضلوا عن سواء السبيل جاعلين بالإفراط والتفريط؛ العقلَ وسيلةَ عذاب وأداةَ لمّ الآلام؛ فأردَوا البشرية في دركات سحيقة أضلَّ من الأنعام، فاستحقوا الغضب الإلهي فنـزلت بهم صفعاتُ المصائب جراء ظلمهم الذي ارتكبوه في الدنيا. زد على ذلك أنهم جَعَلوا بالضلالة التي هم فيها وبالعقل المرتبط مع الموجودات؛ الكونَ موضعَ أحزان وآلام ومأتما عاما، ومذبحة لذوى الحياة؛ يتقلبون في دوامات الزوال والفراق، ومَسْلَخة قذرة ضربت الفوضى أطنابها في الآفاق. لذا انحصرت روحُ الضال ووجدانُه بجهنم معنوية في الدنيا، وأصبح أهلا لعقاب أليم في الآخرة.

وهكذا فإن الآية الكريمة التي في ختام سورة الفاتحة: ﴿الَّذينَ اَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّٓالّينَ﴾ تبين هذين التيارين العظيمين.

فمنبع جميع الموازنات المذكورة في رسائل النور وأساسها ومرشدها هي هذه الآية الكريمة. وحيث إن رسائل النور قد فَسرت هذه الآية الكريمة بمئات من موازناتها. نحيل إيضاحها إلى تلك الرسائل مكتفين بهذه الإشارة.

الكلمة التاسعة: وهي، آمين. وإشارة قصيرة جدا إليها هي:

لما كانت «ن» التي في ﴿نَعْبُدُ﴾ و﴿نَسْتَعِينُ﴾ تبين لنا الجماعاتِ العظيمةَ الثلاث؛ ولاسيما جماعة الموحدين في جامع العالم الإسلامي وبخاصة ملايين المصلين الذين يؤدون الصلاة في ذلك الوقت؛ وتجعلنا ضمن صفوفهم؛ فاتحةً أمامنا طريقا سويا لنكسب حظا من أدعيتهم، ولنغنم تصديقهم لنا لنطقهم بمثل ما ننطق به نحن، ولنحظى بنوع من شفاعتهم؛ فنحن كذلك بقولنا: «آمين» نعزز أدعية أولئك الموحّدين المصلين؛ ونصدّق دعواهم؛ ونرجو بكلمة «آمين» أن يستجيب الله سبحانه وتعالى لاستعانتهم وشفاعتهم، محوِّلين عبوديتنا الجزئية ودعاءنا الجزئي ودعوانا الجزئية إلى عبودية كلية ودعاء كلي ودعوى كلية إزاء ربوبية كلية شاملة.

بمعنى أن كلمة «آمين» تَكسِب كلية واسعة بل يمكن أن تكون بمثابة ملايين «آمين» بسر الأخوة الإيمانية والوحدة الإسلامية وبواسطة راديوات معنوية ورابطةِ الوحدة لجماعة يربون على الملايين من المصلين المتراصين في الصلاة في مسجد العالم الإسلامي. (حاشية) وهكذا إذا ما أخذ رجل عامي شيئا بقدر نواة، فالإنسان الكامل الذي ترقى روحيا يأخذ حظا كالنخلة، كل حسب درجته، ولكن الذي لم يرق بعدُ، لا ينبغي له أن يتذكر هذه المعاني قصدا أثناء قراءته الفاتحة (*) لئلا يفسد اطمئنانه وسكينته وإذا ما ترقى إلى ذلك المقام فإن تلك المعاني ستظهر بنفسها. (المؤلف)

     (*) لقد سألنا أستاذنا إيضاحا عن كلمة «قصدا» الواردة في هذا الهامش ودوّنّا أدناه ما ذكره نصا:

باسم طلاب النور

في المدرسة اليوسفية الثالثة/جَيلان

     أرى أنه يمكن التفكر بالمعاني الواسعة الرفيعة للتشهد وسورة الفاتحة، ولكن لا تُقصد تلك المعاني قصدا، وإنما بصورة تبعية، إذ الذي يورِث الحضورَ القلبي نوعا من الغفلة هي تفاصيلها. بينما معانيها المُجْمَلة تبدد الغفلة وتنور العبادة والمناجاة وتسطعها. فتُظهر إظهارا تاما القيم الرفيعة للصلاة والفاتحة والتشهد.

     أما المراد من «عدم الانشغال قصدا» الوارد في ختام القسم الثاني هو أن الانشغال بتفاصيل تلك المعاني بالذات قد تُنسي الصلاة أحيانا وربما تُخل بسكينة القلب والحضور. وإلّا فإني أشعر بفوائدها العظيمة إذا كان التفكر تبعياً وبشكل مختصر. (المؤلف)

الحمد لله رب العالمين

﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾