39

تُسْتَعرَضُ حياةُ الأستاذ إجمالًا وبالنظر إلى خدمته الكُلِّية ضمن مرحلتين بارزتين:

المرحلة الأولى: وفيها فصولٌ ومشاهد يُعَدُّ كل واحد منها حياةً بذاتها، بدءًا من ولادته ونشأته، ثم تحصيله العلمي، ثم إقامته في «وان»، ثم قدومه إلى اسطنبول، فحياته السياسية، ثم اشتراكه في الحرب العالمية الأولى، فوقوعه أسيرًا لدى الروس، ثم عضويته بدار الحكمة الإسلامية باسطنبول، فخدمته في القوى الوطنية هناك، ثم مجيئه إلى أنقرة ونشاطه في أول مجلسٍ نيابيٍّ فيها، ثم انسحابه بعد مدةٍ قصيرةٍ إلى «وان» للعزلة فيها.

وتُعَدُّ هذه المرحلة بكل أحداثها وفصولها التي استمرت حتى الخمسين من عمره، مقدمةً وإعدادًا للمرحلة التالية التي أدى فيها خدمته الكبرى الثانية: «خدمة الإيمان والقرآن».

المرحلة الثانية: وتبدأ بنفيه من «وان» شرقًا حيث كان منزويًا، إلى بلدة «بارلا» النائية الواقعة غربًا في ولاية «إسبارطة»، ووضعه تحت الإقامة الجبرية بها؛ وفي هذه المرحلة كان ظهور رسائل النور وانتشارها، والانخراطُ بها في خدمةٍ إيمانيةٍ وجهادٍ دينيٍّ معنويٍّ بمنتهى الإخلاص والتضحية والولاء، وبغاية الثبات والتيقُّظ والاقتصاد.

وقد تزامنت هذه المرحلة من حياته مع الحقبة التي انقرضت فيها الخلافة العثمانية نتيجة الحرب العالمية الأولى، وراحت الشيوعية التي اتخذت من محاربة الأديان السماوية أساسًا لها، وقضت على المدنية البشرية في عالم الإنسانية، تستولي على شطر المعمورة، وتنشر الرهبة في أرجاء الدنيا، وتهدد بلادنا وتُعرِّضها لخطر التدمير المعنوي.

إنها حقبةٌ تتطلب دراسةً فاحصةً، تتحلى بالتمحيص الدقيق والنظرة المنصفة تجاه أمةٍ بطلةٍ حملتْ راية القرآن ألف سنة، وخدمت الإسلام عبر العصور.

وكان الأستاذ قد ذكر عند تأليفه رسائل النور أن هذه المؤلفات هي لمعاتُ إعجازٍ للقرآن الكريم، وأنها ستعود بالفائدة والنفع على فئات الناس كلِّهم، وستقف سدًّا