32

التذكير بأن هذا الكتاب لم يُحَلْ في تأليفه وصياغته إلى أقلام الأدباء التي تجنح إلى مبالغاتٍ لا أساس لها، ولا إلى الآراء الشخصية للمحررين المنتمين إلى مسالك ومشارب مختلفة، بل بقي خالصًا من جميع ذلك لا تشوبه شائبة.

كما لا بد لنا من الاعتراف أيضًا بأننا لم نتمكن من تقديمِ بيانٍ وعبارةٍ وأسلوبٍ تليق بأوصاف رسائل النور المشرقة الساطعة، ولا بحياة سعيدٍ النُّورْسِيّ وأخلاقه التي هي من أولها إلى منتهاها شجاعةٌ فذَّةٌ وعِفَّةٌ ماثلة.

ولقد كان يمكن لخدمةٍ واحدةٍ من آلاف الخدمات الكُلِّية التي أدَّاها، أو لبطولةٍ فذَّةٍ وشجاعةٍ خارقةٍ أبداها في مرحلةٍ من مراحل حياته المتعددة، أو لأثرٍ واحدٍ من آثاره التي ألَّفها، أن تكون سببًا يدفعنا لإعدادِ سيرةٍ وافيةٍ عنه؛ فكيف وسيرتُه ملأى بما لا يُحصى من السجايا المتفردة، والأخلاق العالية، وعامرةٌ بالخدمةِ القرآنية، والشهامة الإيمانية، ومُكلَّلةٌ بمؤلفاتٍ قيِّمةٍ نفيسةٍ تبلغ المئة والثلاثين، وزاخرةٌ بخدمةٍ كليةٍ مؤثِّرةٍ لم تقتصر على مدينةٍ أو بلدٍ بعينه، بل امتدت لتشمل العالَم الإسلاميَّ والعالَم عامةً، ولا شك إذًا أن مَن كانت سيرتُه كما وصفنا لا يمكن أن يحيط بها كتابٌ كهذا.

كما أننا لم نستطع أن نُعرِّف بمسلك الأستاذ ومشربه وأحواله الخاصة، ولا بشخصيته التي جمعت الكثير والكثير من السجايا والخصال في شخصه وخدمته؛ إذ يَلزَم مقابلةُ كل واحدٍ من طلابه ومن قاموا على خدمته وعاينوا مختلف جوانب حياته عن كثب، والاستماعُ لكلِّ واحدٍ منهم على حدةٍ، حتى يمكن إعداد سيرةٍ عنه تتمتع بقدرٍ من التفصيل.

إنه سيتبين بمطالعة هذا الكتاب أن ثمَّة حقيقةً كبرى قد برزت على أرض الواقع، وأنها لَحقيقةٌ جديرةٌ بأن تُسجَّل وتُوثَّق لا من أجل الأناضول [تركيا] أو العالم الإسلامي فحسب، بل من أجل الإنسانية جمعاء، ولقد نالت هذه الحقيقة صفة العموم والشمول باشتراك شتى فئات الناس فيها، فأُطلق عليها اسم «خدمة رسائل النور الإيمانية»