123
القوة الخامسة: العزَّةُ الإسلامية التي تُعلِن إعلاءَ كلمة الله؛ وإن إعلاء كلمة الله في هذا الزمان يتوقَّف على الرقيِّ المادِّي والدخولِ في المدنيَّة الحقيقية؛ ولا ريب أن هذا الأمر القطعي الصادر عن العزة الإسلامية سيُنفِّذُه الشخصُ المعنويُّ للعالَم الإسلامي تنفيذًا تامًّا في المستقبل بمقتضى الإيمان.
نعم؛ فكما ترقَّى الإسلام في الماضي بالقضاء على تعصُّبِ العدو وبكَسْرِ عِناده وصدِّ اعتداءاته بالسَّيف والسلاح، فإنه في المستقبَل سيَهزِم أعداءَه ويشتِّتُ شملَهم بسيوفٍ معنويَّةٍ بدلًا من السيوف المادية، هي سيوفُ المدنيَّةِ الحقيقيَّةِ والرقيِّ المادي والحقِّ والعدل.
واعلموا أن مرادَنا من المدنيَّة محاسنُها وإيجابيَّاتُها النافعةُ للبشر، لا مساوئها وآثامها؛ فلقد حَسِب الحمقى سيئاتِها ورذائلَها محاسِنَ، وراحوا يقلِّدونها، فبدَّدوا خيراتِنا، وبذلوا الدين رشوةً، فما فازوا بدينٍ ولا أبقَوا على دنيا.
وإنه لما غَلَبتْ آثامُ المدنيَّة محاسنَها، ورَجَحَتْ سيئاتُها على حسناتها، تلقَّت البشريةُ صفعَتَين مروِّعَتَين في حربَين عالَميَّتَين جعلتا عاليَ تلك المدنيَّةِ الآثمةِ سافلَها، فقاءَتْ دمًا لطَّخت به وجه الأرض، ولَسوف تتغلب محاسِنُ المدنيَّة بفضلِ قوَّةِ الإسلام التي ستَسُود في المستقبل إن شاء الله، فتُطهِّرُ وجهَ الأرض من الأدناس، وتُحقِّق السِّلْم العالَمي.
أجل، لما لم تتأسَّس مدنيَّةُ أوروبا على الفضيلة والهدى، وإنما بُنِيَتْ على الهوس والهوى، وعلى التنافس والتسلُّط، غلبتْ -إلى الآن- سيئاتُ المدنيَّة حسناتِها، وأصبحت أشبه بشجرةٍ تنخرُ فيها المنظمات الثوريَّة الفوضويَّة؛ وهذا بمثابةِ دليلٍ ومؤشِّرٍ قويٍّ على غَلَبَةِ مدنيَّةِ آسيا التي ستتحقَّق في زمنٍ يسير.
فيا عجبًا!! إذا كان لأهل الإيمان والإسلام تجاه المستقبل أمثالُ هذه الأسباب القويَّة والوسائل المتينة للرقيِّ المادي والمعنوي، وكان الطريق إلى سعادة المستقبل سويًّا سالكًا كسِكَّةِ الحديد، فكيف تقعون في اليأس؟!