30
وبناءً على هذه المقدمة الوجيزة يمكن فهْمُ الجانب الأدبي لمفكرٍ عظيمٍ كبديع الزمان، إذْ لم ينفق الأستاذ عمره المبارك الثمين في نظم الكلمات ورصْفِها لتبقى رنانةً في الأسماع؛ بل كان ذلك العبقريَّ الذي اشتغل بتلقين الأجيال والعصور الحِسَّ الديني والشعور الإيماني ومفاهيم الأخلاق والفضيلة، لتبقى عبر البشرية نموذجًا قدسيًّا حيًّا في القلوب والأرواح، وفي الوجدان والأفكار؛ وحقيقٌ بمجاهدٍ تخلَّى عن النَّفْس والنَّفيس في سبيل تحقُّق هذه الغاية العلوية أن يكون فطريَّ الأسلوب غيرَ منشغلٍ بالشكليّات الزائلة.
ومع هذا فإن الأستاذ من حيث رهافةُ الحس، ورِقَّةُ المشاعر، وعمقُ الفكر، واتساعُ الخيال وسموُّه، لَيُعَدُّ صاحبَ ملَكَةٍ وقدرةٍ أدبيةٍ فائقة؛ ولهذا السبب يختلف أسلوبه وتعبيره باختلاف الموضوع؛ ففي القضايا العلمية والفلسفية مثلًا، وفي معرِض إقناع العقل بالأدلة الرياضية والمنطقية، تجده يستعمل تراكيب شديدة الإيجاز؛ لكن عندما يَرومُ نشوةَ القلب وتحليقَ الرُّوح فالعباراتُ متلألئةٌ أدقُّ من أن تُعرَّف.
فمثلًا عندما يصوِّر عالم السماوات والشموس والنجوم والأقمار فضلًا عن عالم الربيع، وعندما يصوِّر تجليَ قدرة الله تعالى وعظَمَتِه في تلك العوالم يأخذ الأسلوب شكلًا بالغ اللطف، فيضعُك كلُّ تشبيهٍ أمام لوحةٍ غنَّاء تتزيا بأبهى الألوان؛ وترى في كلِّ تصويرٍ عالَمًا بديعًا ينبض بالحياة.
وانطلاقًا من هذا يستطيع طالب النور -وإنْ كان طالبًا جامعيًّا في أيِّ تخصُّصٍ كان- أن تُسبِغ مطالعتُه لرسائل النور الطمأنينةَ على أحاسيسه وفكره وروحه ووجدانه؛ وكيف لا يطمئن ورسائل النور باقةُ وردٍ من حديقة القرآن الكريم الواسعة سَعَةَ الكون!! وفي تلك الحديقة الإلهية المباركة عبيرٌ ونسيمٌ من الرحمن، وفيها نورُه وضياؤه!!
يقول خريرُ الماء: بالروحِ حاجةٌ لقرآنِ ربي دائمًا حاجةُ البشر

علي عُلْوي قوروجو