146
وبعد ذلك أسرهم الروس واقتادوهم إلى «وان»، فـ«جُلْفا»، [مدينةٌ تقع في أقصى جنوبيِّ أرمينيا على الحدود مع إيران؛ هـ ت] فـ«تفليس»، [مدينةٌ فتحها المسلمون زمن عثمان رضي الله عنه، وهي اليوم عاصمة جورجيا، وتُعرَف بـ«تِبْليسي»؛ هـ ت] فـ«كولوغريف»، [مدينةٌ تقع في قلب روسيا إلى الشَّمال الشرقيِّ من موسكو، وتبعد عنها نحو سبعمئة كيلومترًا؛ هـ ت] وصولًا إلى «كوسْتْروما». [مدينةٌ تقع في قلب روسيا إلى الشَّمال الشرقيِّ من موسكو، وتبعد عنها نحو ثلاثمئةٍ وخمسين كيلومترًا؛ هـ ت]
وكان فدائيو الأرمن قد اشتهروا بقوَّة التحمُّل والجَلَد، حتى إنه ليُروى عنهم أنه: «لو كُبَّتْ وجوههم على الجمر حتى كادت أن تنفجر أعينهم، ما أفشَوا سِرًّا»، ومع ذلك فقد كان الروس يقولون: «إن متطوعي بديع الزمان يفوقون فدائيي الأرمن جَلَدًا وتحمُّلًا، وهذا ما مكَّنهم من سحق جنودنا القُوزاق».
نُقِل بديعُ الزمان إلى معسكر الأسرى، وهناك جَرَتْ حادثةٌ تستحق التقدير، وهي أن القائد العام الروسي جاء يومًا إلى المعسكر في زيارةٍ يطَّلع فيها على أحوال الأسرى، فلم يؤدِّ له بديعُ الزمان التحيَّة، ولم يقم من مكانه، فانزعج القائد، ثم عاد فمرَّ من أمامه ثانيةً ظانًّا أنه ربما لم يعرفه، فلما لم يقم له بديع الزمان في المرة الثانية، خاطبه بواسطة مترجم: أما عَرَفني؟!
بديع الزمان: بلى، أعرفه؛ إنه «نيقولا نيقولافيتش».
القائد: إنه بعمله هذا يوجِّه إهانةً للجيش الروسي، وبالتالي يوجِّه الإهانة للقيصر.
بديع الزمان: أنا لم أوجِّه إهانة، أنا عالِمٌ مسلم، ومن كان مؤمنًا بالله كان أعلى رتبةً من الجاهل به، فلهذا لا أقوم لك.
أُحيل بديع الزمان بسبب هذا على المحكمة العسكرية، فرجاه بعضُ رفقائه الضباط أن يتقدم باعتذارٍ من فوره كي يجتنب العاقبة الوخيمة، إلا أنه قال بكلِّ عزةٍ