فالمعقولات([1]) الثانية ليست عبارة عن المصطلحات المنطقية، فإنها ليست بشيء في الحقيقة. بل في كلّ منها نكتة أو نقطة خفية تشكّلت عليها حقيقتها الاعتبارية للتفهيم. وذلك، معنى وعرض للأمور الذهنية، كالمعاني الحاصلة للخارجيات بواسطة أوضاعها وكيفياتها.

مثلا: تخيّل على الجدار نقطة بيضاء، وعلى محيط دائرتها نقطًا بيضاء وحمراء! فانظر إليها كيف ترى؟ فإنك ترى نقطة عرضت له المركزية بسبب الدّائرة. فهي صفة من مقول الوضع، وتتصوّر بسبب موافقة بياضها لبياضها المشاكلة، وهي صفة من مقول الوضع والكيف. فإن كانت حمراء فلها صورة أخرى وصفة أخرى.

ونقطةً واحدة على جدار آخر، لها هذه المعاني والأعراض.

فماهية الإنسان في الخارج كالنقطة الواحدة وفي الذهن تعرّض لها نوع المركزية أو شبهها، وشبه المشاكلة.

فهذه معان تعرض في الذهن، تسنبل في خيال المنطقيين، فصيّروها حقائق، فوضعوا لها مع ما التّف بها مصطلحاتٍ، صيّروها موضوعاتِ المسائل، يُشار بها إلى تلك المعاني. والمصطلحاتُ كالمعاني الحرفيّة للمعقولات الأولى. وقد تصير كالاسم، فتصير طبايع فتعرض لنفسها كدود الحرير يخرج من ذاته ما يحيط به. وليس كعنوان الموضوع، فإن له دخلًا لا يذهب الحكم إلى الموضوع برأسه. بل يسلّم عليه، ثم يأذن له.([2]) أما المعقولات الثانية فيحرّك المحمول من جانب، حتى يقع على رأس الموضوع،([3]) فهو كـ«كل» في «كل إنسان» لا مفهوم «إنسان».([4])


[1] أي فإذا كانت اعتبارية فكيف تكون مدارًا للحقائق والأحوال. فالمعقولات.. الخ. (تقرير)

[2] في الوقوع على أفراده.

[3] أي أفراده.

[4] يعني أن جنس الإنسان ليس الجسم، والفصل ليس الروح. بل الثانيان مأخذ للأولين. يعني أن الجنس والفصل قد نشآ منهما. ثم توضّعا دفعة على الجسم (تقرير)