143
من أطفالِ الأرمن في ناحيةٍ تقع تحت إمرة المُلَّا سعيد، فأصدر أوامره للجنود قائلًا: «لا تتعرضوا لهؤلاء بشيء»، ثم أطلق سراحهم، وعادوا إلى أهاليهم خلف خطوط التَّماسِّ مع الروس، فوقع ذلك السلوك من الأرمن موقعًا عظيمًا، وكان درسًا بليغ العبرة عندهم، وأثار إعجابهم بأخلاق المسلمين؛ فلما احتل الروس تلك الأماكن، تخلى قادة المجموعات الفدائية عن ذبح أطفال المسلمين، وتعاهدوا فيما بينهم قائلين: «ما دام المُلَّا سعيد قد سلَّم إلينا أبناءنا ولم يذبحهم، فإننا كذلك لن نذبح أطفال المسلمين بعد اليوم»؛ وبذلك أنقذَ المُلَّا سعيد آلاف الأبرياء في تلك النواحي من الهلاك.
وحين استولى الروس بعد مدَّةٍ على أطراف مدينتيْ «وان» و«مُوْش»، وشرعوا بالهجوم على «بِتْليس» بثلاث فرقٍ عسكرية، قال واليها «ممدوح بك» والقائد «كَلْ علي» لبديع الزمان: إننا مضطرون للانسحاب، إذْ ليس لدينا سوى كتيبةٍ من الجنود، إضافةً لحوالي ألفي متطوعٍ منكم.
فقال لهما بديع الزمان: إنْ فعلنا ذلك وقَعَتْ «بِتْليس» بما فيها من الأهالي والنازحين بِيَدِ العدو.. لا سبيل أمامنا سوى المقاومة حتى آخر رمق.
فقالا: إن الجنود المتبقين في «مُوْش» بعد سقوطها يحاولون تهريب ثلاثين مدفعًا إلينا، فإن استطعتَ بمن معك من المتطوِّعين أن تستخلصوا تلك المدافع، قاوَمْنا بها أيامًا، ونجا الأهالي.
فقال بديع الزمـان: ما دام الأمـر كذلك فإني إما أن آتي بالمدافـع، أو أمـوت دون ذلك.
فترأّس ثلاثمائة متطوِّع، وتوجَّهوا ليلًا نحو «نُوْرْشِيْن» حيث المكان الذي ستُسحَب إليه المدافع؛ وكانت فرقة القُوزاق الروسية المكلَّفة بمراقبة تلك المدافع قد تلقَّت خبرًا من جواسيسها، مُفاده أن قائد المتطوِّعين الذي دافع عن «بِتْليس» قادمٌ ومعه ثلاثة آلافٍ من الرجال لاستخلاص المدافع، يؤازره في ذلك القائد الشهير المتمركز في