62
وشرع المُلَّا سعيد بحفظِ القرآن الكريم غيبًا فكان يحفظ منه في اليوم جزءًا أو جزءيْن، حتى حفظ قدرًا كبيرًا منه، لكن لم يتيسَّر له إتمامه لسانحتَيْن أُخطِرتا على قلبه: إحداهما أن قراءَة القرآن بسرعةٍ زائدةٍ أمرٌ ينافي مراعاة حرمته؛ والأخرى أن معرفةَ حقائقه ألزَمُ من حفظه؛ ولهذا حَفِظ في عامين أربعين رسالةً من الرسائل التي تدور حول الحكمة والعلوم الإسلامية، لتكون فيما بعدُ مفتاحًا لحقائق القرآن، ولتَصُدَّ الشبهاتِ وتحفظَ منها.
وشرع بحفظِ كتاب «المِرْقاة» [«مرقاة الوصول إلى علم الأصول»، لمحمد بن فَراموز بن علي الحنفي، المعروف بمُلَّا خسرو، ت 885 هـ؛ هـ ت] لكن بغير شرحٍ ولا حاشية، ثم قابلَ بين فَهمِه وبين ما جاء في شرح الكتاب وحاشيته، فوجدهما متوافقَين في جميع المسائل، عدا ثلاث كلماتٍ لقي توجيهُه لها استحسانَ العلماء.
وذات يومٍ أخبره شخصٌ كذِبًا أن الشيخ «محمدًا الكُفْرَوِيَّ» أحدَ علماء «بِتْليس» يدعو عليه بسوء، فذهب إليه زائرًا، فاستقبله الشيخ بحفاوة، وحضر المُلَّا سعيدٌ درسَه تبرُّكًا، وكان هذا آخرَ درسٍ تلقَّاه من الشيوخ في حياته.
وفي إحدى الليالي رأى في المنام الشيخَ «محمدًا الكُفْرَوِيَّ» يقول له: مُلَّا سعيد.. تعالَ زُرْني فإنني راحل؛ فلبَّى المُلَّا سعيدٌ طلبَ الشيخ من فوره وهو في المنام، وذهب لزيارته فوجده يطير، فانتبه من نومه ونظر إلى الساعة فوجدها السابعةَ ليلًا [بحسب التوقيت الغروبي، وهو ما يساوي منتصف الليل أو بعده بقليل؛ هـ ت]، فعاد إلى النوم ثانيةً، وما إن طلع الصباح حتى سمع صوتَ المأتم يتعالى من بيت الشيخ، فذهب إلى هناك فأُخبِر أن الشيخ قد توفي الساعةَ السابعةَ ليلًا، فرجع حزينًا يردِّد: إنا لله وإنا إليه راجعون؛ رحمةُ الله عليه؛ آمين.

***