أجيب: بأن الحيثية للإطلاق تتضمن علّية الاحتياج باعتبار الذات لا الصفة الإضافية فقط.

ثم الدال مفرد، إن لم يقصد بجزئه دلالةٌ على جزء معناه المقصود، وإلّا فمركب.

ولأن المفرد عدمي يوجد بعدم جزء من الأجزاء. فعدم الأخص([1]) وهو القصد يعمّ.([2])

والمركب وجودي يتوقف على وجود جميع الأجزاء. فلهذا كان للمركب فرد، وللمفرد أفراد([3]) ومن هنا([4]) يقال: «التخريب أسهل من التعمير».([5])

ثم إن المفرد اسم، وكلمة، وأداة. إذ منبع الوجود([6]) ذات وحركة([7]) ونسبة. فالذي يحكى عن الذات اسم، والذي يخبر عن الحركة فعل، والذي ينبئ عن النسبة حرف. وقد تتولد الحركة من الذات والنسبة. كما منهما الذات. وما يقع في الجواب([8]) منها مستقل وما لا غيره.

ثم إن حقائق الثلاثة متخالفة بالذات، متشابهة في التعبير. فالاستعانة تحت «الباء» وفي «أستعين». ومن الاستعانة كالهواء والماء والجمد. أو كالماء والتراب والحجر. وإن من المعاني الحرفية ما لا وطن لها، بل كالسيّاح السَّرْسَرِيّ الطفيلي([9]) يتداخل في طيارات أخويه، وقد يتشربانه.([10]) فإن عصرتهما تقطّر([11]) بل تقطرت.([12])

فإن قيل: إن الحرف جسم لطيف هوائي، لا يقدر أن يأخذ معناه.([13]) إذا أدلى دَلوَهُ([14]) رجع يابسًا([15]) فيكون عاجزًا عن الإدلاء والدلالة؟


[1] فلزم أن يكون له تعاريف، وهو غير حسن. بل لابد من تعريف واحد، وهو لا يحصل إلّا بعدم الأخص.

[2] أي يعم نقيض سائر القيود لأن نقيض الأخصّ أعم من نقيض الأعم والأخصّ كالأخوين يقتسمان الأشياء بينهما فما نقص من حصّة واحد زاد بقدره من حصّة الآخر وما ضاق من واحد اتّسع الآخر مثلا الإنسان أخصّ من الحيوان. (تقرير)

[3] ستة واقعًا.. وواحدًا وثلاثين عقلًا.

[4] هذه النكتة.

[5] يعني أن فطرة كل إنسان وخلقته مائلة إلى الرياء وإراءة نفسه الخلقَ، وحريص عليه يطلبه من ما أمكن. ولشدة حرص بعض إياه. وأن التخريب اسهل لكثرة طرقه، إذ يوجد بعدم كل جزء يُرى نفسه بذلك، وإن لم يكن وصفًا حسنًا. والبعض صاحب الثروة يُرى بالتعمير. فاسمع واعمل به فإنه درس الأخلاق. (تقرير)

[6] وفي لسان الحكمة؛ صلب ومايع وهوائي.

[7] أي صفة.

[8] أي الاستفهام.

[9] هو الذي يتبع المدعوين بدون دعاء الداعي. كأننا ندعو ألفاظًا مخصوصين بمعانيها. وتلك المعاني الحرفية تتبعها بغير دعائنا. (تقرير)

[10] أي الفعل والاسم تلك المعاني.

[11] أي معنى كأن تضمن قصيدة واحدة تحسّرًا أوتمدّحًا مثلًا. (تقرير)

[12] أي معانٍ.

[13] مع أنه من الدوال اللفظي الوضعي.

[14] في قليب القلب.

[15] أي بدون معنىً.