77

وأخيرًا وقعت «حادثة 31 مارت» المشؤومة، [وقعت الحادثة بتاريخ الحادي والثلاثين من مارت من العام 1325 رومي، وتوافق الثالث عشر من نيسان/أبريل 1909م، وهي حادثةُ تمرُّدٍ وعصيانٍ عسكريٍّ أعلنتْه ثماني فرقٍ عسكريةٍ تَتْبع في ولائها السلطانَ عبدَ الحميد، ووقع على إثر ذلك هرجٌ ومرجٌ قُتِلَ فيه بعض الضباط ورجال الحكومة، وأعلنتْ جموعٌ من الناس مناهضتها لحكومة الاتحاد والترقي المستوليةِ حديثًا على مقاليد الأمور، ورفضوا سياستَها التي تستفز المشاعر الدينية وتُصفِّي المعارضين؛ وقد استدعت جمعية الاتحاد والترقي «جيشَ الحركة» الموالي لها من «سلانيك» لقمع هذه الأحداث ونجحتْ في ذلك؛ هـ ت]ْ وكان من نتائجها إعدام خمسةَ عشرَ عالِمًا وردتْ أسماؤهم بأنهم كانوا من المطالِبين بالشريعة في تلك الحادثة؛ كما أُجريتْ محاكمةٌ لبديع الزمان في حينها، وكان -وهو في أثناء محاكمته- يشاهِد أولئك العلماء الخمسة عشر معلَّقين على أعواد المشانق في حديقة المحكمة حين استجوبه رئيسها «خورشيد باشا» قائلًا: وأنت أيضًا تطالب بتطبيق الشريعة؟!

فأجابه بديع الزمان: «إنني على استعدادٍ لأنْ أقدِّم ألف روحٍ لي -لو وُجِدَتْ- فداءً لحقيقةٍ واحدةٍ من حقائق الشريعة، لأن الشريعة هي سبب السعادة، وهي العدالة المحضة، وهي الفضيلة، غير أني لا أطالب بها كما يطالب المتمرِّدون».

وبينما كان يَنتظر أن تُصْدِر المحكمة حكمَ الإعدام بحقِّه إذْ حَكَمتْ ببراءته، فغادرها دون أن يتقدَّم لها بشكر، وسار من منطقة بايزيد -حيث مقرُّ المحكمة- إلى منطقة السلطان أحمد يتقدَّم حشدًا من الناس وهو يردِّد: (عاشَت جهنم للظالمين.. عاشَت جهنم للظالمين).

كان لبديع الزمان في تلك المحكمة العسكرية الرهيبة دفاعٌ بُطوليٌّ طُبِع ونُشِر مرتين في تلك الآونة، وقد أدرجنا في هذه السيرة جزءًا منه حتى يتبيَّن الوجهُ الحقيقيُّ لـ«حادثة الحادي والثلاثين من مارت»، والدفاعُ البطولي لبديع الزمان.