اعلم أن الدوام شمول الأزمان، ككل للأفراد. ويتضمن الموجهة لثلاث قضيات، وقد يكون المقصود أحدها. فينص عليها. وفي ما كان المراد القضية المستفادة من الجهة، يقال في موضع هذا ذاك دائمًا. «ما برح، ما انفكّ، ما زال، ما فتئ» ونظائرها وأمثالها في الدوام الذاتي… و«مادام» وما يرادفه في الدوام الوصفيّ.

ثم إن للدوام أقساما ثلاثة: الدوام الأزليّ.. ويدل عليه «أزلًا وأبدًا وسرمدًا، وفي القدم»، سواء كانت قصدًا أو قيدًا. وهذا الدوام لمّا كان أعمّ مطلقًا من أوّليتي الضروريات، ومن وجه من الباقيات: تقيد وتركب بنفي كل منها.

والدوام الذاتي: لما كان أعمّ مطلقًا من الثلاثة الأول من الضروريات والدوامِ الازلي، ومن وجه من بواقي الضروريات، يركّب مع نفي كلّ منها.

والدوام الوصفي: سواءً كان الوصف أيضًا دائمًا للذات، أو لا، أعمّ مما سبق.. يتركب مع نفي كلٍ منها سواء كان هو المصرّح أو قيده.

أما اللادوام، المتضمن للمطلقة العامة التي «الإطلاق» قيدها المرادف لـ«بالفعل»، إما غير منظور فيها إلى الوقت، وهي المطلقة العامة العامة. وإما منظور فيها للوقت، وهو إما معين أو مبهم؛ وكل منهما إما وصفيّ أو ذاتيّ. فالفرق بين وقت الضرورة ووقت المطلقة في التعبير؛ أن تقديم المطلقة على الوقتية علامة المطلقة. وتقديم الوقتية عليها علامة الضرورة. والفرق بين مركب الضرورة وبسيطها؛ أن اسم البسيط مركب مع المطلقة، والمركبة بسيط.

ثم إن للمطلقة «بأقسامها الخمسة» الأعمّ من كل ما سبق غير، بشرط المحمول والإمكان العام تحصل لها مركبات بعدد نفيها. ومن أشهرها: المقيدة باللادوام الذاتي المسماة بالوجودية اللادائمة.. وباللاضرورة الذاتية المسمّاة بالوجودية اللاضرورية.

فاعلم أن النسب في المنطق كبيت العنكبوت.. وبواسطتها تصطاد الصفات العالية التي لها تعلّق مهم لمقاصد المنطق، والتي كالأجناس للمتناسبات.

ومما يجب التنبيه له؛ أن الإمكان العام أعمّ من الضرورة، وهو([1]) نفي الضرورة. فأعميته باعتبار الجانب الموافق، وإلّا فنقيضه. وله([2]) بحسب الاستعمال نوعان: ناظر إلى الوجود، هو أعم من الواجب.. وناظر إلى العدم، هو أعمّ من الممتنع.

وأيضًا: إن القيود في تعاريف هذه الموجّهات؛ لا بشرط شيء، لا بشرط لاشيء أو بشرط شيء.. وإلّا لكان المنتشرة مباينة للوقتية. فالإبهام غير متعيّن للقيدية.

وأيضًا: كما أن القضية تنحرف عن طبيعتها باعتبار السور؛ كـ«الحيوانُ كلّ الإنسان». وقد تكون مهملتها في قوّة الجزئية أو الكلية؛ كذلك، الموجهة تنحرف عن طبيعتها والمهملة عن الجهة، قد تكون في قوة المشروطة أو العرفية؛ بحكمةِ: أن الحكم على المشتق أو ما في حكمه يدل على علّية مأخذ الاشتقاق، أو ظرفية للحكم.

وقد تلتبس مهملتها على الأذهان، التي بحسب الصورة من الضرورات الناشئة..

وبحسب الحقيقة من العرفية والمشروطة. وهي فيما تنقلب صورته النوعية حقيقة، أو حكمًا إلى غيره؛ كـ«الماءُ أثقل من الهواء». أو «الألف لا تتحرك». ومن هنا يقال: العرفية والمشروطة مع كون العنوان عين الذات، توجد بدون الدوام الذاتي والضرورة الذاتية.

اعلم أن الكلام الواحد قد يتضمن قضايا متعددّة، بالنظر إلى قيوداته؛ ففي أي قيد تمركز القيد، تأصل واستتبع أخواته.. فيتلوّن بأشكال متنوعه، حتى قد يستخدم ما كان مخدومه.

وللضبط وعدم الانتشار اختصر لنا القضايا والأشكال اختصارًا؛ ففي شكل من الموجهات المركبّة الكلية قد تشتبك أربعة أشكال في شكل، والنتيجة الواحدة تمتزج فيها أربعة نتائج، المستخرجة من ضمّ القضايا الضمنية من الصغرى إلى الكبرى أو توابعها. فمن هنا، قسمّوا الموجهة إلى المركبة أيضًا.

ثم إن الجهة والسور معينان، ليس بينهما ترتّب طبيعي كما في معاني علم المعاني، فكما يقدّم الجهة على السور؛ يتقدم هو عليها معنى، فتكون الجهة كيفيّة للقضية المستفادة من السور. فيكون الإطلاق بالنسبة إلى الزمان الماضي والحاضر.. والإمكانُ بالنسبة إلى زمان الاستقبال، وقس.. وقد يتوهم أن تقدم السور على الجهة، يستلزم الكل الإفرادي. وتأخره يفيد الكل الاجتماعي. وإمكان الشيء بحسب الأفراد مع قطعيته قد يتطرق الشك إليه بحسب الاجتماع. لأن كثيرًا ما يتولدّ المحال من اجتماع الممكنين.

ومما يدل على المشروطة الخاصة، والعرفية الخاصة، والوقتية والمنتشرة، بل المركبات مطلقًا المفهوم من المفهوم المخالف بأنواعه المعبّر في المقام الخطابي المكتفي بالظنّ، فيكون القضية بسيطة لفظًا، مركبة معنى. ولما لم يكتف أهل الاستدلال بالظن، اضطرّوا للتقييد والتركيب لفظًا.

[تنبيه: الضرورة تطلق عندهم… الخ]([3]) اعلم أن موضوعية الموضوع غير محموليته.. وغير محمولية المحمول والجهة كيفية للأول. فإن محمولية الواجب الأعمّ ليس بضرورية مع ضرورية القضية؛ كـ«الإنسانُ حيوان» وفي الخاصّة الفارقة موضوعيّتها ضرورية، دون محموليّتها.. كـ«الكاتبُ إنسان بالضرورة».

ثم فاعلم أن القضية كما تتركب باعتبار القيود المشهورة، كذلك تتركب وتتعدد باعتبار تعدد الموضوع أو المحمول لفظًا([4]) أو في حكمه([5]) وقيل أو معنى.. فإن كان الجزء جزئيًا، أو جزءًا محمولًا؛ كان قياسيًا. بسر أن المحمول المتعدد -كما ذكر- يستلزم حلّ جزئه عليه بالضرورة الوصفية، باعتبار كونه كلّا، وهو([6]) محمول على موضوع قضيّتنا. فأنتج بالشكل الأول التابع نتيجته إن كان الكبرى وصفيّة للصغرى في الجهة.. وهي([7]) أصل قضيتنا.

فالقضايا المستخرجة باعتبار تعدد المحمول توافق أصل القضية في الكم والكيف والجهة. وأما باعتبار تعدد الموضوع فتستخرج بصيرورة الموضوع الكلِ موضوعًا لجزئه([8]) بالبداهة.. وهو([9]) موضوع لمحمول القضية. فثبت بالشكل الثالث ثبوت المحمول للجزء بعضًا، وهو المطلوب.. إلا أن هذه توافق الأصل في الكيف فقط، دون الكم لأنه ولد الثالث.. ودون الجهة، لأن نتيجته تابعه للعكس. والعكس لا يحفظ الجهة بعينها.

اعلم أن الوجوب والإمكان والامتناعَ المضافة إلى الوجود، والعدم، ونقائضها كثيرا مّا تتبادل في المواضع.. بسر التلازم التعاكسىّ في بعضها. كنظير «زلزل».. من وجب وجوده وامتنع عدمه. ويمكن لا يجب ولا يمتنع. وغير تعاكسىّ، كما في بعض المنفيات؛ كـ«لا يجب وجوده ولا يمتنع عدمه».


[1] الواو للحال.

[2] أي الإمكان.

[3] كلنبوي ص23..

[4] كالقائمُ القاعد حيوان.

[5] كالزيدان قائمان.

[6] أي المحمول.

[7] أي الصغرى.

[8] كالقائمُ القاعد قاعد، والقائمُ القاعد حيوان.

[9] أي الموضوع.