81

الجريمة الأولى:

أَرسلتُ في العام الماضي، مع بداية إعلان الحرية، حوالي ستين برقيةً إلى العشائر في المناطق الشرقية عن طريق ديوان رئاسة الوزراء، وكان مضمونها ما يلي:

إن مسألة المَشْرُوطِيّة والدستور التي سمعتم بها إنما هي عبارةٌ عن عدالةٍ حقيقيةٍ وشورى شرعية، فتلقَّوها بقبولٍ حسن، واجتهِدوا في المحافظة عليها؛ لأن سعادتنا الدنيوية تكمن في المَشْرُوطِيّة، ونحن أشدُّ الناس تضرُّرًا من الاستبداد.

وقد ورد الجواب على هذه البرقية من كل مكانٍ بالإيجاب والاستحسان.

فبما أنني نبَّهتُ الولايات الشرقية ولم أتركها غافلةً ليَستغلَّ غفلتَها استبدادٌ آخَرُ جديدٌ، إذًا فقد ارتكبتُ جريمة؛ لأني لم أقل: «وما شأني؟»، ولأجل هذا أُحاكَم.

الجريمة الثانية:

أوضحتُ لعمومِ العلماء وطلابِ العلم الصِّلةَ الحقيقيَّةَ بين الشريعة وبين ما يسمَّى المَشْرُوطِيّة، وفصَّلتُها لهم عبر خُطَبٍ عديدةٍ في مساجد «أيا صوفيا» و«بايزيد» و«الفاتح» و«السليمانية»، وبيَّنتُ لهم أن لا علاقة بين الشريعة وبين الاستبداد المتسلِّط، وقلتُ لهم بهذا الخصوص: لقد جاءت الشريعة لتمحو الاستبداد والتسلُّط الجائر مصداقًا للحديث: «سيدُ القوم خادمُهم». [أخرجه مرفوعًا البيهقيُّ في «الشُّعَب»، وأبو نُعَيم في «الحِلية»، والديلمي في مسنده، والخطيب وابن عساكر في تاريخَيهما، وأبو عبد الرحمن السُّلَمي في «آداب الصحبة»، وغيرهم، وأسانيده لا تخلو من ضعف، لكن أفاد العجلوني في «كشف الخفاء» بأنه حسنٌ لغيره لتعدُّد طرقه؛ هـ ت]

فإن كان لأحدٍ اعتراضٌ على كلمةٍ في خُطبةٍ من تلك الخُطَب التي ألقيتُها، فإني مستعدٌّ لإثباتِ ما قلتُ بالبرهان.

وقلت: إن المسلك الحقيقي للشريعة هو حقيقةُ المَشْرُوطِيّة المشروعة؛ أي إنني