51
الدراويش ويرتدي زيَّ العلماء، فلم يُجبْه إلى طلبه، وقال له: أنا لم أبلغ الحُلُم بعدُ، فلا يليق بي أن أرتديَ زِيَّ عالِمٍ محترَم؛ وكيف لي أن أكون عالمًا وأنا ما زلتُ صبيًّا؟!
ثم توجَّه إلى «شِيْرْوان» حيث يقيم أخوه الأكبر «المُلَّا عبد الله»، وكان من الحوار الذي جرى بينهما في أول لقائهما أن سأله أخوه: لقد أنهيتُ من بعدك كتابَ «شرح الشمسية» [«الشمسية» متنٌ شهيرٌ في علم المنطق لنجم الدين عمر بن علي القزويني، ت 675 هـ، وله شروح كثيرةٌ أشهرُها شرح السعد التفتازاني، ت 792 هـ؛ هـ ت]، فماذا تدرس أنت؟
بديع الزمان: لقد درستُ ثمانين كتابًا.
المُلَّا عبد الله: ماذا تقصد؟!
المُلَّا سعيد: أتممتُ دراسةَ الكتب المقررة كلِّها، ودرستُ كتبًا كثيرةً سواها.
المُلَّا عبد الله: سأمتحنك إذًا!!
المُلَّا سعيد: أنا مستعد، سَلْ ما شئت.
فامتحنه، فوجد من كفاءته العلمية ما دفعه لأن يتخذه أستاذًا مع أنه هو نفسَه -أي المُلَّا سعيد- كان تلميذَه قبل ثمانية أشهر، وراح يقرأ عليه الدروس بعيدًا عن أعين الطلاب، وظل على هذه الحال لا يُشعِر بها أحدًا إلى أن شاهده الطلابُ ذات مرةٍ خِلسةً جالسًا يقرأ على أخيه الأصغر، فسألوه عن ذلك متعجِّبين، فموَّهَ عليهم مخافةَ أن تصيبَ أخاه العينُ، وقال لهم: إنني أدرِّسُه.
وبعد أن أقام مدةً عند أخيه «المُلَّاعبد الله» ذهب إلى «سِيْرْت» [مدينةٌ في شرقيِّ تركيا، عُرِفَت في التراث العربي باسم «أسعِرْد»؛ هـ ت] حيث مدرسة «المُلَّا فتح الله أفندي» الذي سأله: كنتَ في العام الماضي تَدرُس كتابَ «السيوطي» [يقصد كتابَه «البهجة المَرْضيَّة في شرح الألفية»، وهو من أفضل شروح ألفيَّة ابن مالك في النحو؛ هـ ت]، فهل تَدرُس في هذا العام كتابَ «المُلَّا جامي»؟ فأجابه: نعم، لقد أنهيتُ كتاب المُلَّا جامي.