حتى بدت لهم شموس [1] المعرفة  رأوا مخدراتها [2] منكشفة

[1] التشبيه قياس والمقيس عليه حقه الوجود وما لهم إلا شمس. إلا أن الخيال الماضي حقيقة الآن. أو لأن السماء تلد من بطن كل ليلة شمسًا.([1])

[2] هذا التلون والاندماج في الأسلوب، يردد الذهن بين أن يتصور الرأس سماء تتلألأ نيراتها في مطالعها وبين أن يتصورها قصرًا تتشرف مخدراته من بروجه. إلا أن في جنان الجنان رقيبات لشموس العقل وأزاهيرها من نجومه.([2])

نحمده [1] جل على الإنعام  بنعمة الإيمان والإسلام

[1] كرره للإثبات بعد الثبوت، والإنشاءِ بعد الخبر، والعملِ بعد العلم. ولم يتكلم وحده، لأنه وإن كان واحدًا ليس وحده. بل معه طوائف أعضائه وقبائلُ أجزائه وجماعاتُ ذراته ذوات الوظائف والحياة. فلتضمين الحمد معنى الشكر العرفي الجامع تَكَلَّمَ مع الغير.([3])

اعلم

أيها الناظر لا بأس عليك أن تتلقى هذا المبحث مستقلا برأسه، لا شرحًا لهذه الجملة. فإن المناسبة ضعيفة لأن اليراع اجتذب اللجام من يدي فهرول حيث شاء. (سعيد).

إن الشخص مع أن روحه واحد، جسمُه جماعة. بل جماعاتٌ من ذوات الحياة، حتى إن كل حجيرة من حجيراته حيوان برأسه ذات خمس قوى حساسات.

فالشخص كصورة (يس) كُتب فيه سورة (يس) وشدة الحياة وقواها تتزايد بتصاغر الجرم معكوسًا. إن شئت وَازِنْ بين حواس الإنسان وبين حواسِ حُوينةٍ (أي ميقروسقوبية) تَر عجبًا. إذ ذلك الحيوان الصغير مع أنه لا يُرى إلّا بعد تكبير جسمه ألفَ دفعة يَرى رأسَ إصبعه ويسمع صوت رفيقه، وقس سائر حواسه وقواه. وأين للإنسان أن يرى إصبع ذلك الحيوان أو يسمع صوته. فبنسبة تصاغر المادة تشتد الحياة وتحد وتحتد وترق وتروق.

فهذا الحال يدل حدسا على أن الأصل الحاكم والمبدأ النافذ والمخلوق الأول هو الروح والحياة والقوة. وما المادة إلّا تصلبها أو زبدها.

فكما يَستخدِم روحٌ واحد جماعاتٍ من الماديات الحيوانية، جاز أن يستخدم روحٌ آخر أصغرَ الماديات. وإليه يستند فقط. فكما أن نواة في عالم التراب شيء صغير مع أنها في عالم الهواء نخلة عظيمة، كذلك تلك المادة الصغيرة ذات الحياة في عالم الشهادة تكون متسنبلة في عالم المثال والمعنى، بسبب استناد الروح إليها.([4])


[1] (التشبيه قياس) أي تشبيه المسائل بالشموس قياسها عليها، فيلزم من ذلك القياسِ وجودُ المقيس عليه وتعدده والحال أنه هنا واحد. فأجاب قائلا «إن الخيال الماضي» أي الشموس الآفلة الماضية في الزمان الماضي، المجتمعةَ بالتخيل في خزينة الخيال، كالحقيقة الموجودة. أو إن الشموس المستقبلة الموجودة في بطن السماء نظرًا إلى أنها تلد كل يومٍ واحدة والشموس كالموجودة الآن فلا إشكال.

[2] (هذا التلون والاندماج) أي التفنن في العبارة بتشبيه المسائل تارة بالشموس وأخرى بالمخدرات.. (يردد الذهن) أي مع استحسانه وتقديره إلى أن يتصور الرأس سماء مرة وقصرًا مرة أخرى. يتشرف من ذلك النيراتُ ومن هذا المخدراتُ مباهيا بهما.

    (إلا أن في جنان الجنان) يعنى كما أن المسائل شبهت بالشموس والمخدراتُ الرأسية لزم أيضًا تشبيهها بالأزاهير القلبية. إذ أزاهير القلوب رقيبات لشموس العقول في الفضل والشرف.

    فالتشبيه بواحدة دون الأخرى جاعل لذلك الأسلوب غير محبوب لذوي القلوب.

[3](1) (كرره.. الخ) حاصله: أن الحمد المذكور أولًا لاسمية الجملة هناك، كانت دالة على ثبوت الحمد والإخبار عنه والعلم به فكرره ثانيًا بالجملة الفعلية لتدل على الإثبات والإنشاء والعمل، وليكون الناظم الحامدُ بالذات مثبِتًا منشِئًا حامدًا، أي متكلما ومصدرًا للحمد بالفعل.

    (لأنه واحد ليس وحده) أي لأنه وإن كان منفردًا في حد ذاته، لكنه ليس منفردًا في فعل الحمد، بل معه طوائف كثيرة من أعضائه وأجزائه وذراته.

    (تكلم مع الغير) إشارة إلى أن الحمد هنا متضمن وعبارةٌ عن الشكر العرفي الذي هو عبارة عن صرف العبد جميع ما أنعم الله عليه إلى ما خلق له.

[4] أيها الناظر لا تقل لِمَ هذا التطويل الغير المناسب للمقام، فإن القلم قد يطغى فليكن مسألةٌ مِنْ (قزل إطناب) مسافرة في (قزل إيجاز) (س)