165

قال واحدٌ ممن في المجلس: لماذا ترفض الشريعةُ هذه المدنيِّة؟

[مقصودنا محاسنُ المدنية وفضائلُها التي عادتْ على البشرية بالنفع، لا سيئاتُها وآثامُها التي ظَنَّها الحمقى حسناتٍ، فراحوا يقلِّدونها حتى أوردونا المهالك؛ وإنه برُجحان سيئاتِ هذه المدنية على حسناتها وغَلَبةِ آثامها على فضائلها، تلقَّت البشريةُ صفعتين مروِّعتَين في حربين عالميتين جَعَلَتا عاليَ تلك المدنيَّة الآثمة سافلَها، حتى تقيَّأتْها البشريَّةُ دمًا لطخت به وجه الأرض، لكنْ ستتغلبُ في المستقبل إن شاء الله محاسنُ المدنيَّة بقوةِ الإسلام، فتطهِّرُ وجهَ الأرض من أدرانها، وتُحقِّقُ السِّلْم العالَمي؛ سعيد]

قلت: لأنها قامت على خمسةِ أسسٍ فاسدة:

فنقطةُ استنادها القوة، وشأنُها العدوان.

وهدفُها وقصدُها المصلحة، وشأنها التزاحُم.

ودستورها في الحياة الصراع، وشأنُه التنازع.

أما روابط المجموعات البشرية لديها فالعنصريةُ والقوميةُ الضارَّة، وهما مُفضيتان إلى ابتلاع الآخرين، وشأنهما الصِّداماتُ الرهيبة.

وأما مهمتها الجذَّابة فتشجيعُ الهوى والهوس، وتلبيةُ رغباتهما، وتسهيلُ مطالبِهما، وشأن الهوى الانحطاطُ بمقام الإنسانية من درجة المَلَكية إلى درَكَة الكَلْبية، بحيث يُفضي إلى مسخ الإنسان مسخًا معنويًّا؛ فلو أن معظم أبناء هذه المدنيَّة انقَلَبَ باطنُهم ظاهرًا، لتناهتْ إلى الخيال صورُهم في إهابِ الذئب أو الدب أو الأفعى أو الخنزير أو القرد.

وهكذا، فهذه المدنيَّة المعاصرة قد أوقعتْ ثمانين بالمئة من الناس في المشقة والشقاء، وأعطتْ عشرةً بالمئة منهم سعادةً وهميَّة، وتركت العشرةَ بالمئة المتبقين بين هؤلاء وهؤلاء.

وإنما تكون السعادةُ سعادةً إذا كانتْ للكلِّ أو للأكثر، أما هنا فإنها لأقل القليل، ولا يقبل القرآن الذي هو رحمةٌ للبشرية مدنيّةً لا تتضمَّن سعادةَ الجميع، أو سعادةَ الأكثرية على الأقل.