90

فسألتُ: كم ضابطًا قَضَوا؟ فضلَّلوني وقالوا: أربعة ضباط فقط، وقد كانوا مستبدين، على أن حدود الشريعة وآدابها ستُنَفَّذ.

ثم اطَّلعتُ على الصُّحُف، فوجدتها تُصوِّر ما جرى على أنه فعلٌ مشروع، وقد فرحتُ لذلك من جهةٍ ما، لأن أقدس مقصدٍ لي هو التطبيق الكامل لأحكام الشريعة، ولكن أصابني الإحباط وانتابني الأسى لوجود الخلل في الطاعة العسكرية، فنشرتُ في جميع الصُّحُف خطابًا للجنود قلتُ لهم فيه:

«أيها الجنود.. إن كان ضباطكم يظلمون أنفسهم بارتكابِ سيئةٍ واحدة، فإنكم بعصيانكم تظلمون ثلاثين مليون عثمانيٍّ وثلاثمئةَ مليون مسلم بعضَ حقوقهم؛ لأن راية التوحيد والسعادة والعزة لعموم العثمانيين والمسلمين في هذا الزمان إنما تقوم في جانبٍ منها على طاعتكم؛ ثم إنكم تطالبون بالشريعة من جهة، وتخالفونها بالعصيان من جهةٍ أخرى!!».

ثم قدَّرتُ حركتهم وشجاعتَهم، ذلك أن الصُّحُف -وهي الترجمان الكاذب للرأي العام- قد صوَّرتْ لنا حركتهم على أنها أمرٌ مشروع؛ وقد لقيتْ نصيحتي هذه التقدير وكان لها أثرُها، وهدأَ العصيانُ نوعًا ما، ولم يكن ذلك بالأمر الهيِّن.

إنني رجلٌ دخلَ فعلًا مشفى الأمراض العقلية، لكنني لم أقل: «وما شأني بهذا؟ فليفكر العقلاء في هذه الأمور»، إذًا لقد ارتكبتُ جريمة.

الجريمة العاشرة:

ذهبتُ بصحبةِ العلماء يومَ الجمعة إلى الجنود الموجودين تحت إشراف وزارة الحربية، وخاطبتُهم خطابًا بالغَ التأثير، فآتَتْ نصيحتي أُكُلَها بعد حين، حتى لقد تراجعتْ ثماني كتائب منهم عن تمرُّدها ودخلتْ في الطاعة، وكان من خِطابي لهم
أنْ قلتُ: