181
كان من ثمرات هذا البيان أنِ استقام ستون نائبًا على أداء الصلاة سوى مَن كان مواظبًا عليها من قبل، فلما وجدوا أن عددهم قد زاد اتخذوا مصلًّى كبيرًا لهم بدلًا من الغرفة الصغيرة السابقة؛ غير أن تلاوة البيان على مسامع النواب والقيادات والعلماء أثارتْ نقاشًا حادًّا مع رئيس المجلس «مصطفى كمال باشا»، إذْ بينما كان الأخير ذات يومٍ في ديوان رئاسة المجلس يتبادل الأفكار مع قُرابةِ ستين نائبًا بحضور الأستاذ بديع الزمان، إذْ خاطبه قائلًا: نحن بحاجةٍ لعالِمٍ بطلٍ مثلِكم، ولقد دعوناكم إلى هنا لنستفيد من أفكاركم الراقية، فجئتم وكتبتم أولَ ما كتبتم أمورًا تتعلق بالصلاة، فزرعتم الخلاف بيننا!!
فردَّ الأستاذ عليه بإجابةٍ مسدَّدةٍ، ثم وجَّه يدَه نحوَه مشيرًا بأُصبعين إليه وقال محتدًّا بقوَّةٍ: «باشا.. إن أعظم حقيقةٍ في الإسلام بعد الإيمان: الصلاة، وإن الذي لا يصلي خائن، وحكم الخائن مردود»، فما كان من الباشا إلا أن استرضاه ولم يستطع أن يتعرَّض له بسوء.
ولم يتخلَّ بديع الزمان خلال وجوده في أنقرة عن نضاله من أجل مقصده الأول، وهو إنشاء جامعةٍ علميةٍ في شرقيِّ الأناضول، وقد تقدَّم بمشروعه هذا إلى مجلس النوَّاب، وقال لهيئةِ المجلس: إنني أتابع أمرَ هذه الجامعة طَوالَ حياتي، وقد خصَّص لها السلطان «رشاد» والاتحاديون مبلغَ عشرين ألف ليرةٍ ذهبية، فأضيفوا على هذا المبلغ مثلَه.
فقرروا تخصيص مبلغِ مئةٍ وخمسين ألف ليرةٍ من العملة الجديدة الورقية، فقال بديع الزمان: يَلزَم توقيعُ النواب على هذا القرار، فاعترض بعضُهم قائلًا: ولكنك تسير وفق أصول المدارس التقليدية، فلا تُدرِّسُ سوى العلوم الإسلامية، والحال أننا في هذه الأيام يلزمنا أن نتمثَّل الغرب!!
فأجابه بديع الزمان: إن تلك الولايات الشرقية مركزٌ من مراكز العالَم الإسلامي، وإن تعليم العلوم الدينية إلى جانب العلوم الحديثة لازمٌ بل ألزَم؛ لأن مجيءَ أكثر الأنبياء في الشرق ومجيءَ أكثر الحكماء في الغرب يُظهِر أن رقيَّ الشرق إنما يتحقق بالدين.