141

إفادة المرام

[ألَّفَ بديع الزمان هذا التفسيرَ بالعربية، وقد نقلنا «إفادة المرام» هذه كما جاءت في أصلها العربي دون مساسٍ بها؛ هـ ت]
لمّا كان القرآنُ جامعًا لأشتات العلوم، وخُطبةً لعامَّةِ الطبقات في كل الأعصار، لا يتحصَّل له تفسيرٌ لائقٌ من فهم الفرد الذي قلَّما يَخْلُص من التعصُّب لمسلكه ومشربه؛ إذ فَهْمُه يَخُصُّه، ليس له دعوة الغير إليه إلا أن يُعدِّيَه قَبولُ الجمهور؛ واستنباطُه -لا بالتشهي- له العمل لنفسه فقط، ولا يكون حجةً على الغير إلا أنْ يُصَدِّقَه نوعُ إجماع.
فكما لابد لتنظيم الأحكام واطِّرادِها، ورفعِ الفوضى الناشئةِ من حريَّة الفكر مع إهمال الإجماع، من وجودِ هيئةٍ عاليةٍ من العلماء المحقِّقين الذين بمظهريَّتهم لأَمْنيَّةِ العُموم واعتمادِ الجمهور يتقلَّدون كفالةً ضِمنيَّةً للأمة، فيصيرون مَظهرَ سرِّ حُجِّيةِ الإجماع الذي لا تصير نتيجةُ الاجتهاد شرعًا ودستورًا إلا بتصديقه وسِكَّتِه؛ كذلك لا بدَّ لكشفِ معاني القرآن، وجمعِ المحاسن المتفرِّقة في التفاسير، وتثبيتِ حقائقه المتجلِّية بكشفِ الفنِّ [الفنُّ هنا معناه العلوم الحديثة؛ هـ ت] وتمخيضِ الزمان، من انتهاضِ هيئةٍ عاليةٍ من العلماء المتخصِّصين المختلفين في وجوه الاختصاص، ولهم مع دقَّةِ نظرٍ وُسْعةُ فكرٍ لتفسيره.
نتيجة المرام: إنه لابد أن يكون مفسِّر القرآن ذا دهاءٍ [الدهاء هنا معناه الذكاء والنبوغ والألمعية؛ هـ ت] عالٍ، واجتهادٍ نافذ، وولايةٍ كاملة؛ وما هو الآن إلا الشخصُ المعنويُّ المتولِّدُ من امتزاج الأرواح وتسانُدِها، وتلاحُقِ الأفكار وتعاونِها، وتضافُرِ القلوب وإخلاصها وصَمِيْمِيَّتِها، من بين تلك الهيئة.
فبِسِرِّ «للكلِّ حكمٌ ليس لِكُلٍّ» كثيرًا ما يُرى آثارُ الاجتهاد وخاصَّةُ الولاية ونورُه وضياؤها من جماعةٍ خَلَتْ منها أفرادُها.