93

فأنا ابن حمَّال، ارتكبتُ جريمةً كبرى لأنني لم أتنصَّل من هذا الوصف، ولم أخرج من حالة الفقر، ولم أركنْ إلى الدنيا مع أنها فتحت لي أبوابها، ولأنني أيضًا تركتُ أحبَّ البلاد إليَّ في ذرى جبال الولايات الشرقية، وتدخَّلتُ لأجل الرعيَّة في أمورٍ عادتْ عليَّ بالزجِّ في سجنٍ مريرٍ زمانَ المَشْرُوطِيّة، وبالتوقيف والإيداع في مشفى المجانين؛ بلى، كانت هذه جريمةً كبرى ارتكبتُها فأُحِلتُ إلى هذه المحكمة الرهيبة.

نصف الجريمة:

وهي أنني خاطبتُ السلطان السابق المرحوم حضرة عبد الحميد خان عبر الصُّحُف، تَوَقِّيًا لفوات الخلافة -مركزِ دائرة الإسلام ورابطتِه- من يده؛ وظنًّا مني أنه قد أدرك ما لديه من جوانب الخلل الاجتماعية وندم عليها، وأنه على استعدادٍ لتقبل النصيحة؛ وأخذًا بالقاعدةِ التي نَصَّتْ عليها الآية الكريمة: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ [النساء:128]؛ وظنًّا مني أن الحادثة التي وقعتْ وكانت بذرةَ انفعالاتٍ كثيرة ومبدأَ أغراضٍ شتى كانت ستقع بأفضل شكل؛ فقلت له:

اجعل النجمة [يَقصد قصر السلطان عبد الحميد المعروف بـ«قصر يِلْدِز»، وكلمة «يِلْدِز» تعني النجمة؛ هـ ت] المنخسفة دارًا للعلوم حتى يعلوَ قدرُها فوق الثريا؛ وعيِّن فيها بدلًا من السُّيّاحِ والزبانيةِ أهلَ الحقيقة الذين هم ملائكةُ رحمةٍ لتكون أشبه بالجنة؛ وأعِدْ إلى الرعيَّة الثروةَ التي أهدتكَ إياها في قصر يلدز بصرفِها في بناء جامعاتٍ علميَّةٍ دينيةٍ كبرى تعالِج بها جهلَها الذي هو داؤها الوبيل، واعتمِدْ على مروءة الرعيَّة ومحبَّتِها، فهي المتكفِّلة بإدارتك السلطانية.

عليك بعد هذا العمر أن تهتم بالآخرة فحسب، اترك الدنيا قبل أن تتركك، واصرف زكاة عمرك في سبيل عمرك الثاني.