37

لقد اضطر سعيد النُّورْسِيّ لصدِّ الهجمات الظالمة والافتراءات الباطلة التي شنها عليه أولئك الخصوم المذكورون آنفًا، فتحدَّث عن الإكرام الإلهي الذي نالتْه رسائل النور، وبيَّن القبول والعنايةَ الربَّانية التي حظيتْ بها خدمة الإيمان، كي يمنح طلابَ النور الضعفاءَ الفقراءَ القلائلَ قوةً معنويةً، وإمدادًا غيبيًّا، وتشجيعًا وثباتًا وصلابةً في مواجهة ما لا يُحَدُّ من المعارضين والأعداء الأقوياء الكثيرين.

وحسبُنا ما قاله بديعُ الزمان في إحدى رسائله المُدْرَجة في سيرته:

«أعترف بأنني لستُ أهلًا بأيِّ وجهٍ لأن أكون مظهرَ مؤلَّفاتٍ مقبولةٍ كهذه، إلا أن من شأن القدرة الإلهية ومن عادتها ومن الدليل على عَظَمَتها أن تخلق من بذرةٍ لا أهمية لها شجرةً عظيمةً كالجبل؛ وإنني أؤكد مُقسِمًا أنْ ليس لي مقصِدٌ من الثناء على رسائل النور سوى تأييدِ حقائق القرآن وأركان الإيمان وإثباتِها ونشرِها.

فالشكر لخالقي الرحيم شكرًا لا يتناهى أنْ وقاني الإعجابَ بنفسي، وأراني عيوبَها ونقائصَها، فلم يُبْقِ لي رغبةً في أن أثير إعجاب الآخرين بهذه النفس الأمَّارة.

وإن رجلًا ينتظر أجله عند باب القبر، مخلِّفًا الدنيا الفانية وراءَه، لن يكون تطلُّعه إليها تطلُّعَ رياءٍ إلا خسارةً مروِّعةً وحماقةً تدعو للرثاء.

إنني بهذه الحالة الروحية أُظهِر مزايا رسائل النور التي هي محضُ ترجمانٍ للحقائق الإيمانية.. أُظهِرها باعتبارها بضاعةً للقرآن الكريم، فليست الحقائق والكمالات التي في رسائل النور بضاعتي، بل هي بضاعةٌ للقرآن، ومنه ترشَّحَتْ.

وما دمت فانيًا راحلًا فلا يجوز ولا ينبغي أن يُناطَ بي كتابٌ أو أثرٌ باقٍ؛ أجل، فخواصُّ العنب اللذيذ لا تُتَحَرَّى في عيدانه اليابسة، وأنا بحكم عودٍ يابس» [«المكتوبات»، المكتوب الثامن والعشرون، المسألة السابعة؛ هـ ت.].