56
مُلَّا سعيد.. اذهب إلى «مصطفى باشا» رئيسِ عشيرة «مِيْران»، فادعُه إلى طريق الهداية، ومُرْه أن يُقلِع عن ظُلمه، وأوصِه بالمواظبة على الصلاة والأمرِ بالمعروف، فإن لم يستجب فاقتله [كان السلطان عبد الحميد الثاني قد أنشأ قواتٍ مسلحةً تسمى «الأفواج الحميدية»، وأوكل إليها مهمة حماية الحدود الشرقية للدولة العثمانية من عصابات الأرمن التي شرعتْ تفتك بالناس هناك تمهيدًا لإقامة دولة أرمينية مستقلة، وكان «مصطفى باشا» المذكور زعيمَ أحد العشائر الكردية في شرقيِّ الأناضول، وقد نال رتبة الباشوية بتولِّيه قيادة ثلاثٍ من الفِرَق الحميدية، إلا أنه أساء استخدام الصلاحيات الممنوحة له، وأفسد وظلم وتجاوز الحد حتى اشتهر بذلك؛ هـ ت].
فتجهَّز المُلَّا سعيد من فوره، وتوجَّه من «تِلُّو» صوبَ مضاربِ عشيرة «مِيْران»، حتى بلغ خيمة «مصطفى باشا»، فدخلَها فلم يجده، فجلس فيها يستريح قليلًا إلى أن جاء الرجل ودخل الخيمةَ، فقام جميعُ مَن فيها إلا سعيدًا، لم يبرحْ مكانه، فأثار ذلك انتباه «مصطفى باشا» والتفت إلى «فتَّاح بك» أحدِ وجهاء العشيرة وسأله عنه، فأجابه بأنه المُلَّا سعيد المشهور، فانزعج «مصطفى باشا» إذْ لم يكن ينشرح للعلماء أصلًا، إلا أنه كتم انزعاجَه وسأله: ما مجيئُك إلى هنا؟
فأجابه المُلَّا سعيد: جئتُ أدعوك إلى طريق الهداية، فإما أن تُقلِع عن الظلم وتقيم الصلاة، وإلا قتلتُك.
فاندفع الباشا خارج الخيمة مُغْضَبًا، وتجوَّل حولَها قليلًا، ثم عاد فسأله ثانيةً: لِمَ أتيتَ؟
فأجاب المُلَّا سعيد: ألم أقل لك؟! جئتُ لأجل ما قلتُ.
فأشار «مصطفى باشا» إلى سيفِ المُلَّا سعيد المعلَّق بعمود الخيمة قائلًا: أبهذا السيفِ الكَلِيْل؟!
فقال له المُلَّا سعيد: اليد هي التي تَقطع لا السيف.