مقدمة:

اعلم أن بيان النسب من أهم مباحث المنطق. فإن أفراد المسائل متفرقة ومنتشرة تضمّنت فيما بينها وتبطنت في تلافيفها صورًا بتمديد خطوط النسب؛ كتحصيل الصور الاثنتى عشرية فيما بين نجوم المنطقة بتمديد الخطوط الوهمية الهندسية.. وكتحصيل القبائل والبطون والأفخاذ باعتبار نِسب النَّسب فتأمل!([1])

واعلم أيضًا أن المنطق بعضه بدهيّ وبعضه نظريّ يكتسب من بدهيّه. فتأمل في كل باب تَرَ السابق مقدّمة ومرجعًا لإثبات اللاحق.

[ثم الكلّيان إن كان بينهما تصادق([2]) في الواقع([3]) بالفعل([4]) كليًّا من الجانبين فمتساويان، وكذا نقيضاهما]، ففي كل باب يستفاد نظريّة من بدهيّه. فالكليتّان المتصادقتان في الواقع متساويتان بدهياّ. ومرجع المساواة صدق قضيّتين كلّيتين من الجانبين.

مثلًا: «كل إنسان ناطق، وكلّ ناطق إنسان».. وكذا نقيضاهما، مثل: «كل لا إنسان لا ناطق. وكل لا ناطق لا إنسان» هما أساسا التساوي. فصدقُ الأول من الثاني ثابت بكذب نقيضها؛ المستلزم المستلزم المستلزم المستلزم المستلزم المستلزم المستلزم.. لكذب البدهيّ وهو الثاني من الأول. وصدق الثاني من الثاني بكذب نقيضها اللاالمستلزم. كذا لكذب البدهيّ وهو الأول من الأول. فاللازم باطل والمطلوب حاصل…

[أو من أحد الجانبين فقط فأعم وأخصّ مطلقًا كالحيوان والإنسان ونقيضاهما بالعكس كاللاحيوان واللاإنسان] أي نقيضا الأعمّ والأخصّ بالعكس. يعني أن نقيض الأعمّ أخصّ، ونقيض الأخص أعمّ. أي تصدُق موجبةً كليّة موضوعها نقيض الأعمّ.. وسالبةً جزئية موضوعها نقيض الأخصّ. أي مثلًا: «كلّ لا حيوان لا إنسان» صادق.. وإلّا لصدّق نقيضه الملزوم لنقيض القضية الصادقة المسلّمة، وهو «كلّ إنسان حيوان»، وملزوم الكاذب كاذب. وأَيْ «ليس بعض اللا إنسان لاحيوان» وإلّا لصدق نقيضه، وهو: «كلّ لا إنسان لا حيوان» المستلزم بعكس النقيض لـ«كُلُّ حيوان إنسان» وهو نقيض للسالبة الصادقة، وهو «بعض الحيوان ليس بإنسان». ونقيض الصادق كاذب، فملزوم الكاذب كذا..

[أو تَفَارُقٌ دائم كليًّا من الجانبين، فمتباينان كليًّا.. كالإنسان والفرس، وكعين أحد المتساويين مع نقيض الآخر، وعينِ الأخص المطلق مع نقيض الأعمّ..

وبين نقيضهما مباينة جزئية، هي أعمّ من المباينة الكليّة، كما في نقيضي المتناقضين «كالإنسان واللاإنسان»، ومن العموم من وجه، كما في نقيضي المتضادّين (كالسّواد والبياض) وأمثالها، فبين النقيضين التباين الجزئي هو النسبة، لأنه الدائمي وهو كالجنس اللازم للتباين الكلي].. والعمومِ من وجه اللذَين يختص كلّ منهما ببعض الموادّ.

والتباينُ الجزئي، مرجعه سالبتان جزئيّتان. أما صدقهما، فلمناقضة عكس نقيض نقيضيهما للقضيتين الصّادقتين في العينين.. مثل بعض اللاإنسان ليس بلا فرس؛ وإلّا فكل لا إنسان لا فرس. وهو ينعكس بعكس النقيض إلى «كلّ فرس إنسان»، وهي ضدّ لـ«لاشيءَ من الفرس بإنسان». وقس عليه أخاه.([5])

فثبت بالخلف التباين الجزئي. وأما عدم صدق التباين الكليّ والعموم من وجه، فبالتخلّف. لأنه لا يوجد في موادّه. وبالعكس. وقس على هذا، نقيض العموم والخصوص من وجهٍ.. والشخصيةُ في قوة الكلية.

[وإن لم يكن بينهما تصادقٌ، ولا تفارق كليان، بل جزئيان من الجانبين. فأعم وأخصّ من وجه.([6]) وبين نقيضيهما مباينة جزئية، هي أعمّ أيضًا. إذ بين نقيضَيْ مثل الحيوان واللاإنسان مباينة كليّة. وبين نقيضَيْ مثل اللاإنسان والأبيض عموم من وجهٍ. والجزئي الحقيقي([7]) أخص مطلقًا من الكليّ الصادق عليه. ومباين لسائر الكليّات. وأما الجزئيان: فهما إما متباينان كزيد وعمرو.. وإما متساويان، كما إذا أشرنا إلى زيد بهذا الضاحك، وهذا الكاتب. فالهذيّتان متصادقتان متساويتان.. هذه هي النسب الأربع بحسب الصدق والحمل]


[1] إشارة إلى أنّ وجـه وسرّ تفاوت مراتب بعض العلماء على بعض، والكلام القديم على غيره من هذه النقطة.(تقرير)

[2] لا تفارق وتحقق.

[3] أي لا في تجويز العقل وبحسب المفهوم.

[4] أي مرجعه موجهة بالإطلاق لا بالدوام كما في المتباينين..

[5] وهو بعض اللافرس ليس بلا إنسان.

[6] كالإنسان والأبيض وكعين الأعمّ المطلق مع نقيض الأخصّ.

[7] قوله: «والجزئي الحقيقي.. الـخ» النسب فيه اثنان: إما العموم المطلق، ومرجعه شـخصية موضـوعها الجزئيّ، أو التباينُ ومرجعها شخصيّتان سالبتان. ونسب الجزئيتين أيضًا كذلك: إما التباين ومرجعها كما مرّ. أو التساوي ومرجعها شخصيّتان موجبتان. والحال أنّا قلنا: إن مرجع التساوي والتباين كليّتان والعموم المـطـلـق كلية مـع جزئيّتين. والجواب مقدم. وهو أن الشخصيّة في قوّة الكليّة بدليل أنّها تكون صغرى الشكل الأوّل. (تقرير)