89

الجريمة التاسعة:

شاهدتُ الحركةَ المروِّعة التي جرتْ في يوم الحادي والثلاثين من مارت، شاهدتُها عن كثبٍ مدةَ دقيقتين أو ثلاثًا، وسمِعتُ العديد من المطالب، فكما أن ألوان الطيف السبعة إذا دُوِّرَتْ بسرعةٍ لم يُرَ منها سوى اللون الأبيض، كذلك لم يَستَبِنْ من بين تلك المطالب المختلفة سوى لفظ «الشريعة» التي تقلِّل الفساد من ألْفٍ إلى واحد، وتنقِذ العوام من الفوضى، وتحافظ بشكلٍ معجِزٍ على السياسة العامة من أن تكون ألعوبةً بيد الأفراد؛ فأدركتُ أن الأوضاع سيئة، وأن الطاعة مختلَّة، وأن النصيحة غير مُجْدية، وإلا فلقد كنتُ أريد أن أسعى لإطفاء تلك النار كما كنت أفعل سابقًا، ولكن العوامَّ كُثْر، وأبناء بلدي بُسطاء سُذَّج، وأنا أظهر بمظهر الشهرة الكاذبة، فانسحبتُ من ذلك المكان بعد ثلاث دقائق، مخافةَ أن يراني هناك أحدٌ يعرفني فيشترك في الحدَث، وتوجَّهتُ إلى «باقر كُوْي»، وأوصيتُ كلَّ مَن لَقِيتُه بألا يتدخل.

فلو كنتُ تدخلت مقدار ذرة، لظهرتُ شخصًا عظيمَ الأهمية في هذا الحدث، فقد كان لباسي يدلُّ علي، وتُبرِزني أمام الجميع شهرةٌ لا أريدها؛ ولعلي حينئذٍ كنتُ سأثبتُ وجودي فأواجه جيشَ الحركة -ولو بمفردي- وصولًا إلى «أياستافونوس»، وإذًا لمِتُّ مِيْتةَ الأبطال، وكان تدخُّلي أمرًا بديهيًّا بحيث لا تبقى حاجةٌ للتحقيق.

ثم إني في اليوم التالي استفسرتُ عن الطاعة العسكرية التي هي رِباطُ حياتنا، فقالوا لي: إن الضباط قد شاركوا في الحادثة مُرْتَدين زيَّ الجنود، ولهذا لم تختلَّ الطاعة كثيرًا.