الباب الرابع المفصل

في مراتب

الله أكبر

القسم الثاني

 [سنذكر سبعا من ثلاث وثلاثين مرتبة لهذا الباب، حيث قد ذُكر قسمٌ مهم من تلك المراتب في المقام الثاني من «المكتوب العشرين»، وفي نهاية الموقف الثاني من «الكلمة الثانية والثلاثين»، وبداية الموقف الثالث منها، فمن شاء أن يطلع على حقيقة هذه المراتب فليراجع تلك الرسائل].

المرتبة الأولى

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبيرًا﴾ (الإسراء:111). لَبَيكَ وَسَعْدَيكَ.

جلّ جلالُه، الله أكبر مِنْ كُلِّ شيءٍ قُدرَةً وَعِلما، إذ هوالخَالِقُ البارئُ المُصَوِّرُ الَّذي صَنَعَ الإنسَانَ بقُدرَتهِ كالكَائِنَاتِ، وَكَتَبَ الكَائِنَاتِ بقَلَمِ قَدَرِهِ كَمَا كَتَبَ الإنسَانَ بذَلِكَ القَلَمِ. إذ ذاكَ العَالَمُ الكَبيرُ، كَهَذَا العَالَمِ الصغيرِ مَصنُوعُ قُدرَتِهِ، مَكتُوبُ قَدَرِهِ. إبدَاعُهُ لِذَاكَ صَيَّرَهُ مَسْجدا، إيجَادُهُ لهذا صَيَّـرَهُ ساجِدا. إنْشَاؤُهُ لِذَاكَ صَيَّـرَ ذاكَ مُلكا، بِنَاؤُهُ لِهذا صَيَّـرَهُ مَملُوكَا. صَنْعَتُهُ في ذاكَ تَظَاهَرَتْ كِتَابَا، صِبْغَتُهُ في هَذا تَزَاهَرَتْ خِطابَا. قُدرَتُهُ في ذاكَ تُظهِرُ حِشمَتَهُ، رَحْمَتُهُ في هَذا تَنظِمُ نِعْمَتَهُ. حِشمَتُهُ في ذاكَ تَشْهَدُ: هوالوَاحِدُ. نِعْمَتُهُ في هَذا تُعلِنُ: هوالأحَدُ. سِكَّتُهُ في ذَاك في الكُلِّ وَالأَجْزَاءِ سُكونَا حَرَكَةً. خاتَمُهُ في هَذا في الجِسمِ وَالأَعْضاءِ، حُجَيْرَةً ذَرَّةً..

فَانْظُرْ إلى آثَارهِ المُتَّسِقَةِ كيفَ تَرى -كَالفَلَقِ- سَخَاوَةً مُطْلَقَةً مَعَ انْتِظَامٍ مُطْلَقٍ، في سُرْعَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ اتِّزَانٍ مُطْلَقٍ، في سُهولَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ إتْقَانٍ مُطْلَقٍ، في وُسْعَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ حُسْنِ صُنْعٍ مُطْلَقٍ، في بُعْدَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ اتِّفَاقٍ مُطْلَقٍ، في خِلْطَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ امْتِيَازٍ مُطْلَقٍ، في رُخْصَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ غُلُومُطْلَقٍ. فَهَذهِ الكَيْفِيَّةُ المَشْهودَةُ شَاهِدَةٌ للعَاقِلِ المُحَقِّقِ، مُجْبِرَةٌ للأَحْمَقِ المُنَافِقِ، عَلى قَبُولِ الصَنْعَةِ وَالوَحْدَةِ للحَقِّ ذي القُدْرَةِ المُطْلَقَةِ وَهوالعَليِمُ المُطْلَقُ.

وَفي الوَحْدَةِ سُهولَةٌ مُطْلَقَةٌ، وَفي الكَثْرَةِ وَالشِّرْكَةِ صُعُوبَةٌ مُنغَلِقَةٌ. إنْ أُسْنِدَ كُلُّ الأَشْيَاءِ للِوَاحِدِ؛ فَالكَائِنَاتُ كَالنَّخْلَةِ وَالنَّخْلَةُ كَالثَّمَرَةِ سُهولَةً في الابْتِدَاعِ.. وَإنْ أُسْنِدَ للِكَثْرَةِ فَالنَّخْلةُ كَالكَائِنَاتِ وَالثَّمَرَةُ كَالشَّجَرَاتِ صُعُوبَةً في الامْتِنَاعِ؛ إذ الوَاحِدُ بِالفِعْلِ الوَاحِدِ يُحَصِّلُ نَتِيجَةً ووَضْعيِةً للكَثيرِ بِلا كُلْفَةٍ ولا مُبَاشَرَةٍ؛ لَوأُحِيلَتْ تِلْكَ الوَضْعيَّةُ وَالنَّتيجَةُ إلى الكَثرَةِ لا يُمْكنُ أنْ تَصِلَ إلَيهَا إلّا بِتَكَلُّفَاتٍ وَمُبَاشَرَاتٍ وَمُشَاجَرَاتٍ، كَالأَمِيرِ مَعَ النَّفَرَاتِ، وَالبَانِي مَعَ الحَجَراتِ، وَالأرضِ مَعَ السَّيَّارَاتِ، والفَوَّارَةِ مَعَ القَطَرَاتِ، وَنُقطَةِ المَرْكَزِ مَعَ النُّـقَطِ في الدَّائِرَةِ:

بِسِرِّ أنَّ في الوَحْدَةِ يَقُومُ الانتسَابُ مَقَامَ قُدْرَةٍ غَيْرِ مَحْدُودَةٍ. وَلا يُضْطَرُّ السَّبَبُ لِحَمْلِ مَنَابعِ قُوَّتِهِ، وَيتعَاظَمُ الأثَرُ بالنِّسْبَةِ إلى المُسْنَدِ إلَيهِ. وَفي الشِّرْكَةِ يُضْطَرُّ كُلُّ سَبَبٍ لِحَمْلِ مَنَابعِ قُوَّتِهِ، فَيَتَصاغَرُ الأَثَرُ بِنِسْبَةِ جِرْمِهِ. وَمِنْ هُنَا غَلَبَتِ النَّمْلَةُ وَالذُّبَابَةُ عَلى الجَبابِرَةِ، وَحَمَلَتِ النَّوَاةُ الصَّغِيرَةُ شَجَرَةً عَظِيمة.

وَبِسِرِّ أنَّ في إسْنادِ كُلِّ الأشياءِ إلى الوَاحِدِ لا يَكُونُ الإيجَادُ مِنَ العَدَمِ المُطْلَقِ، بَلْ يَكُونُ الإيجَادُ عَيْنَ نَقلِ المَوجُودِ العِلمِيِّ، إلى الوُجُودِ الخَارِجِيِّ. كَنَقْلِ الصُّورَةِ المُتَمَثِّـلَةِ في المِرآةِ، إلى الصَّحيِفَةِ الفُوطُوغْرافِيَّةِ لِتَثْبِيتِ وُجُودٍ خَارِجِيٍّ لَهَا بِكَمالِ السُّهولَةِ، أوإظهارِ الخَطِّ المَكتُوبِ بِمِدَادٍ لا يُرى بِواسِطةِ مَادَةٍ مُظهِرَةٍ للِكِتَابَةِ المَسْتُورَةِ..

وَفي إسْنَادِ الأَشْيَاءِ إلى الأَسْبَابِ وَالكَثْرَةِ يَلْزَمُ الإيجَادُ مِنَ العَدَمِ المُطْلَق؛ِ وَهوإنْ لَمْ يَكُنْ مُحَالا يَكُونُ أصْعَبَ الأشْيَاءِ! فَالسُهولَةُ في الوَحْدَةِ واصِلَةٌ إلى دَرَجَةِ الوُجوبِ، وَالصُعُوبَةُ في الكَثْرَةِ وَاصِلَةٌ إلى دَرَجَةِ الامتِنَاعِ.. وَبِحِكْمَةِ أنَّ في الوَحدَةِ يُمْكِنُ الإبْدَاعُ وَإيجَادُ «الأَيْس مِنَ اللَّيْس» يَعْني إبْدَاعَ المَوْجُودِ مِنَ العَدَمِ الصِّرْفِ بِلا مُدَّةٍ وَلا مَادَّةٍ، وَإفراغَ الذَّرَّاتِ في القَالَبِ العِلْمِيِّ بلا كُلْفَةٍ وَلا خِلْطَةٍ.. وَفِي الشِّرْكَةِ وَالكَثْرَةِ لا يُمْكِنُ الإبْدَاعُ مِنَ العَدَمِ بِاتِّفَاقِ كُلِّ أهلِ العَقْلِ. فَلا بُدَّ لِوُجودِ ذِي حَيَاةٍ جَمْعُ ذَرَّاتٍ مُنْتَشِرَةٍ في الأرضِ وَالعَناصِرِ، وَبِعَدَمِ القَالَبِ العِلْميِّ يَلْزَمُ لِمُحَافَظَةِ الذَّرَاتِ في جِسْمِ ذي الحيَاةِ وُجُودُ عِلْمٍ كُلِّي وَإرادَةٍ مُطْلَقَةٍ في كُلِّ ذَرَّةٍ. وَمَعَ ذلِكَ إنَّ الشُّركاءَ مُسْتَغْنيةٌ عَنْهَا وَممْتَنِعَةٌ بالذَّاتِ بخَمسَة وجوهٍ متداخلة، والشُركاء المُستَغنيةُ عنها والمُمتَنِعَةُ بالذات تَحَكُّمِيَّةٌ مَحْضَةٌ، لا أمارَةَ عَلَيْها وَلا إشَارَةَ إلَيْهَا في شَيءٍ مِنَ المَوْجُودَاتِ، إذ خِلْقَةُ السَّماوَاتِ وَالأرضِ تَسْتَلْزِمُ قُدْرَةً كَامِلَةً غَيْرَ مُتَناهِيَةٍ بالضَّرُورَةِ، فَاسْتُغْني عَنِ الشُّرَكَاءِ.. وَإلّا لَزِمَ تَحْديدُ وَانْتِهَاءُ قُدْرَةٍ كَامِلَةٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ في وَقْتِ عَدَمِ التَّناهِي بِقُوَّةٍ مُتَنَاهِيَةٍ، بِلا ضَرَورَةٍ، مَعَ الضَّرُورَةِ في عَكْسِهِ. وَهومُحَالٌ في خَمْسَةِ أوْجُهٍ: فَامْتَنَعَتِ الشُّرَكَاءُ، مَعَ أنَّ الشُّرَكَاءَ المُمتَنِعَةَ بِتِلكَ الوُجوُهِ لا إشَارَةَ إلى وُجودِها، وَلا أمارَةَ عَلى تَحققهَا في شيءٍ مِنَ المَوجُودَاتِ.

فَقَدِ استَفسَرنا هذِهِ المَسْألَةَ في المَوقِفِ الأَوَّلِ مِنَ الرِّسالَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلاثِينَ: مِنَ الذَّرَّاتِ إلى السَّيَّارَاتِ، وَفِي المَوْقِفِ الثَّاني: مِنَ السَّمَاواتِ إلى التَّشَخُّصَاتِ الوَجْهِيَّةِ، فَأعْطَتْ جَمِيعُها جَوَابَ رَدِّ الشِّرْكِ بِإراءة سِكَّةِ التَّوْحِيدِ.

فَكَمَا لا شُرَكَاءَ لَهُ، كَذَلِكَ لامُعِينَ وَلا وُزَراءَ لَهُ. وَمَا الأسْبَابُ إلّا حِجَابٌ رَقِيقٌ عَلى تَصَرُّفِ القُدْرَةِ الأَزَلِيَّةِ لَيْسَ لَهَا تَأثِيرٌ إيجادِيٌ في نَفسِ الأمرِ؛ إذ أشْرَفُ الأسْبَابِ وَأوْسَعُها اختِيَارا هوالإنسَانُ، مَعَ أنَّهُ لَيسَ في يَدِهِ مِنْ أظْهَرِ أفْعَالهِ الاختِيَاريَةِ -كَالأَكْلِ وَالكَلامِ وَالفِكْرِ – مِنْ مِئَاتِ أجْزاءٍ إلّا جُزْءٌ وَاحِدٌ مَشْكُوكٌ. فَإذَا كَانَ السَّبَبُ الأَشْرَفُ وَالأَوْسَعُ اختِيَارا مَغْلُولَ الأَيْدي عَنِ التَّصَرُّفِ الحَقيِقيِّ كَمَا تَرى، فَكَيفَ يُمْكِنُ أنَ تَكُونَ البَهِيماتُ والجَمَاداتُ شَرِيكا في الإيجَادِ وَالرُّبُوبِيَّةِ لخَالِقِ الأرضِ وَالسَّمَاواتِ؟ فَكَمَا لا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ الظَّرْفُ الَّذي وَضَعَ السُّلطَانُ فيهِ الهَدِيَّةَ، أوالمَندِيلُ الَّذي لَفَّ فيهِ العَطيَّةَ، أوالنَّفَرُ الَّذي أرسَلَ عَلى يَدِهِ النِّعْمَةَ إليكَ؛ شُرَكَاءَ للِسُلْطَانِ في سَلْطَنَتِهِ.. كَذَلِكَ لا يُمْكِنُ أنْ تَكُونَ الأسْبَابُ المُرْسَلَةُ عَلى أيْديِهمُ النِّعَمُ إلينَا، وَالظُرُوفُ الَّتي هِيَ صَنَادِيقُ للِنِّعَمِ المُدَّخَّرَةِ لَنَا، والأسْبَابُ الَّتي التَفَّتْ عَلى عَطَايَا إلَهِيَّةٍ مُهْداةٍ إلَينَا؛ شُرَكَاءَ أعْوانا أووَسَائِطَ مُؤَثِّرَة.

المرتبة الثانية

جلّ جلالُه، الله أكبرُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ قُدْرَةً وَعِلْمَا، إذ هوالخَلّاقُ العَلِيمُ الصَّانِعُ الحَكِيمُ الرَّحمنُ الرَّحِيمُ الَّذي هذِهِ المَوجُودَاتُ الأرضِيَّةُ وَالأجْرَامُ العُلوِيَّةُ في بُسْتَانِ الكَائِنَاتِ مُعجِزَاتُ قُدْرَةِ خَلّاقٍ عَليِمٍ بِالبَدَاهَةِ. وَهَذهِ النَبَاتَاتُ المُتَلَوّنَة المُتَزَيِّنَةُ المَنْثُورةُ، وَهَذِهِ الحَيْوَانَاتُ المُتَنَوِّعَةُ المُتَبَـرِّجَةُ المَنْشُورَةُ في حَدِيقَةِ الأرضِ خَوَارِقُ صَنْعَةِ صانِعٍ حَكِيمٍ بِالضَّرُورَةِ. وَهَذهِ الأَزْهَارُ المُتَـبَسِّمَةُ وَالأَثْمَارُ المُتَزَيِّنَةُ في جِنَانِ هذِهِ الحَديقَةِ هَدَايَا رَحْمَةِ رَحْمن رَحيِمٍ بالمُشَاهَدَةِ.. تَشْهَدُ هاتِيكَ، وَتُنَادي تَاكَ، وتُعْلِنُ هذِهِ بِأَنَّ خَلَّاقَ هَاتيكَ، وَمُصَوِّرَ تَاكَ، وَوَاهِبَ هذِهِ عَلى كُلِّ شَىءٍ قَديرٌ، وَبِكُلِّ شَىءٍ عَليمٌ، قَد وَسِعَ كُلَّ شَىءٍ رَحْمَةً وَعِلمَا، تتَسَاوى بِالنِّسْبَةِ إلى قُدْرَتِهِ الذَّرَّاتُ وَالنُّجُومُ، وَالقَليلُ وَالكَثيرُ، والصَغيرُ وَالكَبيرُ، وَالمُتَنَاهِي وَغَيرُ المُتَنَاهِي، وَكُلُّ الوُقُوعَاتِ المَاضِيَةِ وَغَرَائِبِها مُعْجِزَاتُ صَنْعَةِ صانِعٍ حَكيمٍ، تَشْهَدُ أنَّ ذَلِكَ الصَّانِعَ قَديرٌ عَلى كُلِّ الإمْكَانَاتِ الْاسْتِقْبَالِيَّةِ وَعَجائِبِها، إذ هوالخَلّاقُ العَليمُ وَالعَزيزُ الحَكيِمُ.

فَسُبْحانَ مَنْ جَعَلَ حَديقَةَ أرضِهِ مَشْهَرَ صَنْعَتِهِ، مَحْشرَ فِطْرَتِهِ، مَظْهَرَ قُدرَتِهِ، مَدَارَ حِكْمَتِهِ، مَزْهَرَ رَحْمَتِهِ، مَزْرَعَ جَنَّتِهِ، مَمَرَّ المَخْلُوقَاتِ، مَسِيلَ المَوجُودَاتِ، مَكِيلَ المَصْنُوعَاتِ.

فَمُزَيَّنُ الحَيْوانَاتِ، مُنَقَّشُ الطُّيورات، مُثَمَّرُ الشَّجَرات، مُزَهَّرُ النَبَاتات؛ مُعْجِزَاتُ عِلمِهِ، خَوَارِقُ صُنْعِهِ، هَدايَا جُودِهِ، بَراهِينُ لُطْفِهِ.

تَبَسُّمُ الأزهَارِ مِنْ زينَةِ الأثْمَارِ، تَسَجُّعُ الأطيَارِ في نَسْمَةِ الأسْحَارِ، تَهَزُّجُ الأمطارِ عَلى خُدُودِ الأزهَارِ، تَرَحُّمُ الوالِدَاتِ عَلى الأَطفَالِ الصِّغَارِ، تَعَرُّفُ وَدُودٍ، تَوَدُّدُ رَحمنَ، تَرَحُّمُ حَنَّانٍ، تَحَنُّنُ مَنَّانٍ، للِجِنِّ وَالإنسَانِ، وَالرُّوحِ وَالحَيوَانِ وَالمَلَكِ وَالجانِّ. وَالبُذُورُ وَالأثْمَارُ، والحُبُوبُ وَالأزهَارُ مُعجِزَاتُ الحِكمَةِ.. خَوَارِقُ الصَّنْعَةِ.. هَدَايا الرَّحْمَةِ.. بَرَاهينُ الوَحْدَةِ.. شَوَاهِدُ لُطْفِهِ في دارِ الآخِرَةِ… شَوَاهِدُ صَادِقَةٌ بأنَّ خَلَّاقَهَا عَلى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ وَبِكُلِّ شيءٍ عَلِيمٌ. قَدْ وَسِعَ كُلَّ شيءٍ بِالرَّحْمَةِ وَالعِلْمِ وَالخَلْقِ وَالتَّدْبيرِ وَالصُّنْعِ وَالتَّصْوِيرِ. فَالشَّمسُ كَالبَذرَةِ، وَالنَّجْمُ كَالزَّهْرَةِ، وَالأَرضُ كَالحَبَّةِ، لا تَثْقُلُ عَلَيهِ بِالخَـلْقِ وَالتَّدْبيرِ، وَالصُّنعِ وَالتَّصْويرِ. فَالبُذُورُ وَالأَثْمَارُ مَرَايا الوَحْدَةِ في أَقْطَارِ الكَثْرَةِ، إشَاراتُ القَدَرِ، رُمُوزَاتُ القُدْرَةِ؛ بِأنَّ تِلكَ الكَثْرَةِ مِنْ مَنْبَعِ الوَحْدَةِ، تَصْدُرُ شَاهِدَةً لِوَحْدَةِ الفَاطِرِ في الصُّنْعِ وَالتَصْويرِ. ثُمَّ إلى الوَحْدَةِ تَنْـتَهي ذَاكِرَةً لِحِكمَةِ الصَّانِعِ في الخَلْقِ وَالتَّدْبيِرِ.. وَتَلْوِيحاتُ الحِكْمَةِ بأنَّ خَالِقَ الكُلِّ -بِكُلِّيَّةِ النَّظَرِ إلى الجُزْئيِّ- يَنْظُر ثمَّ إلى جُزْئِهِ، إذ إنْ كانَ ثَمرا فَهوالمَقْصُودُ الأظهَرُ مِنْ خَلقِ هَذا الشَّجَرِ. فَالبَشَرُ ثَمَرٌ لِهَذِهِ الكَائِنَاتِ، فَهوالمَقْصُودُ الأَظْهَرُ لِخَالِقِ المَوْجُودَاتِ. والقَلبُ كَالنُّوَاةِ، فَهوالمِرآةُ الأنْوَرُ لِصَانِعِ المَخْلُوقَاتِ، ومِنْ هذِهِ الحِكْمَةِ فَالإنسَانُ الأَصْغَرُ في هذِهِ الكَائِناتِ هوالمَدَارُ الأَظْهَرُ للنَّشْرِ وَالمحَشْرِ في هذِهِ المَوجُوداتِ، وَالتَّخْريبِ والتَّبْديلِ وَالتَّحويلِ وَالتَّجْديدِ لِهَذِهِ الكَائِناتِ.

الله أكبر: يَا كَبيرُ أنتَ الَّذي لا تَهدِي العُقُولُ لِكُنْهِ عَظَمَتِهِ..

كه «لا إله إلّا هوبرابر مي زند هر شيء

دمادم جويد: يا حق، سراسر كويد: يا حى

المرتبة الثالثة ([1])

إيضاحها في رأس «الموقف الثالث من الرسالة الثانية والثلاثين».

جلّ جلالُه، الله أكبرُ مِنْ كُلِّ شيءٍ قُدْرَةً وَعِلما، إذ هوالقَديرُ المُقَدِّرُ العَلِيمُ الحَكيِمُ المُصَوِّرُ الكَرِيمُ اللَّطِيفُ المُزَيِّنُ المُنْعِمُ الوَدُودُ المُتَعَرِّفُ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ المُتَحَنِّنُ الجَمِيلُ ذُوالجَمَالِ وَالكَمَالِ المُطْلَقِ، النَّقَّاشُ الأزلي الَّذي: ما حَقَائِقُ هَذِهِ الكَائِناتِ كُلا وَأجزَاءً، وَصَحَائِفَ وَطَبَقاتٍ، وَما حَقائِقُ هذِهِ المَوجُودَاتِ كُلّيا وَجُزئِيا وُجُودا وَبَقاءً.. إلّا خُطُوطُ قَلَمِ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ بِتَنْظِيمٍ وَتَقدِيرٍ وَعِلْمٍ وَحِكْمَةٍ.. وَإلّا نُقُوشُ بَركَارِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ بِصُنْعٍ وَتَصويرٍ.. وَإلّا تَزْييناتُ يَدِ بَيْضاءِ صُنْعِهِ وَتَصويِرِهِ وَتَزْيينهِ وَتَنْوِيرِهِ بِلُطْفٍ وَكَرَم.. وَإلّا أزاهيرُ لَطائِفِ لُطْفِهِ وَكَرَمِهِ وتَعَرُّفِهِ وَتَوَدُّدِهِ بِرَحْمَةٍ وَنِعْمَةٍ.. وَإلّا ثَمَرَاتُ فَيَّاضِ عَيْنِ رَحْمَتِهِ وَنِعْمَتِهِ وَتَـرَحُّمِهِ وَتَحَنُّنِهِ بِجَمَالٍ وَكَمالٍ.. وَإلّا لَمَعَاتُ جَمالٍ سَرْمَديٍّ وَكَمالٍ دَيْمُومِيٍّ بِشَهَادَةِ تَفانِيَّةِ المَرايا وَسَيَّالِيَّةِ المَظاهِرِ، مَعَ دوامِ تَجَلي الجَمَالِ عَلى مَرِّ الفُصُولِ وَالعُصُورِ وَالأدْوَارِ، وَمَعَ دَوَامِ الإِنْعَامِ عَلى مَرِّ الأَنَامِ وَالأَيَّـامِ وَالأَعْوَامِ.

نعم، تَفَاني المِرْآةِ، زَوَالُ المَوجُودَاتِ مَعَ التَّجَلِّي الدَّائِمِ مَعَ الفَيضِ المُلازِمِ، مِنْ أظْهَرِ الظَّوَاهِرِ، مِنْ أبْهَرِ البَوَاهِرِ أنَّ الجَمالَ الظَّاهِرَ، أنَّ الكَمالَ الزَّاهِرَ ليسَا مُلْكَ المَظَاهِرِ، مِنْ أفصَحِ تِبيانٍ، مِنْ أوضَحِ بُرْهَانٍ للِجَمَالِ المُجَرَّدِ، للإِحسانِ المُجَدَّدِ، للواجِبِ الوُجُودِ، للِبَاقي الوَدُودِ.

نعم، فَاْلأَثَـرُ المُكَمَّلُ، يَدُلُّ بالبَدَاهَةِ عَلى الفِعْلِ المُكَمَّلِ، ثُمَّ الفِعْلُ المُكَمَّلُ يَدُلُّ بِالضَّرُورَةِ عَلى الاسمِ المُكَمَّلِ، وَالفَاعِلِ المُكَمَّلُ. ثم الاسم المُكَمّلُ يَدُلُّ بِلا رَيبٍ عَلى الوَصفِ المُكَمَّلِ. ثُمَّ الوَصفُ المُكَمَّلُ يَدُلُّ بِلا شَكٍ عَلى الشَّأنِ المُكَمَّلِ. ثُمَّ الشَّأنُ المُكمَّلُ يَدُلُّ بِاليَقينِ عَلى كَمالِ الذَّاتِ بِمَا يَليقُ بِالذَاتِ، وَهوالحَقُّ اليَقينُ.

المرتبة الرابعة

جَلَّ جَلالُهُ الله أكبرُ؛ إذ هوالعَدلُ العَادِلُ الحَكَمُ الحَاكِمُ الحَكِيمُ الأزلي الَّذي أسَّسَ بُنْيَانَ شَجَرَةِ هذِهِ الكَائِنَاتِ في سِتَةِ أيَّامٍ بِأُصُولِ مَشِيئَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَفَصَّلَها بِدَساتِيرِ قَضائِهِ وَقَدَرِهِ، وَنَظَّمَها بِقَوَانينِ عادَتِهِ وَسُنَّتِهِ، وَزَيَّنَها بِنَواميسِ عِنَايَـتِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَنَوَّرَهَا بِجَلَواتِ أسْمائِهِ وَصِفَاتِهِ: بِشَهَادَاتِ انْتِظامَاتِ مَصنُوعَاتِهِ، وَتَزَيُّنَاتِ مَوجُودَاتِهِ وَتَشابُهِها وَتنَاسُبِها وَتَجَاوُبها وَتَعاوُنِها وَتَعانُقِها، وَإتْقانِ الصَّنعَةِ الشُّعُوريَّةِ في كُلِّ شَيءٍ، عَلى مِقْدَارِ قَامَةِ قابِليَّتِهِ المُقَدَّرَةِ بِتَقْدِيرِ القَدَرِ.

فَالحِكمَةُ العَامَّةُ في تَنْظيماتِها، وَالعِنَايَةُ التَّامَّةُ في تَزيِينَاتِها، وَالرَّحمَةُ الوَاسِعَةُ في تَلطيفاتِها، وَالأَرزَاقُ وَالإعَاشَةُ الشَّامِلَةُ في تَربِيَـتِها، والحَيَاةُ العَجيبَةُ الصَّنعَةِ بِمَظْهَرِيّـَتِها للِشُؤونِ الذَّاتِيَّةِ لِفَاطِرِها، وَالمَحَاسِنُ القَصْدِيَّةُ في تَحْسينَاتِهَا، وَدَوَامُ تَجَلِّي الجَمَالِ المُنْعَكِسِ مَعَ زَوالِهَا، وَالعِشْقُ الصَّادِقُ في قَلْبِها لِمَعبُودِهَا، وَالانْجِذَابُ الظَّاهِرُ في جَذبَتِها، وَاتِّفاقُ كُلِّ كُمَّلِهَا عَلى وَحْدَةِ فاطِرها، وَالتَصَرُّفُ لِمَصالِحَ في أجزائِها، وَالتَّدْبيرُ الحَكيمُ لِنَباتاتِها، وَالتَّربِيَةُ الكَريمَةُ لِحَيواناتِهَا، والانتِظامُ المُكَمَّلُ في تَغيُّراتِ أركَانِها، وَالغاياتُ الجَسيمةُ في انتِظامِ كُلِّيتِها، وَالحُدُوثُ دَفْعَةً مَعَ غايَةِ كَمَالِ حُسنِ صَنْعَتِها، بِلا احتِياجٍ إلى مُدَّةٍ ومَادَّةٍ، وَالتَّشَخُّصاتُ الحَكِيمَةُ مَعَ عَدَمِ تَحْديدِ تَرَدُّدِ إمْكاناتِها، وَقَضاءُ حاجاتِها عَلى غَايَةِ كَثْرَتِها وَتَنَوُّعِها في أوقَاتِها اللَّائِقةِ المُنَاسِبَةِ -مِنْ حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمِنْ حَيثُ لا يَشْعُرُ- مَعَ قصرِ أَيْدِيها مِنْ أصغَرِ مَطالِبِها، وَالقُوَّةُ المُطلَقَةُ في مَعْدِنِ ضَعْفِهَا، وَالقُدْرَةُ المُطلَقَةُ في مَنبَعِ عَجزِها، وَالحَياةُ الظَاهِرَةُ في جُمُودِها، وَالشعُورُ المُحيطُ في جَهْلِها، وَالانتِظامُ المُكَمَّلُ في تَغَيُّراتِها المُسْتَلزِمُ لِوُجُودِ المُغَيِّرِ الغَيرِ المُتَغَيِّر. وَالاتِّفاقُ في تَسْبِيحَاتِها -كَالدَوّائِرِ المُتَدَاخِلَةِ المُتَّحِدَةِ المَرْكَزِ- وَالمَقْبُولِيَّةُ في دَعَوَاتِها الثَّلاثِ: بِلسانِ استِعدادها وبِلسانِ احتِيَاجَاتِها الفِطريَّةِ وبِلسانِ اضطِرارِها، وَالمُناجاتُ وَالشُّهوداتُ وَالفُيُوضاتُ في عِباداتِهَا، وَالانتِظامُ في قَدَرَيها، وَالاطْمِئنَانُ بِذِكرِ فاطِرِها، وَكَونُ العِبادَةِ فيها خَيْطَ الوُصْلَةِ بَينَ مُنْـتَهاها وَمَبْدَئها، وسَببَ ظُهورِ كَمَالِها، وَلِتَحَقُّقِ مَقَاصِدِ صانِعِها وَهكَذا.. بِسائِرِ شُؤُوناتِها وَأحْوَالِها وَكَيفِيَّاتِها.. شاهِداتٌ بِأَنَّها كُلَّها بِتَدبيِرِ مُدَبِّرٍ حَكيم واحِدٍ، وَفي تَربِيَةِ مُرَبٍ كَريم أَحَدٍ صَمَدٍ، وَكُلُّهَا خُدَّامُ سَيِّدٍ واحدٍ، وتَحتَ تَصَرُّفٍ متصرِّف واحدٍ وَمَصدَرُهُمْ قُدْرَةُ واحِدٍ، الَّذي تَظاهَرتْ وَتَكاثَرَتْ خَواتِيمُ وَحْدَتِهِ عَلى كُلِّ مَكتُوبٍ مِنْ مَكتُوبَاتِهِ في كُلِّ صَفحَةٍ مِنْ صَفَحَاتِ مَوجُودَاتِهِ.

نَعَمْ، فَكُلُّ زَهرَةٍ وَثَمَرٍ، وَكُلُّ نَبَاتٍ وَشَجَرٍ، بَل كُلُّ حَيوانٍ وَحَجَرٍ، بَل كُلُّ ذَرٍّ وَمَدَرٍ، في كُلِّ وادٍ وَجَبَلٍ، وكُلِّ بادٍ وقَفرٍ.. خاتَمٌ بَيِّنُ النَّقشِ وَالأثَر، يُظْهِرُ لِدِقَّةِ النَّظرِ بِأنَّ ذا ذاكَ الأثر هوكاتِبُ ذاكَ المَكانِ بِالعِبَرِ، فَهوكاتِبُ ظَهْرِ البَـرِّ وَبَطْنِ البَحْرِ، فَهونَقَّاشُ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ في صَحيفةِ السَّماوَاتِ ذاتِ العِبَرِ جَلَّ جَلالُ نَقَّاشِها الله أكبرُ.

كه لا إله إلّا هوبرابر مى زند عالم([2])

المرتبة الخامسة ([3])

جلّ جلالُه، الله أكبرُ؛ إذ هوالخَلّاقُ القَديرُ المُصَوِّرُ البَصيرُ الَّذي هذِهِ الأجرَامُ العُلويَّةُ والكَواكِبُ الدُّرِّيَّةُ نَـيِّراتُ بَراهينِ اُلُوهيَّتِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَشُعاعاتُ شَوَاهِدِ رُبُوبِيَّتِهِ وَعِزَّتِهِ، تَشْهَدُ وَتُنادي عَلى شَعْشَعَةِ سَلْطَنةِ رُبُوبِيَّـتِهِ، وَتُنَادي عَلى وُسْعَةِ حُكْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، وعَلى حِشمَةِ عَظَمَةِ قُدْرَتِهِ.

فَاسْتَمِعْ إلى آيةِ: ﴿اَفَلَمْ يَنْظُرُٓوا اِلَى السَّمَٓاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا.. (ق:6) إلخ.. ثُمَّ انظُرْ إلى وَجْهِ السَّماءِ: كيفَ تَرى سُكُوتا في سُكُونَة، حَرَكَةً في حِكْمَةٍ، تَلألُؤا في حِشمَةٍ، تَبَسُّما في زِينَةٍ؛ مَعَ انتَظامِ الخِلقَةِ مَعَ اتِّـزَانِ الصَّنْعَةِ.. تَشَعْشُعُ سِراجِها لِتَبديلِ المَوَاسِمِ، تَهَلهُلُ مِصْباحِها لِتَنويِرِ المَعَالم، تَلألُؤُ نُجُومِها لِتَزيينِ العَوَالِم.. تُعْلِنُ لأَهلِ النُهى سَلْطَنَةً بلا انتِهَاءٍ لِتَدبيرِ هذَا العَالَمِ.

فَذَلِكَ الخَلّاقُ القَديرُ عَليمٌ بِكُلِّ شَيءٍ، وَمُريدٌ بِإرادَةٍ شَامِلَةٍ «ما شاءَ كانَ وَمَا لَم يَشأ لَمْ يَكُنْ». وَهوقَدِيرٌ عَلى كُلِّ شَيءٍ بِقُدْرَةٍ مُطْلَقَةٍ مُحيطةٍ ذاتِيَّةٍ. وَكَما لا يُمكِنُ ولا يُتَصوَّرُ وُجُودُ هذِه الشَّمسِ في هذا اليَومِ بِلا ضِياءٍ ولا حَرارةٍ، كذَلِكَ لا يُمْكِنُ ولا يُتَصوَّرُ وُجودُ إلهٍ خالِقٍ للِسَّماواتِ بِلَا عِلمٍ مُحيطٍ وبِلا قُدرَةٍ مُطلَقَةٍ.. فَهوبِالضَرورَةِ عَليمٌ بِكُلِّ شَيءٍ بِعلمٍ مُحيطٍ لازِم ذَاتيٍّ لِلذاتِ يَلزَمُ تَعَلُّقُ ذلِكَ العِلمِ بِكُلِّ الأَشيَاءِ، لا يُمكِنُ أنْ يَنْفَكَّ عَنْهُ شَيءٌ؛ بِسِرِّ الحُضُورِ وَالشُّهودِ وَالنُّفُوذِ وَالإحَاطَةِ النُّورانِيَّةِ.

فَما يُشَاهَدُ في جَميعِ المَوجُودَاتِ: مِنَ الانْتِظامَاتِ المَوزُونَةِ، وَالاتِّزَاناتِ المَنْظُومَةِ، وَالحِكَمِ العَامَّةِ، وَالعِنَايَاتِ التَّامَّةِ، وَالأَقْدَارِ المُنْتَظَمَةِ، وَالأَقْضِيَةِ المُثْمِرَةِ، وَالآجالِ المُعَيَّنَةِ، وَالأَرزَاقِ المُقَنَّـنَةِ، وَالإتْقَانَاتِ المُفَنَّـنَةِ، وَالاهْتِمَامَاتِ المُزَيَّنَةِ، وَغَايَةِ كَمَالِ الاِمتِيازِ، وَالاتِّزانِ، وَالانْتِظَامِ، وَالإِتْقَانِ، وَالسُّهولَةِ المُطلَقَةِ.. شَاهِدَاتٌ عَلى إحَاطَةِ عِلم عَلاّمِ الْغُيُوبِ بِكُلِّ شَيءٍ، وَإنَّ آيَةَ: ﴿اَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَۜ وَهواللَّطيفُ الْخَبيرُ (الملك:14). تَدُلُّ عَلى أنَّ الوُجودَ في الشَيءِ يَسْتَلزِمُ العِلمَ بِهِ، وَنُورَ الوُجودِ في الأَشيَاءِ يَستَلزِمُ نُورَ العِلمِ فيها. فَنِسبَةُ دَلالَةِ حُسنِ صَنْعَةِ الإِنسانِ عَلى شُعُورِهِ، إلى نِسبَةِ دَلالَةِ خِلقَةِ الإنسانِ عَلى عِلمِ خالِقِهِ، كَنِسبَةِ لُمَيعَةِ نُجَيْمَةِ الذُّبَيْبَةِ في اللَّيلَةِ الدَّهمَاءِ إلى شَعشَعةِ الشَمْسِ في نِصفِ النَّهارِ عَلى وَجهِ الغَبْراءِ.

وَكَما أنَّهُ عَليمٌ بِكُلِّ شَيءٍ فهومريدٌ لكُلِّ شَيءٍ، لا يُمْكِنُ أنْ يَتَحَقَّقَ شَيءٌ بِدُونِ مَشِيئَتِهِ. وَكمَا أنَّ القُدْرَةَ تُؤَثِّرُ وَأنَّ العِلمَ يُمَيِّـزُ، كَذَلكَ إنَّ الإرادةَ تُخَصِّصُ ثُمَّ يَتَحَقَّقُ وُجودُ الأَشيَاءِ.

فَالشَوَاهِدُ عَلى وُجودِ إرادَتِهِ تَعالى وَاختِيَارِهِ سُبحانَهُ بِعَدَدِ كَيفِيَّاتِ الأَشيَاءِ وَأحْوالِهَا وَشُؤُوناتِها.

نعم، فَتَنْظيمُ المَوجودَاتِ وَتَخْصيصُها بِصِفاتِها مِنْ بِينِ الإِمْكَانَاتِ الغَيْرِ المَحْدُودَةِ، وَمِنْ بَينِ الطُّرُقِ العَقيمَةِ، وَمِنْ بَينِ الاحتِمَالاتِ المُشَوَّشَةِ، وَتَحتَ أيدي السُّيُولِ المُتَشاكِسَةِ، بِهذا النِّظَامِ الأَدَقِّ الأَرَقِّ، وَتَوْزِينُهَا بِهذا المِيزانِ الحَسَّاسِ الجَسَّاسِ المَشْهودَينِ.. وَأنَّ خَلقَ المَوجُوداتِ المُختَلِفَاتِ المُنتَظَماتِ الحَيَويَّةِ مِنَ البَسائِطِ الجَامِدَةِ -كَالإنسانِ بِجِهَازاتِهِ مِنَ النُّطفَةِ، وَالطَّيْرِ بِجوارِحِهِ مِنَ البَيضَةِ، وَالشَّجَرِ بأعْضَائِهِ المُتَنَوعَةِ مِنَ النَّوَاةِ- تَدُلُّ عَلى أنَّ تَخَصُّصَ كُلِّ شَيءٍ وَتَعَيُّـنَـهُ بإرادَتِهِ واختِيَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ سُبْحَانَهُ.

فَكَما أنَّ تَوافُقَ الأشيَاءِ مِنْ جِنْسٍ وَالأفرَادِ مِنْ نَوعٍ، في أسَاساتِ الأَعْضاءِ، يَدُلُّ بالضَّروُرَةِ عَلى أنَّ صانِعَها واحِدٌ أحدٌ.. كَذلكَ إنَّ تَمايُزَها في التَّشَخُّصاتِ الحَكيمَةِ المُشتَمِلَةِ عَلى عَلاماتِ فارِقَةٍ مُنْتَظَمَةٍ، تدُلُّ عَلى أنَّ ذلكَ الصَّانعَ الواحِدَ الأَحدَ هوفاعِلٌ مُختَارٌ مُرِيدٌ.. يَفعَلُ ما يَشاءُ وَيَحكُمُ ما يُريدُ. جَلَّ جَلالُهُ.

وَكَما أنَّ ذلِكَ الخَلّاقَ العَليمَ المُريدَ؛ عَليمٌ بِكُلِّ شَيءٍ وَمُرِيدٌ لِكُلِّ شَيءٍ، لَهُ عِلمٌ مُحيطٌ وَإرادةٌ شَامِلَةٌ وَاختيَارٌ تَامٌّ.. كَذلكَ لَهُ قُدرَةٌ كاملَةٌ ضَرُوريَّةٌ ذَاتِيَّةٌ ناشِئَةٌ مِنَ الذَّاتِ وَلازِمَةٌ للِذَّاتِ. فَمُحَالٌ تَداخُلُ ضِدِّها، وَإلَّا لَزِمَ جَمْعُ الضِّدَّيْنِ المُحالُ بالاتِفَاقِ، فَلا مرَاتِبَ في تِلكَ القُدرةِ، فَـتَـتَساوى بِالنِّسبَةِ إلَيها الذَّرَّاتُ وَالنجُومُ، وَالقَليلُ وَالكثيرُ، وَالصَغيرُ والكبير، وَالجُزئيُّ وَالكُلِّيُّ، وَالجُزءُ وَالكُلُّ، وَالإنسانُ وَالعالَمُ، والنَّوَاةُ والشَّجَرُ؛ بِسِرِّ النُّورَانيَّةِ، وَالشَّفافِيَّةِ، وَالمُقابَلَةِ، وَالمُوَازَنَةِ، وَالانتِظامِ، وَالامتِثالِ؛ بِشَهادَةِ الانتِظامِ المُطلَقِ، وَالاتِّزَانِ المُطلَقِ، وَالامتِيَازِ المُطلَقِ، في السُّرعَةِ وَالسُّهولَةِ وَالكَثرَةِ المُطلَقَاتِ. بِسِرِّ إمدادِ الوَاحِديَّةِ، ويُسرِ الوَحدَةِ، وتجَلِّي الأَحَديَّةِ؛ بِحِكمَةِ الوُجوبِ، وَالتَجَرُّدِ، وَمُبَايَنَةِ الماهيَّةِ. بِسرِّ عَدَمِ التَّقَيُّدِ، وَعدَمِ التَّحَيُّزِ، وَعَدَمِ التَّجَزُّؤِ. بِحِكمَةِ انقِلابِ العَوَائِقِ وَالمَوَانِع إلى الوَسَائِلِ في التَسهيل إن احتيجَ إلَيهِ. وَالحَالُ أنَّهُ لا احتِيَاجَ كأعصابِ الإنسانِ وَالخُطُوطِ الحَديديَّةِ لنَقلِ السَيَّالاتِ اللَّطيفَةِ؛ بِحكمةِ أنَّ الذرَّةَ وَالجُزءَ وَالجُزئيَّ وَالقَليل وَالصَغير والإنسانَ والنَّواةَ ليسَت بِأقَلَّ جَزَالَةً مِنَ النَّجْمِ وَالنَّوعِ وَالكُلِّ وَالكُلِّيِّ وَالكَثيرِ وَالكَبيرِ وَالعَالَمِ وَالشَّجَرِ. فَمَنْ خَلَقَ هؤُلاءِ لا يُسْتَبعَدُ مِنْهُ خَلقُ هذِهِ؛ إذ المُحاطاتُ كالأمثِلَةِ المَكتُوبَةِ المُصَغَّرَةِ أوكالنُّقَطِ المَحلُوبَةِ المُعَصَّرَةِ؛ فَلابُدَّ بالضَرُورَةِ أنْ يَكونَ المُحيطُ في قَبضَةِ تَصَرُّفِ خالِقِ المُحَاطِ، لِيُدْرِجَ مِثالَ المُحيطِ في المُحَاطَاتِ بِدَسَاتيرِ عِلمِهِ، وَأنْ يَعْصِرَها مِنْهُ بِمَوازينِ حِكمَتِهِ. فَالقُدرَةُ الَّتي أبرَزَتْ هَاتيكَ الجُزئيَّاتِ لا يَتَعسَّرُ عَليها إبرَازُ تَاكَ الكُلِّيَّاتِ.

فَكَما أنَّ نُسخَةَ قُرآنِ الحِكمَةِ المَكتُوبَةِ عَلى الجَوهَرِ الفَردِ بِذَرَّاتِ الأَثيرِ؛ لَيسَتْ بِأقَلَّ جَزَالَةً مِنْ نُسْخَةِ قُرآنِ العَظَمَةِ المَكتُوبَةِ عَلى صَحَائِفِ السَّماواتِ بِمِدادِ النُّجُومِ وَالشُّموسِ.. كذَلِكَ لَيسَتْ خِلقَةُ نَحْلَةٍ وَنَمْلَةٍ بِأقَلَّ جَزَالَةً مِنْ خِلقَةِ النَّخْلَةِ والفيلِ، وَلا صَنْعَةُ وَردِ الزَّهْرَةِ بِأقَلَّ جَزَالَةً مِنْ صَنْعَةِ دُرِّيِّ نَجمِ الزُّهْرَةِ. وَهكَذا فَقِسْ. فَكمَا أنَّ غايَةَ كَمالِ السُّهولَةِ في إيجَادِ الأَشيَاءِ أوقَعَتْ أهلَ الضَّلالَةِ في التِبَاسِ التَّشكيلِ بالتَّشَكُّلِ، المُستَلزِمِ للِمُحَالاتِ الخُرَافيَّةِ الَّتي تَمُجُّها العُقُولُ، بَل تَتَنَفَّرُ عَنها الأَوهَامُ.. كذلِكَ أثْـبَـتَتْ بِالقَطعِ وَالضَرُورَةِ لأَهلِ الحَقِّ وَالحَقيقَةِ تَساويَ السَّيَّاراتِ مَعَ الذَّرَّاتِ بالنِسبَةِ إلى قُدْرَةِ خالِقِ الكائِناتِ. جَلَّ جَلالُهُ وَعَظُمَ شأنُهُ وَلا إلهَ إلّا هو.

المرتبة السادسة ([4])

جَلَّ جَلالُهُ وَعَظُمَ شَأنُهُ الله أكبرُ مِنْ كُلِّ شَيءِ قُدْرَةً وَعلمَا؛ إذ هوالعَادِلُ الحَكيمُ القَادِرُ العَليمُ الوَاحِدُ الأَحَدُ السُّلطَانُ الأزلي الَّذي هذِهِ العَوَالِمُ كُلُّهَا في تَصَرُّفِ قَبْضَتَيْ نِظامِهِ وَميزَانِهِ، وَتَنْظيمِهِ وَتَوزيِنِهِ وَعَدلِهِ وَحِكمَتِهِ وَعِلمِهِ وَقُدرَتِهِ، وَمَظهَرُ سِرِّ وَاحِدِيَّتِهِ وَأحَديَّتِهِ بِالحَدْسِ الشُّهوديِّ، بَل بِالمُشَاهَدَةِ؛ إذ لا خَارِجَ في الكَونِ مِنْ دَائِرَةِ النِّظَامِ وَالميزَانِ، وَالتَّنظيمِ وَالتَّوزينِ. وَهُمَا بابانِ مِن «الإمامِ المُبينِ وَالكِتَابِ المُبينِ»، وَهُما عُنوَانانِ لِعِلمِ العَليمِ الحَكيمِ وَأمْرِهِ، وَقُدْرَةِ العَزيزِ الرَّحيمِ وَإرادَتِهِ. فَذلكَ النِّظامُ مَعَ ذلكَ المِيزَانِ في ذلكَ الكِتَابِ مَعَ ذلكَ الإِمامِ بُرهَانانِ نَـيِّرانِ؛ لِمَنْ لَهُ في رَأسِهِ إذعَانٌ وفي وَجهِهِ العَينَانِ: أنْ لا شَيءَ مِنَ الأَشياءِ في الكَونِ وَالزَّمانِ، يَخْرُجُ منْ قَبضَةِ تَصَرُّفِ رَحمنَ، وَتَنْظيمِ حَنَّانٍ وَتَزييِنِ مَنَّانٍ وَتَوزينِ دَيَّانٍ.

الحاصِلُ: أنَّ تَجَلِّيَ الاِسمِ «الأَوَّلِ وَالآخِر» في الخَلّاقِيَّةِ، النَّاظِرَينِ إلى المَبدَإِ وَالمُنتَهى، وَالأَصلِ وَالنَسلِ، وَالمَاضي وَالمُستَقبلِ، وَالأَمرِ وَالعِلمِ، مُشيرانِ إلى «الإِمامِ المُبينِ». وَتَجَلِّيَ الاِسمِ «الظَّاهِرِ وَالباطِنِ» عَلى الأَشيَاءِ في ضِمنِ الخَلّاقِيَّةِ، يُشيرانِ إلى «الكِتابِ المُبينِ».

فَالكَائِناتُ كَشَجَرَةٍ عَظيمَةٍ، وَكُلُّ عالَمٍ مِنها أيضا كَالشَّجَرةِ. فَنُمَثِّـلُ شَجَرَةً جُزئِيَّةً لِخِلقَةِ الكائِناتِ وَأَنواعِها وَعَوالِمِها. وهَذِهِ الشَّجَرَة الجُزئِيَّةُ لها أصلٌ وَمَبدَأٌ، وَهوالنَّواةُ الَّتي تَنبُتُ عَليهَا. وَكَذا نَسلٌ يُديمُ وَظيفَتَها بَعدَ مَوتِها؛ وَهوالنَّواةُ في ثَمَراتِها. فَالمَبدَأُ وَالمُنتَهى مَظهَرانِ لِتَجَلِّي الاسمِ «الأَوَّلِ وَالآخِرِ»، فَكأنَّ المَبدأ وَالنَّواةَ الأَصليَّةَ بِالانتِظامِ وَالحِكمَةِ فِهرِستَةٌ، وَتَعرِفَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ مَجمُوعِ دَساتيرِ تَشكُّلِ الشَّجَرةِ، وَالنَّواتَاتُ في ثَمَراتِها الَّتي في نِهاياتِها مَظهَرٌ لِتَجَلِّي الإِسمِ «الآخِر».

فَتِلكَ النَّواتاتُ في الثَّمَراتِ بِكمَالِ الحِكمَةِ كَأنَها صُنَيدِيقَاتٌ صَغيرَةٌ أُودِعَتْ فيها فِهرِستَةٌ وَتَعرِفَةٌ لتَشَكُّلِ ما يُشابِهُ تِلكَ الشَجَرةَ وَكأنَّها كُتِبَ فيها بِقَلَمِ القَدَرِ دَساتيرُ تَشكُّلِ شَجَراتٍ آتِيَةٍ. وَظاهِرُ الشَّجَرَةِ مَظهَرٌ لِتَجَلِّي الاِسمِ «الظَّاهِرِ». فَظَاهِرُها بِكَمالِ الانتِظامِ وَالتَّزيينِ وَالحِكمَةِ كَأنَها حُلَّةٌ مُنتَظَمَةٌ مُزَيّـَنَةٌ مُرَصَّعَةٌ، قَد قُدَّتْ عَلى مِقدارِ قَامَتِها بِكَمالِ الحِكمَةِ وَالعِنَايَةِ. وَبَاطِنُ تِلكَ الشَّجَرَةِ مَظهَرٌ لِتَجَلِّي الاسمِ «البَاطِنِ»، فَبكَمالِ الانتِظام وَالتَّدبيرِ المُحَيِّرِ للِعُقُولِ، وَتَوزيع مَوَادِّ الحَياةِ إلى الأَعَضاءِ المُختَلِفَةِ بِكَمالِ الانتِظامِ، كأنَّ باطِنَ تِلكَ الشَّجَرَةِ ماكِينَةٌ خَارِقَةٌ في غَايَةِ الانتَظامِ وَالاتِّـزَانِ. فَكَما أنَّ أوَّلَها تَعرِفَةٌ عَجيبَةٌ، وآخِرَها فِهرِستَةٌ خارِقَةٌ يشيرانِ إلى «الإِمامِ المُبينِ».. كَذَلكَ إنَّ ظَاهِرَها كحُلَّةٍ عَجيبَةِ الصَنْعَةِ، وَباطِنَها كَمَاكينَةٍ في غَايَةِ الانتِظامِ، يشيرَانِ إلى «الكِتَابِ المُبينِ». فَكما أنَّ القُوَّاتِ الحَافِظاتِ في الإِنسانِ تُشيرُ إلى «اللَّوحِ المَحفُوظِ» وَتَدُلُّ عَلَيهِ، كَذلِكَ إنَّ النَّوَاتاتِ الأَصليَّةَ وَالثَّمَراتِ تُشيرَانِ في كُلِّ شَجَرةٍ إلى «الإِمامِ المُبينِ»، وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ يَرمُزَانِ إلى «الكِتَابِ المُبينِ». فَقِسْ عَلى هذِهِ الشَّجَرَةِ الجُزئِيَّةِ شَجَرَةَ الأَرضِ بِمَاضِيها وَمُستَقبَلِها، وَشَجَرةَ الكَائِناتِ بِأَوائِلِها وَآتِيها، وَشَجَرةَ الإِنسانِ بِأجْدَادِها وَأنسَالِها. وَهَكذا جَلَّ جَلالُ خالِقِها وَلا إلَهَ إلّا هو.. يا كَبيرُ أنتَ الَّذي لا تَهدِي العُقُولُ لِوَصفِ عَظَمَتِهِ، وَلا تَصِلُ الأَفْكَارُ إلى كُنْهِ جَبَرُوتِهِ.

المرتبة السابعة

جَلَّ جَلالُهُ، الله أكبرُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ قُدرَةً وَعِلما إذ هوالخَلّاقُ الفَتَّاحُ الفَعَّالُ العَلّامُ الوَهَّابُ الفَيَّاضُ،([5]) شَمسُ الأَزَلِ الَّذي: هذِهِ الكَائِناتُ بِأنواعِها وَمَوجُودَاتِها ظِلالُ أنوَارهِ، وَآثارُ أفعَالِهِ، وَألوانُ نُقوشِ أنواعِ تَجَلِّياتِ أسمائِهِ، وخُطُوطُ قَلَمِ قَضائِهِ وَقَدَرِهِ، وَمَرَايَا تَجَلِّياتِ صِفَاتِهِ وَجَمَالِهِ وَجَلالِهِ وَكَمالِهِ؛ بِإجمَاعِ الشَّاهِدِ الأزلي بِجَميعِ كُتُبِهِ وَصُحُفِهِ وآياتِهِ التَكْويِنيَّةِ والقُرآنيَّةِ، وبإجمَاعِ الأَرضِ مَعَ العَالَمِ بِافتِقَاراتِها وَاحتِيَاجاتِها في ذاتِها وَذَرَّاتِها مَعَ تَظاهُرِ الغِناءِ المُطلَقِ وَالثَّروَةِ المُطلَقَةِ عَلَيها؛ وبإجمَاعِ كُلِّ أهلِ الشُّهودِ مِنْ ذَوي الأَرواحِ النَّـيِّـرَةِ، وَالقُلوبِ المُنَوَّرَةِ، وَالعُقُولِ النُّورانيَّةِ مِنَ الأَنبِيَاءِ وَالأَولِيَاءِ والأَصفِيَاءِ بِجَميعِ تَحقيقَاتِهِمْ وَكُشُوفَاتِهِمْ وَفُيُوضاتِهِمْ وَمُنَاجَاتِهِم. قَدْ اتَّفَقَ الكُلُّ مِنهُم، وَمِنَ الأَرضِ وَالأَجرَامِ العُلويَّةِ وَالسُّفليَّةِ بِما لا يُحَدُّ مِنْ شَهادَاتِهِمُ القَطعيَّةِ وَتَصدِيقاتِهِمُ اليَـقينيَّةِ بِقُبولِ شَهَادَاتِ الآيَاتِ التَّكْوينيَّةِ والقُرآنيَّةِ وَشَهَادَاتِ الصُّحُفِ والكُتُبِ السَّماويَّةِ الَّتي هيَ شَهَادَةُ الوَاجِبِ الوُجُودِ عَلى أنَّ هذِهِ المَوجُودَاتِ: آثارُ قُدرَتِهِ ومكتوبات قَدَرِهِ وَمَرايا أسمائِهِ وَتَمَثُّلاتِ أنوَارِهِ.

جَلَّ جَلالُهُ وَلا إلَهَ إلّا هو..

* * *


[1] [هذه المرتبة الثالثة تأخذ بعين الاعتبار زهرة جزئية وحسناء جميلة، فالربيع الزاهر كتلك الزهرة والجنة العظيمة مثلها؛ إذ هما مظهران من مظاهر تلك المرتبة، كما أن العالم إنسان جميل وعظيم، وكذا الحور العين والروحانيات وجنس الحيوان وصنف الإنسان.. كل منها كأنه في هيئة إنسان جميل يعكس صفحاته هذه الأسماء التي تعكسها هذه المرتبة]. (المؤلف).

[2] [[حيث إن «لا إله إلّا هو» أعظم من العالم]].

[3] [لقد وضحت هذه المرتبة في ذيل الموقف الأول من «الكلمة الثانية والثلاثين» وفي المقام الثاني من «المكتوب العشرين»] (المؤلف).

[4] [لوكتبت هذه المرتبة السادسة كسائر المراتب لطالت جدا، لأن «الإمام المبين والكتاب المبين» لا يمكن بيانهما باختصار، وحيث إننا ذكرنا نبذة منهما في «الكلمة الثلاثين» فقد أجملنا هنا، إلّا أننا سردنا بعض الإيضاحات أثناء الدرس]. (المؤلف).

[5] [يمكن الانتقال إلى المسمى ذي الجلال والإكرام بالنظر بمنظار هذه الأسماء المباركة إلى مظاهر الأفعال والآثار الإلهية وراء هذه الموجودات ]. (المؤلف)