108

ولو فرضنا على سبيل المُحال أنهم -لا سمح الله- مزَّقونا وقتلونا، فكونوا على ثقةٍ أننا سنُقْتَل عشرين، وسَنُرَدُّ إلى الحياة ثلاثَمئةٍ، ننفض عن رؤوسنا غبارَ الرذائل والاختلاف، ونغدو في مقدِّمةِ قافلةِ بني البشر، نَقودُها متَّحدين منوَّرين نورًا حقيقيًّا؛ فلا تخشَوا موتًا يُنتِجُ حياةً تكون الأشدَّ والأقوى والأبقى؛ وإن مُتْنا فسيبقى الإسلام سليمًا أيضًا؛ فلْتَسْلَمِ الأمة المقدَّسة.

س: كيف نتساوى مع غير المسلمين؟!

ج: المساواة ليست في الفضيلة والشرف، بل في الحقوق؛ فالسُّلطان وسُوْقَةُ الناسِ في الحقوق سواءٌ.

أرأيتم شريعةً قالت: لا تطأْ نملةً وأنتَ تعلم، ومنعتْ من تعذيبها؛ كيف تُهمل حقوق بني آدم؟! كلَّا.. لكننا نحن الذين لمْ نَمْتثل لها.

بلى، إني لأظنُّ أن محاكمةَ الإمام عليٍّ رضي الله عنه مع يهوديٍّ من العامَّة، ومرافعةَ مدارِ فخركم صلاحِ الدين الأيوبيِّ مع نصرانيٍّ مسكين، تُصحِّحان خطأكم هذا. [حين كان «سعيدٌ القديم» يناضلُ لأجل «الحريَّة» بحماسٍ وسُلوانٍ تامٍّ وأملٍ قويٍّ آتٍ من خاصيَّة «النور» الساطعة، جاعلًا من السياسة أداةً للإسلام، استشعر بحِسٍّ قبلَ الوقوع مجيءَ استبدادٍ مُطلَقٍ رهيبٍ يعادي الدين بناءً على ما فهِمَ من معنى حديثٍ شريف، فأَخبر عن ذلك قبل وقوعه بخمسين سنة، وقد شعر بأنَّ ما أَخبر به من أملٍ وسُلوان سيكذِّبه ذلك الاستبدادُ المطلق تكذيبًا فعليًّا على مدى خمس وعشرين سنة، فنبذَ السياسةَ منذ ثلاثين سنة قائلًا: أعوذ بالله من الشيطان والسياسة، وأصبح «سعيدًا الجديد»؛ سعيد]

ذلك أن المَشْرُوطِيّة هي حاكميَّـةُ الأمـة، والحكومة خادمـة؛ فإذا صَدَقتِ المَشْرُوطِيّةُ لم يكن قائمُ المقام ولا الوالي رؤساء، بل خدَّامًا مأجورين؛ فغيرُ المسلم لا يمكن أن يكون رئيسًا بل خادمًا.

وإذا فرضتُم أن الوظيفة نوعُ رئاسةٍ وسيادة، فإننا حين نُشرِك في رئاستنا ثلاثة آلافٍ من غير المسلمين، نكون قد فتحنا طريقًا إلى رئاسةِ ثلاثِمئةِ ألفِ فردٍ من أمة الإسلام في أقطار العالَم؛ فمَن خَسِرَ واحدًا وربِحَ ألفًا لم يتضرَّر.