184
وعمل في مجلس النواب مع حكومة الجمهورية التي تسلمت مقاليد الحكم وتمكنت -بعونٍ إلهي وبمعجزةٍ نبويةٍ- من صدِّ الأعداء، وكانت نيتُه وغايتُه أن يوجه الحكومة لأنْ تتخذَ القرآن الكريم عُمدتَها، وتجعلَ وحدةَ العالَم الإسلامي نقطةَ استنادها، وتبنيَ مدنيّةً ماديةً ومعنويةً من خلال القوة العظيمة التي تنطوي عليها حقيقة الإسلام، وعمل على غرس هذه الأفكار لدى الحكومة، لكن برزتْ أمامَه عقباتٌ جمَّة.
وقد تبيَّن له في ذلك الحين أنه قد أظلَّ زمانُ الفتنة التي كانت أمة الإسلام تستعيذ بالله منها ومن شرورها الرهيبة منذ ألفٍ وثلاثمئة سنة، كما انكشف له مَن هم الذين سيشعلون نارَ هذه الفتنة في العالَم الإسلامي.
وقد تحدَّثَ ذات يومٍ إلى رئيس مجلس النواب «مصطفى كمال باشا» قرابةَ الساعتين في مكتبه، وكان من حديثه له أنه نبَّهه إلى أنَّ تدمير الشعائر الإسلامية أملًا في نَيلِ الشهرة والحظوة لدى أعداء الإسلام وأعداء الأتراك سيُلحق أضرارًا فادحةً بالأمة والوطن والعالم الإسلامي؛ كما نبَّهه إلى أنه إنْ كان ثمة موجبٌ للقيام بثورةٍ على الأوضاع القائمة أو إجراءِ تحوُّلٍ جذري، فلا بد أن ينطلق ذلك من الدستور القدسي للقرآن الكريم، ولا بد أن يتوجَّه مباشرةً لمصلحةِ الإسلام؛ ثم مثَّل له الأمرَ بالمثال التالي:
«هَبْ أن مسجد «أيا صوفيا» كان محتشِدًا بشخصياتٍ جليلةٍ مباركةٍ من أهل الفضل والكمال، وكان في الرواق بضعةُ صبيانٍ أشقياء، وبالباب ثُلَّةُ أراذلَ سُفهاء، وعند النوافذ أجانبُ مُغرَمون باللهو يتفرَّجون، ثم هَبْ أن رجلًا دخل المسجدَ فانضم إلى تلك الجماعة المباركة وشرعَ يتلو آياتٍ من كتاب الله تلاوةً عذبةً بصوتٍ شجيٍّ، فعندئذٍ ستتوجَّه إليه أنظارُ الآلاف من أهل الحقيقة، وينال ثوابًا بدعائهم المعنوي وحُسْنِ توجُّههم، ولن يروق ذلك للصبيان الأشقياء والسفهاء الملحدين والأجانب القليلين؛ لكن لو أن ذلك الرجل -عند دخوله ذلك المسجد المبارك والجماعة العظيمة-