125
وإنه اليأس الذي حطَّم قوَّتَنا المعنويَّة النابعةَ من الإيمان؛ تلك القوةَ التي استطاعت بقليلٍ من القدرة المادِّيَّة أن تبسط سلطانها على مشارق الأرض ومغاربها، فلما انكسرت تلك القوة المعنوية الخارقة باليأس، تمكَّن الأجانب الظَّلَمَة منذ أربعةِ قرونٍ من أن يجعلوا ثلاثمئة مليون مسلمٍ أُسارى لديهم؛ حتى لقد صار المرء بسبب هذا اليأس يلتمس لنفسه العذر في تكاسله بما يجد في غيرِه من فتورٍ وإهمالٍ، فيقول: وما شأني؟! كلُّ الناس متكاسلون مثلي!! وينصرف عن خدمة الإسلام متخلِّيًا عن الشهامةِ الإيمانية.
فما دام هذا الداء قد بلغ منا مبلغَه ظلمًا وقتلًا، فإنَّا إن شاء الله مِنْ قاتِلِنا مُقتصُّون، وإيَّاه قاتلون؛ فَلَسوف نهوي على رأس اليأس بسيفِ: ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزُّمَر:53]، ولسوف نَقصِم ظهرَه بحقيقةِ: (ما لا يُدرَك كلُّه لا يُترَك كلُّه).
أجل، إن اليأس أخطرُ أمراضِ الأمم والشعوب، إنه كما قيل: «سرطانُ الأمم»، وهو مانعٌ من الكمالات، ومخالفٌ لحقيقةِ حديثِ: «أنا عند حُسن ظنِّ عبدي بي»، [جزءٌ من حديثٍ قدسيٍّ صحيح أخرجه البخاري برقم 7405، ومسلم برقم 6981 بلفظ: «أنا عند ظن عبدي بي»؛ هـ ت] وهو شأنُ الجبناء والعاجزين والأراذلِ وذريعتُهم؛ وليس من شأنِ الشهامة الإسلامية خصوصًا العرب الذين امتازوا بسجايا رفيعةٍ تفخر بها البشرية.
لقد تعلَّمتْ شعوبُ العالَم الإسلامي دروسًا من ثباتِ العرب وصمودهم، ولسوف يَنبِذ العرب اليأس إن شاء الله، ليَمُدُّوا يد الاتفاق والتسانُد الصادق إلى الأتراك جُندِ الإسلام البواسل، فيرفعوا معًا راية القرآن خفَّاقةً على أرجاء الدنيا.
…….
الكلمة الثالثة: لقد علَّمتْني خلاصةُ تحقيقاتي في حياتي كلِّها، وزُبدةُ ما تمخَّضتْ عنه الحياة الاجتماعية، أنَّ الصدق أُسُّ أساسِ الإسلام، ورابطةُ سجاياه العالية، ومزيجُ مشاعره العُلْويَّة؛ فما دام كذلك فلْنُحيِ في داخلنا الصدقَ الذي هو أساس حياتنا الاجتماعية، ولْنُداوِ به أمراضَنا المعنويَّة.