127
إخوتي في هذا الجامع الأموي.. إخوانَنا أهلَ الإيمان الأربعمئة مليونًا بعد أربعين أو خمسين سنة في مسجد العالَم الإسلامي الكبير.. لا نجاة إلا بالصدق، فهو العروة الوثقى؛ أما الكذب للمصلحة فقد نَسَخه الزمان.
…….
الكلمة الرابعة: إنَّ مما تعلَّمتُه من الحياة الاجتماعية البشرية طَوالَ حياتي، وما أَنتَجَتْه التحقيقاتُ لي؛ أن أجدر شيءٍ بالمحبة: المحبةُ، وأن أَلْيَقَ صفةٍ بالخصومة: الخصومةُ.
أي: إن صفة المحبَّة التي تُسبِغ الأمن على حياة البشر الاجتماعية وتقودها إلى السعادة هي الأجدر بأن تُحَبّ؛ وإن العداوة التي تَقلِبُ عاليَ الحياة الاجتماعية سافلَها صفةٌ ضارَّةٌ قبيحة، هي الأحَقُّ بأن تُعادى وتُجْتَنَب ويُنفَرَ منها.
…….
الكلمة الخامسة: إن الدرس الذي تعلَّمتُه من الشورى الشرعية، أنَّ ذَنْبَ المرءِ في هذا الزمان لا يبقى ذنبًا واحدًا، بل يكبُر ويَسري حتى يبلغ مئةَ ذَنْبٍ أحيانًا؛ والحسنةُ كذلك لا تبقى واحدةً، بل تتضاعف آلافَ المرَّات في بعض الأحيان؛ وسِرُّ هذه الحكمة أن الحريَّة الشرعية والشورى المشروعة قد أظهرتا حاكميَّة قوميَّتِنا الحقيقية، ذلك أن أساسَ قوميَّتِنا الحقيقية وروحَها: الإسلامُ، والخلافةُ العثمانية والجيش التركي -باعتبارهما حَمَلَةَ راية هذه القومية الإسلاميَّة- هما بمثابةِ صَدَفِها وقلعتِها، والعرب والتُّرك أخَوان حقيقيَّان وحارسان لهذه القلعة القدسيَّة.
وهكذا فبفضلِ الرابطة القدسية التي تملكها هذه القوميَّة يصبح أهل الإسلام عشيرةً واحدة، فتترابط الشعوب الإسلامية فيما بينها، ويَشُدُّ بعضُها بعضًا بالأُخوَّة الإسلامية كما هي حال أفراد العشيرة، ويُعين بعضُها بعضًا معنويًّا، بل ماديًّا إن لزِم الأمر، كأن تلك الشعوب الإسلامية مرتبطةٌ فيما بينها بسلسلةٍ نورانية.