122
يا إخوتي في الجامع الأموي، ويا إخواني بعد نصفِ قرنٍ في جامعِ العالَم الإسلامي.. أفلا تنتج المقدِّماتُ السالفةُ أن الذي سيكون الحاكمَ الحقيقي والمعنوي على قارَّات المستقبَل، والذي سيقود البشرَ إلى السعادتَين الدُّنيويَّة والأُخرويَّة ليس سوى الإسلامِ والدينِ العيسويِّ الحقيقيِّ الذي سيتحوَّل إلى الإسلام بعد أن يَخلَعَ الخرافات والتحريفات، ويَتَّبعَ القرآنَ ويوافقَه؟!
الجهة الثانية: أي جهةُ الرقيِّ المادِّي، فإن الأسبابَ القويَّة لرقيِّ الإسلام ماديًّا تُظهِر أنه سيَحكم في المستقبل ماديًّا كذلك؛ فكما أثبتنا في الجهة الأولى رُقيَّه المعنويَّ، فإن هذه الجهة الثانية تُظهِر بقوَّةٍ رُقيَّه وحاكميَّتَه في المستقبَل ماديًّا أيضًا؛ ذلك أنَّه قد اجتمعت وامتزجتْ في قلب الشخص المعنويِّ لعالَم الإسلام خمسُ قوًى شديدةِ البأس لا تُقهَر:
فأُولاها: أستاذُ جميع الكمالات، القادرُ على أنْ يُصَيِّرَ ثلاثَمئةٍ وسبعين مليونًا نَفْسًا واحدة، المجهَّزُ بالمدنيَّة الحقَّة والعلوم الصادقة؛ ألا وهو الإسلام الذي لا يمكن أن تقهره أيَّةُ قوةٍ.
القوة الثانية: أستاذُ المَدَنيَّةِ والصناعةِ الحقيقي، المُجَهَّزُ باكتمال المبادئ والوسائل، ألا وهو الاحتياج الشديد والفقر الذي قصَم ظهرَنا؛ فهذه قوةٌ لا تَصْمُت ولا تُكْسَر.
القوة الثالثة: الحريَّة الشرعيَّة التي تُعلِّم البشرَ المقاصدَ السامية وتدفعُهم نحوها من خلال التسابُق للمعالي، وهي الممزِّقةُ لشَمْلِ الاستبداد، المهيِّجةُ للمشاعرِ العُلْويَّة السامية، المُجهَّزةُ بالغِبْطة والغَيرة والحسد والتنافس، المُزوَّدةُ بالتيقُّظ التام، والرغبةِ في التسابُق، والميلِ إلى التجدُّد، والنزوعِ إلى التمدُّن؛ أي الحريَّةُ المجهَّزةُ بالرغبةِ والمَيلِ إلى أسمى الكمالات اللائقة بالإنسانيَّة.
القوة الرابعة: الشَّهامةُ الإيمانيَّة المجهَّزةُ بالشَّفَقَة؛ وتعني عدمَ التذلُّل للظالِمين، وعدمَ إذلالِ المظلومين؛ أي إن مِن أُسس الحريَّة الشرعية عدمَ مداهنةِ المستبدِّين، وعدمَ التسلُّط على المساكين أو التكبُّر عليهم.