16
يُقال: إن أصدق معيارٍ يبيِّن حقيقةَ أيِّ مصلحٍ في بيئةٍ ما ويكشِف عن مدى صدقه وإخلاصه، هو التغيرات والفروقات التي تَظهر في حياته الشخصية والاجتماعية والروحية والمادية بعد نجاح دعوته، مقارَنةً بما كان عليه في أيامها الأولى.
فلْننظُر مثلًا في سيرة هذا الرجل في الأيام الأولى من دعوته: إنه رجلٌ متواضعٌ مَهيبٌ، مُؤْثِرٌ على نفسه مُضَحٍّ متفانٍ، مضرِبُ المثل في الجدِّيّة والنقاء والخُلُق والفضيلة، إنه باختصار شخصيةٌ في أعلى درجات التميز والطُّهر.
ثم لْننظُر في سيرته بعد أنِ انتصر في جهاده، وتبوَّأ المكانة المرموقةَ في القلوب والأرواح والمشاعر، هل سيَبقى نقيًّا وأنموذجًا يُحتذى كما عَهِدناه؟ أم يُصبِح كآخرين كُثْرٍ، أخذتْهم نشوة الانتصار، وحَسِبوا أنفسهم عظماء، فلم تعُد تسعُهم أرضٌ ولا سماء!!
أجل، إن هذا هو أجلى مرآةٍ تعكس شخصيةَ صاحبِ أيَّةِ دعوة، وتُجلِّي هُويَّتَه بأوضح صورة، وتُفصِح عن حقيقةِ دعوته وماهيَّتِها صغيرةً كانت أو كبيرة.
وعلى مرِّ التاريخ كان الأنبياء عليهم السلام هم مَن حازوا قصَب السبق في ميدان هذا الامتحان الشاق، لا سيما إمامُهم سيدنا محمد (ص)؛ ثم خلفاؤه وأصحابه الكرام، ثم من سار على ذلك الدرب النيِّر من الشخصيات العظيمة.

***

ويبيِّن الرسول الأكرم (ص) ببلاغته المعجِزة في حديثه الشريف: «العلماء ورثة الأنبياء» [أخرجه الترمذي في كتاب العلم، باب فضل الفقه على العبادة؛ وأبو داود في كتاب العلم، باب فضل العلم؛ وصححه ابن حبان برقم 88؛ هـ ت.] أن شأن العالِم ليس بالأمر الهيِّن، إذْ يلزَم مَن كان مِن ورثة الأنبياء أن يتَّبع الطريق الذي سلكوه في تبليغ الحق والحقيقة ونشرهما، مهما كان في هذا الطريق من مشاقَّ وعقباتٍ ومهاوٍ؛ بل ما هو أسوأ من ذلك: ملاحقاتٌ وتوقيف.. ومحاكماتٌ