64
وخلال مدَّة إقامته في «وان» اتَّبع بديعُ الزمان منهجًا خاصًّا في التعليم، جمَعَ فيه بين مقررات التدريس الدينيِّ والعلميِّ التي خَبَرَها، وبين الأفكار والمطالعات التي حصَّلها حتى ذلك الحين، مع أخْذِهِ بعين الاعتبار حاجاتِ العصر الضرورية؛ وهو منهجٌ يثقِّف الطلبةَ تثقيفًا عاليًا، إذْ يُقرِّر الحقائقَ الدينية ويوضِّحها بأحدث أسلوبٍ يناسب أفهام العصر.
وطَوالَ مدة وجوده في «وان» كان المُلَّا سعيد يتحلى بصفاتٍ ومزايا تخالف المعهودَ من حال العلماء في تلك الأماكن [وقد دام على هذه الحال طَوالَ الثمانين سنةً من حياته؛ المُعِدّون]؛ فمن ذلك أنه لم يأخذ من أحدٍ مالًا على سبيل الهديَّة، بل لم يقبلْ حتى الراتب؛ أجل، فعلى الرغم من أنه عاش حياتَه لا يملك شيئًا من متاع الدنيا، وقضى عمره فقيرًا وحيدًا تحت وطأة مصائب شديدةٍ من سَجنٍ ونفيٍ متواصل، إلا أنه لم يَحْدُثْ أنْ أخذَ من أحدٍ مالًا أو هديَّةً دون مقابل، وهذا أمرٌ ثابتٌ بالمشاهدة.
ومن ذلك أنه لم يسألْ عالِمًا سؤالًا قط، بينما أجاب هو عن جميع ما سُئِل طَوالَ عشرين عامًا، وكان يقول بهذا الخصوص: أنا لا أُنكِر عِلْمَ العلماء، ولهذا فإن سؤالي إياهم فضول؛ لكنْ من كان في شكٍّ من علمي فليسألْني أُجبْه.
ومن ذلك أنه كان يمنع طلبتَه من أخذِ الزكوات والهدايا تمامًا كما كان يمنع نفسَه منها، وكان يحضُّهم على العمل ابتغاء رضوان الله تعالى وحدَه، حتى كان في كثيرٍ من الأحيان يتدبَّر أمورَ معايشهم بنفسه.
ومن ذلك تجرُّدُه الدائم وعدمُ تعلُّقِه بشيءٍ من علائق الدنيا، وفي ذلك يقول: ينبغي أن يكون جميعُ ما أملِكُه من الدنيا متاعًا يمكنني اصطحابه بِيَدِي متى شئتُ؛ وقد سُئِلَ مرَّةً عن سبب ذلك فقال: سيأتي زمانٌ يغبطني فيه الناس على حالي، على أن المال والثروة لا يحقِّقان لي أيَّةَ متعة، ولستُ أرى الدنيا إلا دارَ ضيافة.
وخلال إقامته في «وان»، كان لدى الوالي «طاهر باشا» كتبٌ علميةٌ مترجمةٌ عن اللغات الأوروبية، وكان يطالع فيها فيُعِدُّ منها أسئلةً ويطرحُها على المُلَّا سعيد، فيجيب